نازی جرمنی
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
اصناف
أن أوامر وأعمال البوليس السري لا تدخل تحت إشراف المحاكم الإدارية، أو في دائرة بحثها.
هكذا ظلت جميع الشئون المتعلقة بنشاط الجستابو لا يوضح معالمها أو يبين حدودها قانون في دولة الريخ الثالث، بل إن كل ما صدر في هذا الموضوع كان لا يخرج عن تحديد مركز هيملر إزاء وزير داخلية الريخ من حيث مسئولية رئيس الجستابو أمامه، وتعيينه نائبا له في حالة غياب الوزير، وزيادة على ذلك، أعطى هيملر مقعدا في مجلس الوزارة كلما اجتمع الوزراء لبحث المسائل المتعلقة بأعمال «البوليس».
ولعل أهم ما يلاحظ في ذلك كله، أن الجستابو كان مستقلا كل الاستقلال عن الرقابة القضائية. وقد تقدم كيف قضت المحكمة الإدارية البروسيانية في 2 مايو 1935 بعدم خضوع البوليس السري لهذه الرقابة، وجاء في هذا الحكم أيضا أن أي أمر يصدره الجستابو بسجن الأفراد في «الحبس الوقائي» لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون موضع معارضة في المحاكم القانونية، ثم تأيد هذا الحكم في الفترة التالية، عندما صدرت أحكام أخرى بهذا المعنى أيضا في عام 1936، وفي نفس العام صدر قانون مشهور وضح أعمال الجستابو ومدى نشاطه، فجاء في هذا القانون ما معناه: «أن من واجب بوليس الدولة السري أن يكشف أمر جميع القوى المتضامنة التي يعتبر وجودها خطرا على الدولة وأن يقاومها، ومن واجبه كذلك أن يجمع ويقدر النتائج التي يسفر عنها هذا البحث، على أن يخبر الحكومة بهذه النتائج، وأن يضع تحت تصرفها كل ما يجمعه من أدلة وبراهين، ثم يفصل رئيس بوليس الدولة السري بالاتفاق مع وزير الداخلية في المسائل التي ينبغي أن تكون العناية بها من نصيب بوليس الدولة السري، وعلى أن يجري الفصل في كل مسألة على حدة.»
ووسائل الجستابو في أعماله ثلاث: الإنذار أو التحذير، والحبس الوقائي، والإرسال إلى معسكرات الاعتقال. وقد جرت العادة عند الرغبة في التحذير، أن يستدعى الشخص المراد إنذاره إلى أقرب مركز للبوليس السري، ويتلو الجستابو عليه بعض الحقائق المتعلقة بحياته الخاصة، وما يكون قد تفوه به من أقوال لا يرضى الجستابو عنها، ثم يحذره من العودة إلى ذلك وإلا أرسل إلى معسكر للاعتقال، أما مسألة «الحبس الوقائي» - فهي بحاجة إلى شيء من البيان والتفسير. والأصل في الحبس الوقائي أنه كان مخصصا لوقاية الأفراد الذين لم يرتكبوا جرما معينا، وإنما توصلوا بسبب مسلكهم إلى إثارة كراهية الجماهير ضدهم إلى حد يخشى معه أن يلحق بهم مكروه على أيدي الجماهير لو أنهم تركوا وشأنهم، فلا تجد الشرطة مناصا في هذه الحالة من حجزهم في مركز «البوليس» لوقايتهم من سخط الجماهير عليهم. غير أنه عندما وصل الوطنيون الاشتراكيون إلى الحكم قبض رجال الشرطة على عدد عظيم من الأفراد وأودعوهم الحبس الوقائي من غير ضرورة تدعو إلى ذلك، ومن غير أن تتحقق الشروط المتقدمة في أحوال المقبوض عليهم. وعلى هذا خرج الحبس الوقائي عن كونه إجراء تقتضيه حماية الأفراد من بطش الجماهير، إلى إجراء صار الغرض منه مجرد «حماية» الدولة من نشاط أفراد اعتبرهم النازيون أعداء لهم. أما معسكرات الاعتقال فكانت أشد الوسائل خطرا، وكثيرا ما لجأ إليها الجستابو للقضاء على أعداء النظام النازي في ألمانيا، ومع أنه كان من المتعذر وقتئذ معرفة عدد هذه المعسكرات بالدقة، فقد اكتسبت بعضها شهرة سيئة كبيرة حتى أصبحت أماكنها معروفة، ومن بينها معسكر الاعتقال في «أرانينبرج
Oranienburg » ثم في «بوشنفلد
Buchenweld » و«داشو
Dachau » و«ساشسنهاوسن
Sachsenhausen » وغيرها. وكان من بين هذه المعسكرات ما هو مخصص لاعتقال النساء.
ومع أن نظام الجستابو كان من الأسرار التي حرص النازيون على عدم إفشائها بحيث لم يكن يعرف دخائله سوى عدد قليل من كبار الزعماء النازيين أنفسهم، فقد استطاع أنصار المقاومة الخفية في أوروبا النازية الوقوف على حقيقة هذا النظام الذي كان من نتائجه انتشار وكلاء الجستابو للتجسس على حياة الأفراد الخاصة والعامة في كل ركن وزاوية.
وكانت قوة الجستابو موزعة على دوائر
نامعلوم صفحہ