الفقه والشريعة
الفقه والشريعة
ناشر
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
اصناف
الفقه والشريعة
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد فقد شاء الله ﷾ أن تكون الشريعة الإسلامية آخر الشرائع لخلقه، كما شاء ﷾ أن تكون هذه الشريعة أكمل الشرائع وأتمها فجاءت على هيئة تضمن لها البقاء والحيوية والاستمرار، كما أنها جاءت على هيئة كفلت صلاحيتها للإنسان أينما كان وفي أي مكان أو زمان، فيجد هذه الشريعة سامية به وافية بمتطلباته ووقائعه.
والفقه الإسلامي الذي هو روح الشريعة وأساسها قد ظل رغم مرور أربعة عشر قرنًا من الزمن على نشأته محافظًا على كيانه قويًّا في بنيانه صلبًا في تماسكه رغم كل الظروف والتقلبات التي تعرضت لها الأمة الإسلامية طيلة هذه الحقبة من الزمن. كما أن الفقه قد اتصف بسمة بارزة كانت وراء بقائه وثباته ومسايرته لروح الحضارة والتقدم العلمي. وفي هذا البحث سوف نحاول أن نعطي للقاري الكريم تصورًا عامًّا عن الفقه الإسلامي ما هو؟ وما خصائصه؟ ومصادره؟ وما أهم المراحل التاريخية التي مر بها خلال تطوره.
1 / 1
تعريف الفقه:
معناه علم القانون الإسلامي فهو علم الأحكام الشرعية العلمية التي تخص أفعال المكلفين، وبذلك تخرج أحكام العقائد والأخلاق من مدلول الفقه. لذا يعرف الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية) وهذا التعريف للفقه في غاية الدقة إذ إنه يظهر وجهة نظر علماء المسلمين الخاصة لعلم الحقوق، وفيما يلي إيضاح عناصر هذا التعريف:
أولًا: الفقه علم: فهو ذو موضوع خاص وقواعد خاصة، وعلى هذا الأساس درسه الفقهاء في كتبهم وأبحاثهم وفتاويهم فهو ليس فنًّا يغلب فيه الذوق على العقل والمشاعر على الحقيقة.
1 / 2
ثانيًا: الفقه العلم بالأحكام الشرعية، والأحكام الشرعية هي المتلقاة بطرق السمع المأخوذة من الشرع دون المأخوذة من العقل كالعلم بأن العالم حادث، وأن الواحد نصف الاثنين، أو الأحكام المأخوذة من الوضع والاصطلاح اللغوي فالحكم الشرعي هو القاعدة التي نص عليها الشارع في مسألة من المسائل وهذه القاعدة إما أن يكون فيها تكليف معين كالواجب والمحرم فتسمى الحكم الشرعي التكليفي، وإما أن لا يكون فيها أي تكليف كالحكم بالصحة أو البطلان على فعل معين، فيقال لها الحكم الشرعي الوضعي.
ثالثًا: الفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية: وكلمة عملية تعني أن الأحكام الفقهية تتعلق بالمسائل العملية التي تتعلق بأفعال الناس البدنية في عباداتهم ومعاملاتهم اليومية ويقابل بالأحكام العملية الأحكام العقائدية وأحكام صلاح القلب وهو ما يسمي بعلم الأخلاق، فهذه تتعلق بأفعال القلوب لا بأعمال الأبدان، ولذلك لا تسمى فقها في هذا الاصلاح.
1 / 3
رابعًا: جاء في التعريف أن علم الفقه مكتسب من أدلة الأحكام التفصيلية ومعنى ذلك أن الأحكام تعد من علم الفقه إلا إذا كانت مستندة إلى مصادر الشرع المعلومة أي أدلة الشرع. والفقيه هو الذي يسند كل حكم من أحكام الشرع إلى دليله، فالقانون الإسلامي أو الفقه الإسلامي ليس وضعيًّا من صنع الدولة بل هو تشريع ديني يستند إلى مصادر دينية.
ومرادهم بالأدلة التفصيلية آحاد الأدلة من الكتاب والسنة كقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ وقوله ﷺ: «أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها» ويقابل الأدلة التفصيلية الأدلة الإجمالية، وهي محل نظر علماء أصول الفقه حيث يبحثون في أصول الأدلة، الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك.
وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١- ما يتعلق بالعقائد الأساسية كالأحكام المتعلقة بذات الله وصفاته وبالإيمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء وقد تكفل بدراسة هذا النوع من أحكام الشريعة علم العقيدة.
1 / 4
٢- ما يتعلق بتهذيب النفوس وإصلاحها كالأحكام المبينة للفضائل التي يجب أن يتحلى بها الإنسان كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والشجاعة والإيثار والتواضع والإحسان والعفو والصفح والأحكام المبينة للرذائل التي يتحتم على المرء أن يتخلى عنها كالكذب والخيانة وخلف الوعد والجبن والبخل والأنانية والتكبر والإساءة إلى الغير وما إلى ذلك مما تكفل ببيانه علم الأخلاق.
٣- ما يتعلق ببيان أعمال الناس وتنظيم علاقاتهم بخالقهم كأحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج، وتنظيم علاقات بعضهم ببعض كأحكام البيوع والإجارة والزواج والطلاق وغيرها. وكذلك الأحكام المنظمة لعلاقات الأفراد والدول في حال السلم والحرب وغير ذلك وقد انفرد بهذا النوع من أحكام الشريعة علم خاص يسمى علم الفقه وبهذا يتبين لنا أن العلاقة بين الشريعة والفقه هي علاقة عموم وخصوص حيث إن الشريعة أعم وأشمل من الفقه.
1 / 5
موضوعات الفقه الإسلامي
الفقه الإسلامي في نظام شامل ينظم علاقة الإنسان بخالقه والعلاقات بين الأفراد والجماعات والدول الإسلامية بغيرها من الدول في السلم والحرب ولهذا قسمه أكثر الفقهاء إلى قسمين رئيسين: عبادات ومعاملات وهذا التقسيم مبناه اختلاف المقصود الأصلي منهما، فما كان الغرض الأول منه التقرب إلى الله وشكره وابتغاء الثواب في الآخرة فهو من قسم العبادات كالصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة والنذر، وما كان المقصود منه تحقيق مصلحة دنيوية أو تنظيم علاقة فردين أو جماعتين وما شاكل ذلك فهو من القسم الثاني (المعاملات) وذلك كالبيع والإجارة والزواج والطلاق وغيرها.
1 / 6
هنالك فرق آخر بين النوعين متفرع عن الفرق السابق، وهو أن الأصل في العبادات أن العقل لا يستطيع إدراك السر الحقيقي لتشريعها تفصيلًا ويعبر العلماء عن ذلك بأنها توقيفية أي لا يمكن إدراك الغاية القصوى فيها سوى أنها عبادة لله تعالى، وأما المعاملات فالأصل فيها أنها معقولة المعنى ويدرك العقل كثيرًا من أسرارها ولذلك نرى العقلاء في زمن الفترات استعملوا عقولهم في تشريعها، ولما جاء الإسلام أقر مما كانوا يتعاملون به أمورًا غير قليلة. والفقهاء لم يذهبوا طويلًا في طريق الفصل بين هذه المجموعات -كما فعل رجال القانون- لانعدام الفائدة المترتبة على هذا الفصل في نظرهم حيث لم تكن هناك إجراءات مختلفة في إثبات الحقوق، فالقضاء موحد، والإجراءات تكاد تكون واحدة، والقاضي يحكم في كل نزاع يرفع إليه، فرق في ذلك بين ما يتعلق بالأموال وما يتعلق بغيرها، ومع هذا فإننا نجد الفقه الإسلامي شاملا لجميع فروع القانون الوضعي الحديث العام منه والخاص، فالقانون العام الخارجي -وهو المسمى بالقانون الدولي العام- بحثه الفقهاء في المسائل المتعلقة بالحروب وأساليبها وأهدافها ونتائجها، وعلاقة الأمة الإسلامية بغيرها، وهي مجموعة
1 / 7
تحت عنوان السير والمغازي وجميع كتب الفقه في المذاهب المختلفة عرضت هذا النوع عرضًا وافيًا، كما أن الفقهاء ألفوا فيه تآليف خاصة ككتابي السير الصغير والكبير لمحمد بن الحسن الشيباني وغيره، والقانون العام الداخلي بأنواعه الأربعة: الدستوري والإداري والمالي والجنائي بحثه الفقهاء ما بين موسع ومضيق.
1 / 8
فالجنائي مجموع في أبواب خاصة من كتب الفقه تحت عنوان (الجنايات والحدود والتعزيرات)، والقانون المالي بحثه الفقهاء في مواضيع متفرقة من كتب الفقه العامة عند الكلام عن الزكاة والعشر والخراج والجزية والركاز وغيرها من الكتب خاصة ككتاب الخراج لأبي يوسف قاضي القضاة في عهد الخليفة هارون الرشيد وهذا النوع بوجه عام يبحث في تنظيم بيت المال (خزانة الدولة) ببيان موارده والأموال التي توضع فيه، والوجوه التي تصرف فيها هذه الأموال، أما القانون الدستوري الذي يحدد شكل الحكم في الدولة وبيّن السلطات العامة فيها ويوزع الاختصاصات بينها، والقانون الإداري وهي مجموعة القواعد التي تحكم نشاط السلطة التنفيدية في أداء وظيفتها وقيامها على أمر المرافق العامة، فلم تعرض لها كتب الفقه بهذا العنوان وإنما عرضت لها بعنوان السياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية وفيها كتب خاصة مثل كتاب الأحكام السلطانية للماوردي (٤٥٠هـ) وغيره، والقانون الخاص بفروعه: القانون المدني المنظم للأحوال المدنية هو قسم من المعاملات في الفقه الإسلامي التي تنظم الأحوال كلها عينية كانت أو شخصية والقانون التجاري بحث الفقهاء منه ما كانوا يحتاجون
1 / 9
إليه في زمنهم في أبواب الشركات والمضاربة والتفليس، ثم جعلوا العرف حكمًا فيما يجدّ فيها لأن التجارة حينذاك لم تكن تشعبت وتعقدت صورها كما هي عليه الآن بل كانت سهلة يسيرة.
وأخيرًا نجد قانون المرافعات وهي مجموعة القواعد التي تبين ما يجب اتخاذه من أعمال وإجراءات لتطبيق أحكام القانون المدني والتجاري هذا القانون بحث الفقهاء أحكامه في أبواب الدعوى والقضاء والشهادة، وهكذا نجد الفقه الإسلامي يحكم كل التصرفات الفردية والجماعية والدولية ولم يتناوله الفقه تفصيلًا فقد تناوله إجمالًا ويمكن أن تبين تفاصيله على ضوء قواعده العامة وأصوله المرنة.
1 / 10
أولًا: سمو الغاية والأهداف:
1 / 11
لكل قانون أو نظام غاية يرمي إليها وينشدها، ويؤسس قواعده في سبيل الوصول إليها إلا أن هذه الغاية تختلف باختلاف الجماعات كما أنها تختلف باختلاف الغايات التي تهدف إليها السلطة التي تقوم على وضع القانون وحمايته فكثيرًا ما يتم التغيير والتعديل لأن الدول تستخدم القانون لتوجيه شعوبها لوجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض محددة لا تقوى السلطة على الوصول إليها إلا عن طريق القانون، والخلاصة في ذلك هي أن القوانين بمثابة حمار السلطة الذي يحملها ولا يعصيها ويتوجه بتوجيهها، أما أحكام الفقه الإسلامي فإنها لا تتكيف بالجماعة بل إن الجماعة هي التي تتكيف بها، لأن الإنسان لا يصنعها بل إنه يصنع نفسه بها فهي لا تقتصر على تنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض ولكنها تنظم علاقة المخلوق بخالقه بتشريع أنواع العبادات من صيام وصلاة وزكاة وحج وغيرها ثم إنها حددت علاقة الأفراد بالكيفية التي تجمع بين ما لهم وما عليهم من واجبات فينتفي الضرر منهم على غيرهم ومن غيرهم عليهم ولهذا يقول الرسول الكريم ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» وخلاصة القول في ذلك هي أن أحكام الفقه الإسلامي تهدف إلى غاية عظيمة هي تحقيق المصالح
1 / 12
للفرد والجماعة، ودرء المفاسد عن الفرد والجماعة على حد سواء.
1 / 13
ثانيًا: أحكام الفقه الإسلامي وحي إلهي:
الأحكام في الفقه الإسلامي وحي إلهي من الله تعالى فالذي شرعه وأوجده للإنسان هو الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه في دنياه وآخرته وهو أعلم بما في داخل النفس الإنسانية وما يتفق معها وما يتعارض مع ميولها وطبيعتها قال الله تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ أما القانون الوضعي فإنه من صنع البشر وتنظيم عقله الذي قدرته محدودة وعرضة للنقص والخلل، ولذلك فهو لا يعلم حقيقة النفس الإنسانية وما يتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها وبالتالي فإن التشريعات التي يسنها قد لا تكون ملائمة كل الملاءمة لطبيعة النفوس البشرية.
1 / 14
ثالثًا: تطبيق أحكام الفقه الإسلامي يعد طاعة لله تعالى:
الامتثال للأحكام في الفقه الإسلامي يعد طاعة لله تعالى وعبادة له يثاب عليها المطيع كما تعد مخالفتها معصية لله يعاقب عليها المخالف فمنها ما له عقوبة في الدنيا كالحدود والتعازير، ومنها ما توعد الله المخالف له بالعقاب في الآخرة وبهذا يمكن القول بأن الفرد المسلم دائمًا يكون رقيبًا على نفسه لأن خوف الله وخشيته هو الرقيب عليه وبهذا يتكون الفرد والمجتمع على هذا الأساس، أما القانون الوضعي فإن الطاعة له مبعثها الخوف من السلطة الحاكمة، وليس مبعثها احتساب الأجر والمثوبة من الله كذلك العصيان وعدم الامتثال للمادة القانونية فإن المرتكب لها لا ينتابه شعور بالمخالفة ما لم يقع في يد السلطة، ومن هنا لا مانع يمنع من التحايل والخديعة والنصب بقصد اكتساب الدعوى عند الخصومة والتقاضي مع الآخرين، لأن الحلال ما أحله القاضي والحرام ما حرمه القاضي.
1 / 15
رابعًا: يمتاز الفقه الإسلامي بالشمولية والعموم:
ذلك أن الفقه الإسلامي جاء لتنظيم أمور ثلاثة وهي علاقة الإنسان بربه، وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره من الناس، فعلاقة الإنسان بربه ينظمها من خلال قسم العبادات وما تنظمه من أحكام الصلاة والصيام ونحوها، وعلاقة الإنسان بنفسه ينظمها من خلال بيان ما يجوز للمرء تناوله من المطعومات والمشروبات وما يمتنع عليه من الملبوسات، ويدخل في ذلك كل ما شرعه الشارع حفاظًا على نفس الإنسان وعقله وبدنه، وعلاقة الإنسان بغيره ينظمها الفقه من خلال ما يسمى بالمعاملات والعقوبات، وما يتعلق بذلك من بيع وإجارة ونكاح وقصاص وحدود وتعازير وأقضية وشهادات وبتنظيم هذه العلاقات الثلاثة يكون الفقه قد نظم كل ما يتعلق بالإنسان في هذه الحياة وهذا ما يعبر عنه بالضرورات الخمس التي شرعت أحكام الفقه الإسلامي لأجلها وهي الحفاظ على النفس والدين والعقل والعرض والمال.
1 / 16
وإذا قارنا الفقه الإسلامي بالقانون الوضعي من هذه الناحية وجدنا أن القانون إنما يهتم بتنظيم علاقة الإنسان بغيره فقط أما علاقته بنفسه التي بين جنبيه والتي هي أعظم أعدائه وأكثرهم التصاقًا به وأثرًا في حياته وعلاقته بخالقه الذي أوجده وسخر له هذه الحياة بكل ما فيها من أجل سعادته وخدمته ليقوم هو بعبادة خالقه وشكره كل ذلك لا اهتمام للنظم القانونية الوضعية به ولا يدخل في اهتمامها، وهذا الفصل بين القانون وبين الدين والأخلاق مرفوض من قبل الشريعة الإسلامية التي تعتبر القانون الإسلامي (الفقه) أصل من أصول الدين الإسلامي كما أن الأخلاق هي الأخرى أصل من هذا الدين ومن مظاهر الشمولية في الفقه الإسلامي أنه يهتم بهذا الإنسان في كل مراحل حياته، قبل ولادته وبعدها منذ كونه جنينًا في بطن أمه ثم طفلًا صغيرًا ثم شابًّا قويًّا ثم كهلًا ثم شيخًا إلى أن يموت بل وبعد موته كذلك فهو يحفظ للإنسان حقوقه ولو كان قاصرًا عن المطالبة بها كالحمل والطفل والشيخ الهرم والميت كما يحفظها للبالغ الرشيد دون تمييز، وهو يهتم بمستقبل الإنسان ليس في هذه الحياة فحسب، بل في الحياة الأخرى التي هي نهاية حتمية لكل إنسان وذلك من خلال
1 / 17
أحكام العبادات التي يقوم بها كل مؤمن بهذا الدين، ولا شك أن القانون لا يهتم بهذه الحياة الدنيا إلا في أضيق الحدود لذلك فلا مجال فيه للحديث عما قبل هذه الحياة وما بعده.
1 / 18
خامسًا: الثبات في القواعد والمرونة في التطبيق:
الفقه الإسلامي يقوم على قواعد أساسية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل مستمدة من مصادره الأولى وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والقرآن والسنة نصوصها محفوظة ومدونة بدقة وعناية فائقة ونصوصها في الغالب تتضمن الأحكام العامة للتشريع دون بيان التفاصيل المتعلقة بتطبيق تلك الأحكام وذلك لترك سلطة تقديرية واسعة للمجتهد مراعاة لاختلاف الظروف والأحوال فالنصوص الشرعية مثلًا فيما يتعلق بنظام الحكم وضعت خطوطًا عريضة لهذا النظام تتضمن الأمر بالعدل بين الرعية وطاعة أولي الأمر وتحقيق الشورى بين المسلمين والتعاون على البر والتقوى وغير ذلك.
1 / 19
لكنها تركت تطبيق هذه الخطوط العريضة لواقع يتسم بشيء من المرونة والسعة حيث إن المهم هو تحقيق هذه الغايات بغض النظر عن الوسائل التي تمت بها والأشكال التي قامت فيها طالما أنها لا تخالف نصًّا شرعيًّا أو مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية؛ ولهذا فإن تطبيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية يخضع لدرجة كبيرة من المرونة والقابلية للتطور، كذلك فلا مانع من حدوث أحكام جديدة لم تكن معروفة من قبل نظرًا لحدوث الوقائع المناطة بها، كما أنه لا يمنع تغير أحكام كانت ثابتة من قبل نظرًا لتغير مقتضياتها وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بتغير الأحكام تبعًا لتغير الزمان والمكان؛ ولأجل ذلك فقد ترك الإسلام باب الاجتهاد مفتوحًا في الشريعة ليقيس المجتهد ما لم يرد به نص على المنصوص ويلحق الأشباه بالنظائر.
1 / 20