الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
ناشر
دار القلم
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
پبلشر کا مقام
بيروت - لبنان
اصناف
٦ ومنها: أن الحكمة كل الحكمة إنما هي الإيمان بالله، واتباع شريعته؛ لأن الكافر المخالف للشريعة سفيه؛ فيقتضي أن ضده يكون حكيمًا رشيدًا.
٧ ومنها: تحقيق ما وعد الله به من الدفاع عن المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿إن الله يدافع عن الذين آمنوا﴾ [الحج: ٣٨]؛ فإذا ذموا بالقول دافع الله عنهم بالقول؛ فهؤلاء قالوا: ﴿أنؤمن كما آمن السفهاء﴾، والله ﷿ هو الذي جادل عن المؤمنين، فقال: ﴿ألا إنهم هم السفهاء﴾ يعني هم السفهاء لا أنتم؛ فهذا من تحقيق دفاع الله تعالى عن المؤمنين؛ أما دفاعه عن المؤمنين إذا اعتُدي عليهم بالفعل فاستمع إلى قول الله تعالى: ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان﴾ [الأنفال: ١٢]: هذه مدافعة فعلية، حيث تنْزل جنود الله تعالى من السماء لتقتل أعداء المؤمنين؛ فهذا تحقيق لقول الله تعالى: ﴿إن الله يدافع عن الذين آمنوا﴾ [الحج: ٣٨]؛ ولكن الحقيقة أن هذا الوعد العظيم من القادر جل وعلا الصادق في وعده يحتاج إلى إيمان حتى نؤمن بالله ﷿، ولا نخشى أحدًا سواه، فإذا ضعف الإيمان أصبحنا نخشى الناس كخشية الله، أو أشد خشية؛ لأننا إذا كنا نراعيهم دون أوامر الله فسنخشاهم أشد من خشية الله ﷿؛ وإلا لكنا ننفذ أمر الله ﷿، ولا نخشى إلا الله ﷾.
فنحن لو آمنا حقيقة الإيمان بهذا الوعد الصادق الذي لا يُخلَف لكنا منصورين في كل حال؛ لكن الإيمان ضعيف؛ ولهذا صرنا نخشى الناس أكثر مما نخشى الله ﷿؛ وهذه هي المصيبة، والطامة العظيمة التي أصابت المسلمين اليوم؛ ولذلك تجد كثيرًا من ولاة المسلمين. مع الأسف. لا يهتمون بأمر الله، ولا بشريعة الله؛ لكن يهتمون بمراعاة فلان، وفلان؛ أو الدولة الفلانية، والفلانية. ولو على حساب الشريعة الإسلامية التي من تمسك بها فهو المنصور، ومن خالفها فهو المخذول؛ وهم لا يعرفون أن هذا هو الذي يبعدهم من نصر الله؛ فبدلًا من أن يكونوا عبيدًا لله أعزة صاروا عبيدًا للمخلوقين أذلة؛ لأن الأمم الكافرة الكبرى لا ترحم أحدًا في سبيل مصلحتها؛ لكن لو أننا ضربنا بذلك عُرض الحائط، وقلنا: لا نريد إلا رضى الله، ونريد أن نطبق شريعة الله ﷾ على أنفسنا، وعلى أمتنا؛ لكانت تلك الأمم العظمى تهابنا؛ ولهذا يقال: من خاف الله خافه كل شيء، ومن خاف غير الله خاف من كل شيء.
٨. ومن فوائد الآية: الدلالة على جهل المنافقين؛ لأن الله ﷿ نفى العلم عنهم؛ لقوله تعالى: ﴿ولكن لا يعلمون﴾؛ فالحقيقة أنهم من أجهل الناس. إن لم يكونوا أجهل الناس؛ لأن طريقهم إنما هو خداع، وانخداع، وتضليل؛ وهؤلاء المنافقون من أجهل الناس؛ لأنهم لم يعلموا حقيقة أنفسهم، وأنهم هم السفهاء.
القرآن
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)﴾ [البقرة: ١٤]
التفسير:
وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا: آمنا وأظهروا لهم الإيمان والموالاة غرورًا منهم للمؤمنين ونفاقًا ومصانعة وليشركوهم فيما أصابهم من خير ومغنم، وإذا خلوا إلى سادتهم وكبراؤهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين، قالوا: إنا نحن على دينكم وعلى مثل ما أنتم عليه من الإعتقاد، وإِنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإِظهار الإِيمان (١).
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الذين آمَنُوا قالوا آمَنَّا﴾ [البقرة: ١٤]، أي "وإِذا رأوا المؤمنين وصادفوهم أظهروا لهم الإِيمان والموالاة نفاقًا ومصانعة" (٢).
قال ابن عباس: " كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي- ﷺ أو بعضهم قالوا: إنا على دينكم" (٣).
قال الثعلبي: "أي رأوا، يعني المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه" (٤).
(١) ينظر: تفسير ابن كثير: ١/ ١٨٢.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٣٠.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٣٣): ص ١/ ٤٦.
(٤) تفسير الثعلبي: ١/ ١٥٥.
2 / 85