علم العروض والقافية
علم العروض والقافية
ناشر
دار النهضة العربية بيروت
اصناف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
هذه محاضرات في علم العروض والقافية ألقيتها على طلبة الصف الأول بقسم اللغة العربية في جامعة بيروت العربية.
وقد حاولت جهدي عرض قضايا هذا العلم على نحو ييسر على دارسيه تفهمه والإلمام بأهم مصطلحاته وجوانبه التي لها أثر في موسيقي الشعر.
ولما كان تمثل الدارس للجانب النظري من هذا العلم لا يتم إلا إذا كان معززًا بالجانب التطبيقي، فقد أكثرت من الأمثلة والشواهد المختارة من قديم الشعر وحديثه.
وعسى أن يجد القارئ في هذا الجهد المتواضع عونًا له على إدراك موسيقى الشعر ممثلة في أوزانه وقوافيه وكل ما يتصل بهما.
المؤلف
1 / 5
تمهيد
١ العروض والخليل بن أحمد:
العروض: "علم يُبْحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبرة" ١ أو "هو ميزان الشعر، به يعرف مكسوره من موزونه، كما أن النحو معيار الكلام به يعرف معربه من ملحونه"٢.
ويرجع رجال التراجم الفضل في نشأة علم العروض إلى الخليل بن أحمد، أحد أئمة اللغة والأدب في القرن الثاني الهجري، فابن خلكان يذكر أن الخليل كان إمامًا في علم النحو، وأنه هو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرًا، ثم زاد الأخفش بحرًا واحدًا وسماه الخبب، كما يذكر أن الخليل كان له معرفة بالإيقاع والنغم، وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض، فإنهما متقاربان في المأخذ ٣
_________
١ كتاب كشف الظنون: جـ٢ ص ١١٣٣
٢كتاب الإقناع في العروض وتخريج القوافي لأبي القاسم إسماعيل بن عباد: ص٣.
٣تاريخ وفيات الأعيان: جـ١ ص ٣٤٢.
1 / 7
ويحدثنا ياقوت عن الخليل بن أحمد بأنه أول من استخرج العروض وضبط اللغة وحصر أشعار العرب، وأن معرفته بالإيقاع -بناء ألحان الغناء على موقعها وميزانها- هي التي أحدثت له علم العروض١.
كذلك يحدثنا القفطيّ عن الخليل بأنه سيد الأدباء في علمه وزهده، وأنه نحويّ لغويّ عروضيّ، استنبط من العروض وعلله ما لم يستخرجه أحد، ولم يسبقه إلى علمه سابق من العلماء كلهم٢.
وروى ابن خلكان عن حمزة بن الحسن الأصفهاني نقلًا عن كتابه التنبيه على حدوث التصحيف. قوله: إن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها عند العرب أصول من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه احتذاه، وإنما اخترعه من ممر له بالصفارين، من وقع مطرقة على طست.
من ذلك يرى أن الخليل هو أول مبتكر لعلم العروض وحصر كل أشعار العرب في بحوره. ولم تقف عقليته المبتكرة عند هذا الحد، وإنما تجاوزته إلى ابتكار علوم أخرى، فهو أول مبتكر لفكرة المعاجم العربية بوضعه معجم العين، الذي يحصر لغة أمة من الأمم قاطبة، وهو الذي وضع أساس علم النحو باستخراج مسائله وتعليله، وإمداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام كما يذكر القفطيّ، ثم هو الذي اخترع علم الموسيقى العربية وجمع فيه أصناف النغم.
ولكن لا ينبغي أن يفهم من وضع الخليل لعلم العروض أن العرب لم تكن
_________
١ كتاب معجم الأدباء: جـ ١١ ص ٧٣.
٢ كتاب إنباه الرواة: جـ١ ص ٣٤٢.
1 / 8
تعرف أوزان الشعر من قبل، فالواقع أنهم كانوا قبل وضع علم العروض على علم بأوزان الشعر العربي وبحوره على تباينها، وإن لم تكن تعرفها بالأسماء التي وضعها الخليل لها فيما بعد. وما أشبه علمها بذلك بعلمها بالإعراب في الكلام حين كانوا عن سليقة يرفعون أو ينصبون أو يجرون ما حقه الرفع أو النصب أو الجر دون علم بما وضعه النحاة فيما بعد من مصطلحات الإعراب وقواعده.
كذلك كانوا بذوقهم وسيلقتهم يدركون ما يعتور الأوزان المختلفة من زحافات وعلل وإن لم يعطوها أسماء ومصطلحات خاصة كما فعل العروضيون.
وإذا كان الخليل بن أحمد غير مسبوق في وضع علم العروض، فإن أبا عمرو بن العلاء قد سبقه في الكلام عن القوافي وقواعدها ووضع لها أسماء ومصطلحات خاصة.
والرواة مختلفون بشأن الباعث الذي دعا الخليل إلى التفكير في علم العروض ووضع قواعده.
فمن قائل: إنه دعا بمكة أن يرزقه الله علمًا لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه، فرجع من حجه، ففتح عليه بعلم العروض١.
ومن قائل: إن الدافع هو إشفاقه من اتجاه بعض شعراء عصره إلى نظم الشعر على أوزان لم يعرفها العرب ولم تسمع عنهم؛ ولهذا راح يقضي الساعات والأيام يوقع بأصابعه ويحركها حتى حصر أوزان الشعر العربي وضبط أحوال قوافيه.
ومن قائل: إنه وجد نفسه وهو بمكة يعيش في بيئة يشيع فيها الغناء فدفعه ذلك إلى التفكير في الوزن الشعري وما يمكن أن يخضع له من قواعد
_________
١ تاريخ وفيات الأعيان: جـ١ ص ٢٤٣.
1 / 9
وأصول. وقد عكف أيامًا وليالي يستعرض فيها ما روي من أشعار ذات أنغام موسيقية متعددة، ثم خرج على الناس بقواعد مضبوطة وأصول محكمة سماها: علم العروض.
وأيًّا كان الدافع فالثابت أن الخليل هو واضع أصول علم العروض وقوانينه التي لم يطرأ تغيير جوهري عليها، وأن الناس ظلوا حتى اليوم يتدارسونها ويتفهمونها من غير أن يزيد عليها أحد شيئًا. فلا تزال الوحدات القياسية للأوزان هي التفعيلات التي اخترعها الخليل، ولا تزال المقاطع الصوتية التي تتألف منها التفعيلات هي الأسباب والأوتاد، كما أن عدد البحور لا يزال ثابتًا عند البحور الخمسة عشر التي وضعها الخليل وبحر الخبب أو المتدارك الذي وضعه تلميذه الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة، ولا يرد علينا هنا بما استحدث من أوزان في العصر العباسي؛ لأن هذه يمكن إرجاع أصولها إلى أوزان الخليل.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك فارقًا ملحوظًا بين علم العروض وعلوم العربية الأخرى من حيث النشأة. فعلوم النحو والصرف والبلاغة واللغة مثلًا قد استحدثت ثم أخذت تنمو جيلًا بعد جيل وعصرًا بعد عصر حتى بلغت ذروة اكتمالها، أما العروض فقد أخرجه الخليل علمًا يكاد يكون متكاملًا، ولعل ذلك هو السر في أن من أتى بعد الخليل من العروضيين لم يستطيعوا أن يزيدوا على عروضه أي زيادة تذكر أو تمس الجوهر.
وكما اختلفت الآراء بالنسبة إلى الباعث الذي دعا الخليل إلى التفكير في علم العروض، اختلفت كذلك بالنسبة إلى سبب تسمية هذا العلم بالعروض.
فمن قائل: إن من معاني العروض مكة لاعتراضها وسط البلاد، ومن ثم أطلق الخليل على علم ميزان الشعر الذي اخترعه اسم المكان الذي ألهم فيه قواعده وأصوله.
1 / 10
ومن قائل: إنه سمي عروضًا باسم عمان التي كان يقيم فيها واضعه ومخترعه الخليل بن أحمد. ويذكر صاحب لسان العرب أنه سمي عروضًا؛ لأن الشعر يعرض عليه، أي: يوزن بواسطته.
٢ الحاجة إلى علم العروض:
عرفنا مما سبق أن العروض هو علم ميزان الشعر أو موسيقى الشعر، وهو علم له قواعده وأصوله ونظرياته التي تحصل وتكتسب بالتعلم، وإذا كان الشعر من الناحية العملية هو الجانب التطبيقي لقواعد العروض وأصوله ونظرياته، فإنه قبل ذلك فن كسائر الفنون مصدره الموهبة والاستعداد.
وقد يستطيع الشاعر الموهوب بما له من أذن موسيقية وحس وذوق مرهفين أن يقول الشعر دون علم بالعروض وحاجة إلى قوانينه، ولكنه مع ذلك يظل بحاجة إلى دراسة علم العروض والإلمام بأصوله.
فأذن الشاعر الموسيقية -مهما كانت درجة رهافتها وحساسيتها- قد تخذل صاحبها أحيانًا في التمييز بين الأوزان المتقاربة أو بين قافية سليمة وأخرى معيبة، أو بين زحاف جائز وآخر غير جائز.
وجهل الشاعر الموهوب بأوزان الشعر وبحوره المختلفة من تامة ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة قد يحصر شعره في بعض أوزان خاصة، وبذلك يحرم نفسه من العزف على أوتار شتى تجعل شعره منوع الأنغام والألحان من ذلك تتجلى أهمية دراسة الشاعر للعروض والإلمام بقوانينه وأصوله.
وإذا كان العروض إلى هذا القدر لازمًا للشاعر الملهم الموهوب، فإنه يكون أشد لزومًا لغيره. فهو أشد لزومًا لطلاب اللغة والتخصص فيها؛ لأنه يعينهم على فهم الشعر العربي وقراءته قراءة صحيحة والتمييز بين سليمه ومختله وزنًا.
1 / 11
وهو كذلك أشد لزومًا للدارسين والمتخصصين في فروع الثقافة العربية من تاريخ واجتماع وأدب وبلاغة ومذاهب دينية أو عقلية. فالباحثون في أمثال هذه العلوم العربية لا غنى لهم عن تفهم ما يرد من شعر في المراجع والكتب المختصة بهذه العلوم. وفهم أولئك للشعر متوقف على صحة قراءته، وهذه لا تتأتى إلا لمن لديه القدرة على معرفة صحيح الأوزان والتمييز بين أنواعها المختلفة.
من أجل ذلك كله ندرك ضرورة الإلمام بعلم العروض أو علم موسيقى الشعر وأصوله، لا بالنسبة للشعراء فحسب، ولكن بالنسبة أيضًا لذوي التخصص في علوم العربية. وإذا جاز أن يغتفر لغير متخصص ألا يقيم وزن الشعر وألا يقرأه قراءة صحيحة، فإن ذلك لا يمكن أن يغتفر مطلقًا للمتخصص.
٣ الصلة بين العروض والموسيقى:
عرفنا أن العروض هو علم موسيقى الشعر، وعلى ذلك يكون هناك صلة تجمع بينه وبين الموسيقى بصفة عامة، وهذه الصلة تتمثل في الجانب الصوتي.
فالموسيقى تقوم على تقسيم الجمل إلى مقاطع صوتية تختلف طولًا وقصرًا، أو إلى وحدات صوتية معينة على نسق معين، بغض النظر عن بداية الكلمات ونهايتها.
وكذلك شأن العروض، فالبيت من الشعر يقسم إلى وحدات صوتية معينة، أو إلى مقاطع صوتية تعرف بالتفاعيل بقطع النظر عن بداية الكلمات ونهايتها. فقد ينتهي المقطع الصوتي أو التفعيلة في آخر كلمة، وقد ينتهي في وسطها، وقد يبدأ من نهاية كلمة وينتهي ببدء الكلمة التي تليها.
وهاكم مثالًا على ذلك:
لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي ... وسائلي للقوم ما حزمي وما خلقي
1 / 12
فتقطيع هذا البيت أو تقسيمه إلى وحدات صوتية أو تفاعيل يكون كالآتي:
لا تَسْأَلِلْ قَومَ مَا مَالِي َمَاحَسَبِي ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
وَسَائِلِلْ قَومَ ما حَزْمِي وَمَا خُلُقِي ... متفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
ولكن تقطيع البيت أو تقسيمه إلى وحدات صوتية أو تفاعيل لا يتحقق إلا إذا كتب الشعر كتابة عروضية فما الكتابة العروضية؟
٤ الكتابة العروضية.
أوضحنا فيما سبق الصلة الوثيقة التي بين العروض والموسيقى، وهي صلة الفرع المتولد من الأصل، فالعروض في الحقيقة أمره ليس إلا ضربًا من الموسيقى اختص بالشعر على أنه مقوم من مقوماته.
وإذا كان للموسيقى عند كتابتها رموز خاصة يدل بها على الأنغام المختلفة، فإن للعروض كذلك رموزًا خاصة به في الكتابة تخالف الكتابة الإملائية التي تكون على حسب قواعد الإملاء المتعارف عليها. وهذه الرموز العروضية يدل بها على التفاعيل التي هي بمثابة أنغام الموسيقي المختلفة.
والكتابة العروضية تقوم على أمرين أساسيين هما:
١ ما ينطق يكتب.
٢ ما لا ينطق لا يكتب.
وتحقيق هذين الأمرين عند الكتابة العروضية يستلزم زيادة بعض أحرف
1 / 13
لا تكتب إملائيًا وحذف بعض أحرف تكتب إملائيًا. وفيما يلي تفصيل للأحرف التي تزاد أوتحذف في الكتابة العروضية:
أ- الحروف التي تزاد:
تزاد في الكتابة العروضية ستة أحرف هي:
١ إذا كان الحرف مشددًا فك التشديد ورسم الحرف أو كتب مرتين: مرة ساكنًا ومرة متحركًا، نحو: رق، وعد، وهز، فتكتب عروضيًّا: رقق، وعدد، وهزز.
٢ إذا كان الحرف منونًا كتب التنوين نونًا، نحو: جبل، وشجر، وأسد، فتكتب عروضيًّا: جبلن، وشجرن، وأسدن، رفعًا ونصبًا وجرًّا.
٣ تزاد ألف في بعض أسماء الإشارة، نحو: هذا، وهذه، وهذان، وهذين، وهؤلاء، وذلك، فتكتب عروضيًّا: هاذا، وهاذه، وهاذان، وهاذين، وهاؤلاء، وذالك. كذلك تزاد ألف في لفظ الجلالة، وفي لكن المخففة والمشددة، فهذه الكلمات: الله، ولكن، ولكن، تكتب عروضيًّا هكذا: اللاه، ولاكن، ولاكنن.
٤ تزاد واو في بعض الأسماء كما في: داود، وطاوس، وناوس، فتكتب عروضيًّا: داوود، وطاووس، وناووس.
٥ تكتب حركة حرف القافية حرفًا مجانسًا للحركة، فإذا كانت حركة حرف القافية ضمة كتبت هذه الضمة عروضيًّا واوًا، وإذا كانت كسرة كتبت ياء، وإذا كانت فتحة كتبت ألفًا.
٦ إذا أشبعت حركة هاء الضمير للمفرد المذكر الغائب، كتبت
1 / 14
حرفًا مجانسًا للحركة. فالضمة التي على الهاء في: له، ومنه، وعنه، إذا أشبعت كتبت عروضيًّا واوًا هكذا: لهو، ومنهو، وعنهو.
وكسرة الهاء في: به وإليه، وفيه، إذا أشبعت كتبت عروضيًّا هكذا: بهي، وإليهي، وفيهي.
أما كاف المخاطب أو المخاطبة فلا تشبع، وبالتالي لا يزاد بعدها أي حرف، نحو: بك، وبكِ، ومنك ومنكِ، وإليك وإليكِ.
ب- الأحرف التي تحذف:
١ تحذف همزة الوصل، وهي الألف التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن، إن كان قبلها متحرك. ويكون ذلك في:
أ- ماضي الأفعال الخماسية والسداسية المبدوءة بالهمزة، وفي أمرها ومصدرها، نحو: انْطَلَق، استغْفَر، انطلِق، استغفِر، انطلاق، استغفار. فألف الوصل في هذه الكلمات وأمثالها تحذف إن كان قبلها متحرك عند الكتابة العروضية هكذا: فنطلَق، فستغفَر، فنطلِق فستغفِر، فنطلاق، فستغفار.
ب- الأسماء العشرة المسموعة وهي: اسم، ابن، ابنة، امرؤ، امرأة، اثنان، اثنتان، أيمن المختصة بالقسم، است.
فمثلًا: باسمك، وهذا أب وابن، والعام اثنا عشر شهرًا، تكتب عروضيًّا هكذا: بسمك، وهاذا أبن وبنن، والعام ثنا عشر شهرن.
ج- أمر الفعل الثلاثي الساكن ثاني مضارعه، نحو: فاسمع واكتب واقرأ، فإنها تكتب عروضيًّا هكذا: فسمعْ، وكتبْ، وقرأْ.
د- ألف الوصل من أل المعرفة. فإذا كانت أل قمرية، كما
1 / 15
في القمر، والورد، اكتفى بحذف الألف فقط، فجمل مثل: طلع القمر، وتفتح الورد، تكتب عروضيًّا هكذا: طلع لقمر، وتفتْتَح لورد.
أما إذا كانت أل شمسية، كما في الشمس والنهر، فإن ألفها تحذف أيضًا وتقلب اللام حرفًا من جنس الحرف الأول في الاسم الداخلة عليه أل فجمل مثل: تشرق الشمس، ويفيض النهر، تكتب عروضيًّا هكذا: تشرق ششمس، ويفيض ننهر.
٢ تحذف واو عمرو رفعًا وجرًا.
٣ تحذف الياء والألف من أواخر حروف الجر المعتلة وهي: في، إلى، على، عندما يليها ساكن؛ فتراكيب مثل: في البيت، إلى الجامعة، على الجبل، تكتب عروضيًّا هكذا: فلبيت، إللجامعة، عللجبل، ولا تحذف الياء أو الألف من هذه الحروف إذا وليها متحرك نحو: في بيت، وإلى جامعة، وعلى جبل.
٤ تحذف ياء المنقوص وألف المقصور غير المنونين عندما يليهما ساكن نحو: المحامي القدير، والنادي الكبير، والفتى الغريب، والندى الرطب، فهذه تكتب عروضيًّا هكذا: المحاملقدير، وننادلكبير، ولفتلغريب، ونندررطب.
٥ أمثلة للكتابة العروضية:
المثال الأول من بحر الوافر، وهو من قصيدة لشوقي في دمشق:
دخلتك والأصيل له ائتلاق ... ووجهك ضاحك البسمات طلق
ووزنه هو:
مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن
1 / 16
يكتب عروضيًّا مع تقطيعه إلى تفاعيل هكذا:
دخلتك ول أصيل لهؤ تلاقن ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن
ووجهك ضا حك لبسما تطلقو ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن
المثال الثاني من بحر الطويل، وهو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... وإن يرق أسباب السماء بسلم
ووزنه:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
ويكتب عروضيًّا مع تقطيعه إلى تفاعيل هكذا:
ومن ها بأسبابل منايا ينلنهو ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
وإن ير قأسبابس سماء بسللمي ... فعولن مفاعيلن فعول١ مفاعلن
المثال الثالث من بحر الرمل، وهو من قصيدة لشاعر معاصر:
كل ما في الأرض من فلسفة ... لا يعزي فاقدا عمن فقد
ووزنه:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
_________
١ أصل هذه هذه التفعيلة "فعولن" ويجوز فيها حذف الخامس الساكن فتصير "فعول".
1 / 17
ويكتب عروضيًّا مع تقطيعه إلى تفاعيل هكذا:
كلل ما فل أرض من فل سفتن ... فاعلاتن فاعلاتن فعلن٢
لا يعززي فاقدن عم من فقد ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
٦ المقاطع العروضية:
يتألف المقطع العروضي من حرفين على الأقل وقد يزيد إلى خمسة أحرف والعروضيون يقسمون التفاعيل التي تتكون منها أوزان الشعر إلى مقاطع تختلف في عدد حروفها وحركاتها وسكناتها. وفيما يلي تفصيل هذه المقاطع:
١ السبب الخفيف: وهو يتألف من حرفين أولهما متحرك وثانيهما ساكن نحو: لم - عن - قد - بل - كم - إن - هل
٢ السبب الثقيل: وهو ما يتألف من حرفين متحركين، نحو: لك، بك، ويع، ويف من: لم يع، ولم يف.
٣ الوتد المجموع: وهو ما يتألف من ثلاثة أحرف، أولها وثانيها متحركان والثالث ساكن، نحو: إلى، على، نعم، مضى.
٤ الوتد المفروق: وهو ما يتألف من ثلاثة أحرف، أولها متحرك وثانيها ساكن وثالثها متحرك، نحو: أين، قام، ليس، سوف، حيث، لان، بين.
٥ الفاصلة الصغرى: وهي ما تتألف من أربعة أحرف، الثلاثة الأولى منها متحركة والرابع ساكن، نحو: لعبت، وفرحت وضحكت،
_________
٢ أصل هذه التفعلية "فاعلن" ويجوز فيها حذف الثاني الساكن فتصير "فعلن".
1 / 18
بسكون التاء في الأفعال الثلاثة، ونحو: ذهبا ورجعا، وذهبوا ورجعوا.
٦ الفاصلة الكبرى: وهي ما تتألف من خمسة أحرف، الأربعة الأولى منها متحركة والخامس ساكن، نحو: غمرنا، من قولك غمرنا فلان بعطفه، ونحو: شجرة، وثمرة، وحركة، وبركة، بتنوين التاء في كل منها.
وإذا تأملنا الفاصلة الصغرى والفاصلة الكبرى، وجدنا أن كلتيهما تتألف من مقطعين؛ فالفاصلة الصغرى تتألف من سبب ثقيل وآخر خفيف، على حين تتألف الفاصلة الكبرى من سبب ثقيل ووتد مجموع.
٧ التفاعيل.
عرفنا أن تفاعيل العروض تتألف من مقاطع، وهذه التفاعيل لا تقل عادة عن مقطعين ولا تزيد عن ثلاثة مقاطع، فمثلًا:
فعولن: تتكون من مقطعين، أولهما وتد مجموع وثانيهما سبب خفيف.
ومفاعيلن: تتكون من ثلاثة مقاطع، أولها وتد مجموع، وكل من الثاني والثالث سبب خفيف.
وإذا رمزنا إلى الحرف المتحرك بألف صغيرة، وإلى الحرف الساكن بدائرة صغيرة، وشئنا أن ننقل كلًا من: فعولن ومفاعيلن من لغة الألفاظ إلى لغة الرموز، فإن فعولن بلغة الرموز تصبح: اا هـ اهـ، كما تصبح مفاعيلن بلغة الرموز: اا هـ اهـ اهـ.
1 / 19
عدد التفاعيل:
ويبلغ عدد التفاعيل العروضية التي اخترعها الخليل عشر تفاعيل كالآتي:
أ- اثنتان خماسيتان وهما:
فاعلن: اهـ اا هـ: وتتكون من سبب خفيف ووتد مجموع.
فعولن: اا هـ اهـ: وتتكون من وتد مجموع وسبب خفيف.
ب-وثمانية سباعية وهي:
مفاعيلن: اا هـ اهـ اهـ: وتتكون من وتد مجموع وسببين خفيفين.
مستفعلن: اهـ اهـ اا هـ: وتتكون من سببين خفيفين ووتد مجموع.
مفاعلتن: اا هـ اا اهـ: وتتكون من وتد مجموع وفاصلة صغرى.
متفاعلن: اا اهـ اا هـ: وتتكون من فاصلة صغرى ووتد مجموع.
مفعولات: اهـ اهـ اهـ ا: وتتكون من سببين خفيفين ووتد مفروق.
فاع لاتن: اهـ اا هـ اهـ: وتتكون من وتد مفروق وسببين خفيفين.
مستفع لن: اهـ اهـ ااه: وتتكون من سبب خفيف فوتد مفروق فسبب خفيف.
فاعلاتن: اهـ اا هـ اهـ: وتتكون من سبب خفيف فوتد مجموع فسبب خفيف.
ومع التشابه في النطق بين مستفعلن المتصلة، ومستفع لن المنفصلة، وفاعلاتن المتصلة، وفاع لاتن المنفصلة، فإن كان زوج منها يختلف في
1 / 20
وبإعادة النظر في هذه التفعيلات العشرة من حيث مقاطعها وبغض النظر عن صورها تتجلى لنا حقيقة مهمة هي:
١- إن فعولن عكسها فاعلن
٢- وإن مفاعيلن عكسها مستفعلن
٣- وإن مفاعلتن عكسها متفاعلن
٤- وإن مفعولات عكسها فاع لاتن
ومعنى ذلك أن ثماني تفعيلات من التفعيلات العشر هي في حقيقة أمرها أربع تفعيلات فقط ثم صارت بتوليد عكسها ثمانية. فإذا سلمنا بذلك صح القول بأن الخليل بن أحمد عند وضعه لعلم العروض قد اهتدى إلى ست تفعيلات فقط هي: فعولن، مفاعيلن، مفاعلتن، مفعولات، فاعلاتن، مستفع لن،
ومن التفعيلات الأربعة الأولى وعكسها بالإضافة إلى الاثنتين الأخيرتين فاعلاتن ومستفع لن تم له اختراع التفعيلات العشرة.
وهكذا استطاع الخليل بن أحمد باختراع ست تفعيلات وعكس أربع منها أن يخترع أوزانه الخمسة عشر للشعر، والتي سنتكلم عنها بالتفصيل.
ويجدر بنا ونحن في معرض الحديث عن التفعيلات أن نذكر أن هذه التفعيلات لا تبقى على حال أو صورة واحدة في البحور التي تتألف منها، وإنما يعتريها التغيير بالحذف أو الزيادة أو تسكين المتحرك منها.
وهذا التغيير الذي يطرأ عليها بالحذف أو الزيادة، أو تسكين المتحرك له اصطلاح خاص في العروض يعرف به، وهذا الاصطلاح يسمى: الزحاف.
وسوف نتعرض بالقول لأنواع الزحاف التي تدخل على تفعيلات كل بحر عند
1 / 21
الكلام عن بحور الشعر وأوزانه بالتفصيل.
٨ مقومات القصيدة العربية:
القصيدة العربية في الشعر الملتزم تعتمد من جهة نظمها على أصلين هما: وحدة الوزن، ووحدة القافية.
فأبيات القصيدة، أيًّا كان عددها، يجب أن تكون كلها واحدة في وزنها أي من جهة عدد المقاطع والتفاعيل. فإذا كانت تفاعيل البيت الأول ثلاثة أو أربعة التزمت هذه التفاعيل بعددها في جميع أبيات القصيدة.
وكذلك وحدة القافية. فإذا كان آخر البيت الأول من القصيدة دالًا مثلًا التزمت هذه الدال في آخر كل بيت من القصيدة، كما في قصيدة المعري التي مطلعها:
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي ... نوح باكٍ ولا ترنم شاد
واللغة العربية مشهورة عن غيرها من اللغات بسعة مفرداتها وكثرة مترادفاتها ومشتقاتها. وهذه تساعد الشاعر على إطالة القصيدة على قافية واحدة، وقل أن تجد لذلك نظيرًا في الآداب الأخرى، ولذلك ترى الشعراء غير العرب يستعينون على إطالة القصيدة إذا شاءوا بتوزيع القوافي.
وليست وحدة الوزن ووحدة القافية عيبًا في شعرنا العربي أو تقييدًا له، فالتمسك بهاتين الوحدتين والتزامهما من شأنه أن يقوي بناء القصيدة ويرتفع بموسيقاها.
وأمر آخر قد يخفى إلا على من يعالجون الشعر وينظمونه؛ ذلك الأمر هو أن التزام القافية كثيرًا ما يلجئ الشاعر إلى التريث بحثًا عن القافية المناسبة.
1 / 22
وكثيرًا ما يولد هذا التمهل الناشئ عن الجري وراء القافية أفكارًا ما كانت لتتاح للشاعر أو تخطر على باله وأتته القافية من أول الأمر بسهولة.
ودعاة التجديد في الشعر العربي كان أولى بهم أن يحاولوا التجديد في الأوزان -إن استطاعوا- وبذلك يضيفون إلى ألحان الخليل ألحانًا أخرى يثرَى بها الشعر العربي.
التقطيع:
يراد بالتقطيع في العروض وزن كلمات البيت من الشعر بما يقابلها من تفعيلات، والتقطيع من شأنه أن يعين الدارس على معرفة البحر الذي ينتمي إليه البيت الذي يود معرفة وزنه. ويمكن الاهتداء إلى وزن البيت باتباع الخطوات التالية:
أولًا: كتابة البيت كتابة عروضية.
ثانيًا: وضع الحرف (ن) مثلًا تحت كل حرف متحرك لا يليه ساكن، ووضع خط صغير هكذا (-) تحت كل حرف متحرك يليه ساكن.
ثالثًا: بعد الانتهاء من نقل لغة الألفاظ إلى لغة الرموز، يقسم البيت إلى تفاعيل لفظية، وذلك بالرجوع إلى تفاعيل العروض التالية ورموزها المدونة أمامها.
رابعًا: بعد ذلك يسهل على الدارس معرفة وزن البيت إذا كان متذكرًا للتفاعيل التي يتألف منها وزن كل بيت، وإلا أمكنه الاستعانة بأوزانها الواردة في مفاتيح البحور صفحة ١٢٨.
التفاعيل ورموزها:
١ فعولن: ن -- وقد تصير بالزحاف فعول: ن - ن
٢ مفاعيلن: ن --- وقد تصير بالزحاف مفاعلن: ن - ن-
1 / 23
٣ مفاعلتن: ن - ن ن - وقد تصير بالزحاف مفاعلتن: ن ---
٤ متفاعلن: ن ن - ن - وقد تصير الزحاف متفاعلن: -- ن -
٥ مستفعلن: -- ن - وقد تصير بالزحاف متفعلن: ن - ن- أو مستعلن: - ن ن
٦ مستفع لن: -- ن - وقد تصير بالزحاف متفع لن: ن - ن -
٧ فاعلاتن: - ن -- وقد تصير بالزحاف فعلاتن: ن ن -- أو فاعلن: - ن - أو فالاتن: ---
٨ فاع لاتن: - ن --
٩ مفعولات: --- ن وقد تصير بالزحاف مفعلات: -ن-ن أو معولات: ن --ن
١٠ فاعلن: -ن- وقد تصير بالزحاف فالن: --
فإذا شئنا معرفة وزن البيت التالي.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
فإننا نتبع الخطوات السابقة، بكتابته أولًا كتابة عروضية، ثم بوضع رموزه تحته، ثم بتقسيمه إلى تفاعيل لفظية، وذلك بالرجوع إلى التفاعيل ورموزها، وبذلك يمكن معرفة الوزن، هكذا:
على قدرأهللعز م تأتل عزائمو ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
ن -- ن--- ن-- ن-ن-
وتأتي على قدرل كرامل مكارمو ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
ن-- ن--- ن-- ن-ن-
وبذلك يتضح لنا أن هذا البيت من بحر الطويل.
1 / 24
أوزان البحور
البحر الأول: بحر الطويل
مدخل
...
أوزان البحور
١ مقدمة.
٢ البحر الأول: بحر الطويل.
مقدمة:
أشرنا سابقًا إلى أن الخليل بن أحمد وضع خمسة عشر بحرًا وأن تلميذه الأخفش زاد عليها بحرًا سماه: المتدارك، وبذلك أصبح مجموع البحور ستة عشر بحرًا.
وبعد هذه البحور كما ذكرنا من قبل تشترك تفعيلاتها في عدد المقاطع بحيث إذا قدمنا مقطعًا متأخرًا أو أخرنا مقطعًا متقدمًا تولد عن ذلك البحر المماثل.
فالتفعيلة فعولن مثلًا مكونة من وتد مجموع فسبب خفيف، فإذا تكررت ثماني مرات فإنه ينتج عنها بحر المتقارب، أما إذا قدمنا السبب الخفيف على الوتد المجموع في التفعيلة ذاتها فإن فعولن تصبح فاعلن، وهذه إذا تكررت كذلك ثماني مرات فإنه يتولد عنها بحر المتدارك.
1 / 25