أما الزمخشري فهو في جمهرة آرائه يتفق ونحاة البصرة (١). يدل على ذلك (مفصله) الذي كان متأثرا فيه بكتاب سيبويه. تشهد بذلك عباراته وأمثلته، فهو كان يقول بآراء البصريين، وستعمل مصطلحاتهم. وقد تأثر ابن الحاجب به، وأورد كثيرا من آرائه، وجعل قسما من أماليه لمواضع من (المفصل). ويدل على اهتمام ابن الحجب بالزمخشري وتأثره به أنه قام بشرح كتابه (المفصل) في كتاب سماه (الإيضاح في شرح المفصل).
فهذه الأمثلة وغيرها تظهر لنا أن ابن الحجب كان يميل إلى المذهب البصري وهذا واضح في أماليه؛ فهو يحكم بأن مجيء كلمة (ذلك) بمعنى (الذي) في قوله تعالى: (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ذلك هو الضلال البعيد) (٢) رأي ليس بالقوي، لأن اسم الإشارة لا يقع عند البصريين بمعنى الذي (٣). فالرأي ضعيف عنده لعجم وروده عند البصريين، مما يدل على ميله لمذهبهم. ويقف بجانبهم في أن المصدر أصل الاشتقاق (٤)، وأيدهم في أن (لات) بمعنى ليس، وليست نافية للجنس (٥). وغير هذه الأمثلة كثير. ويستطيع المطلع أن يقرر عن يقين ووضوح هذا الميل إلى جانب البصريين. وفوق هذا كله فابن الحاجب نفسه كان يصرح ببصريته بحيث لا يشك باحث منصف بأنه كان يذهب مذهبهم ويقف إلى جانبهم، قال في الإملاء (٧٧) من الأمالي على المفصل، على قول الزمخشري: "وما نقله الكوفيون من قولهم: الثلاثة الأثواب فبمعزل عند أصحابنا عن القياس واستعمال الفصحاء". قال: "أما القياس فلما ذكرناه وأما استعمال الفصحاء فنحو ما أنشده وما تمسك به
_________
(١).المدارس النحوية ص ٢٨٤
(٢) الحج: ١٣
(٣) الإملاء (٨) من الأمالي القرآنية.
(٤) الإملاء (٨٨) من الأمالي على المفصل.
(٥) الإملاء (٨٦) من الأمالي على المفصل.
1 / 21