اللہ کائنات اور انسان
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
اصناف
سوف أبدأ بالخطاب الأول الذي وجهه الإله التوراتي يهوه إلى موسى عندما تجلى له في نار شجرة شوكية تتقد بالنار في الصحراء دون أن تحترق: «فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه من وسط شجرة العليق وقال: موسى، موسى. فقال: ها أنا ذا. فقال: لا تقترب إلى ها هنا، اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال : أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله» (الخروج: 3). وكما نلاحظ بوضوح فإن إله موسى في هذا الوحي الأول لنبيه لم يدع الوحدانية، وإنما قال إنه إله الآباء الأقدمين.
والآن فلنقارن بين هذا الوحي الأول في التوراة، والوحي الأول الذي نزل على موسى في القرآن الكريم:
وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى * فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (طه: 9-14).
فإذا جئنا بعد ذلك إلى الوصايا العشر التي نزلت على موسى بعد هذه المواجهة الأولى مع إلهه، نجد أن الوصية الأولى التي تقرر شكل ومضمون العقيدة تؤسس لوحدانية العبادة لا للتوحيد الصافي: «ثم تكلم الله بهذه الكلمات جميعها قائلا: أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» (الخروج: 20). أي إن إله موسى يأمره هنا بألا يعبد إلى جانبه إلها آخر دون أن يقر لنفسه بصفة الوحدانية. وبعد ذلك وفي الوصية الثانية يصف نفسه بالغيور: «لأني أنا الرب إلهك إله غيور.» فهو يغار من وجود آلهة أخرى ولو أنه أقر لنفسه بالوحدانية فلا مجال لغيرته. والشواهد من النص التوراتي على ما أقول لا تحصى: «من مثلك يا رب بين الآلهة» (الخروج: 15). «إله الآلهة، الرب إله الآلهة» (يشوع: 25). «أي إله عظيم مثل الله» (المزمور: 77). «إله الآلهة، الرب تكلم» (المزمور: 50). (س):
ولكن هناك روابط متينة تجمع اليهودية إلى الإسلام والمسيحية، فماذا ندعو هذه الزمرة من الأديان إذا ما رفضنا صفة التوحيدية للديانة اليهودية؟ لقد وصفتها عرضا في حديث سابق بالإبراهيمية! (ج):
هذا صحيح؛ فالكتب المقدسة لهذه الأديان متواشجة ومتناصة، وهذا ما يدعونا إلى وضعها في زمرة واحدة، أدعوها بالإبراهيمية سيرا مع الرأي الشائع لا عن قناعة بهذا الوصف. (س):
إذن أنت تضع الديانتين الإسلامية والمسيحية في زمرتين؛ الأولى الأديان التوحيدية، والثانية الأديان الإبراهيمية. (ج):
نعم، وهناك زمرة ثالثة تشتمل على الأديان التوحيدية وعلى الديانة البوذية أدعوها بالأديان الشمولية. (س):
وما الذي يجمع البوذية وهي عقيدة لا إلهية إلى أديان التوحيد؟ (ج):
طبيعتها الشمولية. لقد قلت في حديث سابق إن الدين يتبدى على المستوى الاجتماعي في صيغتين هما العبادة ودين الشعب، ولكن هنالك صيغة أخرى ثالثة هي الدين الشمولي؛ فلقد بقي دين الشعب بمثابة رابطة عامة تجمع أهل الثقافة الواحدة إلى أن شهد تاريخ الدين ظاهرة جديدة هي ظاهرة الأديان الشمولية، وذلك في سياق القرن السادس قبل الميلاد. والدين الشمولي هو عقيدة عابرة للجغرافيا والحدود السياسية والقوميات، تطمح إلى أن تجعل من نفسها دينا عالميا تؤمن به الشعوب كلها، معتمدة في ذلك على التبشير الذي لم يعرفه تاريخ الدين من قبل؛ فالمصريون القدماء لم يعملوا على نشر ديانتهم خارج مصر حتى في العصر الإمبراطوري، ومثلهم في ذلك السوريون والبابليون، وأهل الهند ما زالوا حتى الآن لا يمارسون نشاطا تبشيريا، بل وغير راغبين في تحول أحد إلى عقيدتهم. كما تتميز العقيدة الشمولية بأن لها بداية معروفة في الزمن، بينما تضيع بدايات الديانات الأخرى في ضباب التاريخ، وهي تحمل طابع تجربة روحية لفرد تاريخي هو مبدعها، والذي عمل على نشرها من خلال حركة ثورية قلبت المفاهيم الدينية لعصرها، وهذا المؤسس الفذ يعتقد بأنه امتلك الحقيقة النهائية ووجد الحل لكل مشكلات البشرية وأوجاعها.
نامعلوم صفحہ