امید اور یوٹوپیا
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
اصناف
ويشترك كل من الإنسان والحيوان في هذه الرغبات، وبينما تقتصر رغبات الحيوان على كل ما هو حسي، نجد الإنسان وحده هو القادر على رسم هدفه وتحديده، وهو أيضا الكائن الوحيد القادر على التمني الذي ينشأ من تخيل ما هو أفضل، وعادة ما تكون الأمنيات صورا مزدهرة ومفعمة بالألوان المشرقة. إن الإنسان تحركه مجموعة من الدوافع المركبة. لكن هذه الدوافع ليس لها وجود مستقل عنه، فهو دائما يقف وراءها لإشباعها، وعندئذ تظهر دوافع ورغبات أخرى إلى ما لا نهاية له. إن الإنسان يشعر دائما بالافتقار كما لا يشعر به مخلوق آخر، وقد تطورت الدوافع مع تطور التاريخ وظلت على الدوام نهمة لا تشبع.
4
إذا كان الوعي ينشأ عن الدوافع فما هي هذه الدوافع؟ هل هي تلك التي يخضعها علم النفس للدراسة والتحليل؟ وهل هناك اختلاف بين ما يهدف إليه بلوخ من بحثه في الدوافع، وبين ما توصل إليه علماء النفس في نظرتهم إلى الدوافع؟ الحق أن الاختلاف لا يكمن في عدد الدوافع أو نوعيتها، وإنما يكمن في تحديد الدافع البشرى الأساسي الأول. والاختلاف حول هذا الموضوع لا يقتصر على بلوخ وعلماء النفس؛ إذ نجد علماء النفس مختلفين فيما بينهم حول تحديد هذا الدافع الأول. فالدافع الجنسي هو محور إنسان فرويد (1856-1939م)، وإلى جانبه توجد دوافع أخرى للذات أو الأنا العليا التي تقف معارضة للقوى الجنسية، وتنشأ العقد النفسية من كبت الأنا للدوافع الجنسية وطمسها أو قمعها في اللاوعي بحيث تختفي من وعي الأنا. وكل ما أراده فرويد من التحليل النفسي هو إظهار الكبت واللاوعي إلى النور للتمكن من قهر الاضطرابات العصبية والنفسية والسيطرة عليها.
5
وليس الهدف هنا الاستطراد في الحديث عن اللاوعي والتحليل النفسي الفرويدي، ولكن الهدف هو بيان الاختلاف بين «لا وعي التحليل النفسي» ووعي ال «ليس-بعد».
إن التقدم الذي يحرزه علماء النفس في أبحاثهم لإظهار اللاوعي إلى النور ورفعه إلى مستوى الوعي لا يخرج عن تفسير ما هو موجود بالفعل، أي ما كان مكبوتا في اللاوعي وجاء الوعي ليطلق سراحه. وبذلك يمكن القول إنه لا جديد في الوعي الفرويدي. وها هو ذا إريك فروم يقر بأن الإنجاز الأساسي لفرويد في التحليل النفسي هو الكشف عن التعارض بين السلوك والشخصية، بين القناع الذي ألبسه والحقيقة المختفية وراءه. وتوصل فرويد إلى أسلوب «التداعي الحر، تحليل الأحلام، التحويل، والمقاومة» هدفه الكشف عن الرغبات الغريزية (الجنسية أساسا) التي تم كبتها في الطفولة المبكرة. وحتى بعد التطورات اللاحقة في نظريات التحليل والعلاج النفسي التي أكدت أهمية الصدمات التي حدثت في مجال العلاقات مع الآخرين، وليس في المجال الغريزي فحسب، فإن المبدأ ظل هو أن ما تم قمعه هو الرغبات والمخاوف الصدمية المبكرة، والسبيل للشفاء من الأعراض والأمراض بشكل عام هو الكشف عن هذه الأمور المكبوتة، وبتعبير آخر، فإن ما جرى قمعه هو العناصر الطفولية واللاعقلانية الفردية في التجربة.
6
ويظهر هذا بشكل أوضح عند يونج (1875-1961م) الذي أحال مضمون اللاوعي إلى النماذج الأولية؛ إذ يرد «علم النفس التركيبي» عنده الاضطرابات العصبية - على حد تعبير بلوخ - إلى ليل أسلافها. وبينما يحلل علم النفس التحليلي الرمز إلى أجزاء أساسية، يقوم علم النفس التركيبي بتكثيف الرمز إلى تعبير يمكن إدراكه وفهمه.
7
وهكذا نرى أن اللاوعي الفرويدي فردي مملوء بمجموعة من الدوافع المكبوتة المكتسبة بطريقة فردية من الماضي القريب، في حين أن اللاوعي اليونجي جمعي وبدائي، وكلاهما لا يتضمن شيئا جديدا، وإنما يهرب من الحاضر ويدمر المستقبل. ولا يختلف الأمر عن ذلك كثيرا عند آدلر (1870-1937م) - مؤسس علم النفس الفردي - فكل شيء عنده ينشأ منذ البداية بصورة فردية من خلال اللاوعي . وعلى الرغم من أن الدافع البشري الأساسي عند آدلر قد أصبح هو إرادة التسامي والعلاء، إلا أنه لا يعد من الدوافع الأساسية في نظر بلوخ.
نامعلوم صفحہ