امید اور یوٹوپیا
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
اصناف
17
فكما ينهار البناء بتدحرج الحجارة في سفر دانيال وتنشأ مملكة جديدة، أعلن مونتسر انهيار مملكة الأمراء ومجيء نظام جديد جوهره هو الطبقات الدنيا وليس لوثر أو الأمراء. وعلى الرغم من نمو الوعي السياسي لمونتسر الذي جعل الفقراء والمطحونين يلتفون حوله، فقد كان اللاهوت هو الخلفية الأساسية لهذا الوعي. لقد نمت رؤيته الدينية وسياسته الثورية وعزز كل منهما الآخر فازداد الغضب وتفجرت الثورة في كل من القائد والجماهير، وذهبوا جميعا يدا في يد مسلحين برؤية دينية وكونية وتحولت المعركة إلى ما يطلق عليه حرب الفلاحين، وهي الحرب التي بدأت بدفاع درامي عن قضية الفلاح وانتهت بسحق الأمراء للفلاحين وإعدام مونتسر.
18
وفي عام 1930م نشر بلوخ كتابه «آثار» وهو من قبيل السيرة الذاتية، ويعد عملا أدبيا هاما يتألف من مقطوعات من الشعر المنثور اقتبس بلوخ عبارات عديدة منها، استهل بها افتتاحيات أقسام كتابه «مبدأ الأمل». وفي عام 1935م ظهر في سويسرا كتابه «ميراث هذا الزمان» وهو تحليلات نقدية للوعي الزائف الذي اتسمت به البرجوازية الألمانية في فترة العشرينيات، وتتبع لنشأة النظام الفاشي الذي كمنت بذوره في الواقع المعيش بجانب نقد مبكر لدعايات الحزب الشيوعي الألماني وللدعاية الفاشية، واستطاع فيه بلوخ - بحسه التاريخي المرهف ووعيه الحاد بالحاضر - أن يلمس إرهاصات العهد الآتي ويستشف سماته المستقبلية، أي أنه استطاع - بنظرة نقدية وعينية للحاضر - أن يكتشف الإمكانيات التي يحملها المستقبل في جوفه، وكيف مهدت حقبة العشرينيات لظهور الفاشية التي استولت على السلطة في أوائل الثلاثينيات، وكان من الطبيعي أن يصادر هذا الكتاب من قبل السلطة الحاكمة.
وفي عام 1946م صدر كتاب «الحرية والنظام» وهو استعراض لليوتوبيات الاجتماعية منذ بداية التفكير البشري سواء أكانت في الماضي الذهبي أم في المستقبل المرجو، وقد تناول بلوخ هذه اليوتوبيات تناولا خاصا؛ إذ تتبع فيها بذور الأمل في الفكر البشري، وضم هذا الكتاب فيما بعد إلى القسم الرابع من «مبدأ الأمل». وفي عام 1951م صدر كتابه «الذات-الموضوع شروح على هيجل» وقد ركز بلوخ في هذا الكتاب على بيان الأسس النظرية لفلسفته في التاريخ وتأكيد مدى الاختلاف بين نسقه المفتوح المندفع نحو المستقبل، وبين نسق هيجل المتكامل تكامل الدائرة المغلقة على نفسها، كما بين الطرق التي يستطيع جدل هيجل من خلالها أن ينطلق ويتسع ويخرج من نطاق الدائرة. وفي عام 1952م صدر كتابه «ابن سينا واليسار الأرسطي» بمناسبة الذكرى الألفية لابن سينا. وقد قدم فيه تصورا جديدا للمادة بعد أن تتبعها منذ أرسطو وابن سينا، وابن رشد، وابن جبيرول حتى ممثلي «اليسار الأرسطي» في أواخر العصور الوسطى، ومن جوردانو برونو في عصر النهضة حتى اسبينوزا في القرن السابع عشر، إلى أن اكتملت في المادية الجدلية التاريخية عند ماركس وإنجلز.
وفي عامي 1954 و1955م على التوالي صدر الجزء الأول والثاني من كتابه الأساسي «مبدأ الأمل»، ثم صدر في عام 1959م الجزء الثالث من هذه الموسوعة الثقافية الكبرى التي لا يعادلها في الفكر الألماني سوى «ظاهريات الروح» لهيجل، ولا يناظرها في الأدب الألماني سوى «فاوست» جوته. وهذا العمل الضخم المكون من ثلاثة أجزاء - والذي استغرقت كتابته أحد عشر عاما - يحتوي على النسق الفلسفي الكامل لفكر بلوخ اليوتوبي ويقدم موسوعة للأمل البشري، حتى ليمكن القول بأن كل ما صدر قبل هذا الكتاب كان بمثابة إعداد وتمهيد له، وكل ما صدر بعده تنويعات أو شروح على كل تلك الأفكار الأساسية التي تضمنها، وهو صرح فلسفي كبير سيطر فيه بلوخ على مادة موسوعية هائلة ونظمها وأدارها حول فكرته الرئيسية، ألا وهي فكرة الأمل. والواقع أن البناء «السيمفوني» للكتاب يكشف عن فرط عشقه للموسيقى وولعه بها، فجاء «مبدأ الأمل» أشبه بسيمفونية كبيرة تتصاعد نغماتها تدريجيا في لحن متدفق جياش. كما يتضمن اكتشافات مشرفة لخيال البشر وآمالهم وفنونهم وثقافتهم التي يؤمن بلوخ بأنها مفاتيح لإمكانات بشرية من أجل بناء عالم أفضل، وأن هذا الميراث الثقافي يتوجه نحو مجتمع اشتراكي باعتبار أن هذا الأخير يحقق أحلام البشر وآمالهم.
لم يكن من قبيل المصادفة أن يبدأ بلوخ نسقه الفلسفي بعد بلوغه سن الخمسين، فعلى الرغم من أن القارئ ل «مبدأ الأمل» يكاد يضيع في زحمة التفصيلات اللامتناهية التي استقاها المؤلف من التاريخ العقلي للبشرية، وعلى الرغم أيضا من صعوبة أسلوبه التي اعترف بها المؤلف نفسه في مقدمته للكتاب: «إن قراءته ليست سهلة، بل تزداد صعوبة كلما توغلت فيه.»
19
إلا أن القارئ يستطيع أن ينظر إلى هذا التاريخ كله من منظور الخلاص الممكن «ومبدأ الأمل» الذي تصور بلوخ أنه المحرك للوجود والإنسان، وأن الاغتراب الذي تستشعره الأنا ليس وضعا نهائيا في واقع يبدو مغلقا، وإنما يفتح الأمل الكامن في «الهنا والآن» على مستقبل الإنسان والعالم. ولذلك ليس غريبا أن يستهل بلوخ كتابه بهذه التساؤلات: من نحن؟ من أين أتينا؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا ننتظر؟ وماذا ينتظرنا؟
20
نامعلوم صفحہ