أميرة عربية تؤلف للمسرح عام 1899
أمانة الحب
أميرة عربية تؤلف للمسرح عام 1899
أمانة الحب
أمانة الحب
أمانة الحب
تأليف
إسكندرة قسطنطين الخوري
تحقيق
أ.د. سيد علي إسماعيل
أميرة عربية تؤلف للمسرح عام 1899
ما زالت كنوز القرن التاسع عشر الأدبية مجهولة، تنتظر من يكتشفها ويلقي الضوء عليها، كي
أولا:
أن نص مسرحية «أمانة الحب» هو نص مخطوط، لم ينشر منذ كتابته عام 1899،
ثانيا:
أن نص مسرحية «أمانة الحب» يعتبر من الآثار المجهولة للأديبة إسكندرة
ثالثا:
أن نص مسرحية «أمانة الحب» هو نص مسرحي مؤلف عام 1899، وبالتالي فهو من
رابعا:
أن نص مسرحية «أمانة الحب» نص مؤلف من قبل امرأة عربية، وبالتالي فهي
1
وبعد أن ألفت زينب فواز
2
مسرحية «الهوى والوفاء» عام 1893.
خامسا:
أن مؤلفة نص مسرحية «أمانة الحب» شخصية غير عادية، فهي أديبة كان لها شأن
سادسا:
أن نص مسرحية «أمانة الحب» يحمل من القصائد ما يؤلف لصاحبته ديوانا
سابعا:
أن نص مسرحية «أمانة الحب» يعتبر دليلا عمليا لقيام المرأة بتأليف ما
وقبل أن نتحدث عن هذه الأمور، أو عن مسرحية «أمانة الحب» نفسها، نلقي الضوء على مؤلفة
الأميرة إسكندرة
ولدت إسكندرة قسطنطين نعمة الله الخوري عام 1872 ببيروت، ثم انتقلت إلى
3
وفي 31 يناير عام 1898 أصدرت إسكندرة العدد الأول من مجلتها الشهيرة «أنيس
بسم الله الفتاح ... الحمد لله الذي جعل المرأة مرآة الجمال، ومرقاة الكمال،
فإني لما رأيت أن السيدات الفاضلات في هذا القطر تعوزهن مجلة مخصوصة
وقد سميت مجلتي هذه «أنيس الجليس» إرادة أن يدل عنوانها على ما تتضمنه من
4
وقد التزمت إسكندرة بأهداف مجلتها النسائية، فاستكتبت مجموعة كبيرة من النساء، أمثال:
5
أستير موريال أو أستير أزهري، لبيبة شمعون، كاترين أصطفان، عفيفة ديمتري
أما موضوعات مجلة «أنيس الجليس»، فكانت تتعلق بكل ما يختص بالمرأة، ومن هذه
وفي هذه الفترة كانت إسكندرة على اتصال ببعض الجمعيات والهيئات النسائية
وكانت ترأس هذه الجمعية أميرة إيطالية، تدعى البرنسيس فيزنيوسكا، «وحدث أن عقدت هذه
6
وفي هذا المؤتمر استطاعت إسكندرة أن تلقي عدة خطب وتنشر بعض المقالات، أبانت فيها
لقد علم حضرات القراء أن صاحبة هذه المجلة قد سافرت إلى باريز، وسائر الأصقاع
وكان ذلك بما ألقته من خطب ونشرته من مقالات. وهو ما تبتهج له كثيرا
LE, LOTUS . وسيصدر الجزء الأول
7
وفي المقالة نفسها أشارت إسكندرة إلى مجموعة كبيرة من الكتاب الغربيين، ممن
ولم تكن مجلة «اللوتس» النتيجة الإيجابية الوحيدة لحضور إسكندرة مؤتمر السلام بباريس
وبمرور الوقت توثقت العلاقة بين الأميرة فيزنيوسكا وبين إسكندرة، فقامت الأميرة
8
وظلت إسكندرة تصدر مجلتها «أنيس الجليس» حتى توقفت عن الإصدار في عام 1907،
9
ويقول نقولا يوسف عن الأميرة إسكندرة: «وكان لها بمنزلها في حي زيزينيا بالإسكندرية
10
وبسبب مكانة الأميرة إسكندرة الأدبية والثقافية والاجتماعية نالت: «تقدير الملوك
11
وهذه الأوسمة والنياشين تعكس لنا إلى أي مدى كانت صلة الأميرة إسكندرة بملوك وأمراء
12
وإذا نظرنا إلى إنتاج الأميرة إسكندرة الأدبي، سنجد يتمثل في أمرين؛ أولهما
13
والعمل الآخر هو مسرحيتها «أمانة الحب»، وهي مسرحية ذات خمسة فصول، ولكنها
14
وإذا كان ديوان إسكندرة الشعري مفقودا حتى الآن، إلا أنني استطعت بعد جهد كبير، أن
مخطوطة المسرحية
إذا نظرنا إلى مخطوطة مسرحية «أمانة الحب»، سنجدها مكتوبة في أوراق من القطع المتوسط،
أما الخط فهو مكتوب بصورة مقبولة للقراءة، من خلال الريشة والمداد، كما هو متبع في
والصفحة الأولى للمخطوطة، أو غلافها الخارجي، مكتوب عليه الآتي: «نسخة بقلم الفقير
وهذا يعني أن فرقة إسكندر كانت تستعد لتمثيل هذه المسرحية أمام الجمهور عام
وإذا بحثنا عن السيد محمد الأزهري، سنجده أحد ممثلي فرقة إسكندر فرح في أواخر القرن
15
وهذا الممثل ترك فرقة إسكندر فرح عام 1905، وانضم إلى فرقة الشيخ سلامة
16
أما موقف فرقة إسكندر فرح من تمثيل مسرحية «أمانة الحب»، فمن الثابت لدينا أن
عادة كانت الفرق المسرحية تأخذ إجازة من العمل لمدة ثلاثة أشهر، هي يوليو وأغسطس
وإذا نظرنا إلى فرقة إسكندر فرح منذ شهر أغسطس وحتى أوائل ديسمبر 1899 سنجدها تجوب
17
وهذا يعني أن مسرحية «أمانة الحب» لم تمثل في هذه الفترة.
ولعل القدر وقف بالمرصاد أمام مسرحية «أمانة الحب»، كي لا ترى النور، وتعرض
ففي 27 / 10 / 1899، قالت جريدة «الأخبار» تحت عنوان «مرسح جديد»: «إن حضرة إسكندر
وكما هو متبع في هذه الفترة، كانت الفرقة المسرحية تعرض مسرحية جديدة في افتتاح
18
تأليف كورني، وتعريب نجيب الحداد لأول مرة
19
في افتتاح المسرح يوم 21 / 12 / 1899، وفاء لنجيب الحداد
20
باعتباره الكاتب الأول للفرقة، خصوصا وأنه توفي في فبراير 1899، وكأن
وعن هذا العرض قالت جريدة «الأخبار» في 22 / 12 / 1899، تحت عنوان «المراسح العربية»:
وإذا عدنا إلى مخطوطة المسرحية مرة أخرى، سنجد الصفحة الثانية أو غلافها الداخلي
ولعل القارئ سيلاحظ وجود كلمة «رواية»، رغم أن النص مسرحية وليس رواية بالمفهوم
21
أما كلمة «تأليف»، فإنها تدل على أن إسكندرة ألفت هذه المسرحية، في زمن شاعت
إسكندرة والتأليف للمسرح
على الرغم من أن مجلة «أنيس الجليس» تعتبر مجلة أدبية، إلا أنها لم تهتم
22
وبالرغم من ذلك، فقد وجدنا مقالة مسرحية مهمة، كتبتها إسكندرة، ونشرتها في
ومن خلال قراءة هذه المقالة، اتضح لي أن إسكندرة كانت داعية إلى تحرير المرأة،
إننا نجد الرجال لا ينفكون عن مطالبة الحكومة بكل ما يفضي إلى مسرتهم
وإذا كان هذا القول يعد دعوة لتحرر المرأة من العادات الشرقية المتشددة، التي
إن لفن الروايات التمثيلية تمام الفائدة الأدبية، إذا أنكرت علاقته
وهذا التصور لتأليف المسرحيات هو نفسه التصور الموجودة في مسرحية «أمانة الحب»! وكأن
ومسرحية «أمانة الحب» تدور حول عشق إيميليا لأمير إسبانيا، الذي رأته مرة واحدة
وهذه المسرحية عبارة عن مناجاة شعرية، تعكس لنا لواعج وخلجات نفسية المرأة في
ومن الجدير بالذكر أن إسكندرة في هذه المسرحية كانت رائدة في كتابة المسرحية النسائية
فمن المعروف أن عماد فرقة إسكندر فرح في هذه الفترة كان الشيخ سلامة حجازي، وهذا يعني
وسيلاحظ قارئ هذه المسرحية أن إسكندرة أفرطت كثيرا في قول الشعر، بالمقارنة
ومن يعرف جيدا حياة إسكندرة يشعر بأن المسرحية عبارة عن ترجمة ذاتية لهذه الأميرة،
أولا:
لاحظنا أن شخصية «جوليا» صديقة إيميليا منذ بداية أحداث المسرحية،
ثانيا:
لاحظنا أن إيميليا، بعد أن فاتحها الأمير في أمر زواجه منها، تقول
ثالثا:
جاء في المسرحية أن الأمير أراد أن يتم زفافه بصورة سريعة، كي
هذه بعض الأمثلة التي تدل على أن إسكندرة لم تهتم ببناء المسرحية فنيا، بقدر
ومهما يكن من الأمر فإن مسرحية «أمانة الحب» تعتبر كشفا أدبيا يثري المكتبة
القاهرة في: 25 / 7 / 2002
د. سيد علي إسماعيل
رئيس قسم الدراسات الأدبية
كلية دار العلوم - جامعة المنيا
أمانة الحب
المشخصين
الدون كارلوس:
أمير إسبانيا عاشق إيميليا.
الدون بيدرو:
البارون شريف إسباني مزاحم الأمير.
الدون سيزار:
شريف إسباني كاتم أسرار الأمير.
الدون فيلب:
والد إيميليا.
الدونا إيميليا:
ابنة الدون فيليب وعشيقة الأمير.
الدونا جوليا:
شريفة إسبانية صديقة إيميليا.
خادم إيميليا.
خادم الأمير.
حراس وأتباع وجنود.
صفحة شخصيات المسرحية.
الفصل الأول
الجزء الأول (في غرفة بمنزل إيميليا)
إيميليا :
إذا كان الذي يهوى جميلا
بلا مال أما يكفي الجمال
وإن كان الحبيب جليل قدر
أيمنعه عن الحب الجلال
ألا يكفي الجمال لعقد حب
يكون به لقلبينا اتصال
وإن كان الذي أهوى أميرا
تزينه الإمارة والكمال
فهل قلب الأمير كذا أمير
وهل هو كالإمارة لا ينال
لعمرك ليست الألقاب إلا
ثيابا تحتها تخفى الرجال
وقلب المرء قلب ليس يعلو
به لقب ولا يلويه مال
كذاك أنا أحب مليك قلبي
وليس لعروة الحب انفصال
فإن وافى فوا طربي وسعدي
وإلا فالعذاب والانتحال
الجزء الثاني (جوليا تدخل مفتشة على إيميليا)
جوليا :
ما بالك أيتها الحبيبة ... حزينة مكتئبة ... وعلى عينيك آثار الدمع ... بعد أن
إيميليا :
اتركيني وشأني أيتها العزيزة ... فقد كتب علي الشقاء منذ الأزل ... فأنا
(تبكي) .
جوليا :
كيف أتركك كذلك تقاسين العذاب والحزن الشديد؟ ... لقد قطع منظرك قلبي ... وتغير لونك شغل فكري ... فاذكري لي ما بك وأنا أساعدك ... وكفكفي دموعك ... فما الذي يبكيك؟ وأنا لا أرى لك سببا للبكاء!
إيميليا :
أشكو الزمان ولست أول من شكا
ولقد بكيت ولست أول من بكى
وأنوح من حظ تعيس ما رأت
عيني له في الناس إنسانا حكى
آه إن حملي ثقيل وفؤادي عليل (تبكي
.
جوليا :
فدتك نفسي أيتها العزيزة ... فما هذا الحمل الثقيل؟ ومم فؤادك عليل؟ ... أخبريني به لعلي أقدر أن أشاطرك نصف أحزانك ... أليس من الصداقة أن
إيميليا :
لا يا جوليا ... إنما عليك أعتمد ... وبودادك أعتقد ... وأنت شريكتي في
صن السر عن كل مستصحب
وحاذر فما الرأي إلا الحذر
أسيرك سرك إن صنته
وأنت أسير له إن ظهر
جوليا :
هذا يصح أيتها الحبيبة مع عامة الناس ... ولكنه لا يقال في مثلي! وقد
فتأكدي بأن مصابك أثر في فؤادي ... وأصبحت كلي آذانا لاستماع ما تقولين
إيميليا (تخاطب نفسها) :
إذا ضاق صدر المرء عن كتم سره
فصدر الذي يستودع السر أضيق
يا ربي لقد كثرت علي المصائب
وتوالت على قلبي النوائب
فإلى أين أفر من أحزاني
ومن يخلصني من فؤادي الذائب
علمتني يا زمان النوح من صغر
حتى اشتفيت بجسم صار معلولا
ارحم فتاة على بعد الحبيب غدت
تواصل النوح حتى صبرها عيلا
جوليا (تخاطب نفسها) :
لقد فهمت السر الآن ... ولا شك أنها عاشقة ... ولمن تهواه مفارقة ... نعم إن
دلائل العشق لا تخفى على أحد
كحامل المسك لا يخلو من العبق
فالآن يجب أن أسايرها للنهاية ... لأرى من تحب ... ومن أوصلها لهذه
(تخاطب إيميليا)
الآن عرفت أنك
أطلعيني ولا تخشي علي سرك ... فإنني لا أريد من عرفان سرك ... لأطلع على خفاياك ... بل لأساعدك في بلواك ... لأنني لا أطيق أن أراك هكذا ... تموتين حزنا وأنت في زهرة عمرك (تهم
.
إيميليا (تمسكها) :
لا تذهبي وقفي اسمعي سري الذي
في القلب وهو لغير شخصك ما بدا
سر يكاد يميتني وأنا به
أخشى الأصادق مثلما أخشى العدا
جوليا :
بلى قولي ...
إيميليا :
احلفي لي أولا ...
جوليا :
والله أكتمه ... ولو ذقت الردى!
إيميليا :
إذن فاسمعي سري فقد برح السر
وآن من الكتمان أن يظهر الأسر
عشقت فتى لا يدرك الشعر حسنه
هو البد في الأوصاف أو دونه البدر
تسامى إلى أن صار يحسده السهى
ورق إلى أن صار يحسده القطر
جوليا :
وبالله من هذا الفتى الماجد الذي
على مثل هذا الحسن تم له النصر
إيميليا :
لا تقدرين أن تعرفيه!
جوليا :
لا بل أظن أنني قد عرفته! أليس جارنا الكونت الفتى الجميل ... صاحب هذا
إيميليا :
لا ليس هو يا جوليا ... فإن أمثاله كثيرون ... ثم هو فتى طائش من أبناء
جوليا :
إذن، فمن هذا الحبيب، بالله؟ ومن هو السعيد الذي أسعده الحظ بأن يقع
إيميليا :
لا أنكر عليك أنه شاب جميل المنظر، لطيف المعشر ... ولكن يا ليت حبي كان له
جوليا :
لقد أطلت يا إيميليا ... فمن هو حبيبك بالله؟ أتعشقين ملكا في بهائه ... أم تحبين البدر في علائه؟!
إيميليا :
نعم، إنه ملك في حسنه وجماله، وبدر في علوه وبعد
جوليا :
وأخيرا ...
إيميليا :
أخيرا ... هو السيد العظيم، الذي يحبه كل إنسان ... والأمير الكبير، الذي لا
بل هو الحبيب الوحيد، الذي أقدر أن أحبه ولا يلومني أحد ... وأن أذكر
وأضع صورته في منزلي، ولا يفطن لها أحد من رقباء:
هذا الذي ملك القلوب بلطفه
وبحسنه وبنهيه وبأمره
فغدت جميع الناس طوع بنانه
وغدا الجمال بأسره في أسره
جوليا :
ماذا تقولين؟! ... إذن أنت تحبين الأمير!
إيميليا :
نعم هو ... هو بعينه الذي أوقعني بهذا المصاب ... أقاسي في محبته أمر
جوليا :
وهل أصابك جنون ... أو ماذا جرى لك حتى أوقعت نفسك في المهالك؟! حقا
إيميليا :
وما الحب إلا نظرة العين مرة
تمر كسهم والفؤاد يصاب
جوليا :
والآن ما العمل ... وليس لوصولك إليه أمل؟ ترى هل يعلم بحبك؟! وهل
وما يقاسيه من الهموم والأحزان؟!
إيميليا :
من أين له العلم بذلك أيتها الصديقة الأمينة؟ ومن تراه يخبره بحالتي
فكتبت له من الشوق أصناف عذاب ... وأبنت له من الغرام ما لا يحويه كتاب ... وأنا لا أزال أنتظر منه الجواب ... كما تنتظر الأرض العطشانة ماء
جوليا :
يا لها من جرأة عظيمة! حقا لقد أشغلت بالي ... وهيجت بلبالي ... والآن
إيميليا :
لو تحصلت على سطر واحد من يده الكريمة ... لما كنت في هذه الحالة
جوليا :
ألا أقدر أن أسمع هذه الأبيات ... فتكون أول مرة سمعت فيها نظم
إيميليا (تتناول بيدها قرطاسا مكتوبا وتقرأ) :
عن غرامي يا حبيبي لا تسال
إنه في القلب جمر ذو اشتعال
كن شفيقا سيدي يكفي دلال
كن رحيما فلسان الحال قال
لست أسلوك ولو طال المطال
طيفك المحبوب وافى في المنام
كي يرى جسمي عليلا ذا سقام
ليس لي صبر على كتم الغرام
ولقد بحت به يا ابن الكرام
فيك حبي وغرامي لا يزال
من دموع العين سطرت الكتاب
وفؤادي من هيامي فيك ذاب
قد سلبت العقل يكفي ذا العذاب
رده لي إنه طال الغياب
واشفني إذ لست أرضى بالخيال
قدك العادل فيه كم قتيل
هو غصن البان لكن لا يميل
لا تسلني اليوم عن صبري الجميل
مات صبري فلك العمر الطويل
مثلما نوحي على صبري طال
جوليا :
ما أجمل هذه الأبيات، وما أحلاها ... إنها لتلين فؤاد كل من تلاها ... فكيف
إذا لم يؤثر فيه جمالك، وقيد ملاحتك ... ولا شك أنك ستنالين الحظوة بالجواب ... لأن الأمير يحب الحسان البارعات ... في الجمال والآداب.
إيميليا :
حقق الله ظنونك أيتها الصديقة الحبيبة ... فإن روحي قد سئمت من هذه العيشة
أقلب طرفي لأرى من أحبه
وفي الدار مما لا أحب كثير
جوليا :
وها أنا ذاهبة لأنادي لك خادمك ... فهو أمين لك ... وليس أليق منه لإيصال
إيميليا :
شكرا لك يا عزيزتي على هذا الإحسان ... فإنك لا تلبثين أن تناديه ... حتى
جوليا (تذهب وتأتي بالخادم) :
ها خادمك قد حضر.
إيميليا :
خذ هذا الكتاب إلى الأمير ... وإذا رجعت بالجواب ... فلك مني الإنعام ... ولكن يجب عليك أن تحاذر لئلا يراه أحد.
خادم :
لا تخافي يا سيدتي ... فسأحترس كل الاحتراس ... وأقضي أمرك كما تريدين (يذهب) .
إيميليا :
اذهب فسري في يدي
ك وأنت لا تدري بسري
يا حبذا لو كنت أق
در أن أقوم أنا بأمري
فأكون عنك رسولة
حتى أرى شمسي وبدري
لكن من يهوى أسي
ر والمحبة شر أسري
جوليا :
الآن قد اطمئن بالك، وانعقدت آمالك ... فهلمي بنا ننزه الأفكار، ونتمتع
أخاف أن يحضر أهلك ويروك على هذه الحالة ... فلا بد أن يستكشفوا على
إيميليا :
دعيني ... فإن نفسي لا تصبو للنزهة في هذا النهار.
جوليا :
بالله هلمي بنا من هذا المكان ... وها أنا ذاهبة لإحضار مركبة، إلى أن
(كل منهما تخرج من
.
منظر ثان (والد إيميليا وبصحبته البارون يدخلون من جهة، ومن الجهة
والد إيميليا :
جوليا ... جوليا ... إلى أين أنت مسرعة؟! وأين ابنتي؟!
جوليا :
ابنتك في غرفتها تلبس ثيابها ... وقد عزمنا على التنزه في هذا
(وتخرج) .
والد إيميليا :
تأذن لي يا حضرة البارون ... فإني أريد أن أرى ابنتي قليلا، ثم أخرج
البارون :
تفضل يا سيدي ... فليس بيننا كلفة.
والد إيميليا :
تفضل واسترح إلى أن أعود (ويذهب) .
البارون :
يقول استرح هيهات ما راحة الجسم
لتغني فؤادا قد تعذب بالسقم
ومن أين للمضنى المعذب راحة
وفي كل يوم قلبه دائم الهم
عشقت التي في الخدر تلبس ثوبها
وقد نزعت ثوب التجلد من جسمي
لعينيك إذلالي وسقمي ولوعتي
وما يلتقي قلبي من الجور والظلم
ظلمتي فؤاد الصب والقد عادل
فيا حبذا لو كان بي عادل الحكم (تدخل إيميليا ووالدها.)
إيميليا :
عذرا يا سيدي البارون ... لما طال من انتظارك.
البارون :
العفو يا سيدتي ... وأرجو أن لا يكون وجودي سببا في تخلفك عن
إيميليا :
كان يجب علي أن أبقى يا سيدي ... ولكنني وعدت صديقتي، وقد
البارون :
نعم ما تفعلين ... فإن النزهة خير ما يغتنم في هذه الأوقات ... وأنا أرجو أن لا تتأخري لأجلي ... فإنني ذاهب لبعض الأشغال ... (لوالد إيميليا):
فاسمح لي أيها السيد
والد إيميليا :
وأنت يا ابنتي لا تتأخري في نزهتك ... فإن البرد يؤذيك (تدخل جوليا وتقول) : هيا بنا فإن
إيميليا :
بالإذن يا حضرة البارون.
البارون :
مع السلامة يا سيدتي (يخرج الجميع أمامه
.
لقد ذهبت يا قلب عنك التي تهوى
وخلتك حيرانا تئن من البلوى
مضت تتملى من نسيم وروضة
وأنت على جمر الغرام بها تكوى
فطوبى لذياك النسيم فقد غدا
يقبل ثغرا دونه المن والسلوى
وطوبى لذاك الزهر حين تشمه
فقد فاز من دون الأزاهر بالحظوى
ولله ذاك البحر حين تزوره
فلا بد أن يغدو بزورتها حلوا
وما لي أشكو الحب وحدي وما الذي
تفيد المحبين الصبابة والشكوى
حبيبة قلبي إنني لك تابع
فما طابت الشكوى لغير الذي تهوى
هنالك ألقى بين كفيك مهجتي
وأهلك ظمآنا بحبك أو أروى
الفصل الثاني (إيميليا وجوليا جالستان على حجر عند شاطئ البحر.)
إيميليا :
ما أجمل البحر وأمواجه
وما عليه من نسيم عليل
فهي كقلب الصب في خفقه
وذا عليل مثل جسمي النحيل
ما أجمل الشمس وقد أشبهت
نرجسة صفراء عند الأصيل
كأنها لون محب غدا
يميل للحسن الذي لا يميل
ما لك يا شمس مثيل ومن
أهواه أيضا ما له من مثيل
كلاكما يحرق في بعده
كلاكما عال عزيز جليل
يا صبر قلبي كن جميلا وقل
صبر جميل في غرام الجميل
آه لو مر الأمير من هنا ... لزال ما بي من الهم والعنا ... ولكن هيهات أن
الحب مصداق قول العارفين به
فالسقم أوله والموت آخره
جوليا :
ما هذه الأفكار الغريبة التي تخطر لك؟ أتظنين أنه يوجد في الدنيا شاب،
إيميليا :
ذلك ما أرجو أن أعرفه قريبا ... فإن كان يهواني، فهو لا بد أن يجاوبني على
يا كتابي بلغ إليه سلامي
كل يوم وقل له يا كتاب
إنني قد كتبت ما في ضميري
من هواه فهل كذاك جوابي
جوليا :
من الممكن أنه لا يقدر على المجاوبة ... خوفا من رقيب يراه ... ويعلم سره
إيميليا :
إن كان يخاف من الرقيب جهرا ... فليدعني أراه سرا:
إذا كان يخشى الناس فالسر ممكن
لدينا وإن الستر أكتم للحب
فيخفي ظلام الليل سر اجتماعنا
كلينا كما أخفيت ذا الحب في قلبي
جوليا :
ومن يعلم بأحوال الأمراء وأفكارهم؟! وهل تظنين أنهم يقدرون أن يبوحوا
إيميليا :
كلامك هذا ليس في محله ... بل يجب على الأمراء أن يكونوا قادرين على كل شيء
جوليا :
ولكن من يعرف أفكاره؟ لعله عازم على أن يفعل كما تقولين؟ فلننتظر ظروف
إيميليا :
هلمي بنا.
بلغيه الشوق يا ريح الصبا
من فتاة قلبها فيه القطر
واحلفي له عني بالحب إن
كان يهوى فليكاتب بالأثر
ولكن انظري ... انظري ... ها هو البارون ... فلنقف وراء هذه الصخرة ... بحيث لا
البارون :
وا رحمتاه للعاشق المغرم
سلم للحب فلم يسلم
سلم يبغي السلم لكنما
درجة نيل الهوى بالدم
جنى بما كان على نفسه
واستقبل الموت ولم يندم
يا حب آلمت فؤاد امرئ
قاس لغير الحب لم يؤلم
ويا فؤادي خضت بحرا وقد
أغرقك البحر ولم تعلم
ويا مهاة همت في حبها
من أعظم الحب برت أعظم
بحق عينيك قفي واعطفي
وكلمي العاشق أو سلم
أو لا فإني مائت حسرة
أقضى شهيدا في الهوى وأسلم
إيميليا :
ما بال البارون ينشد ألحانا غرامية؟! يظهر أنه اشتد عليه الغرام ...
جوليا :
عجبا! ألا تعلمين أنه مغرم بك، وأن قدومه إلى هنا ليس إلا للتمتع
إيميليا :
لا تقولي ذلك بالله ... فإن فؤادي موهوب لغيره، كما تعلمين. فما لنا والاهتمام
جوليا :
ها هو قد رآنا، وأخذ يتقدم إلينا ... فاسمحي لي أن أتركك وإياه برهة، لنرى
إيميليا :
لا ... لا ... ليس له معي حديث!
البارون (يتقدم) :
ويا جنتي لو تسألين عن الجوى
يجيبك قلب ذائب أنه الهوى
السلام على ربة الجمال، وذات البهاء والكمال ... مولاتي ألا تعلمين بسبب
إيميليا :
لا يا سيدي ... ولكن أظنه بقصد النزهة ...
البارون :
نعم النزهة ... ولكن في رياض محاسنك وجمالك ... بل ما قادني إلا الوجد والهيام ... لأشكو لك ما يعانيه قلبي من الغرام.
إيميليا :
نعم يا سيدي ... ما هذا الكلام؟!
البارون :
بالله لا تعذلي في الحب مشتاق
ولا تلومي فؤاد الحب إن ضاق
وارثي لحالة حب مغرم كلف
حملته في الهوى أضعاف ما طاق
بل الذي صور الحسن البديع لنا
وسير الناس في ذي الحسن عشاق
ملكت قلبي فأضحى بعد حسنك في
رق الهوى ليس يبقى منك إطلاق
قلبي وعقلي ومالي كلهن فدى
جمال وجه سما كالبدر إشراق
إيميليا :
يا حضرة البارون، إن المال لا يغرني ... وإن الجمال وحده لا يسرني ... بل
البارون :
عفوا أيتها السيدة فأنا ...
أقدم قلبا في هواك معلقا
ولولا ازدياد الوجد ما بحت بالشكوى
فلا تعذلي قلبي إذا باح بالهوى
فما باح هذا القلب إلا لمن يهوى
إيميليا :
سيدي ... دع عنك هذا الكلام ... فإنه ليس مما يقال لمثلي ... ولا مما يحتمله هذا
فخلي الهوى - بالله - وابعد عن التي
ببحر الهوى غرقى وفي خمره نشوى
البارون :
سيدتي ... إلام ذا التجني والدلال؟ لقد فرغ صبري، ولم يبق لي
أنا الذي في الحب صبري انقضى
وما انقضى صبري لكن قضا
قضى شهيدا في الهوى فاعذري
فالعذر من بعض الشئون الرضا
إيميليا :
أشكرك على حسن عواطفك يا سيدي، ولكن جوليا تنتظرني، وينبغي أن أذهب
البارون :
عذبت قلبي الذي تبكي عليه دما
نواظري فارحمي المبكي والباكي
واصغي لقولي فإني صرت منفردا
بلا أنيس وأنسي عند مرآك
جودي علي بلفظ منك ينعشني
واشف فؤادي الذي يشقى ويهواك
إيميليا :
آه ... ما هو العذاب الذي يزيد الأشجان؟ سيدي ... إن قلبي ليس معي لأتصرف به،
البارون :
ويلاه ... إذن أنت تحبين غيري! إذن أنت تحبين سواي، وأنت سالبة عقلي
إن كنت عاشقة سواي فإنني
بك مستهام لا أحب سواك
قد صرت مضنا مثل خصرك في الهوى
فليعطف المضني على مضناك
روحي فدى لك في الهوى فتنازلي
لقبول روحي في الغرام فداك
إيميليا :
يا رب ... ما هذه المصائب؟! وما هذه الأحوال؟! ويلاه ... لم يعد لي جلد
البارون :
الحب داء والممات شفاء
هذا الشفاء أخف من الداء (يركع)
وحق حبك ... إن لم ترحمي عبدك
(يرفع الخنجر ويرميه على الأرض)
وأموت شهيدا لغرامك، (يبكي)
أشفقي علي ... ولا تكوني سببا لقتلي ... وتصوري ما سيحل بك من الندامة، ويصيب عشيرتي وأهلي ... وتأكدي بأنني
مريض ليس غيرك لي طبيب
فإن بخل الطبيب فما الدواء
وما يرجو المريض سوى دواء
سلام أو كلام أو لقاء
إيميليا :
ويلاه! تقول إنني المسببة في قتلك!
البارون :
مولاتي ومالكة حياتي ...
رفقا بحال شبح مضنى أسير هوى
يستنجد الصبر عنكم وهو مغلوب
سيدتي ... قد ملكت قلبي ... وبكلمة واحدة منك تزيلين كربي، وإلا أقتل
إيميليا :
يا ربي ... كيف العمل في ذلك؟! وهل تريد أن تقتل نفسك لأجلي؟! رفقا بنفسك وبي
البارون :
آه يا قاسية الفؤاد ... ألا ترفقين بشاب مثلي ... سيشرب في حبك كأس الحمام؟! إذن ... فأنا أقتلك ... ثم أقتل نفسي ... ولا أدعك تتمتعين بعدي بالسرور
إيميليا :
تفضل يا سيدي وافعل ... فإن أسر ما يرجى من حب بعض النبلاء الأكابر ... لذغ باللسان ... وطعن بالخناجر ... فإن كان هذا نصيبي ممن يحبني كل هذا الحب الذي
البارون :
ويلك ... ألا تخشين الموت؟! (يمسك يدها
أقلبك من صخر فلا يلين؟! ألا يرق فؤادك لهذا العاشق
(تسحب يدها.)
لا تجفلي يا من لها قلبي غدا
عبدا مطيعا في الحياة وفي الردى
إن كنت تخشين الممات فها أنا
وحدي أموت عسى أكون لك الفدا
بل تموتين معي، فهو أولى ... معاذ الله ... معاذ الله ... إني أخاف من نفسي ... لشدة ألمي ويأسي.
يا ظبية قتلتني وهي عامدة
ولست أقوى على قلبي لأقتلها
وهبتها الروح لا أبغي بها عوضا
فكيف أبغي نظير الروح مقتلها
روحي جنت فعلى روحي العقاب غدا
ومهجتي أثمت فالقتل حق لها
أقضى شهيدا أنا أقضي شهيد جوا
أقضي شهيد هوا أقضي به ولها
لا تخافي ... فأنا أقتل نفسي، لتفرحي أنت مع الذي تحبينه ... ولكن اعلمي ... أنني
إيميليا :
أنت تموت لأجلي!
البارون :
نعم ... لأنك وهبت قلبك لغيري ... ولا قدرة لي على احتمال
ليس في قدرتي ولا إمكاني
أن أرى من أحب لا تهواني
ليس لي من قلبين أحيا بقلب
وأخلي لديك قلبي الثاني
فاعذريني إن لم يكن لك قلبا
ن فما لي أيضا أنا قلبان
واتركيني أقضى شهيد غرامي
واذكريني بعد الردى وكفاني
ثم قولي وا رحمتاه عليه
قد قضى وحده وقد أعفاني
واجعلي من دمي خضابك في العر
س وثوب الزفاف من أكفاني
إيميليا :
ما هذه الأقوال التي تجرح قلبي ... ويلاه ما العمل؟!
البارون :
أموت شهيد هواك ... (يرفع الخنجر ليقتل نفسه، فتأخذه
إيميليا :
قف ... ماذا تفعل؟! أتقتل نفسك بيدك؟! وأكون أنا المطالبة بدمك (وعند كلامها تتقدم جوليا وتقول) :
جوليا :
إيميليا ... إيميليا ... ما لي أراك مرتبكة الحال؟!
إيميليا (بخوف) :
دعيني يا جوليا ... فإنني لا أقدر أن أصف لك كل ما جرى لي ... انظري واعذري (ترمي نفسها على الحجر) .
جوليا (تأخذ البارون على حدة) :
سيدي البارون ... ماذا جرى بالله؟! وما سبب اضطرابكما؟!
البارون :
أريد أن أقتل نفسي ... لأتخلص من هذه الحياة المملوءة بالأكدار ...
جوليا :
لماذا؟
البارون :
إنني أحب إيميليا ... حبا يفوق كل حب ... بل يفوق كل عبادة ولا أرى منها غير
أزكت فؤادي من لظاها حمرة
لو فاض هذا البحر ما أطفاها
جوليا :
اصبر يا مولاي على ما أصابك ... وتمثل بقول القائل:
الحب مثل الخطاب عندي
للحب مستلزم الجواب
فإن أخاطب ولم يجبني
مخاطبي تبت عن خطابي
ما الذل والله غير هذا
أين ترى غرة الشباب
شريعتي هذه وهذا
في دين أهل الهوى كتابي
البارون :
لا ... ليست هذه شريعة الغرام!
جوليا :
كن مطمئنا ... فإنني سأفاتحها بهذا الأمر، وأجتهد أن أستميلها إليك ... وأما
واتركها ريثما يهدأ بالها ... فإنني أراها في غاية الأحزان.
البارون :
ويلاه ... كيف أتركها في هذا الحال؟!
جوليا :
اذهب بالله ... فللضرورة أحكام ... اذهب فإني أرى رجلا قادما ... وأخشى أن ينفضح
البارون (يذهب إلى إيميليا وهي ملقاة ويقبل يدها ويقول) :
أقبل كفها فيزيد شوقي
كأني منه قبلت اللهيبا
وما هو غير طيب فاح لكن
بجمرة قلبي يزداد طيبا (يذهب.)
جوليا :
لقد أقبل الخادم من عند الأمير ... وأظنه قادم بالجواب (تتقدم إليه)
ماذا فعلت؟
خادم إيميليا :
أين مولاتي إيميليا؟
جوليا :
هل أتيت بالجواب من الأمير؟
خادم إيميليا :
نعم ... لقد أتيت من مدة، وسألت عن
جوليا :
وماذا قال لك؟
خادم إيميليا :
بعدما أعطيته الخطاب، وأوصله إلى الأمير ... عاد فقال لي: ليس له
إيميليا :
ليس له عنده جواب! آه ... وا أسفاه ... أيها الجمال الذي تحسدني عليه الحسان ... ويشير إليه الرجال بالبنان ... ماذا تفيدني الآن، أيها القلب الذي أعددته
(تسقط باكية، فتحضنها جوليا، وتعتني بها إلى أن تفيق
:
خادم إيميليا :
سيدتي ... إني أرى وراء هذه الأشجار شبحا ... يروح ويجيء ... كأنما هو شخص
جوليا :
لا أعرفه ... ولم أره قبل الآن ... فانظر ما شأنه!
إيميليا :
آه يا جوليا ... من يصف الآلام التي تحرق فؤادي ... واليأس المستحوذ علي؟! أشعر بأنني مدفوعة بيد القضاء ... إلى وهدة الشقاء ... ومنها إلى وهدة الفناء
جوليا :
خففي عليك أيتها الحبيبة ... ولطفي القنوط الذي يؤلمك ... فإنه لم ينقطع
(يحضر خادم إيميليا ويقول
:
خادم إيميليا :
إن هذا الخادم ذو أمر غريب! فهو قادم إلى هذا المكان ... وغاية ما يعلمه من
جوليا :
هذا أمر أغرب ما سمعته! ولا بد في الأمر من سر! فكيف يفعل هذا الخادم،
خادم إيميليا :
إنه يرقب هذا المكان، منذ ثلاثة أيام ... وقد ثبت لديه الآن أن السيدة
جوليا :
وأين هذه الرسالة؟ ... (الخادم يذهب ويأتي بها ثم
خادم إيميليا :
هذه هي يا سيدتي.
جوليا (تقرأها) :
انظري يا إيميليا، فقد أتاك كتاب من عاشق جديد!
إيميليا (بتكلف) :
وماذا فيه؟
جوليا :
خذي واقرئي.
إيميليا (تأخذ الكتاب وتقرأه) :
قولي له ليس عندي جواب (يذهب)
يا رب ما
أما تغلط الأيام في بأن أرى
بغيضا تنأى أو حبيبا تقرب
جوليا :
ولكنه يقول إنه عاشق أمين!
إيميليا :
كلهم يقولون ذلك ...
جوليا :
ولماذا لا تقابلينه، لعله يعجبك، ويكون أحسن من الأمير؟!
إيميليا :
لا أريد أن أرى أحدا ... ولا أحب غير الذي أحب ... فاتركيني بالله ...
جوليا :
ما هذه الأفعال يا عزيزتي ... من ليس يسأل عني فلست أسأل عنه!
إيميليا :
لا تلومي يا جوليا ... فإن الحب لا يلام.
جوليا :
ألومك لأن الأمير لا يستحق حبك ... ولأن قلبه قاس، لا يؤثر فيه شيء ... وهو لم
إن الرجال صناديق مقفلة
وما مفاتيحها غير التجاريب
إيميليا :
أرجوك أيتها الصديقة الودودة ... إذا كنت تحبين ... لا تذمي الأمير أمامي
جوليا :
ما هذا الحب الشديد، بغير رجاء ولا آمال؟! إن حبك له قد فاق حد الغرام ... أتتركين الجميع لأجله؟! مثل البارون المسكين ... الذي يريد أن يقتل نفسه شهيد
إيميليا :
بل أنا لا يزال لي أمل ... ولا بد أن أصل إليه ... خفايا غرامي ولو ضاقت دوني
(تنشد باكية) :
أيا لائمي في حبه أنت في الهوى
عدو لقلب إذ هواه حبيب
دع العذل عن قلبي فقلبي واحد
كحب رماني في الغرام قلوب
فإني لا أسلو الهوى بل أصونه
بقلبي ولو أضحى الفؤاد يذوب
فكفوا ملامي واعلموا أن ذا الهوى
قضاء من الباري جرى ونصيب
سهام البرايا من مصيب ومخطئ
ولكنما سهم القضاء مصيب (انتهى الفصل الثاني)
الفصل الثالث
المنظر الأول (في قصر الأمير)
الجزء الأول
الأمير :
يراسلني من لا أود جوابه
وأشكو إلى من لا يرد جوابي
رماها الهوى في حب من لا يحبها
كما في هوى من لا نحب رمى بي
أتاني كتاب لست أعرف خطه
من امرأة تشكو أليم عذابي
وراح كتابي يشتكي ألم الجوى
لمن ليس تدري أن ذاك كتابي
كلانا محب ليس يدري حبيبه
به وكلانا ذو هوى ومصاب
خلقت أميرا قيدتني إمارتي
عن الجري في لهو الهوى وشبابي
فلا حبذا هذي الإمارة إن غدت
مباعدة بيني وبين صحابي
ولا حبذا عرشي إذا حال بين من
أحب وبيني في الهوى عجاب (يدخل خادم.)
الخادم :
مولاي ... قد جاء كاتم أسرارك.
الأمير :
قل له أن يدخل ... ولا تدع أحدا يدخل علينا.
الجزء الثاني (الأمير وكاتم الأسرار)
الأمير :
تعال أيها الصديق الأمين، واحكم بيني وبين هذا الكتاب ... خذ واقرأ
(يقرأ
:
عن غرامي يا حبيبي لا تسال
إنه في القلب جمر ذو اشتعال
كن شفيقا سيدي يكفي دلال
كن رحيما فلسان الحال قال
لست أسلوك ولو طال المطال
طيفك المحبوب وافى في المنام
كي يرى جسمي عليلا ذا سقام
ليس لي صبر على كتم الغرام
ولقد بحت به يا ابن الكرام
فيك حبي وغرامي لا يزال
من دموع العين سطرت الكتاب
وفؤادي من هيامي فيك ذاب
قد سلبت العقل يكفي ذا العذاب
رده لي إنه طال الغياب
واشفني إذ لست أرضى بالخيال
قدك العادل فيه كم قتيل
هو غصن البان لكن لا يميل
لا تسلني اليوم عن صبري الجميل
مات صبري فلك العمر الطويل
مثلما نوحي على صبري طال
الأمير :
كيف ترى هذه الأبيات؟
كاتم السر :
في غاية الحسن.
الأمير :
وكيف تظن ناظمها؟
كاتم :
في غاية الرقة واللطف.
الأمير :
وإذا كان ناظمها امرأة ... فكيف رأيك فيها؟
كاتم :
تكون أحسن وأبدع.
الأمير :
وإذا كنت لا أعرف هذه الناظمة ... فما رأيك أيضا؟!
كاتم :
إنك تكلمني بالألغاز يا مولاي ... فأوضح لي إذا شئت!
الأمير :
إن المسألة غريبة ... تستحق البحث. فلقد جاءني هذا الكتاب من امرأة ... وأنا لا أعرفها ... ولا أرى كيف تجاسرت أن تكاتبني بالغرام؟! فأجبت رسولها ... أن يعود إليها ويخبرها ... أن لا جواب لها عندي.
كاتم :
تلك قساوة يا مولاي.
الأمير :
أتظن ذلك؟!
كاتم :
نعم ... فقد كان يجب أن تراها على الأقل ... عساها تكون جميلة ... تستحق
الأمير :
أذلك ما كنت تفعله أنت ... لو كنت مكاني؟!
كاتم :
نعم ... كنت أقابلها فأشكرها على حسن أبياتها ... وإذا أعجبني جمالها
الأمير :
إني أراك سهل الأخلاق في أمر الحب أيها الأمين.
كاتم :
لست بسهل الأخلاق أبدا ... ولكن يعلم مولاي، إذا كتبت فتاة لرجل
الأمير :
صدقت ... ولكن أتدري لماذا لم أقابلها؟!
كاتم :
لا يا مولاي!
الأمير :
لأنني أحب سواها أيها الصديق ... ومن طبعي الأمانة في الحب ولو كنت
كاتم :
ومن هذه السعيدة ... التي حسنت في عين مولاي؟
الأمير :
هي سعيدة، أصبحت بها شقيا ... وحلوة، أصبح صبري بها مرا ... ومن
كاتم :
وما هي يا مولاي؟!
الأمير :
إن هذه الفتانة قد أخذت ثأر صاحبة الأبيات مني ... فكما أجبت هذه
كاتم :
أرى أمرا غريبا يا مولاي! ولكن إذا كنت لا تعرف اسم المعشوقة
الأمير :
إن اسمها إيميليا ... وهو موقع في ذلك الكتاب ... فهل تعرف سيدة بهذا
كاتم :
نعم أعرفها يا مولاي ... وقد تذكرتها الآن ... فهي كاملة الصفات ... باهرة المحاسن ... تنظم فيها العشاق من دموع الهجر ... أكثر مما
الأمير :
أتراها تكون مثل التي كتبت لها ولم تجاوبني؟!
كاتم :
نعم تكون جميلة ... إذا كانت مثلها ... ولكن أسألك مسألة يا مولاي ... هل
الأمير :
لا أيها الصديق ... فإنها لم تعرف من أنا ... لأنني خشيت من عاقبة
كاتم :
إذن ... فكيف كنت ترجو أن تهواك ... وهي لا تعرفك ... ولا تراك؟!
الأمير :
إنها لا تعرفني نعم ... ولكن قلت لها أن تراني ... وضربت لها
كاتم :
كما أنت معلق بحب غيرها ... وليس للإنسان قلبان!
الأمير :
تمام ...
كاتم :
إذن ... فقد صار في المسألة لغز يا مولاي!
الأمير :
وكيف ذلك؟
كاتم :
ذلك أنك واقع بين اثنتين ... واحدة تعرف اسمها ولا تعرفها ... والثانية
الأمير :
وأي حل عندك لهذا اللغز؟!
كاتم :
اسمح لي أن أسألك ...
الأمير :
تكلم ...
كاتم :
أتقبل نصيحتي؟!
الأمير :
يمكن ...
كاتم :
هل قطعت أملك من التي تحبها؟
الأمير :
تقريبا ...
كاتم :
هل تظن أنها تجيبك بالقبول ... بعد ذلك الرفض؟
الأمير :
لا أظن ...
كاتم :
هل اعتقدت من وصفي للتي تحبك أنها جميلة؟
الأمير :
نعم ...
كاتم :
وهل يمكن إذا رأيتها أن تحبها بدلا من تلك؟
الأمير :
لا أدري ...
كاتم :
وهل تظن أن في مقابلتها خطرا أو افتضاح؟
الأمير :
لا ...
كاتم :
وهل يمكن أن تجاوبها الآن ... أنك تقابلها على شاطئ البحر مساء اليوم ... في الموعد الذي ضربته لتلك؟
الأمير :
نعم يمكن ... وما الفائدة؟!
كاتم :
ولكن ما الخسارة؟!
الأمير :
وإذا رأيناها ... فماذا يكون؟
كاتم :
وإذا لم نرها ... فماذا لا يكون؟!
الأمير :
إننا نتكلف بعد المحال ...
كاتم :
إنها نزهة على كل حال.
الأمير :
وأخيرا ...
كاتم :
أخيرا ... يجب على كل رجل مهما كان أميرا ... أن يكون رقيقا مع النساء
الأمير :
ولكن قلت لك إني لا أعرفها!
كاتم :
أنا أعرفها ...
الأمير :
وبالتالي لا أعرف منزلها!
كاتم :
أنا أعرفه ...
الأمير :
ومن يجد رسولا لها؟!
كاتم :
أنا أجد الرسول ...
الأمير :
ومن يكون هذا الرسول؟!
كاتم :
أنا أيضا يا مولاي ... ألا يصح أن أكون رسول غرامك ... كما أنا رسول
الأمير :
لا أعرف كيف أكتب ... أمل علي أنت.
كاتم :
حسنا فاكتب ...
سيدتي
لقد رددت رسولك خوف العواقب ... وهذا رسولي يدعوك للمقابلة التي
الإمضاء: الأمير
أحسنت، هات الكتاب وعلينا تدبير الأمر (يخرج) .
الأمير :
يقرب منا الدهر من لا نريده
ويبعدنا ممن نحب ونطلب
ونعشق من لا حبنا في فؤاده
يجول ويهوانا الذي ليس نرغب
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
لينعم ذا من حيث ذا يتعذب
فلا كان هذا الحب أن نعيمه
عذاب وأن الكره أحلى وأعذب
لأن الذي نهواه صعب لقاؤه
ويسهل ممن لا نحب التجنب
كلا حالتينا من غرام وجفوة
مصاب فذا صعب وهاتيك أصعب (يخرج.)
المنظر الثاني
الجزء الأول (في غرفة إيميليا - إيميليا وجوليا)
جوليا :
ألا تزالين مريضة؟!
إيميليا :
ما دام القلب مريضا ... فهيهات للجسم أن يصح!
جوليا :
ألم أقل لك ... إن هذه هي نتيجة الحب والهيام!
إيميليا :
بل إن نتيجته الموت ... وبدايته هذا السقام ... فدعيني بالله أقاسي
فمن لم يمت في حبه لم يعش به
ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
جوليا :
بالله ما هذا الجنون؟! إذا لم تشفقي على صباك ... فأشفقي على
إيميليا :
لا أريد أن أرى أحدا ... ما دمت لا أرى الذي أريده ... وفوق ذلك ... ألم أقل لرسوله أن يقول له أن ليس له عندي جواب؟!
جوليا :
وهل أردت بذلك ... أنت تنتقمي من الأمير في شخص سواه؟
إيميليا :
بل أردت أن أنتقم من فؤادي ... الذي أذنب في هواه ... فهو قد قال إنه لا جواب لي عنده ... لأنه لا
جوليا :
ولكنك لم تنظري هذا العاشق الجديد ... لتعلمي إذا كان يستحق
إيميليا :
لا أريد أن أنظر أحدا ... فإن قلبي عن حبه لا يتحول ... فدعيني بالله
والقلب إلا لمن يحب
وكل حب سواه صعب
فلا تلومي فؤاد حب
عذابه في الغراب عذب
هيهات ما للمحب قلب
وقلبه عند من يحب
خادم إيميليا :
سيدتي ... بالباب رجل معه كتاب لك ... وهو من عند الأمير!
إيميليا :
من عند الأمير ... انظري يا جوليا وأسرعي بالله (تذهب) . يا رب ما أصعب حالتي الآن ... وماذا عساه كتب إلي ... لا شك أنه غاضب مني وحانق علي ... لأنني
(تدخل جوليا) .
جوليا :
أبشري ... أبشري ... كتاب من عند الأمير!
إيميليا :
لقد رضى عني ... لقد أجابني على غرامي ... أرني الكتاب بالله ... إنني
جوليا :
اقرئي يا حبيبتي ... وليهدأ روعك ... فإن جواب الأمير بعد رفضه ... يدل على أن في الأمر شيئا جديدا ... غير الرفض والجفاء (إيميليا تقرأ الكتاب) .
إيميليا :
وا طرباه ...!
وردت إلي من الحبيب رسالة
وبها من اللفظ الرقيق معاني
أحيت فؤادي بعد ما مات الرجاء
فيه بوابل دمعتها الهتان
يا عين قد صار البكا لك عادة
تبكين في فرح وفي أحزان (يدخل خادم وبيده صحن عليه رقعة زيارة
خذي وانظري ...
جوليا :
جاء البارون ... أهذا وقته ...
إيميليا :
يقول إنه يريد أن يعتذر مني ... عما فرط منه ... (للخادم):
قل له أن يدخل (يخرج) ... فإنني الآن سعيدة مسرورة ... أريد أن أعفو عن الجميع.
الجزء الثاني (إيميليا - جوليا - البارون)
البارون :
عفوا يا سيدتي إذا تجاسرت على زيارتي ... بعد الذي فرط مني نحوك
لا تعذليني فإن الحب أسكرني
ولا يلام بما يأتيه سكران
أسكرتني فأنا لا أستفيق وكم
أفاق من غير خمر الحب نشوان
سكر الخمور له وقت يزول به
وسكرة الحب أعوام وأزمان
إيميليا :
لا بأس يا سيدي البارون ... فإن الأمر قد انقضى على علاته ... وأنا
البارون :
نعم، ولكني لا أقدر أن أفيق منها إلا برضاك ... فأنت أصل هذا الداء
ارحمي عاشقا بحبك صبا
ليس يرجو الشفا من الأسقام
إن يكن آثما وحبك إثما
فهو يرجو البقاء في الآشاح
إيميليا :
أرى أن الحال قد تحول يا سيدي البارون ... وأنك بعد أن كان دخولك
جوليا :
واعلم يا سيدي البارون ... أنني شاهدة عليك في ذلك ... وأنت تعرف مقدار
البارون :
إذن ... فلماذا لا تشهدين بغرامي وحبي؟! لماذا لا تشهدين بما يقاسيه
اشهدي اشهدي بما صرت فيه
من سقامي ولوعتي ونحيبي
اشهدي فالسقام يشهد أيضا
بغرامي على فراق حبيبي
اشهدي فالنجوم تشهد في الأف
ق بأن السهاد أضحى نصيبي
يشهد الكون والعالم طرا
أنني مدنف وأنت طيبي
إيميليا :
اخفض صوتك يا سيدي بالله ... فإن أهلي قريبا يحضرون ... واذكر ما
البارون :
ملك سواي ... آه يا قاسية ...
إيميليا :
يعز علي يا سيدي ... أن تكون على ما أراه من الحزن ... ولكن من
البارون :
أنا أعلم أنك تأمرينني بالانصراف ... وأنك تعدين الدقائق معي عدا
إيميليا :
مكانك يا سيدي ... واذكر أنك تتهددني ... وأنك في منزلي!
البارون :
واعلمي ... أنني إذا كنت سأموت من حبك ... فإنك ستموتين في كرهي وغضبي
إيميليا :
اخرج من هنا ...
البارون :
نعم أخرج ... ولكن ليس هذا بالأمر المهم ... بل مري حبك أن يخرج من
وأبعدني من ودادك ...
إيميليا :
إذن أخرج أنا يا سيدي ... هلمي يا جوليا (يخرجان) .
البارون :
قفي يا قاسية الفؤاد ...
قفي وانزعي السهم الذي حل في صدري
قفي أتداوى فيك من لوعة الهجر
قفي وانظري ماذا جنيت من الأسى
على كبد أحرقتها بلظى الجمر
سأخرج طوع الأمر لكنما غدا
ستخرج روحي قبل روحك من صدري
فلا بد لي من قتل عاشقك الذي
هو الأصل مما ألتقيه من القهر
فإن كان يحيا في غرامك أنه
سيقضي بكره والذي فيك من غدر
فيا قلب قد طاب الحمام فمت إذن
فموت الهوى حكم بأهل الهوى يجري
ولكن ليقضي فيك ذاك مزاحمي
ومن هجرت ولتفتدي الكل في قبري
فيغدو حديثي في الغرام مؤرخا
ويبقى لنا ذكر إلى أبد الدهر
الفصل الرابع (يرفع الستار عن منظر البحر والأمير مع كاتم أسراره منتظرين حضور
(الجزء الأول) (الأمير وكاتم أسراره)
الأمير :
هنا موعد المقابلة؟!
كاتم :
نعم يا مولاي قد وصلنا ...
الأمير :
ألا يمكن أن يتفق أيها الصديق ... أن تكون إيميليا هذه هي الحبيبة التي
كاتم :
ذلك غاية مناي يا مولاي ... وعسى أن تكون هي ... حتى يصدق ظني ويتم
الأمير :
حقق الله ظنك ... حتى أرى هذه الفاتنة ... التي جعلتني أسير جمالها ... وعبد محاسنها وكمالها ... فسامح الله الغرام ... الذي أوصلني إلى هذه
أترى فيكم لواعج وجدي
وسقامي من الغرام وسهدي
أترى عندكم من الحب والأش
واق مثل الحب الذي هو عندي
إنني في الغرام عبد هواها
مع أن الزمان والدهر عبدي (ثم ينظر ناحية البحر فيرى إيميليا وجوليا مقبلتين
طابت الأفراح
ووفى المطلوب
وحلا لي الراح
في لقا المحبوب
فامل لي يا صاح
واسقني المشروب
بدر سعدي لاح
تم لي المرغوب
الأمير :
تعال وانظر ... هذه التي أهواها ... فمن جاء بها إلى هنا؟!
كاتم :
عجبا يا مولاي ... أهذه هي؟!
الأمير :
هي بعينها!
كاتم :
أمتأكد مولاي من ذلك؟!
الأمير :
عجبا ... ألا أعرف من تيمني هواها؟!
كاتم :
مسألة في غاية الغرابة!
الأمير :
ولماذا؟!
كاتم :
لأنها هي إيميليا ... التي كتبت إليك أنها تهواك ... وأجبتها أنك لا
الأمير :
إنني في غاية الاستغراب!
كاتم :
هي الحقيقة يا مولاي ... فنادها باسمها وانظر ...
الأمير :
حقا إنه اتفاق غريب ... إنني لا أكاد أصدق!
كاتم :
نادها يا مولاي ... وانظر ... فها هي قد أقبلت.
الأمير :
نعم ... نعم ... هي ... هي ... هي إيميليا ... إيميليا (يركض لمقابلتها قائلا) :
ماذا أرى؟ أإيميليا تلك التي
قد كنت أجهل إسمها بين الورى
أم ذا خيال حبيبتي وافى وهل
في يقظة أنا أم تولاني الكرى
أنت التي أهواك أنت إيميليا
أنت التي كتبت بحبي أسطرا
أنت التي عرف الفؤاد غرامها
من غير أن يدري اسمها فيما درى
ويلاه قد ضاع الزمان وقد جرى
عبثا وإني نادم مما جرى
إني كتبت إليك فيما قد مضى
باسم الأمين فما أجبت تكبرا
إيميليا :
فعلام ذياك الصدود وأنت ما
هذا الصدود ألم تكن متكبرا
فلقد كتبت إليك أيضا أرتجي
منك اللقا فرددت ردا منكرا
الأمير :
قد كنت قبلا أجهل اسمك فاعذري ... ... ... ... ... ...
إيميليا : ... ... ... ... ... ...
وأنا لإسمك كنت أجهل فاعذرا
الأمير :
إذن أنت التي أهواك ... وأنت إيميليا!
إيميليا :
نعم يا مولاي ... أنا هي ... إيميليا أسيرة حبك ... وأنت هو ... العاشق الأمين ... الذي كتبت لي من قبل!
الأمير :
نعم يا مهجتي ... أنا أسير غرامك.
إيميليا :
إذا كنت أسير غرامي ... فكيف تتركني في حالة اليأس؟!
لم تشف قلب أسيرة مهمومة
تقضي بها صباحها كليال
الأمير :
وأنت ... لماذا لا تجاوبيني على كتابي ... وقد تركتني في حالة أمر من
أمسي وأصبح في الهموم وأغتدي
في لوعة لغرامك القتال
إيميليا :
ما هذا الكلام ... أصحيح ما تقول أيها الأمير؟! أعد بالله علي هذا
الأمير :
أتشكين في صدقي ... أيتها الحبيبة؟!
إيميليا :
العفو يا مولاي ... ولكن الأمر غريب جدا ... كيف هذا؟! أنت الذي كتبت لي
الأمير :
نعم يا بهجة الفؤاد ... فهل غلطت في هذا الإمضاء؟! ألست حقا عاشقا
(يأخذ يدها ويقول):
إني لذاتك يا مليكة مهجتي
وقف صحيح لا يباع ويشترى
لو كان لي حق بقلبي في الهوى
لشققته لتري به ما سطرا
إيميليا :
إني عرفت صفاء قلبك في الهوى
فجميل قولك كان عنه فجرا
ليس الفؤاد بظاهر لكنما
قول اللسان يكون عنه مظهرا
الأمير :
آه يا مهجة قلبي ... إن هذه الساعة لا تقدر عندي بمال ... بل بحياتي ... ولو
أنت روحي وحياتي والمنى
أنت قصدي أنت سمعي والبصر
إيميليا :
أنت نوري أنت بدري في الدجى
أنت فخري أنت شمسي في السحر
الأمير :
آه ما أسعدني بهواك
وما أسعد طرفي إذ تمتع بمرآك
ومن اليوم فصاعدا لا تشعرين بالهم والعنا ... بل ستكونين سعيدة بقربي ... وأكون سعيدا بقربك ... وسيجمع القران بين شملي وشملك ... كما جمع الغرام بين
إيميليا :
هل أنا في يقظة أم في منام؟! وهل صحيح هذا الكلام؟!
الأمير :
نعم يا حبيبة فؤادي ... فثقي بمحبتي لك وخالص ودادي ... واعلمي بأنني سأقترن
إيميليا :
أنت يا مولاي تقترن بي! إنما يكفيني أن أكون خادمة عندك.
الأمير :
بل أنت تكونين مالكة في قصري ... وسيدة على قلبي ... وولية نهيي وأمري ... وهذا ما أقول (يرفع خاتمه من أصبعه ويعطيها
.
احفظي خاتمي لديك فإني
قبله قد وهبت أيضا فؤادي
فهو رمز لحبنا ولقانا
فاحفظيه ففيه حفظ ودادي
إيميليا :
زارني اليوم حبيبي
ووفا وعدي
بعد البعاد
فيه يا نفسي طيبي
قد بدا سعدي
طبق المراد
قربه أضحى طبيبي
واللقا عندي
يشفي الفؤاد
بدري أشرقا يزهو رونقا
لما باللقا جاد لي وحدي
الأمير :
والآن ... فهل تريدين أن ننظر في أمر الزفاف؟
إيميليا :
الزفاف يا مولاي ... أهكذا سريعا؟!
الأمير :
ألم يكن حبنا كذلك ... فإذا كانت المقدمة سريعة، فلماذا لا تكون النتيجة
إيميليا :
الأمر أمرك يا مولاي ... ولكن ألا تخشى من معارضة في قصرك؟!
الأمير :
لم أتعود ذلك يا سيدتي ... بل أعلم أنني أنا الآمر الناهي ... وأن الذي
إيميليا :
نعم أعلم يا مولاي ... إن سلطتك سائدة في كل مكان ... كما هي سائدة في فؤادي
ولكن لا بد من إخبار أهلي على كل حال.
الأمير :
نعم لا بد من ذلك ... وها أنا
(يتقدم إلى كاتم أسراره فيحادثه سرا،
هيا بنا نتمشى على
ضعي كفي بكفك يا حياتي
لنسري تحت رايات الغرام
فما أحلى اللقاء على انفراد
بلا عذل عليه ولا ملام
ونور الحسن من لحظيك يبدو
ونور الحب يبدو من كلامي
إيميليا :
حبيبي لا تزد فرحي فإني
أخاف على فؤادي من هيام
سرور المرء مثل السكر تخشى
عواقبه كعاقبة المدام
وها أنا لا أزال أشك أيضا
أفي صحو أنا أم في منام (يدخل البارون دون أن يراهما.)
البارون :
أين التي حبها قد زادني عللا
وأين من تركتني في الهوى مثلا
أين التي نفرت مني وما رحمت
ضعفي ولا عطفت يوما علي ولا
يا أيها الملك الميمون طالعه
تركتني في جحيم الحب معتقلا
عطفا على قلب حبه كان ذا أمل
واليوم أصبح لا قلب ولا أملا
يا ربة الأنس ما هذا الدلال وما
هذا الجفاء الذي أضنى وما قتلا
ومن بقلبك غيري في الوداد سما
ومن بعينيك دوني في الغرام حلا
ومن ينالك يا من مهجتي تلفت
فيها ورسمك في الأحشاء قد نزلا
لا تظلمي عاشقا مضنى أسير هوى
يهوى الحياة وأما أن صددت فلا (يلتفت فيرى إيميليا والأمير جالسين على شاطئ
من هذا الذي أرى ... إيميليا ... ومن هذا الذي معها ... آه
الآن طاب الممات ... ولكن تموتين قبلي يا قاسية ... فلا خير في حياتي بدون حبك
(يأخذ غدارته
.
الأمير (شاهرا سيفه على البارون) :
من هذا؟! ... قف يا قاتل فلأذيقنك أشد النكال ... (يدخل اثنان من الحرس على صوت الرصاص) ... اقبضوا على هذا
(إيميليا بعد أن
إيميليا :
ويل لك يا شقي ... أإلى هذا بلغت بك الجسارة؟! أتتطاول على ولي نعمتك
(البارون ينتبه فيعرف الأمير فيركع
البارون :
هذا أنت يا مولاي! عفوا يا سيدي الأمير عن جريمتي ... فما دفعني إليها
الأمير :
أنت تحبها!
البارون :
نعم يا سيدي أحبها وأفضلها على نفسي ... بل أحبها حتى أن هواها أضل
الأمير :
خذوه الآن إلى السجن ... وغدا نرى ما يكون من أمره.
البارون :
لا بل يأذن لي مولاي أن أقول له ... إنني كنت قادما على نية قتله ... وإن لم
من الفضل والعدل ... وأسألك جاثيا على قدمي ... أن تأمر بقتلي ... وأن تنقذني من
الأمير :
إلى غد ... (تم الفصل الرابع)
الفصل الخامس (قصر الأمير)
الجزء الأول (الأمير - كاتم أسراره)
كاتم :
إذن ... فهذا عزم مولاي!
الأمير :
نعم ... قد عزمت أن أحتفل بالزفاف اليوم ... وما دام لا بد منه فلماذا
كاتم :
الأمر لك يا مولاي ... ولكن ألا تجد أنك عجلت في الأمر؟!
الأمير :
لقد قال المثل: لا تؤخر إلى الغد ما تقدر أن تفعله اليوم ... وأنا
كاتم :
العفو يا مولاي ... ليس هذا اعتراض ... فإن كل شيء قد تم حسب أمرك ... والقصر قد تهيأ لاحتفال العرس ... ووزعت أوراق الحضور على المدعوين ... (يدخل الخادم ويقول) :
خادم :
مولاي ... بالباب امرأة مقنعة ... تريد أن ترى الأمير!
الأمير :
ألم تقل لك عن اسمها؟
الخادم :
لم ترد أن تقول شيئا ...
الأمير (للكاتم) :
انظر من هي؟! (يذهب مع الخادم) ... لا
كاتم :
قل لها أن تدخل يا مولاي ...
الأمير :
ألم تقل لك من هي؟!
كاتم :
قل لها أن تدخل أولا ... ثم هي تخبرك عن نفسها بنفسها!
الأمير :
قد عرفتها ... فقل لها أن تدخل ... قل لها أن تدخل وحدها.
كاتم :
قد فهمت يا مولاي ... فأين أنتظر أمرك؟
الأمير :
في الغرفة الثانية ...
الجزء الثاني (الأمير وإيميليا)
إيميليا :
مولاي عفوا ... فقد تجاسرت ...
الأمير :
بل أنت شرفت يا روحي ويا أملي
فزدت قصري على ما كان بنيانا
أهلا وسهلا بمن حلت بساحتنا
جودا فكانت لنا روحا وريحانا
ومن سعت نحونا والسر يكتمها
شوقا فزادت خلوص الحب برهانا
مري فعبدك طوع الأمر واحتكمي
فأنت سلطانتي إن كنت سلطانا
إيميليا :
مولاي لم تكن من حقي زيارتكم
إلا إذا ما غدت في العرس إعلانا
لكنني جئت رغم الناس راجية
من لا نجيب بين الناس إنسانا
الأمير :
أنت تأمرين يا حبيبة قلبي ... فماذا تريدين؟! تكلمي ... فأنا رهن
إيميليا :
لقد حضر أهل البارون إلى عندنا اليوم ... وكان أهلي يشتغلون بمعدات الفرح
الأمير :
وماذا قالوا؟!
إيميليا :
قالوا: إن ابنهم أثيم يستحق العقاب ... ولكن حلم الأمير عظيم وواسع ... وقد
أو تخفيف العقاب على الأقل.
الأمير :
العفو عنه ... أو تخفيف عقابه!
إيميليا :
نعم يا مولاي ...
الأمير :
وماذا تريدين أنت من الأمرين؟!
إيميليا :
أرى أن الفتى جاهل ... يستحق القصاص.
الأمير :
إذن ... فكيف تطلبين العفو عنه؟!
إيميليا :
لا أطلب شيئا من ذلك ... ولكنني ألتمس ...
الأمير :
قلت لك أنت تأمرين ... فلا تلتمسي ... تكلمي ماذا تريدين؟!
إيميليا :
إنه لا يهمني يا مولاي ... عوقب هذا الفتى أم لم يعاقب ... وعفوت عنه
الأمير :
كلي آذان ... فتكلمي!
إيميليا :
مولاي ... إن هذا الرجل كان سيئ القصد ... فهو يستحق العقاب ... ولكنه لحسن حظه
الأمير :
ومن قال لك إنه لم يكن يقصدني!
إيميليا :
هو الذي قال ذلك يا مولاي ... فإنه إنما كان يقصد عاشقي أيا كان ... ويقصدني!
الأمير :
أتعرفين يا إيميليا؟!
إيميليا :
ماذا يا مولاي؟!
الأمير :
لو كان هذا الفتى يقصدني بنفسي ... وأصابني فعلا برصاصته ... وجئت أنت
لعفوت عنه في الحال ... ووقعت على ورقة العفو عنه بدمائي! فكيف وهو لم
إيميليا :
ولماذا يا مولاي؟!
الأمير :
لأنه كان يريد قتلك أنت ... أي يريد أن يقتل أعز من روحي ... وأغلا من
إيميليا :
مولاي!
الأمير :
ولكنني مع ذلك ... لا أخيب سؤالك ... ولا أبطل شفاعتك ... فأنت ملاك
إيميليا :
إذن ... فقد أجبت سؤالي يا مولاي ...
الأمير :
ومن يقدر أن يعصي هذه العيون إذا أمرت؟! ومن يرى هذا الجمال الباهر ... ولا يعفو عن كل إساءة وذنب؟!
إيميليا :
لا أقدر أن أقول لك شيئا من عبارات شكري ... لأن ذلك مما يضيق عنه لساني ... كما ضاق بحبك جناني ... فاسمح لي الآن أن أرجع ... فإن أهلي في انتظاري ... وكلهم ينتظرون الجواب.
الأمير :
أهكذا تذهبين سريعا ...
إيميليا :
يا حبذا لو كان يمكنني البقاء ...
الأمير :
إن لم يكن ممكنا الآن ... فإنه سيمكن في هذا المساء ... ولكن اصبري ... فإنني
الجزء الثالث (الأمير يقرع الجرس فيدخل الخادم)
الأمير :
ناد كاتم أسراري ... (يذهب) ... ذلك
إيميليا :
ما أكرم أخلاقك يا مولاي ... (يدخل
الأمير :
أين البارون الذي كان يريد قتلي؟
كاتم :
في سجن القصر ...
الأمير :
قل لهم أن يحضروه إلي (يخرج) .
إذا عفوت فإن العفو منك أتي
وإن تفضلت فالأفضال جدودك
أضحى فؤادي أسيرا في هواك لذا
طوعا لأمرك قد أطلقت أسراك
لا تحسبي أن لي فضلا بعفوك عن
هذا الأثيم فرب الفضل عيناك
غدت لحاظك في قلبي محكمة
وها رعايا بلادي من رعاياك (يدخل الكاتم.)
كاتم :
مولاي ... قد أحضروا البارون ...
الأمير :
أدخلوه إلى هنا ... (يدخل البارون بين أيدي
البارون :
من أرى؟! ... يا ربي! ... إيميليا أيضا هنا؟!
الأمير :
نعم ... هي التي تسعى الآن في العفو عنك ... كما سعيت أنت في قتلها! فما الذي حملك على هذا الفعل؟!
البارون :
لقد أخطأت يا مولاي عن جهل ... فليكن عفوك عن عقل ... وقد أجرمت
الأمير :
ماذا تريد أن أصنع بك؟
البارون :
عجل بقتلي فإن الموت أيسر لي
من الحياة بلا حب ولا أمل
أذنبت ذنبا عظيما ليس تغفره
نفسي إذا أنت قد أضحيت تغفر لي
يكفي عذابي وتبكيت الضمير بما
أذنبته فمماتي غافر زللي
رفعت كفي على مولاي منتقما
وكدت أقتلها جهلا ولم أسل
عجل بقتلي كما عجلت في عملي
فإنما خلق الإنسان من عجل
الأمير :
أنت تطلب القتل لنفسك ... وهي تطلب العفو عنك! فأيكما أولى بإجابة
إيميليا :
الحكم لك يا مولاي ... وأنت رب الأمر ...
الأمير :
بل الأمر لك يا سيدتي ... وأنا أعفو عن البارون إجابة لسؤالك ... فما كنت
البارون :
أتعفو عني يا مولاي ... تلك مكارم لم أكن أعهدها ... ومروءة قلما سمعت
الأمير :
أتخرج من البلاد؟!
البارون :
نعم يا مولاي ... فذلك أولى من بقاء تحت عماد الجريمة والقتل ... وإذا كان
سأهجر أوطاني إلى أرض غربة
لكي لا يراني عاذل ورقيب
أعيش بعيدا في بلاد غريبة
وأقضى ولا يبكي علي قريب
أموت غريبا إذ شئوني غرائبا
فذنبي غريب والسماح غريب
عليكم سلام الله إن مت فاذكروا
شبابي وقولوا مات فهو مصيب
وقولوا محب نازح عن حبيبة
فمات ولم يندب عليه حبيب
إيميليا :
والآن ... فهل يسمح لي مولاي بالانصراف ...
الأمير :
يعز علي فراقك ...
إيميليا :
ولكنني أذهب لأعود يا مولاي ...
الأمير :
نعم ... وتعودين أميرة ... مالكة على قصري وبلادي ... كما أنت مالكة على جسمي
(للكاتم) : اذهب أيها الصديق مع
(يدخل خادم) .
خادم :
مولاي ... بالباب وزراء الدولة وكبرائها، ينتظرون الإذن العالي بالدخول ... فقد تفضل مولاي ودعاهم للحضور في هذه الساعة.
الأمير (لنفسه) :
نعم ... نعم هذا موعدهم ... فليدخلوا (يتوارى
.
الرئيس :
قد صدر إلينا أمر الأمير المعظم ... بالمثول بين يديه ... لاجتماع
الأمير :
إنما دعوتكم لأمر أراه يسركم كما يسرني (حركات استعداد لسماع أمر خطير) . وذلك أني بعد التفكير
الرئيس :
إننا أيها الأمير العظيم ... مستبشرون كل الاستبشار ... بما تفضلتم
الأمير :
وقد رأيت ... أن أفضل ما يكون الزواج لمثلي ... بأن أنظر فيه أولا
الرئيس :
قد أحسن مولاي بنظره هذا ... وحكومة سموه توافقه على هذه الخطة الجديدة ... التي تدل أحسن دلالة ... على حب الأمير الصادق لبني جنسه المخلصين
الأمير :
إني شاكر لحكومتي دوام حسن ظنها بي ... ورجائي أن أكون وإياها
(الوزراء كل بدوره) :
الرئيس :
أهنئكم يا مولاي ... ونعم القرينة الفاضلة ...
أحدهم :
أحسنتم يا مولاي ... هنأكما الله ...
كبير الأعيان :
أسأل الله أن يوفق مولاي وقرينته الكريمة ... ويمن عليها بطول العمر
الأمير :
أكرر شكري لكم أيها الوزراء الكرام ... وأبشركم أننا سننتقل من هنا إلى
الرئيس :
نحن متأهبون لإجابة دعوة مولانا الأمير ... أيده الله (يخرجون جميعا) .
منظر ثان (بيت العروس أبو إيميليا وأمها وجمهور ينشدون)
هذا زمان الصفاء أقبل
وأنسنا بالهنا تكمل
فهاتها للندمان
على سماع الألحان
ما بين آس وبان
واعطف غصون القدود
من كل ظبي شرود
مولع بالصدود
وقم وجدد لنا المؤمل
فليس وقت السرور يهمل (عند انتهاء هذا الإنشاد يكون الأب والأم متقدمين جهة الناس،
الدون فيليب :
الحمد لله يا شريكة حياتي وقرة عيني ... على ما أتم به لنا الهناء
الدونا فيليب امرأته :
إني أحمد الله على ذلك كثيرا ... ومثلك يا سيدي من الآباء الكرام
الدون (مبتسما) :
إنك أيتها العزيزة تنشئين لي قصيدة مدح وثناء.
الدونا :
لا، بل يجوز لي أن أقول لك مرة، في أسعد فرص العمر، ما طالما صنته في
الدون فيليب :
واسمحي لي في هذه الفرصة الجميلة ... أن أقول لك ... إن أول يوم سعدت
(يدخل
مولانا الأمير ووزراؤه وقواده وكبراء حاشيته ... (يصطف الجمهور، ويتقدم الأب والأم مسرعين
:
عقد الله راية الفخر
لأمير البلاد
وتجلت مكامن البشر
في سماء الفؤاد
شمس حسن زفت إلى بدر
فبلغنا المراد
رب زده قدرا على قدر
وأبقه للبلاد (بعد هذا الإنشاد، يكون قد انتظم المجلس، فيقول
الأمير :
إني أيتها السيدة الفاضلة ... أشكر الله على النعم العظيمة ... التي
على يد ملاك كريم ... ويا حبذا لو استطعت أن أجعل قرينتي سعيدة ... كما
(يلتفت إليه
أن يجعلك سعيدة.
الدونا :
إن ابنتنا يا مولاي تقترن منك ... بأمير محب شريف ... وأنت تقترن
الدون فيليب :
قد أقبلت عروسك يا مولاي ... لتتفضل بتقديمها لعبيدك الماثلين
(يتقدم الأمير لاستقبالها، وينشد
.
هذا شبيه القمر
قد سفر
يعشقه القلب والنظر
تجلت له وتجلى
فكان لنا
مطلع النيرين
يا أميرة الحسان يا سلافة النديم
بورك القران بورك النعم (يهبط الستار، والأمير متجه إلى الأميرة، كأنه
(تمت بحمده تعالى)
يوم الاربعاء 23 أغسطس سنة 1899.
السيد محمد الأزهري
نامعلوم صفحہ