حتى ترى من صميم القلب تبيانا
فأدركت ميمونة من تلك النظرة أن بهزاد يحبها، ولكنها أحبت أن تسمع ذلك من فيه فحولت نظرها عنه إلى جدتها، وكانت قد استغرقت في النوم وقد علا صوت غطيطها، ثم أطرقت وسكتت، فابتدرها قائلا: «أكملي حديثك، قولي ما هو الذي عرفته الليلة يا ميمونة؟»
قالت: «إن ذكره يؤلمني، دعني وشأني، لا أحب أن تهتم بي؛ فإنك في شغل شاغل عن مثلي بما أنت فيه من المطالب الخطيرة؛ فلا أريد أن أشغلك بما تحدثني به نفسي من أحلام الصبا.»
فقال: «لعلي مشتغل بمثل هذه الأحلام!»
فرفعت بصرها ونظرت إليه نظرة عتاب وهيام وابتسمت والدمع يترقرق في عينيها وقالت: «اعذرني يا سيدي على تطفلي وصغر نفسي. إني على يقين من خيبة أملي، وحاشا لبهزاد القائد العظيم أن يقع فيما وقعت فيه، فإن اشتغاله بجمع الأحزاب لقلب الدول واستنهاض الأمم ينزهه عن الالتفات لفتاة مثلي. قد تقتضي مساعيه أن يدوس الجماجم ويقتل المئات، فهل يبالي قلب فتاة يتيمة مسكينة مثلي؟» وكانت يدها لا تزال بين يديه فاجتذبتها وغطت بها وجهها وأخذت في البكاء.
فلما سمع قولها ورأى بكاءها غلب عليه الهيام ولكنه تجلد وقال: «وهل تريدين أن أمسك عن السفر؟»
فتنهدت وقالت: «آه! حبذا ذلك، ولكن ما الفائدة لي من بقائك؟ سأكون سعيدة بإرجائك السفر ولكن ...» وسكتت. فقال لها: «ولكن ماذا؟»
فعظم عليها صغر نفسها والتجاؤها إلى الحيلة في استطلاع حبه، فغلبت عليها الأنفة ونقمت على نفسها، فاسترجعت رشدها وحدثتها نفسها بأن تجافيه، فنهضت وهمت بالخروج فأمسكها بطرف ثوبها وقد استغرب نفورها فجأة وجذبها نحوه وهو يقول معاتبا: «إلى أين يا ميمونة؟»
فقالت وهي لا تلتفت إليه: «دعني يا بهزاد.» قالت ذلك وهي تحاول التملص منه.
فقال: «اقعدي يا ميمونة، لا سبيل إلى الذهاب الآن؛ فإنك غريبة هنا ولا منزل لك تلجئين إليه.»
نامعلوم صفحہ