فأجابه آخر: «ما لكم وللغنائم؟ ألم يكفكم ما نلتموه من رزق 24 شهرا، فنال راجلكم 480 درهما مرة واحدة، فضلا عن حصتكم من الغنائم؟ إنكم لا تشبعون، أما نحن العيارين فلا رزق لنا إلا من الغنائم؛ إذ لا مرتبات لنا.»
فضحك الأول وقال: «إنكم معشر العيارين أكثر منا رزقا؛ فقد تنتدبون لمثل هذه المهمة تنالون منها مرة واحدة ما لا يتيسر لنا في مرات. فإذا وفقتم إلى القبض على ذلك الخراساني أصبتم رزقا كثيرا.»
فنفر الآخر منه وقال: «لا أظن أمير المؤمنين يعطينا شيئا كثيرا إذا قبضنا عليه؛ فقد طالما قبضنا على أمثاله ولم ننل إلا دراهم معدودة.»
فضحك الجندي مقهقها وقال: «العطاء على قدر العمل، أتريد أن يعطوكم على لص تأخذونه كما يعطونكم على مثل هذا الرجل؟»
فقال: «وما الذي يميزه من سواه؟ دعنا من هذه الآمال الفارغة.»
قال: «إن لهذا الخراساني شأنا عظيما عند أمير المؤمنين لم نكن نعلمه قبل مجيء الوزير.»
وكانت ميمونة منزوية وراء السارية تسترق السمع، فلما سمعت ما قالوه عن الخراساني اختلج قلبها في صدرها خوفا من أن يكون حبيبها؛ فأصاخت بسمعها فسمعت رجلا آخر يقول: «ما لكم ولهذا الهذيان؟ لئن سمعكم مولانا الهرش لأسمعكم ما تكرهون. وما نحن في معرض جدال وإنما جئنا للقبض على ذلك الرجل، فإذا ظفرنا به كان هذا ربحا عظيما لنا جميعا.»
وكانت الحراقة قد حاذت حراقة المأمون، فنهضت ميمونة والتفتت إلى المتكلمين، فرأت عددا كبيرا من الجند والعيارين في جلبة وضحك وصياح كأنهم سكارى يعربدون، ورأت على مقعد في طرف السفينة رجلا قصيرا سمينا عليه قيافة الرياسة، فسألت جدتها هل تعرف هؤلاء فرفعت عبادة بصرها وحالما رأت الرجل همست قائلة: «إنه الهرش رئيس العيارين.»
ووقع بصر أحد العيارين أثناء ذلك على ميمونة وقد زادها الخوف والقلق رونقا، فصاح: «إني أرى جارية حسناء، لعلها من القيان. اربط يا ريس. لنسمع غناءها.»
فارتعدت ميمونة خوفا وجمد الدم في عروقها، وأدركت جدتها خوفها فنهضت تحث صاحب الدفة على الفرار أو الدفاع، فسمعت رجلا من تلك الحراقة يقول بصوت منخفض: «دع الفضول، ألا ترى الراية؟»
نامعلوم صفحہ