امید اور یوٹوپیا
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
اصناف
ذلك أن الأحلام التي تتم في الليل تتغلب عليها صور خيالية مختفية طويلا في أعماق الأنا، بحيث إن الحلم يكتنفه الغموض وعدم الوضوح، ويتقنع في شكل رمز خفي، ولما كان الشخص الحالم لا يفهم العنصر الرمزي الكائن فيه، لذلك كانت مهمة التحليل النفسي هي تفسير رموز هذا النوع من الأحلام التي تتنوع وتتباين في أشكال مختلفة منها الأحلام بالسعادة، والأحلام بإشباع الرغبات - وهي الأحلام الغالبة - فضلا عن أحلام القلق النفسي.
ويرجع فرويد المصدر الأساسي للقلق إلى لحظة الميلاد وانفصال الطفل عن الأم حين يجد نفسه وحيدا مهجورا بلا حماية. وهذه اللحظة في رأيه هي سبب القلق النفسي، وربما أمكن رد أصل القلق وأحلامه إلى لحظة الميلاد. ولكن بلوخ يقدم تفسيرا آخر للقلق غاب عن أصحاب مدرسة التحليل النفسي، وهو تفسير يقوم في جوهره على المعوقات الاجتماعية التي تحول دون إشباع دافع المحافظة على النفس - الذي سبق الحديث عنه - لذلك يأخذ بلوخ على فرويد تفسيره للقلق النفسي دون النظر إلى البيئة الاجتماعية والظروف التي ليس لها علاقة بالشهوة الجنسية. وليس أدل على هذا من اعتراف فرويد بهذا المعني عندما قال: «ليس الكبت هو الذي يسبب القلق، وإنما القلق هو الذي يسبب الكبت.» ويؤكد بلوخ أن الجوع والوضع الاقتصادي السيئ بالإضافة إلى القلق الوجودي، هي الدوافع الإيجابية والموضوعية للقلق، وهذا القلق في رأيه لا يكون إلا في مجتمع برجوازي يقوم على أساس مبدأ المنافسة الحرة، أي على أساس علاقات الصراع حتى داخل الطبقة الواحدة في المجتمع. أوجد هذا الصراع بين الأفراد قلقا متواصلا لا يحتاج لتفسيره إلى التذرع بالشهوة الجنسية أو بالرجوع إلى لحظة الميلاد. إنه وضع موجود في العالم الخارجي. وهناك شواهد تاريخية تبرهن على صدق هذا التفسير، وكلنا يعرف ما سببته الحربان العالميتان الأولى والثانية، والقلق الذي سببته الفاشية والذي لا يحتاج تفسيره إلى الرجوع للحظة الميلاد والصدمة الأولى للطفولة.
15 (2) الوعي في أحلام اليقظة
إن أحلام اليقظة هي موضوع اهتمام بلوخ، وتكاد أن تكون بالنسبة له بمثابة مقولة معرفية مختلفة اختلافا واضحا عن النوع الأول. إن أحلام اليقظة صور فنية مختارة بحرية تنشأ عن أماني غير متحققة. وهي لا تشبه أحلام الليل لأنها تتضمن حافزا محددا ومتواصلا نحو التحقيق الفعلي لما هو متخيل. إنها تعيد تركيب الواقع بخيال مبدع خلاق لتجعله مقبولا. ولذلك يعارض بلوخ مدرسة التحليل النفسي التي تحيل كل الأحلام إلى نوع من التنفيس عما هو مكبوت. وتتميز أحلام اليقظة بمجموعة من الخصائص: (أ)
وضوح الطريق، بمعنى أن الأنا الحالمة ترسم معالم هذا الحلم بوضوح، وتبدأ رحلتها من أي نقطة تشاء وتنتهي حيثما تريد. فالحالم يحدد الطريق الذي سوف يسلكه لتحقيق حلمه، ولكنه لا يبعد كثيرا عن الواقع، ولا تغلبه صوره الخيالية، أي أن الرحلة إلى الما وراء لا تأخذه بعيدا عن هذا الواقع وإنما تدفعه إلى تجاوزه. وفي أحلام اليقظة تتنوع فرص الاختيار، وتنتقل الذات الحالمة من حلم إلى آخر في حرية تامة، بينما الحالم في الليل لا يعرف ما يأتيه به اللاوعي أو ما تحت الوعي. (ب)
الأنا الواعية، تتميز الأنا في حلم اليقظة بالقوة لا الضعف، بل إنها تكون في كامل يقظتها ووعيها وعلى الرغم من أن أحلام يقظتها تستحوذ عليها، فقد تحررت من الرقابة الأخلاقية للأنا العليا. وعلى العكس من ذلك نجد «الأنا» الحالمة في الليل ضعيفة وغائبة عن الوعي، تفرض عليها «الأنا العليا» رقابتها وسلطتها. وعندما تتيقظ وتعود للوعي لتحيا في سياق حياتها وعالم يقظتها تنفصل عن الحلم انفصالا تاما. ومعنى هذا أن «أنا» حلم اليقظة ليست معزولة عن حلمها ولا نائمة ولا تخضع لرقابة الأنا العليا كما هو الحال في الحلم الليلي.
16 (ج)
إصلاح العالم، إن كل أحلام اليقظة تتجه إلى ما هو أفضل، أي إلى الحلم بعالم أفضل. من هنا تأتي محاولة تحقيق هذه الأحلام، التي هي مختلفة بالتأكيد عن أحلام مرضى الشيزوفرينيا (الفصام) والبارانويا (جنون الاضطهاد)، الأولى كحالة نكوص والثانية كحالة إسقاط. وعلى الرغم مما بين الحالتين من اختلافات، إلا أنهما يمثلان حالة هروب من الواقع بالاسترسال في التخيل. ومع ذلك فإن اليوتوبيين لديهم شيء من البارانويا، لأن كل مبدع حقيقي لديه مئات الصور الخيالية غير الواقعية، ولكن أهم ما يميز حلم اليقظة عن هذا النوع من الأحلام المرضية، هو قدرته على الاتصال بالعالم الخارجي، لأنه منفتح على العالم عن طريق صور خيالية مفعمة بالتمني، هي بمثابة عالم مخطط بشكل أفضل، عالم بلا يأس أو خيبة أمل.
17
والواقع أن فرويد نفسه يشيد بأحلام اليقظة في مجال محدد على الأقل حيث يقول: «أحلام اليقظة هي المادة الأولية للإنتاج الأدبي، فالكاتب يأخذ في تحويرها وتنكيرها أو اختزالها حتى يخلق منها المواقف التي يضمنها قصصه ورواياته ومآسيه.»
نامعلوم صفحہ