وانتهى بمقتل الأمين ما كان من النزاع بين المتخاصمين، ودخلت بغداد في حوزة المأمون وأصبحت الخلافة له، ولكنه بقي في خراسان وأناب عنه في بغداد وغيرها الحسن بن سهل أخا الفضل، وكتب إلى طاهر بن الحسين بذلك.
أما بهزاد فلم يبق له عمل في بغداد، وأصبح راغبا في الرجوع إلى أمه بمرو ليبشرها بالفتح ويخبرها بحبه ميمونة لتباركه وتزوجه بها. وفي أصيل اليوم الذي خرج فيه من قصر المنصور ركب هو وميمونة وعبادة وسلمان يقصدون إلى خراسان، وميمونة لا تصدق أنها مع حبيبها، ولا ترتوي من النظر إليه، وكثيرا ما اشتاقت لمعرفة حقيقة حاله، وما هو نسبه، وماذا كان يحمل في ذلك الصندوق من أسرار، وهمت بأن تسأله أثناء الطريق فمنعها الحياء ووجود جدتها، على أنها عللت النفس بمعرفة ذلك عند وصولها إلى خراسان.
وكانت فاطمة والدة بهزاد وسائر أهل خراسان ينتظرون خاتمة الأحداث بفارغ الصبر، وقد قضوا في ذلك منذ توفي الرشيد بطوس نحو خمس سنوات، والفضل بن سهل وزير المأمون في خراسان يشير عليه ويدير شئونه وسماه المأمون ذا الرياستين.
فلما جاءهم البريد بمقتل الأمين وتسليم بغداد فرحوا واستبشروا، ثم أرسل طاهر رأس الأمين إلى المأمون ومعه البردة والقضيب والخاتم، فوصل الرأس إلى الفضل فأدخله للمأمون على ترس فلما رآه سجد. وقد تمكن الفضل مما أراده من تمهيد الأمور لإرجاع سلطة الفرس بظل الشيعة؛ إذ بايع المأمون بالخلافة بعده لعلي الرضا زعيم حزب الشيعة، وأمر الناس بترك السواد شعار العباسيين والاستعاضة عنه بلباس الخضرة؛ فكان لذلك وقع سيئ لدى العباسيين في بغداد وكاتبوا المأمون يعاتبونه ويهددونه. وكان الفضل يأخذ كتبهم ولا يطلع المأمون عليها لفرط دالته ونفوذ كلمته. •••
وصل بهزاد إلى مرو وقد نال ما يرجوه من ثمار سعيه وخطيبته معه، أما سلمان فقد قام بما عليه ولكنه لم ينل جزاءه بعد. فلما وصل بهزاد إلى مرو واستأذن سلمان بالذهاب إلى بيته مع عروسه، قال له سلمان: «أما أنت فقد فرغت من مهمتك، وأنا لا أزال أتوقع الجزاء.»
فقال بهزاد: «ستكون رئيسا لجماعة الخرمية، وقد أوصيت لك بذلك من قبل، ألا يقنعك هذا الجزاء؟»
قال: «كلا، وإنما أرجو شيئا آخر هو أهم عندي من الرياسة، فكن ساعدي فيه كما كنت ساعدك في مثله.» قال: «وما ذاك؟»
قال: «ألم أكن نصيرك في الحصول على ميمونة؟ فأنا أطلب الزواج ببوران بنت الحسن بن سهل، وإذا شاء عمها الفضل، فالأمر سهل، وأظنني أهلا لها بعد ما أتيته من المعجزات في نصرة هذه الدعوة.»
فأطرق بهزاد وأعمل فكرته في هذا الطلب، فلم يجده بعيد المنال، وتذكر ما دار بينه وبين الفضل في شأن بوران قبل عودته إلى بغداد، فرأى في تزويجها من سلمان فضا للمشكلة، فقال: «غدا ننظر في ذلك، ولكنني أطلب منك أمرا هو خاتمة أفضالك علي.»
قال: «وما هو؟» قال: «إني أحتاج إلى رأس الأمين. هل تحتال في إخراجه إلي من مدفنه سرا كما أخرجنا رأس جعفر ورأس أبي مسلم؟»
نامعلوم صفحہ