امید اور یوٹوپیا
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
اصناف
إن كل نظريات علم النفس لم تبدأ من أبسط الدوافع البشرية وأهمها على الإطلاق، ألا وهو دافع الجوع. وهذا الدافع الذي لا بد من إشباعه أولا ليحفظ الفرد حيا - والذي استبعدته نظريات علم النفس من أبحاثها - يسميه بلوخ دافع المحافظة على النفس
Self-Preservation
إن الدوافع الأساسية عند كل من فرويد ويونج وآدلر، هي عند بلوخ بمثابة أوثان أو أصنام مطلقة انتزعت من الجسم الإنساني الحي الذي يحرص قبل كل شيء على حقه في البقاء، وهذه الدوافع لا تناقش الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة، مع أن صرخة الجوع هي الدافع الأكثر إلحاحا، الذي يظهر بشكل عيني مباشر، والجوع دافع لا يمكن تجنبه، ناهيك عن استحالة كبته في اللاوعي: «إن المعدة هي المصباح الأول الذي يجب أن يصب فيه الزيت إذا أريد لرحلة الحياة أن تبدأ.»
8
وتأسيسا على النقد السابق يصف بلوخ علم النفس الفرويدي بأنه علم نفس برجوازي، لأن الشهوة التي يعاني منها أفراد الطبقة البرجوازية - وهم زوار فرويد ومرضاه - هي التي جعلته يضع الدافع الجنسي في مقدمة الدوافع البشرية. إن هذه الطبقة لم تعان الفقر ولا تعرف حقيقة الجوع، وصرخته القوية لن يعرفها سوى أفراد الطبقة الدنيا الذين ليسوا من المترددين على فرويد ولا يخضعون لتحليله النفسي، أضف إلى هذا أن الحافز على الصراع الذي تخوضه الطبقة الكادحة لم يأت من الشهوة الجنسية كما تصور فرويد، ولا من العلو على الشعور بالدونية وعلى قناع الشخصية الذي لا يلائمها كما تصور آدلر، ولا من النكوص والتراجع للعصور الأولى كما تصور يونج. فليس هناك تصور جنسي للتاريخ ولا تفسير للعالم من خلال الشهوة وانحرافاتها، وإنما يكون التفسير الصحيح للتاريخ على أساس الاقتصاد وبنائه الفوقي. والواقع أن العامل الاقتصادي هو لب الموضوع، وإذا كنا لا نستطيع أن نقول إنه هو العامل الوحيد، فهو العامل الأساسي الذي يعبر عن «المصالح الأولية » التي تحرك التاريخ.
هكذا يتضح أنه ليست هناك دوافع مطلقة، فكلها تخضع للتغير التاريخي بحيث تنشأ دوافع جديدة مع أهداف جديدة لكل عصر تاريخي. ولا يمكن للإنسان أن يرتد للبدائية الأولى مرة أخرى بعد أن روضته التغيرات التاريخية. قد يتحول إلى البربرية مرة أخرى، لكنها بالتأكيد ليست البربرية الأولى، بل نوع آخر جديد. ولو نظرنا إلى هؤلاء البشر الذين نطلق عليهم - في أيامنا هذه - البدائيين، لوجدنا أنهم ليسوا المخلوقات البشرية القديمة، بل يمثلون بقايا فاسدة خلفتها حضارات كبيرة.
9
إن الدوافع الأساسية - كما سبق القول - ليست مطلقة في كل زمان ومكان، فكل عصر تاريخي يفرض دوافعه طبقا لمتطلباته الأساسية، ولكنها - أي الدوافع - لا تنفصل عن الوجود الاقتصادي للبشر في أية مرحلة تاريخية. وإذا كان البشر يشتركون مع الحيوان في الإحساس الملح بالجوع، فإن هذا يؤكد من ناحية أن العوامل والمصالح الاقتصادية في الإطار والمرجع النهائي للدوافع، كما يؤكد من ناحية أخرى أن هذه العوامل والمصالح تتغير تبعا لتغير أشكالها التاريخية، كالتغير في أساليب الإنتاج والتبادل، بل إن هذه الحاجة الملحة نفسها - وهي الجوع - تتغير أيضا تبعا للأساليب التي تلبى بها، كما أن الإنسان الذي يسعى من أجل البقاء على الحياة، ويعيد بناء نفسه من خلال الغذاء وإنتاجه، هو نفسه كينونة متغيرة تاريخيا من خلال العمل، وليس التاريخ إلا تحولات الإنسان، وتحولات الذات المتطورة.
10
وإذا كانت كل الدوافع - باستخدام لغة علم النفس - لا بد من إشباعها، فلا بد أن يكون السؤال الآن: كيف يتم إشباع الجوع؟ كيف يتحرك هذا الدافع - من مجرد إحساس داخلي مؤلم - فيمضي قدما ليبدأ أولى خطواته في العالم الخارجي نحو الإشباع؟ عندما يزداد الجوع يتغير شيء ما فجأة، يتمرد جسد الذات ويتجه للخارج، لا بحثا عن الطعام فقط، بل بحثا عن تغيير الوضع الذي سبب لمعدته الخواء. وتعلن الذات المتمردة رفضها للوضع السيئ القائم فتقول له «لا»، كما تقول «نعم» لحياة أفضل. هنا تتحول الحاجة إلى عامل ثوري، إلى أداة للتغيير الذي يبدأ دائما من الجوع، هذا الجوع الذي تحول بعد أن ازداد خبرة ووعيا إلى قوة مدمرة لسجن الحاجة.
نامعلوم صفحہ