بسم الله الرحمن الرحيم

1 - الألفاظ المفردة

1 - منها ما هو اسم ومنها ما هو فعل

| 1 - منها ما هو اسم ومنها ما هو فعل

قيل إن الألفاظ الدالة منها ما هو اسم، ومنها ما هو كلم - والكلم هي التي يسميها أهل العلم باللسان العربي الأفعال - ومنها ما هو مركب من الأسماء والكلم. فالأسماء مثل زيد وعمرو وإنسان وحيوان وبياض وسواد وعدالة وكتابة وعادل وكاتب وقائم وقاعد وأبيض وأسود، وبالجملة كل لفظ مفرد دال على المعنى من غير أن يدل بذاته على زمان المعنى. والكلم هي الأفعال مثل مشى ويمشي وسيمشي، وضرب ويضرب وسيضرب، وما أشبه ذلك. وبالجملة فإن الكلمة لفظة مفردة تدل على المعنى وعلى زمانه. فبعض الكلم يدل على زمان سالف مثل كتب وضرب، وبعضها على المستأنف مثل سيضرب، وبعضها على الحاضر مثل قولنا يضرب الآن. والمركب من الأسماء والكلم منه ما هو مركب من اسمين مثل قولنا زيد قام وعمرو إنسان والفرس حيوان، ومنه ما هو مركب من اسم وكلمة مثل قولنا زيد يمشي وعمرو كتب وخالد سيذهب وما أشبه ذلك.

2 - ومنها ما يسميه النحويون الحروف

| 2 - ومنها ما يسميه النحويون الحروف

ومن الألفاظ الدالة الألفاظ التي يسميها النحويون الحروف التي وضعت دالة على معان. وهذه الحروف هي أيضا أصناف كثيرة، غير أن العادة لم تجر من أصحاب علم النحو العربي إلى زماننا هذا بأن يفرد لكل صنف منها اسم يخصه، فينبغي أن نستعمل في تعديد أصنافها الأسامي التي تأدت إلينا عن أهل العلم بالنحو من أهل اللسان اليوناني فإنهم أفردوا كل صنف منها باسم خاص. فصنف منها يسمونه الخوالف، وصنف منها يسمونه الواصلات، وصنف منها يسمونه الواسطة، وصنف منها يسمونه الحواشي، وصنف منها يسمونه الروابط. وهذه الحروف منها ما قد يقرن بالأسماء، ومنها ما قد يقرن بالكلم، ومنها ما قد يقرن بالمركب منهما. وكل حرف من هذه قرن بلف فإنه يدل على أن المفهوم من ذلك اللفظ هو بحال من الأحوال.

3 - ما يستعمله الجمهور وما يستعمله أصحاب العلوم

| 3 - ما يستعمله الجمهور وما يستعمله أصحاب العلوم

وينبغي أن نعلم أن أصناف الألفاظ التي تشتمل عليها صناعة النحو قد يوجد منها ما يستعمله الجمهور على معنى ويستعمل أصحاب العلوم ذلك اللفظ بعينه على معنى آخر. وربما وجد من الألفاظ ما يستعمله أهل صناعة على معنى ما ويستعمله أهل صناعة أخرى على معنى آخر. وصناعة النحو تنظر في أصناف الألفاظ بحسب دلالاتها المشهورة عند الجمهور لا بحسب دلالتها عند أصحاب العلوم. ولذلك إنما يعرف أصحاب النحو من دلالات هذه الألفاظ دلالاتها بحسب ما عند الجمهور لا بحسب ما عند أهل العلوم. وقد يتفق في كثير منها أن تكون معاني الألفاظ المستعملة عند الجمهور هي بأعيانها المستعملة عند أصحاب العلوم. ونحن متى قصدنا تعريف دلالات هذه الألفاظ فإنما نقصد للمعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ عند أهل صناعة المنطق فقط، من قبل أنه لا حاجة بنا إلى شيء من معاني هذه الألفاظ سوى ما يستعمله منها أصحاب هذه الصناعة، إذ كان إنما نظرنا حيننا هذا فيما تشتمل عليه هذه الصناعة وحدها. فأما متى نظرنا في المعاني المشهورة عند الجمهور استعملنا هذه الألفاظ بحسب دلالتها عندهم لا بحسب دلالتها عند أصحاب العلوم. والحال في هذه كالحال في الصنائع التي يتعاطاها الجمهور. فإن النجار غنما يخاطب فيما تشتمل عليه صناعة النجارة بالألفاظ المشهورة عند النجارين، وكذلك الفلاحة والطب وسائر الصنائع. فكذلك في هذه الصناعة التي نحن بسبيلها إنما ينبغي أن نذكر من دلالات أصناف الألفاظ بحسب دلالتها عند أهل هذه الصناعة. فلذلك لا ينبغي أن يستنكر علينا متى استعملنا كثيرا من الألفاظ المشهورة عند الجمهور دالة على معان غير المعاني التي تدل عليها تلك الألفاظ عند النحويين وعند أهل العلم باللغة التي يتخاطب بها الجمهور، إذ كنا ليس نستعملها بحسب دلالتها عندهم، إلا ما اتفق فيه أن كانت دلالته عند أهل هذه الصناعة بحسب دلالته عند الجمهور.

2 -

4 - الخوالف

| 4 - الخوالف

فالخوالف نعني بها كل حرف معجم أو كل لفظ قام مقام الإسم متى لم يصرح بالاسم، وذلك مثل حرف الهاء من قولنا ضربه والياء من قولنا ثوبي والتاء من قولنا ضربت وضربت وأشباه ذلك من الحروف المعجمة التي تخلف الاسم وتقوم مقامه، ومثل قولنا أنا وأنت وهذا وذلك وما أشبه ذلك، وهي كلها تسمى الخوالف.

5 - الواصلات

| 5 - الواصلات

صفحہ 1

والواصلات هي أصناف. فمنها الحروف التي نستعملها للتعريف، مثل ألف ولام التعريف، ومثل قولنا الذي وأشباهه. ومنها الحروف التي متى قرنت بالإسم دلت على أن المسمى قد نودي باسمه ودعي، مثل يا ويا أيها. ومنها الحروف التي تقرن بالإسم فتدل على أن الحكم الواقع على المسمى هو حكم واقع على جميع أجزاء المسمى، وهو مثل قولنا كل. ومنها ما يدل أنه حكم على شيء من أجزائه

6 -

| 6 -

والواسطة هي كل ما قرن باسم ما فيدل على أن المسمى به منسوب إلى آخر وقد نسب إليه شيء آخر، مثل من وعن وإلى وعلى وما أشبه ذلك.

7 -

| 7 -

والحواشي هي أصناف كثيرة. منها الحروف التي تقرن بالشيء فتدل على أن ذلك الشيء ثابت الوجود وموثوق بصحته، مثل قولنا إن مشددة النون. ومثال ذلك قولنا إن الله واحد وإن العالم متناه. فلذلك ربما سمي وجود الشيء إنيته، ويسمى ذات الشيء إنيته. وكذلك أيضا جوهر الشيء يسمى إنيته. فإنا كثيرا ما نستعمل قولنا إنية الشيء بدل قولنا جوهر الشيء، فنرى أنه لا فرق بين أن نقول ما جوهر هذا الثوب وبين أن نقول ما إنيته. لكن هذه ليست مشهورة مثل تلك عند الجمهور، وأصحاب العلوم يستعملونها كثيرا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه قد نفي، مثل ليس ولا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه قد أثبت، مثل قولنا نعم. وليس يخفى علينا أن قولنا ليس يرتبه كثير من أصحاب النحو في الكلم لا في الحروف، وكذلك كثير مما سنعده في الحروف يرتبه كثير من النحويين لا في الحروف لكن إما في الإسم وإما في الكلم. ونحن إنما نرتب هذه الأشياء بحسب الأنفع في الصناعة التي نحن بسبيلها. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مشكوك فيه، مثل قولنا ليت شعري. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه قد حدس حدسا، مثل قولنا كأن ويشبه أن يكون ولعل وعسى. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة مقداره، مثل قولنا كم. فإنا إذا قلنا كم هذا الشيء فإنا إنما ندل بهذا الحرف على أن الشيء مطلوب عندنا معرفة مقداره. ومنها ما يدل على أنه مطلوب معرفة زمان وجوده، مثل قولنا متى. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة مكانه، مثل قولنا أين.

والمقصود من كل ما طلب معرفته هو معرفة ما قصد بالطلب. فمتى طلب معرفة مقدار الشيء فغاية الطلب هي الوقوف على مقداره. وكذلك المطلوب زمانه فإن غاية الطلب هي الوقوف على زمان الشيء. وكذلك ما طلب معرفة مكانه، فغاية الطلب هي الوقوف على مكانه. وكل مسألة طلب بها معرفة شيء من عند إنسان فأنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة الشيء الذي هو مقصوده بمسألته. فمتى كانت المسألة عن مقدار الشيء أوجبت على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة مقدار الأمر الذي طلبه بالمسألة. وكذلك متى كانت المسألة عن مكان الشيء، فإنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة مكانه. وكذلك متى كانت المسألة عن زمان الشيء.

والأمر الذي يستعمله المجيب في إفادة السائل مطلوبه يسمى باسم الحروف التي يستعملها السائل في الطلب أو باسم مشتق من اسم الحروف التي يستعملها السائل. والأمر الذي يستعمله المجيب في إفادة مقدار الشيء يسمى كمية، وهي مشتق من الحرف الذي يستعمله السائل عن مقدار الشيء. والذي يستعمله المجيب في إفادة زمان الشيء يسمى متى، وهو اسم ليس مشتقا من الحرف المستعمل في الطلب، لكن نقل إليه الحرف بعينه فسمي به. والأمر الذي يستعمله المجيب في إفادة مكان الشيء فإنه يسمى أين، وهو مسمى باسم الحرف الذي يستعمله السائل على جهة النقل لا على جهة الاشتقاق.

صفحہ 2

ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة وجوده لا معرفة مقداره ولا زمانه ولا مكانه، مثل قولنا هل. فإنه متى قلنا هل الشيء فإنما نطلب معرفة وجوده فقط. وهذا الحرف يقرن أكثر ذلك باللفظ المركب، مثل قولنا هل زيد منطلق وهل عمرو راحل وهل سقراط في الدار. وقد يقرن أحيانا بالاسم فقط. وليس يقرن به وحده أو يضمر معه شيء آخر سوى ما يدل عليه ذلك الإسم فقط. فإننا متى قلنا هل زيد، ولم يضمر معه موجود أو في الدار أو منطلق أو ما أشبه ذلك، كان القول باطلا. فإذن إنما يقرن هذا الحرف أبدا يلفظ مركب قد أطهرت أجزاؤه بأسرها أو بمركب قد اضمر بعض أجزائه. فإن إنما يقرن بالمركب أبدا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أن المطلوب من الشيء تصور ذات الشيء فقط، لا معرفة وجوده ولا معرفة شيء آخر سوى ذاته، لا مقداره ولا زمانه ولا مكانه. وذلك مثل قولنا ما وما هو. فإنا متى قلنا ما الشيء أو ما هو الشيء، فإنما نطلب بهذا الحرف تصور معرفة ذات الشيء لا غير. والدليل على أن هذا الحرف ليس يدل على أن الشيء مطلوب وجوده أنه لو قرنا قولنا موجود بقولنا ما الشيء لصار القول غير مفهوم، بمنزلة قولنا ما هو الشيء موجود. فإن هذا القول باطل متى استملنا قولنا ما هو حرف طلبه. فإن هذا الحرف ربما استعمل مكان قولنا ليس، فحينئذ يكون قولنا ما الشيء موجود مفهوم المعنى. ومتى استعمل حرف طلب كان باطلا. ونحن فلم نأخذه في هذا المكان دالا على ما دل عليه قولنا ليس، لكن إنما أخذناه حرف طلب. ومتى أخذ حرف طلب فقيل ما هو الشيء موجود، كان القول باطلا. ومسألتنا ما هو الشيء إذا طلب منها معرفة ذات الشيء فإنما يصلح أن يكون بعد المعرفة بوجود الشيء. والدليل على ذلك أنا لو قلنا فيما لا نراه ولا نعلم وجوده ما ذاك الشيء، وما هو الشيء، لكان القول باطلا. وقد يطلب به فهم معنى الإسم، وذلك قد لا يمتنع أن يكون قبل المعرفة بوجود الشيء. وكذلك طلب مقدار الشيء وزمانه ومكانه إنما يكون بعد المعرفة بوجود الشيء. فإنا إذا قلنا أين فلان ونحن لا ندري هل هو موجود في العالم أم لا، كان القول باطلا. وكذلك إذا قلنا متى جاء فلان ونحن لا نعلم هل جاء أم لا، كان القول باطلا.

وحرف ما الذي يدل به على أن الشيء مطلوب معرفة ذاته إنما يقرن أبدا بالإسم المفرد أو ما كان بمنزلة المفرد. مثال ذلك قولنا ما الإنسان وما هي الشمس وما هو القمر وما الحركة وما السكون وما كسوف القمر، فإن هذه مركب يجري مجرى المفرد. ولو قرناه بالمركب الذي ليس يجري مجرى المفرد لكان القول غير مفهوم، بمنزلة ما لو قلنا ما الإنسان حيوان وما القمر ينكسف وما أشبه ذلك، فإن هذه أقاويل غير مفهومة. وكل مسألة كما قلنا فإنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به معرفة المطلوب بالمسألة. والأمر الذي يستعمل في إفادة ما يتعرف بمسألة ما هو الشيء هو أحد أمرين، إما أمر يدل عليه بلفظ مفرد أو أمر يدل عليه بلفظ مركب. مثال ذلك قول القائل ما هذا الشيء - فلننزل أن المسؤول عنه كانت نخلة - فإن المجيب متى قال هذا الشيء هو نخلة فقد استعمل في إفادته أمرا يدل عليه باسم مفرد، ومتى قال هذه شجرة تثمر الرطب فقط استعمل في الجواب أمرا يدل عليه بقول مركب. وبأي هذين أجاب المجيب به فقد وفى السائل مطلوبه، إلا أن أحد الأمرين يدل على النخلة باسم مفرد والثاني يدل عليه يلفظ مركب. فالأمر الذي ينبغي أن يستعمل في جواب ما هو الشيء إذا كان يدل عليه بلفظ مركب فإنه يسمى ما هية الشيء، ويسمى أيضا القول الدال على ما هو الشيء أو على جوهر الشيء أو على إنية الشيء أو طبيعة الشيء، ويسمى قول جوهر الشيء أيضا.

صفحہ 3

ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة صيغته وهيئته. وصيغة الشيء قد تكون صيغة نفسه - أعنى صيغته التي بها أثبتت ذات الشيء نفسه - ، مثل أن صيغة الخف التي بها أثبتت خفيته هو أني يكون كذا وكذا، فمتى لم تكن تلك الصيغة لم يكن خف ومتى كانت كان خف. وكذلك في واحد واحد من الأشياء. فإن الخاتم صيغة ذاته هي التي بها أثبتت ذات الشيء. وقد تكون الصيغة أحوالا للشيء توجد له بعد استكمال وجود ذاته، مثال ذلك الثوب، فإن نساجته واشتباك لحمته لسداه هو صيغته التي بها وجدت ذاته. فأما متى قصر بعد ذلك أو لون لونا ما أو صقل فإن تلك - أعني القصارة او اللون أو الصقال والبريق - هي صيغ للثوب وليست التي بها أثبتت ذاته، لكن هي أحوال توجد للثوب بعد استكمال ذاته وتؤخذ صيغا له وهيئات. ومتى تامل واحدا واحدا من المحسوسات تبين للإنسان هذان الصنفان من الصيغ والهيئات. والصنف الذي به تثبت ذات الشيء تسمى صيغ ذات الشيء، والصنف الآخر الذي لا تثبت به تسمى الصيغ الخارجة عن ذات الشيء. والحرف الذي يقرن بالشيء فيدل على أنه مطلوب معرفة صيغته بالجملة فهو حرف كيف. فإنا إذا قلنا كيف الشيء فطلبنا هو معرفة صيغة الشيء، إما صيغة ذاته وإما الخارجة عن ذاته. فإنا متى قلنا كيف زيد فأجبنا أنه صالح أو طالح أو مريض، كنا قد أجبنا بصيغ زيد الخارجة عن ذاته. ويشبه أن تكون الصيغ التي بها يثبت الشيء خفيت عن الجمهور، فلذلك لا تكاد تجد لها أسامي مشهورة. وخليق أن يكون قولهم كيف عمل هذا الشيء، يطلب به صيغة العمل. وأما الصيغة الخارجة فهو الذي يعتاد الجمهور أن يستعملوا حرف كيف في المسألة عنها. والأمور التي تستعمل في إفادة الصيغ وفي الجواب عن المسألة بكيف الشيء، فإنها تسمى الكيفيات، وهو اسم مشتق من الحرف المستعمل عند المسألة. وما كان منها يفاد به صيغة ذات الشيء فإنها تسمى كيفية ذاتية، وربما سماها بعض الناس كيفيات جوهرية. وما كان منها يليق أن يفاد به السيغ الخارجة فإنها تسمى كيفيات عرضية وربما قيلت كيفيات غير ذاتية.

ومن الحروف ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب تمييزه عن غيره أو مطلوب معرفة ما يتميز به عن غيره، مثل قولنا أي شيء هو وأيما هو. وهذه المألة إنما تستعمل إذا كان الشيء بحيث يمكن ان يلتبس أمره ويخشى أن يؤخذ غيره بدله، وإنما يمكن ذلك متى كان هناك آخر غيره. فإنا متى قلنا أيما هو زيد وأي شيء هو زيد ولم نعرف شيئا غيره فإن مسألتنا باطلة. وأما قولنا ما الإنسان فإنه قد يمكن أن نسأل هذه المسألة وإن لم يكن شيء سوى ذلك المسؤول عنه. وكذلك نقول كيف زيد وإن لم نكن عرفنا غير زيد ولا أيضا لو لم يكن في العالم غير زيد. ومتى قلنا أيما هو زيد ولم يكن في العالم غير ذلك كانت مسألتنا باطلة. وجميع ما يؤخذ في جواب المسألة عن الشيء كيف هو قد يليق أن يستعمل في الجواب عن الأمر أي شيء هو. وكثير مما يليق أن يستعمل في جواب أي شيء هو لا يليق أن يستعمل في جواب المسألة كيف. والكيفيات لما كانت منها ما يفاد به الصيغ الخارجة عن ذات الشيء.

ومنها ما يفاد به معرفة صيغة ذات الشيء، صارت الكيفيات المفيدة صيغ ذوات الأشياء متى أخذت في جواب أي شيء هو تفيد ما يتميز به الشيء في ذاته عن غيره، وكانت الكيفيات التي تفيد الصيغ الخارجة عن ذات الشيء متى أخذت في جواب أي شيء هو تفيد ما يتميز به الشيء في أحواله عن غيره. وتميز الشيء في ذاته عن غيره هو مثل تميز النخلة بما هي نخلة عن الزجاج وتميز زيد عن عمرو بأن ذا صالح وذا طالح، فإنا نعلم يقينا أن زيدا ليس يتميز عن عمرو بمثل تميزه عن الصوف.

الحواشي

ومن الحواشي الحروف التي متى قرنت بالشيء دلت على أنه مطلوب معرفة سببه، مثل قولنا لم وما بال وما شأن وما أشبه ذلك. وهذه الحروف إنما يستقيم أن تقرن بالشيء متى كان معلوم الوجود. فإنا إذا قلنا ما بال فلان يفعل كذا وكذا، ولم يعلم أنه يفعل، كان القول باطلا. وأيضا فإن هذا الحرف إنما يقرن أكثر ذلك بما يدل عليه اللفظ المركب، مثل قولنا لم يفعل زيد كذا وما أشبه ذلك. وقد يقرن أحيانا باللفظ المفرد متى أضمر معه شيء آخر مثل قولنا لماذا خرج، متى فهم عنا بالضمير زيد، فلو لم تكن الحال حلا يفهم من هذا القول ما يفهم من قولنا لماذا خرج زيد كان القول باطلا، والشيء الذي يقرن به هذا الحرف ينبغي أن يجتمع فيه أمران، أحدهما أن يكون قد علم وجوده من قبل والثاني ان يكون مركبا. وكذلك قولنا ما هو ينبغي أن يقرن بالشيء الذي يجتمع فيه أمران، أحدهما أن يكون قد علم وجوده والآخر أن يون ذلك الشيء مفردا - أعني أن يدل عليه لفظ مفرد أو ما سبيله سبيل لفظ مفرد. وهذان الحرفان - أعني ما هو ولم هو - يتشابهان في أن الشيء الذي يقرنان به ينبغي أن يكون معلوم الوجود ومختلفان في أن الشيء الذي يقرن به ما هو ينبغي ان يكون مفردا والشيء الذي يقرن به حرف لم ينبغي أن يكون مركبا.

8 - الروابط

| 8 - الروابط

صفحہ 4

والروابط هي أيضا اصناف. منها الحرف الذي يقرن بألفاظ كثيرة فيدل على أن معاني تلك الألفاظ قد حكم على كل واحد منها بشيء يخصه، مثل قولنا إما مكسورة الألف مشددة الميم. ومنها ما يقرن بالشيء الذي لم يوثق بعد بوجوده فيدل على أن شيئا ما تاليا له يلزمه، مثل قولنا إن كان وكلما كان ومتى كان وإذا كان وما أشبه ذلك. وهذه الرباطات تضمن الثاني بالأول متى وجد الأول، فيسمى لذلك الرباط المضمن، من قبل أنه يدل على أن الأول قد تضمن لحاق الثاني به، مثل قولنا إن دخل زيد خرج عمرو، ومثل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فإن طلوع الشمس قد تضمن لحوق وجود النهار. غير أن طلوع الشمس لم يوثق بعد بكونه. فلذلك تسمى هذه الحروف المضمنات بشريطة، وربما سميت شرائط. ومن الحروف المضمنة ما إنما يقرن أبدا بالشيء الذي قد وثق بوجوده أو بصحته فيدل على أن تاليا ما لازم له، مثل لما وإذ. مثال ذلك قولنا لما طلعت الشمس كان النهار ولما جاء الصيف اشتد الحر ولما كانت الشمس مقاطرة للقمر انكسف القمر، فإن هذا الحرف دل على أن الأول متضمن لحاق الثاني به بعد أن وثق بوجود الأول. فلذلك يسمى هذا الحرف المضمن جزما. ومنها الحرف الذي يقرن بألفاظ فيدل على أن كل واحد منها قد تضمن مباعدة الآخر، مثل قولنا أما، فإن هذا يدل على أن الأشياء التي قرن بها هذه قد تضمنت تباعد بعض عن بعض بوجه ما، فلذلك يسمى الرباط الدال على الانفصال عن التالي له. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه خارج عن حكم سابق في شيء قدم في القول فظن أنه يلحق هذا الثاني، مثل قولنا لكن - المشددة والمخففة جميعا - وإلا أن. فهذه تستعمل أبدا في الدلالة على أن الشيء المقرون به خارج عن حكم سابق على أمر قدم في القول. وذلك مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس طالعة أو إلا أن الشمس طالعة. فإن قولنا إن كانت الشمس طالعة دال على أن طلوع الشمس لم يوثق بعد به، وقولنا لكن أخرجه عن الحكم الذي كان سبق فيه أولا وظن أن ذلك الحكم باق عليه في أي مرتبة وضع فيها من أجزاء القول. فلما قرن به بعد ذلك قولنا لكن أو إلا أن دل على أن الحكم السابق عليه ليس هو جاريا عليه دائما لكن حين كرر كرر وقد وثق بوجوده. وهذه تسمى حروف الاستثناء. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه غاية لشيء سبقه، مثل قولنا كي واللام التي تقوم مقامه. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه سبب لشيء سبقه في اللفظ أو لشيء يتلوه، مثل قولنا لأن ومن أجل ومن قبل. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أن ذلك الشيء لازم عن شيء آخر موثوق به وقد سبقه، مثل قولنا فإذن وما قام مقامه.

وهذه هي أصناف الألفاظ المفردة، وقد عد من كل صنف مقدار الكفاية فيما نحن بسبيله.

3 - الألفاظ المركبة

9 - الأقاويل

| 9 - الأقاويل

والألفاظ المركبة إنما تتركب عن هذه الأصناف - أعني عن الأسماء والكلم والحروف وجميع الألفاظ المتركبة عن هذه تسمى الأقاويل، ولذلك تسمى هذه أجزاء الأقاويل. والألفاظ المفردة قد يتركب بعضها مع بعض أصنافا من التركيب كثيرة. وليست بنا حاجة حيننا إلى ذكر جميع أصناف تركيبها، لكنا إنما نحتاج منها إلى صنف واحد من أصناف التركيب. وهو أن الاسمين قد يتركبان تركيبا يصبر به أحدهما صفة والآخر موصوفا. وذلك مثل قولنا زيد ذاهب وعمرو منطلق، فإن هذين تركبا تركيبا صار به أحدهما صفة والآخر موصوفا، فزيد هو الموصوف وذاهب صفة. واللفظ المركب هذا التركيب هو كل ما يليق أن يقرن به حرف إن المشددة فيكون القول تاما مفهوما، مثل قولنا إن زيدا ذاهب وإن الإنسان حيوان وإن حيوانا ما فرس. والصفة من هذين كل ما صلح أن يقرن به قولنا هو، مثل زيد هو ذاهب، فإن كل ما جاز أن يردف بعد حرف هو وتقدم قبله حرف هو فهو صفة، مثل قولنا الفرس هو حيوان وزيد هو إنسان. وبعض الناس يسمون الموصوف المسند إليه ويسمون الصفة مسندا، وربما سموا الصفة الخير والمخبر به والموصوف المخبر عنه. فقولنا زيد هو موصوف ومسند إليه ومخبر عنه، وذاهب هو صفة وخبر ومخبر به ومسند. وقد يتركب هذا التركيب من اسم وكلمة، مثل قولنا زيد يمشي. وكل واحد من هذه الأقاويل هو متركب عن لفظين هما جزءاه أحدهما صفة والآخر موصوف.

صفحہ 5