اللہ کائنات اور انسان

فراس السواح d. 1450 AH
137

اللہ کائنات اور انسان

الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية

اصناف

نعم؛ فتلك الحالة لا تنتمي إلى ما نعرفه من أحوال الدنيا، وبالتالي لا يمكن وصفها من خلال المفاهيم العقلية؛ ولذلك فقد رفض البوذا الحديث عنها لكيلا يأخذ تلاميذه عنها فكرة خاطئة. وقد اتخذ البوذا الموقف نفسه من بقية المسائل الميتافيزيكية؛ التي رأى أن لا علاقة لها بكدح المريد من أجل الانعتاق؛ ولذلك قال لتلاميذه في خطاب مشهور له ما يأتي: «ضعوا نصب أعينكم ما أكدته لكم وميزوه عما لم أؤكده لكم؛ فأنا لم أؤكد لكم أن العالم قديم، ولم أؤكد لكم أنه حادث. لم أؤكد لكم بأن العالم زائل، ولم أؤكد لكم بأنه أبدي. أنا لم أؤكد لكم بأن الروح والجسد شيء واحد، ولم أؤكد بأنهما شيئان. لم أؤكد لكم أن المتنور يتابع وجوده بعد الموت، ولم أقل إنه لا يتابع وجوده بعد الموت، أو يصير إلى حالة لا هي بالوجود ولا بالعدم. أما لماذا لم أؤكد لكم هذه الأمور فلأنه لا فائدة منها ولا علاقة لها بأساسيات تعليمي. وبالمقابل فقد أكدت لكم أن وجود الإنسان شقاء، وأشرت إلى سببه، وعلمتكم الطريق إلى رفع الشقاء عنكم. أما لماذا أكدت لكم هذه الأمور فلأنها ذات فائدة ولأنها ذات صلة بتعليمي، إنها تزيل الرغبة من نفوسكم، وتهبكم المعرفة والحكمة العليا التي تقود إلى النيرفانا.» (س):

أرى أن الطريق الذي رسمه البوذا للراغب في الانعتاق طريق شاق، لا سيما وأنه يسير فيه وحيدا دون مدد من إله أو معونة من بشر. (ج):

لقد خلع البوذا الآلهة القديمة عن عروشها، وأصبحت مناصبها مجرد مقامات عابرة للمثوبة يشغلها الأبرار في طريقهم نحو الانعتاق؛ ولذلك فإنها لا تستطيع تقديم معونة للإنسان، والصلاة أو الضراعة إليها لا معنى لها ولا فائدة ترجى من ورائها. ولعل مما يزيد من وحدة السالك في هذا الطريق هو أن عليه أن يقطع الروابط العاطفية كلها التي تشده إلى الأمكنة أو الأشخاص؛ فمحبة الآباء أو الزوجات أو الأطفال أو الأصدقاء مجلبة للشقاء؛ لأن هنالك الانفصال والموت والمرض ومئات الأحوال التي تحيل هذه المحبة إلى شقاء، وهذا الشقاء يمكن تجنبه عند الذين لا يحبون شيئا ولا يكرهون شيئا. وموقف البوذا بخصوص هذه المسألة توضحه قصص عديدة من التراث البوذي، ومنها أن امرأة جاءت إليه باكية بعد أن فقدت حفيدها الغالي جدا عليها، فسألها البوذا: كم يوجد من الناس في مدينتك؟ وعندما تلقى جوابها قال: أوتريدين أن يكون لك أحفاد بعددهم؟ قالت : نعم، نعم. فقال لها البوذا بلطف: ولكن إذا كان لديك أولاد وأحفاد بعدد هؤلاء فسوف تبكين كل يوم؛ لأن الناس يموتون كل يوم في مدينتك. إن الذين لديهم مائة شخص عزيز لديهم مائة بلوى، والذين لديهم عزيز واحد لديهم بلوى واحدة، والذين ليس لديهم شخص أو شيء عزيز ليس لديهم بلوى.

وتروي الموروثات البوذية عن شاب ترك بيت أهله وتحول إلى حياة النسك والتشرد ينتقل من مكان إلى مكان وهو يستعطي الطعام على طريقة الرهبان البوذيين. وبعد ثلاث سنوات قادته قدماه إلى بلدته الصغيرة فوقف أمام باب بيته وقرع الباب. وكان في البيت غرفة خارجية أعدها أبوه منذ زمن لاستقبال الرهبان العابرين، يقيمون فيها ويأكلون ثم يتابعون سفرهم، فأدخلته أمه دون أن تتعرف عليه في زي الرهبان وقد نحل جسمه وتغيرت هيئته، وراحت تقدم له الطعام في كل يوم مدة ثلاثة أشهر دون أن يكشف لها عن شخصيته ثم غادرها بهدوء. وبعد ذلك جاء من تعرف عليه من أصدقائه القدامى وأخبر الأم بحقيقته، فصلت الأم وقالت: لا بد أن المبارك كان في ذهنه كهنة مثل ابني. لقد أكل في منزل الأم التي أنجبته ثلاثة أشهر ولم يقل لي أنا ابنك. (س):

البوذي الباحث عن الانعتاق في هذه الحالة هو فرد منسحب تماما من المجتمع وليس معنيا إلا بخلاصه الفردي. (ج):

أبدا، فالبوذي منسحب من الحياة اليومية ومن كل ما يرغب به الناس العاديون، ولكنه جاهز للمساهمة في أي نشاط يعود على المجتمع ككل بفائدة، بمعنى أن التزامه ذو طابع شمولي. وهو في مقابل رفضه للارتباط العاطفي بشخص أو مكان ما، فإنه ينمي في داخله محبة للبشر، إنه يمتلك ذلك الحنو الذي أكنه البوذا نحو الجميع والذي تبدى في حياته التي كرسها للوعظ والتعليم وبدافع محبة غير محدودة مبذولة للجميع. ومثل هذه المحبة تغدو ينبوعا للفرح لأنها متجردة عن الغرض، على عكس المحبة الموجهة نحو شخص ما، والتي تكون ذات طابع اتكالي عاطفي ومحفوفة بمخاطر الشقاء والألم. وهذا النوع من المحبة لا يتطلب المعاملة بالمثل، ويبذل للأخيار والأشرار على قدم المساواة.

وموقف البوذا هنا يشبه موقف يسوع المسيح الذي قال في موعظة الجبل: «سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات؛ لأنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين؛ لأنه إذا أحببتم الذي يحبونكم فأي أجر لكم؟» (إنجيل متى، 5: 43-46). وينقل الموروث البوذي عن المبارك قوله: «إذا تكلم الإنسان أو تصرف بفكر نقي رافقته السعادة مثل ظله. بالنسبة إلى الذين يقولون: لقد أساء معاملتي، ضربني، غلبني، سلبني، فإن الكراهية لن تزول. أما بالنسبة للذين لا يضمرون في أنفسهم مثل هذه الأفكار فإن الكراهية سوف تزول؛ لأن الكراهية لا تزول بالكراهية أبدا وإنما بالمحبة.»

وأيضا: «إذا شتمك أحدهم فعليك أن تكبح استياءك، وأن تتخذ قرارا بألا تفلت من فمك كلمة غضب واحدة، وتبقى لطيفا، ودودا، ومحبا دون حقد دفين. وكذلك إذا هوجمت بعد ذلك وضربت.» (س):

ما زلت لا أفهم كيف يمكن للبوذي أن يمتلك ذلك الحنو تجاه العالم وتلك المحبة للبشرية في الوقت الذي يدير ظهره لمن حوله من البشر؟ ولا كيف يستطيع تقديم العون للمجتمع ككل في الوقت الذي يرفض فيه إقامة علاقات حميمة مع من حوله؟ (ج):

هذه المسائل الدقيقة في تعاليم البوذا، وما يطرحه طريق البوذا من صعوبات أمام السالك فيه، كانت وراء إدخال تغييرات عميقة على البوذية. ولم ينقض قرنان من الزمان على وفاة البوذا حتى وقع الخلاف بين المفكرين البوذيين في مسائل العقيدة؛ فقد رأى فريق منهم أن صرامة الطريق الأصلي بحاجة إلى تلطيف؛ لأنه لا يسمح إلا بخلاص فئة قليلة مختارة من البوذيين، ويتجاهل رغبة العامة في الخلاص على الرغم من عدم قدرتهم على تحمل مشاق الطريق. وقد قام هؤلاء بإدخال تغييرات على العقيدة من شأنها مساعدة أكبر عدد ممكن من الناس على سلوك طريق الانعتاق. وترافق ذلك مع حملة تبشيرية واسعة قادها الإمبراطور أسوكا الذي وحد الهند وتحول بعد ذلك إلى البوذية، كان من شأنها نشر البوذية في مناطق واسعة من الشرق الأقصى بشكليها الأصلي والمحدث.

نامعلوم صفحہ