فما هو الباعث في الطبيعة الإنسانية إلى طلب العقيدة، وهل يلزم أن يكون باعثا واحدا، أو يجوز أن يرجع إلى بواعث كثيرة؟ وهل يثبت هذا الباعث على حالة واحدة أو تتجدد له أحوال بعد أحوال بتعاقب الأطوار أو الأجيال؟
أما أنه باعث واحد فلا وجه للزومه، ولا مانع لتعدده، ويصح جدا أن تتفق جميع البواعث التي تفرق العلماء في شرحها وسرد الشواهد عليها، وألا ينفرد باعث منها بنشأة الدين منذ أقدم العصور، وألا توصد الأبواب على البواعث الأخرى التي قد تتجدد الآن، وقد تمضي في التجدد إلى غير انتهاء. •••
يرى كثير من العلماء أن الأساطير هي أصل الدين بين الهمج، وهو رأي لا يرفض كله ولا يقبل كله؛ لأن العقائد الهمجية قد تلبست بالأساطير في جميع القبائل الفطرية، فلا يسهل من أجل هذا أن نرفض القول بالعلاقة بين الأسطورة والعقيدة، ولكن لا يسهل من جهة أخرى أن نطابق بين العقيدة والأسطورة في كل شيء وفي كل خاصة؛ لأن العقيدة قد تحتوي الأسطورة ولكن الأسطورة لا تحتويها؛ إذ يشتمل عنصر العقيدة على زيادة لا يشتمل عليها عنصر الأسطورة، وهي زيادة الإلزام الأخلاقي والشعور الأدبي بالطاعة والولاء، والأمل في المعونة والرحمة من جانب الرب المعبود.
وقد وجدت أساطير كثيرة لا تتجاوز الأوصاف الرمزية والمشابهة الفنية التي طبع عليها الخيال: فهي ترجع إلى ملكة التجسيم والتصوير، ولا ترجع إلى ملكة الإيمان والاعتقاد.
ووجدت أساطير كثيرة سببها عجز اللغة الإنسانية في نشأتها الأولى، كما ثبت للعلامة اللغوي ماكس موللر صاحب هذا التفسير لنشأة الأساطير، فإن الذي يقول: إن الأرض أم الثمرات كالذي يقول في العصر الحديث: إن فرنسا أم الثورة، ولكننا نعرف التلاقح الحي فلا نخلط بين الحقيقة والمجاز، ولم يكن الأقدمون على علم بذلك، فلا يمضي الزمن على التشبيه حتى تصبح الأمومة المجازية كأمومة الواقع بين الأحياء.
ولا شك أن الإنسان يسمع الأسطورة ولا يتدين بها، ويتدين بالعقيدة ولا يلزم من ذلك أن تصطبغ أمامه بصبغة الأساطير، فليست كل أسطورة عقيدة، وإن كانت كل عقيدة في الجاهلية الأولى قد تلبست ببعض الأساطير. •••
ويرى تايلور
Tylor
أن ملكة الاستحياء
Animism
نامعلوم صفحہ