197

فكل ما نعلمه أنه جل وعلا كمال مطلق وأن العقل المحدود لا يحيط بالكمال الملطق الذي ليست له حدود، وليس لهذا العقل أن يقول للكمال المطلق كيف يكون وكيف يفعل وكيف يريد. •••

ويفضي بنا الكلام في طاقة العقل إلى نتيجة رابعة، وهي الصلة بين العقل والإيمان.

فكيف نؤمن إذا كان العقل الإنساني قاصرا عن إدراك الذات الإلهية؟ وكيف تأتي الصلة بين الكمال المطلق وبين الإنسان؟

وقد نمهد للجواب على هذا السؤال بسؤال آخر يرد البحث إلى نصابه، فنسأل: أيراد بالعقل إذن أن يكف عن الإيمان حتى يكون عقلا كاملا مطلق الكمال؟ أم يراد بالعقل أن يؤمن بإله دون مرتبة الكمال؟

لا هذا ولا ذاك مما يراد أو يقع في حسبان، فالكائن الذي يستحق الإيمان به هو الكائن الذي يتصف بالكمال المطلق في جميع الصفات، وغير معقول أن يكون سبب الإيمان هو السبب المبطل للإيمان، وغير معقول أن يستحيل الإيمان مع وجود الإله الذي يتصف بأكمل الصفات، فالمخرج الوحيد من هذا التناقض أن الصلة بين الخالق وخلقه لا تتوقف على العقل وحده، وأي عجب في ذاك؟ إن الإنسان كله لفي الوجود؟ وليس العقل وحده هو قوام وجود الإنسان، فلماذا تنقطع الصلة بين الخلق والخالق إذا حسرت العقول دون ذلك المقام.

أفمعنى هذا أن العقل الإنساني لا عمل له في مسألة الإيمان؟

كلا، بل له عمل كبير، ولكنه ليس بالعمل الوحيد.

وفرق بين أن يعرف العقل حدوده وبين أن يبطل عمله، فإن العقل ليستطيع التفرقة بين عقيدة الشرك وعقيدة التوحيد ويستطيع التفرقة بين أدلة الإيمان وأدلة التعطيل، ويستطيع التفرقة بين ضمير مؤمن وضمير عطل من الإيمان، ويستطيع أن يبلغ غاية حدوده ثم لا ينكر ما وراءها لأنه وراء تلك الحدود، ويستطيع أن يسأل نفسه: أممكن أن يمتنع علي الإيمان بالله لا لشيء إلا لأنه متصف بأكمل الصفات التي يتعلق بها إيمان المؤمنين؟ فإن لم يكن ذلك ممكنا فليعترف «بالوعي الديني» لأنه ضرورة لا محيص عنها، ولأنه واقع ملازم للإنسان في محاولاته الأولى، ولن يزال ملازما له في مقبل عصوره أبد الأبيد. •••

وهنا يعرض السؤال عن مشكلة الخير والشر التي برزت بعد الأديان الكتابية إلى الصف الأول بين مشكلات علم الكلام وعلم اللاهوت، وكانت قبل الأديان الكتابية سببا للقول بالتثنية وتعدد الوساطات بين الله وعالم المادة أو عالم الهيولى.

ففي سياق الكلام على كمال الذات الإلهية يسألون: كيف يتفق هذا الكمال وما نحسه في هذا العالم من النقص والشر والعذاب؟

نامعلوم صفحہ