التخريج ودراسة الأسانيد
لفضيلة الشيخ الدكتور
حاتم بن عارف الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مستحق الحمد ووليه، وصلواته على خيرته من خلقه وصفيه، نبينا محمد خاتم الرسل، المبعوث بأفضل الأديان والملل، وعلى مجيبي دعوته، ومصدقي كلمته، المتبعين لشريعته، والمتمسكين بسنته، وعليه وعليهم أفضل السلام، ومتتابع الرحمة والإكرام (١) .
أما بعد: فهذه الطبعة الثانية من مذكرة التخريج ودراسة الأسانيد، لفضيلة الشيخ: حاتم بن عارف الشريف -حفظه الله-، والتي كانت في الأصل دروسًا ألقاها فضيلته في صيف عام ١٤١٩هـ، بجامع الشيخ: عبد العزيز بن باز ﵀، بمكة المكرمة -حرسها الله-. وقد فُرِغت أشرطة هذه الدروس من قبل الأستاذ الفاضل: وائل الحارثي -وفقه الله-، وكانت منتشرةً بخط يده، ثم استأذنتُ الشيخ -حفظه الله- أن أكتبها بالكمبيوتر وأنزلها على الإنترنت، فسمح -حفظه الله- بذلك. وبدئت العمل فيها منذ فترة، وخرجت بحمد الله الطبعة الأولى منها، ولكن الاستعجال في إخراجها أدى لوجود بعض الأخطاء فيها، مما حداني إلى النظر في الأخطاء وتصويبها، وعرض بعض المواضع على الشيخ -حفظه الله-، الذي أضاف وحذف وعدّل؛ فكانت هذه الطبعة -ولله الحمد- أصح بكثيرٍ من سابقتها.
وأحب أن أنبه على أن هذه الطبعة تختلف عن سابقتها، فلا يُكتفى بالطبعة الأولى عن الثانية؛ لأهمية التعديلات والإضافات في هذه الطبعة، ثم إن هذه الطبعة قد زُودت بكشاف للموضوعات، قام بوضعه الأخ الفاضل: عبده كدّاف -وفقه الله-، وسيُلحق بالمذكرة بإذن الله ملحق بأفضل طبعات كتب السنّة، ومن اقتنى المذكرة قبل أن يلحق بها؛ فليطلبه من مركز الأنصاري بمكة المكرمة -الذي قام بطبع هذه المذكرة-.
هذا وأسأل المولى -جل وعلا- أن ينفع بهذه المذكرة. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.
وكتب/ المعتني بالمذكرة:
خالد بن خلف الشريف
_________
(١) نقلًا عن مقدمة الخطيب البغدادي لكتاب موضح أوهام الجمع والتفريق ص٢.
1 / 1
الجزء الأول: التخريج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
التخريج ودراسة الأسانيد: علمٌ مهمٌ من علوم السنة المشرفة، وهو في الحقيقة الثمرة، التي من أتقن مقدماتها وما قبلها فقد وصل إليها، وحقق ما يريده من دراسة علوم السنة؛ وهو تمييز المقبول من المردود مما ينسب ويضاف إلى النبي ﷺ والى صحابته، والتابعين كذلك.
وهذا العلم لا يتقنه ولا يحسنه إلا من أتقن علوما ثلاثة؛ هي في الحقيقة أصول علوم الحديث:
العلم الأول: علم أصول الحديث: وهو مصطلحه، وقواعده.
العلم الثاني: وهو داخل في الأول، ويُخص لأهميته: وهو علم الجرح والتعديل.
العلم الثالث: علم مصادر السنة، سواء المعتنية بإخراج الأحاديث بالأسانيد أو كتب التراجم.
ثم إن إتقان هذه العلوم الثلاثة لا يتمُ إلا بممارسة التخريج من وقت مبكر، فبينهما تلازم كبير. فينبغي للطالب من حين دراسة مختصر في علوم الحديث أن يبتدئ في التدرب والتمرن على التخريج. وتخريجه للحديث في الوقت المبكر لا يعني أنه أتقنه، ولكن نطالبه بذلك حتى يتقن علم المصطلح وعلم التخريج أيضًا.
* (تعريف التخريج):
* التخريج لغةً: مصدر الفعل خرَّج بمعنى أظهر وأبرز، فالتخريج هو الإظهار والإبراز.
* وفي الاصطلاح: عزو الحديث إلى مصادره الأصلية المسندة، فإن تعذرت فإلى الفرعية المسندة، فإن تعذرت فإلى الناقلة عنها بأسانيدها، مع بيان مرتبة الحديث غالبًا.
1 / 2
علاقة التعريف الاصطلاحي باللغوي ظاهرة: وهي أنك بعزوك للحديث أظهرته وأبرزته وأعلمت أماكن وجوده، إضافةً إلى أن حكمك على الحديث يعطيه مكانةً وقدرًا، ويعرِّف القارئ من خلال حكمك هل يُعمل بهذا الحديث أم لا.
*شرح التعريف:
(العزو): هو النسبة، أو الإحالة.
وللعزو أساليب مختلفة منها:
١-...العزو المطوّل: وهو الذي يلتزم فيه المحُيل أو العازي ذكر مكان وجود الحديث في الكتاب من خلال ذكر الكتاب الذي أورد فيه الحديث، والباب، ثم يضيف المحيل والعازي إلى ذلك: رقم المجلد، والصفحة، ورقم الحديث إن وُجد أيضًا. وهذا أطول عزو ممكن، وقد يقوم مقام الباب والكتاب، ذكر الترجمة فيما لو كان الكتاب مرتب على التراجم، كتاريخ بغداد، وتراجم الضعفاء، فتقول: في ترجمة فلان. وميزة العزو المطوّل: أنه تبقى إفادته مهما اختلفت طبعات الكتاب. وعيبه: الطول، خاصةً إذا كان الحديث يُعزى إلى مصادر كثيرةٍ جدًا.
٢-العزو المختصر: وهو أن تذكر من أخرج الحديث فقط. فتقول: أخرجه البخاري، من دون ذكر الباب ولا الكتاب ولا الصفحة ولا المجلد ولا أي شئ، كما كان يفعله المتقدمون، أنظر (تلخيص الحبير)، و(نصب الراية)، وكتب التخريج المشهورة. وهذه الطريقة مفيدة خاصة مع الكتب المشهورة مثل الصحيحين، والتي صنعت لها فهارس متعددة في الوقت الحاضر مما يسهل الرجوع للحديث فيها.
ولعل السبب في استعمال هذه الطريقة عند المتقدمين هو اختلاف النسخ، ولم يكن لديهم طبعة معينة يمكن أن يعزى إليها كما هو حاصل في الوقت الحاضر. وهذه الطريقة المختصرة يمكن اللجوء إليها في مرّات قليلة ونادرة فيما لو كان الكتاب مشهورًا ومتداولًا، وفيما لو كان الذي يكتب ويصنف لا يصنف في التخريج فيأتي حديث أو حديثين فيعزوها إلى مصادرها عزوًا مختصرًا.
1 / 3
٣-...وهناك طريقة متوسطة: وهي التي يُذكر فيها رقم الحديث إذا كان الكتاب مرقمًا، وهي الأفضل؛ لأن الترقيم غالبًا لا يختلف بين الطبعات اختلافًا كثيرًا، فيتقدم الحديث عشرًا أو عشرين رقمًا ثم تجده وهكذا،فالوقوف عليه مع اختلاف الطبعات ممكن، لكن الذي يقلل من فائدة هذه الطريقة هو أن بعض الكتب ترقيمها ليس صحيحًا، كما حصل في (مصنف ابن أبي شيبة) حيث رُقمت منه مجلدات وهناك مجلدات منه لم ترقم، ثم رجعوا للمجلدات الأخيرة ورقموها دون الالتفات للمجلدات الوسطى فأصبح الترقيم لا فائدة منه أو قليل الفائدة،لكن إذا كان الترقيم جيدًا ودقيقًا إلى حدٍّ ما يكون العزو إليه أفضل من غيره، وهو متوسط بين التطويل والاختصار.
إلا أن العزو المطوّل له فائدة خاصة في بعض الأحيان، ويلزم الباحث أن يعتني به فيما لو كان الموطن الذي يعزو إليه له أهمية خاصة كأن يكون طريقًا مهمًا في كتابٍ سئ الطباعة والتحقيق، يُظنّ أنه سوف يُحققُ تحقيقًا جديدًا، فتحديد الموطن مفيد؛ لأنه قد تختلف الطبعة، وقد يشكك الباحث إذا لم يجد الطريق في الطبعة الجديدة ولكن إذا قيل له مثلًا: أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة فلان بن فلان، أمكن الوقوف على الطريق حتى لو اختلفت الطبعات.
(الحديث): في الاصطلاح: هو كل ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو سيرة أو إلى الصحابة أو إلى التابعين كذلك.
وهو قيدٌ نخرج به عزو الآيات القرآنية، وعزو الأبيات الشعرية إلى الدواوين.
1 / 4
(إلى مصادره الأصلية): نلاحظ في وصف الكتاب بالأصالة في علوم الحديث أمرين:
١- قِدَمُ الكتاب. ٢- أهمية الكتاب.
فقد يكون الكتاب قديمًا لكنه ليس أصيلًا؛ لأنه غير مهم، مثاله: لو وقفت على حديث في (صحيح البخاري) يخرجه البخاري من نسخة (وكيع عن الأعمش) -وهي نسخة حديثية مطبوعة- هل يصح أن أعزو إلى (نسخة وكيع) المتقدمة أم إلى (صحيح البخاري)؟ الصحيح أن أعزو إلى (صحيح البخاري) مع أن (نسخة وكيع) متقدمة، لكن مرتبة (صحيح البخاري) في الأهمية جعلته يُقدم على (نسخة وكيع) المتقدمة.
وقد يحصل العكس فيكون الكتاب مهمًا لكنه ليس بقديمٍ جدًا، فلا يصح أن أعزو إلى ابن عساكر في (تاريخ دمشق) لحديث أخرجه ابن عساكر من طريق القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أحمد بن حنبل في (المسند)، وأترك العزو للمسند، بل الواجب عليَّ أن أعزو إلى (المسند) ثم إذا أضفت ابن عساكر بعد ذلك فلا بأس، لكن أن أترك العزو إلى (المسند) وأكتفي بالعزو إلى ابن عساكر مع أن ابن عساكر يرويه من طريق (المسند) بإسناده وأغفل (المسند)، فهذا خطأٌ في التخريج؛ لأني لم أعزُ إلى المصدر الأصلي، فالمصدر الأصلي هو الذي بنى عليه ابن عساكر إسناده وروايته. ومن أمثلتها أيضًا روايات البغوي في كتابه (شرح السنّة) عن الكتب الستة، فلا يصح أن أعزو الحديث إلى البغوي في شرح السنّة والحديث موجود في أحد الكتب الستة، والبغوي كثير الرواية عن الكتب الستة في كتبه ومصنفاته، وكذلك المزي في (تهذيب الكمال)، وغيرهم.
1 / 5
(المُسندة): وهي التي يروي فيها المؤلف الأحاديث بإسناده هو عن شيخه عن شيخ شيخه إلى منتهى الإسناد.
وبهذا تعلم أنه من الخطأ الكبير أن تعزو الحديث إلى (جامع الأصول) لابن الأثير، أو إلى (مجمع الزوائد) للهيثمي، أو إلى النووي في (رياض الصالحين)، وأنّ من فعل شيئًا من هذا فإنه لا يعرف شيئًا في فن التخريج. ومثل الكتب المشهورة المتداولة التي تورد الأحاديث مقطوعة أو بلاغات أو بغير أسانيد.
•...مسألة: هل وَصفُ الكتاب بأنه أصلي أو أصيل يُغني عن وصفه بأنه مسند؟
الجواب: قد يكون الكتاب أصيلًا لكنه غير مسند، مثاله: (الأذكار) للنووي وتخريجه (نتائج الأفكار) لابن حجر، فـ (نتائج الأفكار) كتاب مسند، والأصل (الأذكار) غير مسند، فيصح أن تعزو لكتاب (نتائج الأفكار)؛ لأنه كتاب مسند ويسوق أحاديث كتاب (الأذكار) بإسناده هو -أي ابن حجر-، ومثله كتاب (مسند الشهاب) للقضاعي، الذي ألّف كتابًا سمّاه (الشهاب)، أورد فيه الحكم النبوية والأحاديث التي تصلح أن تكون أمثالًا متداولة، أوردها بغير إسناد في كتابه (الشهاب)، ثم هو نفسه ألّف مسندًا لهذا الكتاب سمّاه (مسند الشهاب)، ومثله أيضًا كتاب (الفردوس) للديلمي ليس فيه أسانيد، حتى جاء ابن المؤلف وأسند أحاديث كتاب أبيه، ورواها إلى النبي ﷺ، في كتاب سمّاه (مسند الفردوس)، وهو أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي. فكتاب (الفردوس) كتاب أصيل، لكنه غير مسند، وكتاب (مسند الفردوس) كتاب أصيل ومسند، وعليه: فلا بد من إضافة "مسند".
(فإن تعذرت): أي تعذر الوقوف على المصادر الأصلية. ومن أسباب تعذر ذلك: أن يكون الكتاب مخطوطًا لا يتيسر الاطلاع عليه، أو لا تتيسر الرحلة للنظر فيه، ففي هذه الحالة نلجأ للعزو إلى المصدر الفرعية.
(فإلى الفرعية المسندة): ونعني بالكتب الفرعية: الكتب الحديثية الناقلة عن كتب أقدم منها أو أكثر منها أهمية. فالكتب الفرعية هي التي اجتمع فيها أمران:
١- أن تكون جاءت بعد كتب أصيلة في الزمن. ٢- أن تكون أقل أهمية من الكتب التي سبقتها.
1 / 6
ويشترط في الكتاب الفرعي أيضًا أن يكون مسندًا. مثاله: ما لو روى البيهقي من الجزء المفقود من (صحيح ابن خزيمة) (١)، فلو أخرج البيهقي بإسناده إلى ابن خزيمة حديثًا في (صحيح ابن خزيمة) م كتاب البيوع، فهنا يوصف كتاب البيهقي بأنه مصدر فرعي؛ لأنه يخرج هذا الحديث عن كتاب أقدم منه وأكثر منه أهمية، لكن عندما يتعذر على الوقوف على المصدر الأصلي؛ فإنه يلزمني العزو إلى المصدر الفرعي، مثل (السنن الكبرى) أو (معرفة السنن والآثار) أو (شعب الإيمان) .
أيضًا مثل ما لو روى ابن عساكر عن جزء مفقود من (معجم الطبراني الكبير) –ومعجم الطبراني الكبير هناك أجزاء منه مفقودة- فابن عساكر مصدر فرعي والطبراني مصدر أصلي، لكن لمّا تعذر الوقوف عليه تم العزو إلى المصدر الفرعي.
ويدخل في المصادر الفرعية: كتب الزوائد التي تذكر الأحاديث بأسانيدها مثل: كتاب (كشف الأستار عن زوائد مسند البزار) للهيثمي، ومثل (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر. فهذه ليست الكتب الأصلية، بل كتبٌ فرعية استخرجت الزوائد من كتاب معيّن على كتب معينة، ويذكر هذه الأحاديث المؤلف الأصلي.
ويدخل في المصادر الفرعية: كتب أطراف الحديث "الأطراف" مثل: (تحفة الأشراف) و(إتحاف المهرة) و(أطراف الغرائب والأفراد) .
_________
(١) حيث إن الموجود من (صحيح ابن خزيمة) الآن هو ربع الكتاب الأصلي ويتضمن أبواب العبادات فقط والباقي مفقود.
1 / 7
فمثلًا قد تضمن (إتحاف المهرة) مسندَ أبي عوانة كاملًا [وهو مستخرجه على صحيح مسلم]، وأما مطبوع مسنده ففيه نقصٌ، فنضطر أحيانًا عند العزو إلى (مسند أبي عوانة) أن نعزو إلى (إتحاف المهرة) لابن حجر. وأيضًا هناك كتب من (صحيح ابن خزيمة) كانت موجودة عند الحافظ ابن حجر، مثل كتاب التوكل، وكتاب السياسة، كانا موجودين عند الحافظ ابن حجر وهي غير موجودة في (صحيح ابن خزيمة) المطبوع، فأضطر حينها في العزو إلى (إتحاف المهرة)، فأقول: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب التوكل، أنظر (إتحاف المهرة) للحافظ ابن حجر، فهذا مصدرٌ فرعي؛ لأنه نقل عن الكتب التي تروي بالإسناد.
والكتب الفرعية لابد أن تكون مسندة وإلا لم يصح ذكرها في التخريج.
(فإن تعذرت): أي تعذر الوقوف على المصادر الأصلية والفرعية.
1 / 8
(فإلى الناقلة عنها بأسانيدها): أي فنعزو إلى الكتب الناقلة عن الكتب الأصلية أو الفرعية بأسانيدها،فقد يذكر مثلًا الحافظ ابن حجر حديثًا يعزوه إلى كتاب مفقود ويسوق ابن حجر الإسناد كاملًا عن المؤلف من شيخه إلى النبي ﷺ ويحصل هذا مثلًا في (تلخيص الحبير) أو في (نصب الراية)، أو كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أو ابن القيم، فنسوق الإسناد ونعزوه إلى مؤلفه، ثم نحيل إلى الكتب السابقة التي أخرجت الحديث بالسند. وأيضًا كتب الأطراف والزوائد نستطيع إدخالها في الكتب الناقلة، لكن جُعِلت في المرتبة السابقة عن هذه المرتبة؛ لأنها أرقى مرتبةً باعتبار أنها تنقل جملةً من الأحاديث عن كتابٍ واحد ولا يأتي الحديث فيها عَرَضًا ضمن كتاب كبير ولكن تعتني بسياق أحاديث كثيرة جدًا من كتاب واحد، لذلك تعتبر في مرتبة أعلى من غيرها من الكتب الناقلة، وخاصةً كتب الزوائد مثل (كشف الأستار) و(المطالب العالية)، هي في الحقيقة كتب مسندة؛ لأن الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة الكتاب إسناده إلى كل مؤلف، فهي أيضًا صالحة لأن تكون من المصادر الفرعية لهذا السبب.
(مع بيان مرتبة الحديث): أي توضيح درجة الحديث من حيث القبول أو الردّ.
*وقد اصطلح المتأخرون على تقسيم الأحاديث من حيث القبول والردّ إلى خمسة أقسام أصلية:
١-الصحيح. ٢-الحسن. ٣-الضعيف. ٤-شديد الضعف. ٥-الموضوع.
هذا ما اصطلح عليه المتأخرون من الباحثين سواءً في الرسائل الجامعية أو غيرها. والحديث لا يخرج عنها فعلًا إما صحيحًا بقسميه، أو حسنًا بقسميه كذلك، أو ضعيفًا أي خفيف الضعف، أو شديد الضعف: رواية المتروك، رواية منكر الحديث، رواية ساقط الحديث، الحديث المعضل، ثم يأتي بعد ذلك الحديث الموضوع وهو الذي يغلب على الظن أو يُجزم بأنه مكذوب على النبي ﷺ، هذه خمسة أقسام، والتزامها حسن.
1 / 9
* الحكم على الحديث:
١- إما أن يكون متعلق بالمتن والإسناد كليهما.
٢-أو بالإسناد وحده.
٣-أو بالمتن وحده.
أما الحكم على المتن والإسناد كليهما فلا يصح ولا يمكن إلا في إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون مسبوقًا من إمام ناقدٍ جِهبذ في الحكم على هذا الحديث. فلو خرّجت حديثًا مثلًا ودرست إسناده ومتنه في أحد الكتب فوجدته صحيحًا، فلا يصح لك أن تقول: حديث صحيح، إلا في إحدى حالتين، الحالة الأولى هي المذكورة آنفًا، من أن تكون مسبوقًا بإمام حكم على هذا الحديث، كأن يكون أخرجه البخاري في صحيحه فتقول حينئذٍ: حديث صحيح.
الحالة الثانية: أن تزعم أنك استقرأت جميع كتب السنّة، وتوصلت إلى أن هذا الحديث ليس له علّة باطلة تقدح في صحته. ولا يصح أن تستقرأ فقط، إلا أن تكون دقيق الفهم عالمًا بالتخريج وعلم المصطلح والجرح والتعديل، وقد بلغت مبلغ العلماء فيها، وتجزم بعدم وجود علّة باطنة تقدح في الحديث.
أما الحكم على الإسناد:
فتنظر في الإسناد الذي عندك وتحكم عليه بحسب الظاهر، فتقول: هذا إسناد صحيح، هذا إسناد ضعيف، ولا يُعْترَضُ عليك بعد ذلك إذا وُقف على علّة باطلة تقدح في حكمك؛ لأنك بقول: هذا إسناد ...، حكمت على الإسناد فقط ولم تزعم أن الحديث بمجموع طرقه -مثلًا- ضعيف، وإنما حكمت على إسناد معيّن،وهو المذكور أمامك، وتلام فيما لو أخطأت في حكمك على هذا الإسناد. وأهل العصر في الغالب لا يستطيعون إلا هذه الطريقة فقط.
1 / 10
أما الحكم على المتن فقط:
وهذا يفعله من كان قليل المعرفة جدًا بعلم الحديث أو عنده ورعٌ زائد في حكمه على الأسانيد، كما فعل الشيخ محمود شاكر في تخريجه في (تهذيب الآثار) للطبري، فهو يترجم لرواة الإسناد ترجمةً كاملة، ولو أراد أن يحكم على الإسناد لفَعَلَ، لكنه لا يحكم؛ لأنه يقول: "أنه ليس من أهل هذا الفن"، لكنه يعزو الحديث إلى مصادره، وفي هذا حكمٌ على المتن، فلو قال: أخرجه البخاري، فإنه يحكم على المتن بأنه صحيح، أما إسناد الطبري فلا يحكم عليه.فهذه الحالة يمكن أن يلجأ إليها الطالب الذي يريد أن يخلي نفسه من المسؤولية تمامًا، فيترجم لرواة الإسناد، ويعزو الحديث إلى المُخرّج، فإن المُخرِّجَ قد حكم على الحديث، أو إخراجه له يقتضي حكمًا يكتفى به، فيقول: أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، أو أخرجه ابن عدي وقال: ضعيف لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهكذا.
(... غالبًا): لاشك أن غالب كتب التخريج تعتني بالحكم على الحديث؛ لأنه الثمرة الأخيرة من العزو ودراسة الإسناد. لكن قد يقوم المخرّج بتخريج الحديث ولا يحكم عليه بحكمٍ ما، وهذا يحصل حتى في كتب التخريج المشهورة مثل (التلخيص الحبير)، و(نصب الراية)، ويكثر عند ابن كثير في كتابه (تحفة الطالب في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب)، و(تخريج أحاديث الشفا) للسيوطي، فهؤلاء يكتفون بالعزو فقط ولا يحكمون على الحديث غالبًا.
وعليه يتضح من ذلك أن الحكم على الحديث ليس شرطًا في التخريج، لكن غالب كتب التخريج تتضمن الحكم على الحديث.
وقد يلجأ الباحث إلى عدم الحكم لعدم جزمه بحكمٍ على الحديث، فقد يدرس الإسناد ويتوقف في الحكم؛ لأن عِلمه قاده إلى التوقف في الحكم على الحديث.
1 / 11
هذا التعريف الآنف الذكر هو التعريف الإصطلاحي لعلم التخريج الذي سنتكلم عليه فيما يأتي. لكن قد يأتي لفظ "التخريج" ويُراد به غير المعنى الاصطلاحي المذكور، وللتخريج -سوى المعنى السابق- معنيان آخران:
*رواية الحديث بإسناده من مُخرّجه إلى منتهاه. فهذا التخريج جاء بمعنى الرواية. فكما يصح أن تقول: رواه البخاري، يصح أن تقول: خرّجه البخاري، وهذا يقوله العلماء، وابن رجب خاصةً في كتبه يستعمل هذه اللفظة، فيستخدم "خرّجه" كثيرًا.واصطلاح المتأخرين والمعاصرين خاصة فرّق بين التخريج والإخراج، فيطلقون التخريج على المعنى الاصطلاحي السابق، ويطلقون الإخراج ويقصدون به "رواه"، بل المعاصرين أيضًا فرّقوا بين أخرجه ورواه، فيقولون مثلًا رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار أخرجه البخاري من هذا الطريق، فيستخدمون لفظة "رواه" لغير المصنف بل لذكر الراوي الوارد في أثناء السند لو نقل طرف الإسناد، فيقولون: رواه فلان عن فلان، فإذا أراد أن يعزو إلى الكتاب قال: أخرجه. وهذا استخدام جيّد مادام التفريق يُعين على الفهم، وملاحظة الاصطلاح، فإذا أردت أن تعزو إلى الكتاب تقول: أخرجه، وإذا أردت أن تبيّن طرف الإسناد أو جزء من الإسناد تقول: رواه، حتى يحصل التفريق.
1 / 12
*المعنى الثالث للتخريج على المعنيين السابقين: وهو أن يقوم أحد العلماء بتصنيف كتابٍ في السنّة بالرجوع إلى مصادره ومسموعاته أو مسموعات أحد العلماء الذين يعاصرونه، فينتقي من هذه المسموعات أحاديث معينه ويرتبها على أحد وجوه الترتيب التالية: كأن يرتبها على المشيخة -أي على أسماء شيوخه- فإن رتبها على حروف المعجم قيل له: معجم شيوخ فلان. فإن لم يجعل لها ترتيبًا معينًا قيل لها: فوائد، أو أمالي، أو جزء حديثي، أو ما شابه ذلك. فإن وجدت -مثلًا- كتاب (مشيخة بدر الدين بن جماعة) تخريج علم الدين البرزالي، تعرف أن البرزالي جاء إلى أصول شيخه بدر الدين بن جماعه، وقال له: أرني مسموعاتك، فأخرج له بدر الدين بن جماعة مسموعاته كاملة، واستخرج أحاديث منتقاة من أحاديث بدر الدين بن جماعة عن كل شيخ منهم، والانتقاء لابد أن يكون له سببٌ إما العلو أو الغرابة أو زيادةٌ في المتن أو الإسناد أو ما شابه ذلك. فيأتي التخريج بمعنى: أن يخرج أحاديث أحد معاصريه بأسانيدهم إلى النبي ﷺ على أيّ وجهٍ من وجوه الترتيب.
*بعض الكتب المؤلفة في التخريج:
١- حصول التفريج بأصول التخريج، لأبي الفيض الغماري -وهو من أقدم الكتب-.
٢- أصول التخريج ودراسة الأسانيد، للشيخ محمود الطحّان.
٣- كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيّد الأنام، لعبد الموجود عبد اللطيف.
٤- طرق تخريج الحديث النبوي، للدكتور / عبد المُهدي عبد القادر.
٥- التأصيل، للشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد.
1 / 13
*فوائد علم التخريج:
١-الفائدة العظمى: تمييز صحيح السنّة من سقيمها. وقد نبّه العلماء قديمًا على هذه الفائدة، فقال علي بن المديني ﵀:" الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه "، ويقول يحيى بن معين ﵀:" الحديث إذا لم نروه من ثلاثين وجهًا ما عقلناه "، وزاد أبو حاتم ﵀ فقال:" الحديث إذا لم يروى من ستين وجهًا ما عقلناه ". والإمام أحمد ﵀ يقول:" الأحاديث يفسر بعضها بعضًا ". وهذا كما يحمل على المتن، أي: أن المتون يفسر بعضها بعضًا، فكذلك الأسانيد يفسر بعضها بعضًا.
والفوائد التي تلي هذه الفائدة هي فرعٌ عنها.
٢-معرفة الأحاديث التي يُعمل بها، والتي لا يُعمل بها.
٣- معرفة الأحاديث التي تُستنبط منها الأحكام، والتي لا تستنبط منها الأحكام.
٤- معرفة الأحاديث التي يجب اعتقاد ما جاء فيها - إذا كان مدلولها عقدي -، والأحاديث التي لا يجوز اعتقاد مافيها؛ لضعفها، أو لأنها موضوعة.
٥-حفظ السنّة، وبقاؤها إلى يوم القيامة.
والفوائد غيرها كثيرة، ولكن هذه أصولها وأساسها.
*بيان تفاوت مراتب التخريج:
أولًا: تخرّيج مطوّل: وهو الذي تُستوعب فيه الأسانيد استيعابًا كاملًا، فيذكر من أخرج الحديث ويعزو إليه الحديث، ثم يذكر إسناد هذا المصنف كاملًا، ويترجم لجميع رواة السند في جميع طرق الحديث على جميع الوجوه، هذا تخريج مطوّل جدًا. وهو يصعب مع الكتب الكبار، أو تخريج أحاديث كثيرة، ثم إن الفائدة من هذا التطويل قد لا تكون متحققة دائمًا كأن يكون الحديث صحيحًا من طريق معين.
فهذه الطريقة لا يُنصح بإتباعها إلا إذا كان الباحث يريد أن يُفرد حديثًا معينًا بالتصنيف.
1 / 14
ثانيًا: تخرّيج مختصر: وهو أن يُكتفى بالعزو إلى من أخرج الحديث مع الحكم على الحديث، كما في (خلاصة البدر المنير) لابن الملقن، وهو في الغالب يبتدئ بحكم إمام متقدم فيقول: أخرجه البخاري ومسلم، ويكتفي بالعزو إليهما، أو يقول: أخرجه الترمذي وصححه، وهذا أيضًا يحصل في كتب الشيخ الألباني المختصرة مثل: (صحيح الجامع الصغير)، و(ضعيف الجامع الصغير)، و(صحيح الترغيب والترهيب)، وغيرها من الكتب المختصرة.
ثالثًا: تخريج متوسط: -والتوسط يختلف أيضًا- وهو الاعتناء باختلاف الطرق ونقاط الالتقاء بين الرواة. فمثلًا إذا كان الحديث يدور على الزهري ثم اختلف على الزهري بأوجه مختلفة واختلف تلامذة الزهري عليه في رواية الحديث اختلافًا في المتن والإسناد أو في واحدٍ منهما، فيأتي المُخرّج ويقول: أخرجه فلان وفلان من طريق –مثلًا- عُقيل بن خالد عن الزهري بوجه كذا –ويذكر الوجه الذي رُوي به- وخالفه يونس بن يزيد الأيلي فرواه عن الزهري بطريق كذا، ووافق يونس مالك وفلان وفلان –ويذكر من أخرجه من هذا الوجه من أصحاب الكتب – ثم بعد ذلك يرجح بين الطرق، ببيان الحكم الذي يليق بكل طريق إن كان هناك اختلاف حقيقي أو لم يكن اختلافًا حقيقيًا، أو إذا كان بعض الرواة أوثق من بعض، أو اتفق بعض الثقات على وجه وخالفهم راوٍ على وجه آخر....وهكذا.
1 / 15
وهذه الطريقة هي المتبعة في كثير من كتب التخريج التي يمكن أن توصف بأنها أكثر كتب التخريج إفادة، من أمثال: (التلخيص الحبير) أو (نصب الراية) أو كتب الشيخ الألباني الموسعة كـ (السلسلة الصحيحة) و(السلسلة الضعيفة) و(إرواء الغليل) وأمثالها. ومن الكتب المتقدمة التي تستخدم هذه الطريقة كتاب (العلل) للدارقطني، ويُنصح مَنْ أراد أن يتعلم طريقة سياق الطرق أن يقرأ كتاب (العلل) للدارقطني، فطريقته فيه بديعةٌ جدًا، حيث يسوق الطرق والأسانيد واختلاف الرواة في الحديث الواحد فيما يقارب الصفحتين، بخلاف ما يحصل في الوقت الحاضر من المتأخرين من التطويل بشكل مملّ.
*نصائح لطلاب العلم في طرق تخريج الحديث:
١-يجب أن يفرّق طلبة العلم بين تخريج أحاديث كتاب معيّن ضمن تحقيق هذا الكتاب، وبين أن يؤلف كتابًا في التخريج، ويكون كتابًا مستقلًا في التخريج. ففي حالة التحقيق لا يسوغ للمحقق أن يتوسع التوسع الزائد، بل يكتفي بأقل ما يُبلّغ إلى المقصود وهو الحكم على الحديث، فإذا كان الحديث في الصحيحين يُكتفى بالعزو إليهما، أو صححه إمامٌ معتبر، فيخرّجه ويحكم عليه، إلا إذا كان هناك خلافٌ فيشير إليه ويرجح باختصار. أمّا إذا كان يؤلف كتابًا مستقلًا في التخريج فإن له الحق أن يتخذ أي أسلوب من أساليب التخريج السابقة، والتوسط مطلوب دائمًا.
٢- الحرص على عدم إضاعة الوقت والجهد بكثرة العزو إلى مصادر كثيرة من كتب السنّة، قد يغني بعضها عن بعض، وهذا قد يدخل في قصة حمزة الكناني حينما خرّج حديثًا من مائة وجه، فرأى يحيى بن معين في المنام فقال له يحيى-في المنام-:"أخشى أن يدخل ذلك في قوله تعالى ﴿ألهاكم التكاثر﴾ "، خاصةً وأنّه الآن قد كثُرت الفهارس، فكثرة المصادر والمراجع لم تَعُدْ ميزانًا يُفرَّق به بين العالم والجاهل، بل الانتقاء من تلك المصادر والمراجع هو الذي يُفرَّق به بين العالم والجاهل.
1 / 16
٣- بالنسبة للأحاديث التي خُدِمت بالتخريج، وخاصةً أحاديث الأحكام، حيث إنها خدمت خدمةً واسعة جدًا منذ القدم من أهل العلم، ولا يعني ذلك أنه ليس هناك إضافة في تخريجها، فهناك إمكانية للإضافة والترجيح، لكن الذي يُنبَّه عليه أنه: يُلام الباحث الذي يأتي -مثلًا- لحديث خرّجه الزيلعي في (نصب الراية)، فينقل هذا التخريج لكن مع فرق هو: أنه يعزو لأرقام الأحاديث، والزيلعي لم يكن يعزو لأرقام الأحاديث، وقد يسطو على عمل الزيلعي فينقله ولا يشير إلى أنه استفاده منه، وقد يكون أمينًا فيشير إلى ذلك، ولكن لعل الذي يكفي هو أن تذكر حكم الحديث، وتقول: انظر (نصب الراية)، فإذا كانت لديك إضافة مهمة تذكرها بعد العزو إلى (نصب الراية) ولا بأس أن تذكر من تخريج الزيلعي ما يتعلق بإضافتك، لكن المهم أن لا تعيد العمل وتُملّ نفسك والقارئ، ويُنتبه أيضًا لضرورة الأمانة وعدم السطو على جهود الآخرين سواءً من الأئمة المتقدمين أو من المعاصرين، وبركة العلم أن تعزوه إلى قائله، وهذا لا يعيبك مادام أنك قد عزوت القول لصاحبه، ومادام أن المتقدم خدم العمل خدمة وافية.
*طرق استخراج الحديث (أو الوسائل التي يمكن بها معرفة مكان الحديث):
هي أربعة طرق أساسية:
الأولى: استخراج الحديث من خلال النظر في إسناده.
الثانية: استخراج الحديث من خلال النظر في متنه.
الثالثة: استخراج الحديث من خلال برامج الحاسب الآلي.
الرابعة: استخراج الحديث من خلال استعراض كتب السنّة، وقراءتها قراءة شاملة.
1 / 17
الطريقة الأولى: [استخراج الحديث من خلال النظر في إسناده]
* ويندرج تحت هذه الطريقة عدة طرق فرعية:
أ- من خلال معرفة الصحابي:
والكتب التي تخدم هذه الوسيلة:
١.المسانيد، والكتب المرتبة على المسانيد. والمسانيد:"هي الكتب التي رتبت الأحاديث فيها على اسم الصحابي". ولمؤلفي المسانيد أساليب مختلفة في الترتيب، فمنهم من يرتب على حسب الأكثر رواية، ومنهم من يرتب على حسب النسب والقرب من النبي ﷺ، ومنهم من يرتب على حسب الفضيلة، ومنهم من يرتب على حسب البلدان، وقد يحصل في المسند الواحد أكثر من وجه من وجوه الترتيب، كما هو في (مسند الإمام أحمد)، فابتدأ بالعشرة ثم بأهل بيت النبي ﷺ ثم بالمكثرين من الصحابة، ثم رجع إلى البلدان كمسانيد المكيين، والشاميين، والأنصار لهم مسند خاص.
والمسانيد كثيرة جدًا، يأتي في قمتها (مسند الإمام أحمد بن حنبل) . ومن كتب المسانيد المطبوعة: (مسند أحمد)، و(مسند أبي يعلى)، و(مسند البزار)، و(مسند الحميدي) و(المنتخب من مسند عبْد بن حُميد)، و(مسند أبي داود الطيالسي)،والمتبقي من (مسند إسحاق بن راهوية)، والمتبقي من (مسند ابن أبي شيبة)، وغيرها كثير.
ويُنتبه إلى أنه هناك كتبًا سُميت مسانيد ولم ترتب على ترتيب المسانيد الآنف الذكر، من أمثال ذلك: (المسند للدارمي) -المشهور بـ (سنن الدارمي) واسمه الصحيح: (المسند) كما نصَّ عليه جلُّ أهل العلم- فهو مرتبٌ على أبواب الفقه، وكذلك (مسند السرّاج) مرتبٌ على أبواب الفقه واسمه المسند، وأيضًا (مسند عبد الله بن المبارك)، ويأتي على قمة هذه الكتب كتاب الإمام مسلم فإن اسمه: (المسند الصحيح المختصر) أما تسميته بالجامع فإنه خطأٌ محض؛ لأن (الجامع) كتابٌ آخرٌ لمسلم غير الصحيح وتسميته بـ (الصحيح) اختصارًا، واسمه الصحيح هو (المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله ﷺ) فسمّاه مسندًا مع أنه مرتبٌ على أبواب الفقه وأبواب العلم.
1 / 18
وهناك كتبٌ رُتِبت على المسانيد، ولم تسمَّ بالمسانيد مثل: (الأحاديث المختارة) للضياء المقدسي، وهو أحد الكتب التي اشترطت الصحة، وهو مرتب على المسانيد ولم يسمَّ به، وأيضًا كتاب (العلل) للدارقطني مرتب على المسانيد، وأيضًا كتاب (جامع المسانيد) لابن كثير، وهو كتاب كبيرٌ وضخمٌ ومهمٌ، وقد طبع، وهو مرتبٌ على المسانيد كذلك، وأيضًا مما رتب على المسانيد كتاب (الجامع الكبير) للسيوطي -قسم الأفعال منه هو الذي رُتب على المسانيد-.
تنبيه: بالنسبة للكتب المذكورة لا يلزم أن تكون مسندةٌ، هي إما أن تكون مسندةً أو تُحيلُك إلى الكتب المسندة كـ (الجامع الكبير) للسيوطي، فهو يحيل ولا يسند.
٢. المعاجم المرتبة على أسماء الصحابة -وهي يمكن أن تدخل ضمن المسانيد، ولكن باعتبار أنها سميت باسمٍ مختلفٍ وهو اسم: المعجم، وباعتبار أن ترتيبها التزم ترتيب الصحابة على حروف المعجم، فيمكن اعتبارها قسم آخر-: من أوسع كتب المعاجم (المعجم الكبير) للطبراني، المطبوع في (٢٥) مجلدًا، وكتاب (معجم الصحابة) لعبد الباقي بن قانع، وهناك كتابٌ من المعاجم طُبع الموجود منه: وهو كتاب (معجم الصحابة) لأبي القاسم البغوي -وهو غير البغوي صاحب (شرح السنّة) -.
٣. كتب معرفة الصحابة المسندة: مثل كتاب (الآحاد والمثاني) لابن أبي عاصم، و(معرفة الصحابة) لابن مندة، و(معرفة الصحابة) لأبي نعيم الأصبهاني، فهي تذكر في ترجمة الصحابي بعض أحاديثه، وقد تعتني بالغرائب أو بما له فائدة حديثية معينة.
٤. كتب الأطراف: ومن أشهرها (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف) للمزي، الذي جمع أطراف الكتب الستة ورتبه على مسانيد الصحابة، وأيضًا كتاب (إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة بأطراف الكتب العشرة) لابن حجر، ومنها (إطراف المُسْنِد المُعتلي بأطراف المسند الحنبلي) مطبوع وهو لابن حجر، لكنه داخل ضمن (إتحاف المهرة) .
1 / 19
٥.الكشافات والفهارس التي يصنعها المحققون بناءً على ترتيب الأحاديث على مسانيد الصحابة، وهي كثيرة من أمثلتها الفهارس التي صنعت لـ (مستدرك الحاكم) ولـ (سنن الدارقطني)، وكتب كثيرة أخرى.
٦. مسانيد الصحابة المُفردة: فقد يؤلف أحد العلماء في جمع أحاديث صحابيٍّ معيّن، أو لا يبلغنا من تأليفه إلا مسندًا معينًا من مسندٍ كبير فُقد ولم يبق إلا مسند أحد الصحابة أو بعضهم. فمن هذه المسانيد المطبوعة: (مسند أبي بكر الصديق) لأبي بكر المروزي، و(مسند عمر) -وهو جزءٌ منه- للنّجاد، و(مسند الفاروق) لابن كثير، ولأحد المعاصرين -وهو يوسف أوزبك - (مسند علي بن أبي طالب) في سبع مجلدات، و(مسند سعد بن أبي وقاص) للدّورقي، و(مسند عبد الرحمن بن عوف) للبَرْتي، وغيرها كثير كـ (مسند عائشة) لإسحاق بن راهويه، و(مسند ابن عمر) لأبي أمية الطرسوسي.
٧. كتب تراجم الرواة المُسندة التي تتضمن تراجم للصحابة: وهي كثيرةٌ مثل كتب التواريخ المحلية، مثل: (ذكر أخبار أصبهان) لأبي نُعيم، تجده يذكر في المقدمة الصحابة الذين نزلوا أصبهان ويذكر بعض أحاديثهم بالإسناد، و(تاريخ دمشق) لابن عساكر، يذكر في أثناءه ترجمة معاوية بن أبي سفيان، وتجدها أوسع التراجم حيث يكاد يستوعب كثيرًا من أحاديث معاوية بن أبي سفيان وغيرها، وأيضًا (التاريخ الكبير) للبخاري قد يورد في ترجمة الصحابي أحاديثًا له، وفي الغالب أنه يوردها لبيان علةٍ معينة.
ب- من خلال راوٍ في أثناء السند:
والكتب التي تخدم هذه الطريقة:
١. كتب ومصنفات هذا الراوي -الذي أبحث من خلاله-: فإذا كانت له مصنفات أبحث في مصنفاته، لعل الحديث يكون موجودًا فيها، فمثلًا: لو نظرت في إسنادٍ فيه الإمام أحمد فمظنته (المسند) للإمام أحمد، فإذا كان متعلقًا بفضائل الصحابة فمظنته (فضائل الصحابة) للإمام أحمد، فإن كان متعلقًا بالزهد فمظنته كتاب (الزهد) للإمام أحمد، وهكذا ...
1 / 20