الف لیلہ و لیلہ فی ادب
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
اصناف
وبالنظر إلى ما ذكرناه من المجال الواسع لتلك الحكايات والقصص، التي نجد بعضها في مجموعات ولا نجدها في مجموعات أخرى بالعربية، فقد ظهر الرأى الذي ذكرناه سابقا بالعمل على إصدار طبعة «شاملة» لجميع تلك القصص، تعتمد مخطوطات عربية حيثما وجدت، حتى لا يفاجأ القارئ العربي بعدم وجود قصص مشهورة - كقصص علي بابا أو علاء الدين أو النائم اليقظان - في المجموعات التي لديه. وستعم الفائدة لو أمكن ترجمة مجموع التعليقات والأبحاث والحواشي التي واكبت ترجمات لين وبيرتون وغيرهما، التي ستلقي أضواء مفيدة لقارئ الحكايات بالعربية ، ويبين مدى الاهتمام الذي أولاه هؤلاء المترجمون لنصوص كتاب ألف ليلة وليلة.
القصة الإطار
«... فلما سمعت ابنة الوزير مقالة أبيها قالت له: لا بد من ذلك. فجهزها وطلع إلى الملك شهريار. وكانت قد أوصت أختها الصغيرة وقالت لها: إذا توجهت إلى الملك سأرسل في طلبك، فإذا جئت عندى ورأيت الملك قضى حاجته مني فقولي: يا أختي، حدثيني حديثا غريبا نقطع به السهر، وأنا أحدثك حديثا يكون فيه الخلاص إن شاء الله. ثم إن أباها الوزير طلع بها إلى الملك فلما رآه فرح وقال: أتيت بحاجتي؟ فقال: نعم. فلما أراد أن يدخل عليها بكت، فقال لها: مالك؟ فقالت: أيها الملك إن لي أختا صغيرة أريد أن أودعها. فأرسل الملك إليها فجاءت إلى أختها وعانقتها، وجلست تحت السرير. فقام الملك وأخذ بكارة شهرزاد ثم جلسوا يتحدثون. فقالت لها أختها الصغيرة: بالله عليك يا أختي حدثينا حديثا نقطع به سهر ليلتنا. فقالت: حبا وكرامة إن أذن لي هذا الملك المهذب. فلما سمع الملك هذا الكلام وكان به قلق، فرح بسماع الحديث.»
الملك شهريار وأخوه الملك شاه زمان «... فقال المفسر: اعلم أيها الملك أنه يظهر منك غلام يكون وارثا للملك عنك بعد طول حياتك ولكنه لا يسير في الرعية بسيرك بل يخالف رسومك ويجور على رعيتك ويصيبه ما أصاب الفأر مع السنور، فاستعاذ بالله تعالى وقال وما حكاية السنور والفأر؟ فقال المفسر ...»
حكاية الملك جليعاد والشماس •••
هكذا تبدأ القصة الإطار في كتاب «ألف ليلة وليلة»، حين تبدأ شهرزاد أول حكاياتها التي ترويها للملك شهريار وأختها دنيازاد، وهي الوسيلة التي اتخذتها تعلة كيما يؤجل الملك قتلها كعادته مع الفتيات الأخريات. وهو يؤجل قتل شهرزاد حتى يستمتع بسماع تكملة القصص العجيبة التي تقصها شهرزاد وتحرص على ملئها بكل عوامل التشويق والترقب.
ومعظم القراء يعرفون طبعا أساس هذا الإطار الذي ابتدعه أول مؤلف أو بالأحرى أول راو لهذا السفر الفريد من نوعه: ألف ليلة وليلة. ونقول ملخصين لمن لا يعلم إن الملك شهريار، أحد ملوك الشرق الأسطوريين ، يكتشف بالمصادفة أن زوجته تخونه مع أحد الخدم العبيد بقصره فيقتلها. وتؤدي به الصدمة إلى فقدان الثقة بكل النساء وخوفه من أي خيانات أخرى منهن، فيعمد إلى الزواج كل ليلة من إحدى العذارى ثم يأمر بقتلها في الصباح التالي. وبعد أن قضى الملك بهذه الطريقة على الكثير من فتيات مملكته، تتطوع ابنة وزيره واسمها شهرزاد بأن تصبح العروس التالية. وحين تقابل الملك، ترجوه أن يسمح لأختها الأصغر دنيازاد بصحبتها، وكانت قد اتفقت مع أختها على أن تطلب منها تلك أن تحكي لها إحدى القصص. ولما يوافق الملك على سماع قصة، تبدأ شهرزاد لياليها بحكاية التاجر والعفريت. وتعمدت الراوية أن تنهي كل ليلة بموقف شائق مثير، كان يضطر الملك معه إلى أن يؤجل قتلها حتى يسمع بقية الحكاية. وظل الأمر على هذا المنوال حتى أتمت شهرزاد - كما تجرى به الأقوال - ألف ليلة وليلة من الحكايات. وبعدها، كان شهريار قد تملكه الحب لزوجته والإعجاب بها وبتفانيها في إرضائه؛ وكانت قد أنجبت منه في تلك الأعوام ثلاثة أطفال، فيعفو عنها ويعيش معها ومع أولاده في سعادة وطمأنينة.
وينطبق الأسلوب الذي ينتهجه «مؤلف» ألف ليلة أو رواتها بمعنى أصح للدخول إلى صلب الحكايات الأصلية، مع الاصطلاح الروائي الحديث الذي أطلق عليه «القصة الإطار». ومعظم حكايات ألف ليلة وليلة تروى بأسلوب «القصة الإطار» أو بأسلوب «القصة داخل القصة». ومن أمثلة القصة الإطار المشهورة، حكاية سيف الملوك وبديعة الجمال، فالقصة التي تحمل هذا الاسم - والتي تتعلق بأحد ملوك مصر وابنه الذي يبحث عن بديعة الجمال بعد أن رأى رسما لها - تأتي في ثنايا قصة إطارية لا علاقة لها بالحكاية الأصلية التي يحكيها أحد القصاصين على ملك العجم في خراسان. وعلى نفس المنوال، يمكن اعتبار القصص التي يرويها الصعاليك والأخوة الثلاثة قصصا ضمن إطار حكاية «الحمال مع البنات».
ومن القصص الإطارية الطويلة في ألف ليلة «حكاية الملك وولده والوزراء السبعة» وقد ذكرناها في فصل القصة داخل القصة، فالأسلوبان يتداخلان في كثير من الأحيان. وسنذكر هنا قصة أخرى تصلح هنا وهناك، وهي «حكاية الملك جليعاد والشماس»، فهي تشكل إطارا تتوالى فيه قصص كثيرة يحكيها الشماس للملك جليعاد بشأن تولية الملك إلى ابنه، ثم بعد ذلك نرى حكايتين أخريين يحكيهما الشماس للغلام ابن الملك جليعاد - من ناحية - وإحدى نسائه من ناحية أخرى، وكل منهما يسعى إلى إقناع الملك برأيه. ففي تلك الحكاية تتوالى القصص التالية على التوالي: حكاية السنور والفأر، حكاية الناسك المدفوق على رأسه السمن، حكاية السمك في غدير الماء، حكاية الغراب والحية، حكاية حمار الوحش والثعلب، حكاية ابن الملك السائح، حكاية الغراب، حكاية الحاوي وأولاده وزوجته وأهل بيته، حكاية العنكبوت والريح، حكاية الملكين، حكاية الأعمى والمقعد، حكاية الأسد والصياد، حكاية الثعلب والذئب، حكاية الراعي واللص. وبعد كل تلك الحكايات، تعود الأحداث إلى القصة الأصل الواردة في الإطار، وهي سيرة الملك الغلام في رعيته كما وردت في الحلم الذي رآه أبوه في البداية وأثار حكايات كبير وزرائه الشماس .
وهذا الأسلوب قد ظهر بهذا الشكل الواضح - فيما نعرف - مع ألف ليلة وليلة، وتأثر به الكثير من القصاص الذين نهجوا منهج هذا الأسلوب الشرقي. وثمة مثالان أساسيان لأثرين أدبيين شهيرين قد اقتفيا منهاج ألف ليلة في القصة الإطار وحتى في نوعية القصص، هما «الديكاميرون» للإيطالي «جيوفاني بوكاتشيو» و«حكايات كانتربري» للإنجليزي «يوفري تشوسر». واللافت للنظر أن بوكاتشيو وتشوسر قد عاشا في نفس العصر تقريبا: أواسط القرن الرابع عشر الميلادي، بل إن هناك من يجزم بأنهما قد التقيا إبان بعض الأسفار التي قاما بها. وتأثرهما بطريقة قص حكايات ألف ليلة وليلة يشير إلى توفر تلك الحكايات بشكل ما في معظم أنحاء أوروبا في العصر الوسيط، إما مكتوبة باللغة اللاتينية، أو باللغات المحلية التي كانت قد بدأن تتفرع وتبزغ من عباءة اللاتينية والجرمانية والأنجلوسكسونية؛ أو عن طريق الرواية والتناقل الشفوي بتلك اللغة واللهجات المحلية، وهو الأمر الذي كان شائعا في ذلك الوقت. وكان ذلك الانتشار - كما ذكرنا في المقدمة - عن طريق إسبانيا وصقلية العربيتين، وما امتد منهما إلى فرنسا في البروفانس ولانجدوك ، وإلى إيطاليا، ومنها إلى إنجلترا؛ وكذلك عن طريق الحجاج المسيحيين الذين كانوا يذهبون لزيارة الأراضي المقدسة في فلسطين، وأيضا عن طريق المشاركين في الحملات الصليبية بعد عودتهم وقد احتكوا أشد الاحتكاك بالمسلمين والعرب وتعرفوا على عاداتهم وثقافتهم، بما في ذلك القصص والحكايات الشعبية.
نامعلوم صفحہ