ومن الملفت للنظر أن إنجيل مرقس المتداول على الرغم من حذفه لقصة إحياء يسوع للفتى وما تلا ذلك من طقس ليلي، فإنه يشير في مكان آخر إلى وجود شاب مع يسوع يرتدي مئزرا على عريه وذلك في مشهد القبض على يسوع في بستان جتسماني الذي لا يبعد كثيرا عن قرية بيت عنيا في جبل الزيتون؛ حيث نقرأ هذه الجملة الخارجة عن سياق الحدث: «وتبعه شاب لابسا إزارا على عريه فأمسكه الشبان (الذين جاءوا للقبض على يسوع)، فترك الإزار وهرب عاريا» (مرقس، 14: 51). وبدون أي تفصيل آخر يتابع كاتب الإنجيل: «ومضوا بيسوع إلى دار رئيس الكهنة ... إلخ.»
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن هو: هل غاب لعازر فعلا عن بقية أحداث الإنجيل كما توهم الباحثون في كتاب العهد الجديد؟
إذا عدنا القهقرى إلى حادثة إحياء يسوع للشاب في إنجيل مرقس السري وفي إنجيل يوحنا، نجد أن القصتين تؤسسان معا للقب «التلميذ الذي أحبه يسوع» في الإشارة إلى لعازر. ففي رواية يوحنا نجد أن الأختين ترسلان إلى يسوع قائلتين: «يا سيد هو ذا الذي تحبه مريض»، وذلك في إشارة إلى لعازر دون ذكر اسمه. وفي الشذرة الثانية من إنجيل مرقس السري يقول المؤلف: «وجاءوا إلى أريحا. وكانت أخت الفتى الذي أحبه يسوع وأمه وسالومة موجودين هناك.» بعد ذلك يتابع هذا الفتى ظهوره تحت هذا اللقب. ففي مشهد العشاء الأخير قال يسوع لتلاميذه: «الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني ... وكان متكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه. فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له: يا سيد من هو؟» (يوحنا، 15: 21-25).
وبعد القبض على يسوع تفرق التلاميذ، ولكن سمعان بطرس والتلميذ الآخر الذي يحبه يسوع تبعاه عن بعد: «وكان سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع. وكان ذلك التلميذ معروفا عند رئيس الكهنة، فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة، وأما بطرس فكان واقفا خارجا عند الباب. فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفا عند رئيس الكهنة وكلم البوابة فأدخل بطرس» (يوحنا، 18: 15-16).
وعندما رفع يسوع على الصليب كان التلميذ المحبوب وحده واقفا مع النساء تحت الصليب بينما كان بقية التلاميذ مختبئين: «وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه مريم، وأخت أمه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية. فرأى يسوع أمه وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه. فقال لأمه: أيتها المرأة هذا ابنك. ثم قال للتلميذ: هذه أمك. فأخذها إلى بيته من تلك الساعة» (يوحنا، 19: 25-27. عن الترجمة الكاثوليكية). وعندما جاءت مريم المجدلية في أول الأسبوع إلى القبر باكرا ونظرت الحجر مرفوعا عن القبر، ركضت «وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما: أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه» (يوحنا، 20: 1-2). وعندما ترك يسوع تلاميذه بعد آخر ظهور له عقب قيامته وقال لبطرس أن يتبعه، التفت بطرس: «فرأى التلميذ الذي كان يحبه يسوع يسير خلفهما، ذاك الذي مال على صدر يسوع في أثناء العشاء ... إلخ.» وفي نهاية هذا المقطع يختتم نص إنجيل يوحنا بإشارة صريحة إلى أن كاتب الإنجيل هو التلميذ المحبوب نفسه: «هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق» (يوحنا: 21).
عندما جرى إقرار الأناجيل الأربعة المقبولة رسميا من قبل الكنيسة في أواخر القرن الثاني الميلادي، وعزي الإنجيل الرابع إلى التلميذ يوحنا ابن زبدي مثلما عزيت بقية الأناجيل إلى أصحابها المفترضين، جرى العرف السائد على المطابقة بين التلميذ الذي أحبه يسوع وبين التلميذ يوحنا ابن زبدي باعتباره مؤلف الإنجيل الرابع. ولكن المشكلة تكمن في أن اسم يوحنا لم يرد صراحة في أي موضع من الإنجيل الرابع، وذلك عدا إشارة عابرة إلى ابني زبدي دون ذكر اسميهما وهما على ما نعرف يوحنا ويعقوب أخوه (يوحنا، 21: 2). أما التلميذ «الذي أحبه يسوع»، وهو اللقب الذي أطلق على لعازر للمرة الأولى، فيتابع ظهوره إلى جانب يسوع تحت هذا اللقب، ثم نفهم من الخاتمة أنه مؤلف الإنجيل الرابع. فمن هو المؤلف الحقيقي لإنجيل يوحنا؟
في الحقيقة هنالك عدد من الباحثين في العهد الجديد قد لاحظوا ما لاحظته من صلة بين لعازر والتلميذ الغامض الذي أحبه يسوع الذي يتكرر ذكره في الإنجيل الرابع، ولكنهم لم يكونوا مستعدين للخروج عن التقاليد الراسخة التي تعزو الإنجيل الرابع إلى يوحنا ابن زبدي، فخرجوا برأي مفاده أن لعازر الذي أحياه يسوع هو في الواقع اسم آخر ليوحنا ابن زبدي. ومن ثم جرت المطابقة بين الشخصيتين. ولكن هذا التفسير لا يصمد أمام النقد المعتمد على نصوص العهد الجديد نفسها. وإليكم الأسباب: (1)
ينتمي يوحنا ويعقوب ابنا زبدي إلى أسرة جليلية؛ أما لعازر فينتمي إلى أسرة أورشليمية. (2)
لا نعرف عن وجود أخ للعازر بل أختين هما مرثا ومريم. (3)
كان يوحنا وأخوه صيادي سمك في بحيرة طبرية بالجليل، ثم تبعا بعد ذلك يسوع في حله وترحاله، وهما يظهران في بعض المشاهد مع أمهما بصحبة يسوع (راجع متى، 20: 20). أما لعازر فكان مستقرا في بيت كبير على مقربة من العاصمة كان من السعة بحيث يتسع ليسوع وتلامذته ليبيتوا فيه عدة أيام. ولعل من دلائل ثراء أهل هذا البيت وجود قبر فخم منحوت من الصخر في فنائه. ولا يحدثنا النص عن وجود أم للعازر التي يبدو أنها متوفاة، وكانت الأخت الكبرى مرثا هي المدبرة لشئون المنزل. (4)
نامعلوم صفحہ