ما على قلبهم، فإن الوالي طمنهم بنفسه.
مضى الليل بتباريحه، وأشرقت الغزالة وانعكست أشعتها عن وجوه صفراء لم تغمض لها عين، وعيون غائرة لم يغمض لها جفن، وأطفال يبكون وينتحبون طالبين كسرة خبز أو شربة ماء، ولم يكن إلا القليل حتى اهتزت تلك النفوس طربا، كأنه بسلك كهربائي، وجعل الألوف يستشرفون البحر، أو يصعدون على السطوح ليتمكنوا من رؤيته، وهم يقولون: أتى أتى، الله ينصره، الله ينصره!
في أقصى الشمال بارجة تشق سطح الماء، وقد رفعت شراعها للنسيم، واستعانت بما فيها من البخار، يقودها الأمل ويسوقها الواجب، وكأن إله السلام أوحى إلى ربانها أن قم على عجل، واقصد مدينة بيروت، فهناك مائة ألف نسمة حياتهم معلقة بخيط من العنكبوت، فقام لا يلوي على أحد، واستعان بالرياح والبخار حتى إذا أشرف على المدينة جعل يطلق أكبر ما عنده من المدافع، فاهتزت المنازل وتكسر زجاج الشبابيك، وأخذت الدهشة قوما والفرح آخرين، أخذت الدهشة رعاع القوم الذي يتوقعون الفتن والثورات؛ لكي يطلقوا لنفوسهم المنحطة عنانها، ويأتوا من الشر ما فطروا عليه، وأخذ الفرح العقلاء والفضلاء الذين يعلمون أن الفتن تفضي إلى خراب البلاد وتضييع مصالحها.
والتقى أحمد بمصطفى بعد ساعة من الزمان، وقال له: الحمد لله على انفراج الأزمة. فقال مصطفى: الحمد لله على كل حال، فقد أويت في بيتي ثلاثين عائلة من هؤلاء المساكين، وكنت حائرا كيف أدافع عنهم وأدفع عنهم الأشرار، أنا لا أفهم هذه السياسة؛ سياسة والينا، وستأتي كلها على رأسه، بأي شرع وفي أي سنة تحرض الرعية بعضها على بعض، الله ينجينا من القوم الظالمين، ليأخذوا الآن على أيديهم، فقد جاء المسكوب وسبع دول ما وقفت في وجهه، أسمعت صوت مدافعه؟ كسر نصف الزجاج في شبابيك بيتي.
فقال أحمد: نعم قبق كبير لم أر مثله في حياتي، مع أني سافرت إلى قبرص وإلى الإسكندرية، ولكن ماذا فعلوا بالقاتل؟
مصطفى :
مسكوا واحدا وقتلوه.
أحمد :
هل هو القاتل؟
مصطفى :
نامعلوم صفحہ