يتبع متى بدقة رواية مرقس، ولكنه لا يذكر الساعة التي صلب فيها يسوع، وهي الثالثة كما أورد مرقس. كما أنه يعود إلى أجواء قصة الميلاد وما رافقها من أحداث ميثولوجية؛ فيتحدث عن ظواهر فوق طبيعانية رافقت موت يسوع: «وصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل انشق إلى شطرين من أعلى إلى أسفل، وزلزلت الأرض وتصدعت الصخور وتفتحت القبور، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. وأما قائد المائة والذين معه يحرسون يسوع فإنهم لما رأوا الزلازل وما حدث خافوا خوفا شديدا وقالوا: حقا كان هذا ابن الله» (متى، 27: 50-54).
ويضيف في نهاية روايته المقطع التالي: «وفي الغد، أي بعد التهيئة، ذهب الأحبار والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: سيدي، قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه فيسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من بين الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشد من الأولى. فقال لهم بيلاطس: عندكم حراس، اذهبوا واضبطوه كما ترون. فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر» (متى، 27: 62-66). (3) رواية لوقا
يتبع لوقا أيضا رواية مرقس ولكنه يضيف إليها المقطعين التاليين: «وتبعه جمع كبير من الشعب ومن نساء كن يضربن الصدور وينحن عليه. فالتفت يسوع إليهن، وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن. فسوف تأتي أيام يقال فيها: طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي الذي لم يرضع، ويقال للجبال انهدي علينا وللتلال ادفنينا. فإذا كان يفعل هذا بالعود الرطب فكيف يكون حال العود اليابس؟ وسيق معه إلى القتل أيضا مجرمان» (لوقا، 23: 27-32). «وأخذ أحد المجرمين المعلقين على الصليب يشتمه ويقول: ألست أنت المسيح؟ فخلص نفسك وخلصنا. فانتهره الآخر قائلا: أما تخاف الله وأنت تعاني العقاب نفسه؟ أما نحن فعقابنا عدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، أما هو فلم يفعل سوءا. ثم قال: اذكرني يا يسوع متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك اليوم تكون معي في الفردوس» (لوقا، 23: 39-43).
كما أن لوقا يضع على لسان يسوع عندما كانوا يصلبونه قوله: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا، 23: 34). وهذا القول لم يرد عند بقية الإنجيليين. ثم يغير الكلمات الأخيرة ليسوع من: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني» الواردة عند مرقس ومتى إلى: «يا أبتاه في يديك أستودع روحي» (لوقا، 23: 46). (4) رواية يوحنا «... وكان ذلك اليوم يوم تهيئة للفصح والساعة نحو السادسة. فقال بيلاطس لليهود: هوذا ملككم. فصاحوا: اقتله، اقتله، اصلبه. قال لهم بيلاطس: أأصلب ملككم؟ فأجاب الأحبار: لا ملك علينا إلا قيصر. فأسلمه إليهم ليصلب.» «فأخذوا يسوع ومضوا به. فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرية جلجثة؛ حيث صلبوه وصلبوا معه اثنين آخرين كل منهما في جهة ويسوع في الوسط. وجعل بيلاطس على الصليب رقعة مكتوبا فيها: يسوع الناصري ملك اليهود. فقرأ كثير من اليهود ما كتب في هذه الرقعة؛ لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبا من المدينة، وكانت الكتابة بالعبرية واللاتينية واليونانية. فقال أحبار اليهود لبيلاطس: لا تكتب ملك اليهود بل اكتب هذا الرجل قال إني ملك اليهود. فأجاب بيلاطس: ما كتبت قد كتبت.» «ولما صلب العسكر يسوع أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام، لكل عسكري نصيب. وأخذوا القميص أيضا وكان القميص بغير خياطة منسوجا كله من أعلى إلى أسفل. فقال بعضهم لبعض: لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون. ليتم الكتاب القائل: اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة. هذا ما فعله العسكر. وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية. فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا، قال لأمه: يا امرأة هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها إلى بيته. بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل، فقال بعد ذلك: أنا عطشان. ليتم الكتاب. وكان إناء موضوعا مملوءا خلا، فوضعوا إسفنجة مبتلة بالخل على قضيب من الزوفى وأدنوها من فمه. فلما ذاق يسوع الخل قال: تم كل شيء، ونكس رأسه وأسلم الروح.» «وكان ذلك اليوم يوم التهيئة. فسأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقانهم ويرفعوا، لكيلا تبقى الأجساد على الصليب في السبت؛ لأن ذلك السبت كان عظيما عند اليهود. فأتى العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر اللذين صلبا معه. وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات. ولكن واحدا من العسكر طعنه بحربة في جنبه فخرج على إثرها دم وماء. يشهد بذلك الذي رأى، وشهادته صحيحة ويعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم. وحدث هذا ليتم الكتاب القائل: عظم لا يكسر منه. وأيضا يقول كتاب آخر: سينظرون إلى الذي طعنوه.» «وبعدئذ جاء يوسف الرامي ، وكان تلميذا ليسوع يخفي أمره خوفا من اليهود، فسأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع، فأذن له بيلاطس. فجاءوا فأنزلوا جسد يسوع. وجاء نيقوديمس، وهو الذي ذهب إليه ليلا من قبل، وكان معه خليط من المر والعود يناهز مائة درهم، فحملوا جسد يسوع وطيبوه، وكفنوه كما جرت عادة اليهود في دفن موتاهم. وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يدفن فيه أحد، فوضعوا يسوع فيه، مراعاة للتهيئة عند اليهود لأنه قريب» (يوحنا، 19: 38-42).
من قراءة هذه الرواية نلاحظ اختلافها عن الرواية الإزائية في النقاط التالية: (1)
يقاد يسوع إلى الصلب في الساعة السادسة، أي عند منتصف النهار وفق رواية يوحنا، بينما يقول مرقس أنه صلب في الساعة الثالثة، أي قبل ذلك بثلاث ساعات. أما متى ولوقا فلا يذكران شيئا عن ساعة الصلب. (2)
يسوع يحمل صليبه بنفسه أما في الرواية الإزائية فيحمله عنه سمعان القيرواني. (3)
لا يعطى يسوع خمرا ممزوجة بمر ليشرب منه قبل الصلب على ما ورد في الرواية الإزائية. (4)
لا تجري القرعة بين الجنود على جميع ملابس يسوع وإنما على القميص فقط. وهنا يقدم لنا النص وصفا دقيقا لهذا القميص صادرا كما يبدو عن شاهد عيان. فهو مصنوع بغير خياطة منسوج كله من أعلى إلى أسفل. أي أنه كان قطعة ثمينة مصنوعة بيد ماهرة وليست مما يلبسه عامة الناس ... (5)
وقف تحت الصليب مباشرة التلميذ الحبيب ومعه أم يسوع ومريم المجدلية. أما في الرواية الإزائية فلم يكن تحت الصليب أحد من أتباع يسوع، وكانت المجدلية مع بقية النسوة ينظرن من بعيد. ونلاحظ هنا أن أم يسوع التي لم يذكر المؤلف اسمها، قد ظهرت للمرة الثانية في الرواية بعد ظهورها الأول قبل سنتين في عرس قانا. (6)
نامعلوم صفحہ