59

والسلوك طرفاه المحاباة مع الغرض والإجحاف مع الغرض، والوسط قوام بين الغرضين لا ينقاد لهذا ولا لذاك.

والمعيشة الصالحة قوامها أن يتخير الإنسان رزقا حلالا يتورع فيه عن التكسب بما يضر الآخرين.

والعمل الصالح أن يعرف ما يبتغيه ويقيس طاقته على مراده ويلتزم في كل ما يريد جادة الرشد والحكمة والإنصاف.

والتأمل الصالح سلام العقل وصفاء البصيرة ونبذ الوهم والعكوف على الحق البريء من النزعات.

والفرح الصادق هو فرح الرضوان الذي يتاح للإنسان في هذه الحياة فيبلغ به ملكوت «النرفانا» الأرضية في انتظار النرفانا الصمدية، وهي السكينة أو الفناء، وبينها وبين العدم فرق كبير. لأنها هي وجود يفنى في وجود، ويفسرها بعض العصريين من أذكياء البوذيين بفناء ألوان الطيف في البياض الناصع الذي ليس له لون، وهو ملتقى جميع الألوان.

بهذه الآداب ينجو الإنسان من رباط ذلك الدولاب الدائر بالولادة والموت والتجدد في حياة بعد حياة وجثمان وراء جثمان، فيدخل في «النرفانا» ولا يولد بعد ذلك ولا يموت.

وحكمه في هذا المصير حكم الأرباب والملائكة وحكم السماوات والأرضين، فكلها خاضع لقانون القضاء والقدر الذي لا فكاك منه لموجود، وكلها عرضة للتكفير والتطهير والتحول والتغيير، ثم للذهاب في غمرة الفناء الأخير.

وموضع التناقض في هذه الفلسفة أنها تنكر «الشخصية الإنسانية» ولا تعترف بالذات أو بالروح وهي مع هذا تؤمن بتناسخ الأرواح وثبوت شيء في الإنسان يبقى على التنقل بين الأجساد والدورات.

وأنها تؤمن بالكل أو «المطلق» الصمدي الوجود، ثم تنفي عنه الذات كما تنفيها عن الإنسان. مع أن الكل بغير ذات لا يكون كلا بمعنى من معاني الكلية، ولكنه شتات من أجزاء متفرقات.

وعلينا أن نحترس من مغالاة الشراح الأوربيين بهذه الفلسفة البوذية؛ لأنهم يتعصبون لكل منسوب إلى الآرية على اعتبارها عنصر الأوربيين الأقدمين والمعاصرين.

نامعلوم صفحہ