نازی جرمنی
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
اصناف
» وكانوا يطلقونه على كل شخص سيئ السمعة يميل إلى الإجرام وإتيان المخازي. فإذا ارتكب أحد الألمان جرما يستحق عقوبة الحبس طبع النازيون على تذكرة تحقيق الشخصية أو بطاقة العمل المعطاة له كلمة «لائق للخدمة في بولندة»، أما إذا تكرر إجرامه ألحق على الفور بالخدمة في بولندة. •••
وفي الواقع كان هناك - عدا ما ذكرنا - أدلة كثيرة تشير إلى رغبة النازيين في الرجوع بأوروبا إلى التنظيم الذي كان سائدا خلال العصور الوسطى، على أن المهم في ذلك كله أن هؤلاء النازيين كانوا متأثرين بالاعتبارات التاريخية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي سلف بيانها، فأرادوا فتح القارة الأوروبية بأسرها: من «نارفيك» شمالا، إلى بحر إيجه جنوبا؛ حتى يمكنهم اتساع رقعة ممتلكاتهم من امتلاك ذلك المجال الذي عدوه ضروريا لاستمرار حياتهم
Lebens raum
وقوتهم
Macht raum . وقد أدرك هذه الأطماع الظاهرة حلفاء النازيين وأولئك الذين تعاونوا معهم؛ فاعترف «موسوليني» في خطاب له في 23 فبراير 1941 بدخول كل من فرنسا المحتلة وبلجيكا وهولندة ولكسمبورج، وإسكندناوة والدانمرك في نطاق النفوذ الألماني. وكان هناك ميدان واحد فحسب يستطيع أن يجد فيه مجالا للتوسع حلفاء النازيين والمتعاونون معهم من أمثال إيطاليا وإسبانيا، ولم يكن هذا الميدان سوى القارة الأفريقية. •••
أما وقد أفلح النازيون إلى حد كبير في تحقيق حلم العصور الوسطى ورسموا للقارة الأوروبية تلك الخريطة التي مكنهم انتصارهم من تخطيطها، فإن معرفة النتائج التي أسفر عنها تطبيق النظام الجديد في البلدان المفتوحة من شأنه أن يبين مقدار ما لحق بالشعوب المقهورة من أذى جسيم في عهد السيطرة النازية؛ إذ إن تطبيق النظام الجديد من الناحية الاقتصادية خاصة كان معناه سلب الشعوب المغلوبة ونهب كنوزها وتجريدها من وسائل العيش وحرمانها حق الحياة في أمن واستقرار، وقد اتبع النازيون عدة أساليب شيطانية حتى يكسبوا سرقاتهم الصبغة القانونية؛ كابتكار ما أسموه سياسة الريخمارك، وإصدار أوراق نقد معينة، وسك قدر من العملة الصغيرة كي يستخدمها الجنود الألمان في البلدان التي افتتحوها، ثم المطالبة بنفقات الاحتلال الألماني في أوروبا المحتلة، هذا عدا أعمال السلب والنهب سافرة كانت أو مقنعة مما يدخل في قائمة الأسلاب والمغانم .
وكان المقصود من سياسة الريخمارك أن يصبح «المارك الألماني
Reichmark » العملة المتداولة قانونا في جميع البلدان التي خضعت لسيطرة النازيين؛ وذلك حتى يسلب النازيون الشعوب المغلوبة على أمرها وينهبوها، فقد عمد النازيون إلى وضع سعر «المارك» حسب مشيئتهم وأهوائهم، يرفعون قيمته أو يخفضونها تبعا لما كان عليه سعر العملة المحلية في البلدان المفتتحة، فتجدهم مثلا في هولندة ولكسمبرج وأوبين ومالميدي وغيرها يرفعون سعر المارك بدرجة عظيمة حتى تصبح العملة المحلية رخيصة بالقياس إلى الريخمارك مع أنها كانت تلك البلدان ذات قيمة أعلى من قيمة المارك الألماني قبل الغزو النازي، وفي البلدان التي أدمجها النازيون مباشرة في الريخ الثالث مثل دانتزج والنمسا وغيرها خفض هؤلاء سعر المارك الألماني حتى تصبح قيمته متساوية مع قيمة العملة المحلية وكان سعر هذه العملة أقل من سعر الريخمارك قبل الفتح الألماني. ومما هو جدير بالذكر أن رفع الريخمارك وخفضه كان من حيث الشكل عملا قانونيا لا غبار عليه.
وكان المقصود من خفض سعر الريخمارك صون العلاقات التجارية والاقتصادية واستقرار هذه العلاقات بين البلدان التي أراد النازي إدماجها في الريخ وبين الريخ نفسه، أما في غير ذلك من البلدان التي كانوا لا يريدون إدماجها في الريخ فإنهم كانوا يقصدون من رفع سعر الريخمارك إعطاء الفرصة للألمان حتى يتمكنوا من شراء منتجاتها بأبخس الأثمان فضلا عن استطاعتهم أن يبيعوها المنتجات الألمانية بأثمان باهظة، أضف إلى هذا أن بعض هذه البلدان التي قصد النازيون أن ينهبوها كان يقطن بها عناصر أجنبية كالبولنديين في «وارثجو
Warthegau » والبلجيكيين والفرنسيين في لكسمبورج والبلجيكيين في «أوبين ومليدي»، وكان هؤلاء يمتلكون الشطر الأكبر من ثروة هذه البلاد المادية والنقدية. وعلى ذلك أعطى رفع الريخمارك الفرصة للنازيين حتى يغتصبوا لأنفسهم تلك الثروة بأقل ثمن ممكن، وعلاوة على ذلك فإنه لم يكن يقصد من وضع سعر للريخمارك على هذا النحو الاستيلاء على السلع والمنتجات والغلات الزراعية فحسب، بل تمكين الألمان على وجه الخصوص من شراء أسهم الشركات والمؤسسات الصناعية والمالية بأثمان بخسة؛ أي الاستيلاء على شطر كبير من رءوس الأموال - منقولة كانت أو ثابتة - كخطوة لا غنى عن اتخاذها في تلك البلدان المفتوحة؛ تمهيدا لفرض سيطرة الجرمان الاقتصادية على أوروبا بأجمعها في النهاية.
نامعلوم صفحہ