اللہ کائنات اور انسان
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
اصناف
إن فكرة الله هي مفهوم جديد في تاريخ الدين، ولا يمكننا متابعته إلى ما قبل القرن السادس قبل الميلاد، مع ظهور النبي زرادشت الذي كان أول من قال بأنه تلقى وحيا من الإله الكوني الواحد بواسطة ملاك. وقبل ذلك كان الناس يتعبدون إلى شخصيات إلهية تسكن المجال القدسي وتدير شئون الكون والطبيعة والمجتمعات الإنسانية من خلال امتلاكها لقوى خارقة لا يملكها البشر. ولكن مفهوم الشخصيات الإلهية بدوره لم يكن قديما قدم الثقافة الإنسانية؛ ففي المرحلة الأبكر من تاريخ الدين لم يعتقد الإنسان بوجود آلهة، وإنما بوجود قوة غامضة مقدسة تسري في مظاهر العالم المادي وتبث فيه الحركة والحياة. ويختلف مفهوم «القوة» عن مفهوم «الإله» في أن القوة لا تمتلك شخصية مثل الإله، بل هي أقرب إلى مفهوم الطاقة في العلم الحديث. (س):
وهل كان لدى إنسان العصور الحجرية مقدرة عالية على التجريد لكي يتصور وجود مثل هذه القوة؟ (ج):
لم يكن الإنسان بحاجة إلى التجريد قدر حاجته إلى الملاحظة الموضوعية لما يجري من حوله؛ فالرياح تهب ولا ندري من أين تأتي ولا إلى أين تمضي، والغيوم تنعقد ثم تمطر، والأعاصير تداهم وتخرب، والبراكين تثور والأرض تهزها الزلازل، والأجرام السماوية تتحرك في مساراتها. ولما كان أمام الإنسان في ذلك الوقت آلاف مؤلفة من السنين قبل أن يكتشف القوانين الطبيعية، فقد رأى وراء ذلك كله قوة فائقة غامضة، أو لنقل «حالة فعالية» نلمس آثارها دون أن ندرك ماهيتها. (س):
ولماذا لم ير وراء ذلك كله شخصيات إلهية؟ (ج):
لأن تصور وجود قوة أو حالة فعالية ، منبثة في المظاهر المرئية أقرب إلى المنطق البسيط من تصور شخصيات إلهية تفعل في هذه المظاهر عن بعد. وفي الحقيقة، فإن العلم الحديث الذي كف يد الآلهة عن التصرف في الطبيعة ووضعها في تصرف القوانين الطبيعية، قد عاد بطريقة ما إلى مفهوم القوة السارية التي نلمس آثارها في عمليات الطبيعة دون أن ندرك ماهيتها.
وهنا تحضرني قصة الفلكي والرياضي الفرنسي لابلاس مع الإمبراطور نابليون، عندما مثل أمامه وشرح له نظريته في أصل النظام الشمسي، فقال له نابليون بعد أن استمع إليه: ولكن أين الله في نظريتك؟ فأجابه: يا سيدي، هذه فرضية لا لزوم لها في نظامي. (س):
هل نقول إذن إنك تستبدل قوانين الطبيعة بالله؟ (ج):
أنا لا أقول شيئا، وإنما أعرض نظريات وآراء بعض العلماء. إن نظرية الانفجار البدئي العظيم التي تفسر ولادة الكون، وهي نظرية متفق عليها الآن، تخبرنا بأن القوانين الطبيعية كانت موجودة قبل حصول ذلك الانفجار الذي نشأت عنه المجرات وراحت تتباعد بسرعات خيالية عن مركز الانفجار. وهذا يعني أن تلك القوانين لا زمانية، بمعنى أنها خارج مفهوم الزمن المعروف، والذي ابتدأ في اللحظة صفر لحظة الانفجار. كما أنها لا متغيرة على ما أثبتته التجارب المخبرية على عمليات التخليق النووي البدئي؛ حيث لاحظ العلماء أن القوانين الفاعلة في هذه التجارب هي ذات القوانين التي كانت فاعلة لحظة الانفجار. هذه الصفة اللازمانية واللامتغيرة للقوانين تجعلها مرشحة لأمومة الكون.
وهنا يمكن للنظرية الدينية القول بأن هذه القوانين ليست سوى أداة الله في الخلق ووسيلته للتحكم في العالم المخلوق، وهي كلمته الخالقة على ما ورد في مطلع إنجيل يوحنا: «في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله، به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان.» و«الكلمة» في هذا النص هي ترجمة لأصلها اليوناني «لوغوس» التي تعني «العقل» وكذلك الكلمة المنطوقة باعتبارها أبرز مظاهر العقل. وفي الحقيقة فإن إنجيل يوحنا لا يتفرد في النظر إلى الكلمة/العقل باعتبارها وسيط الخلق، فقد قالت بذلك الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، التي ترى بأن العالم المادي فاض عن الله على ثلاث مراتب مثلما يفيض النور عن الشمس أو الماء عن النبع، وكانت أولى المراتب في الصدور عن الواحد هي مرتبة العقل الذي يرى الواحد من خلاله ذاته، وعن العقل فاضت المرتبة الثانية وهي النفس التي صدر عنها العالم المادي. كما نجد فكرة صدور المادة عن الله بتوسط العقل في الفلسفة الإسلامية منذ إخوان الصفا، كما نجدها في فكر الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي. (س):
أنت هنا تعبر بامتياز عن موقف الفينومينولوجي الذي يحجم عن إبداء رأيه! (ج):
نامعلوم صفحہ