الف لیلہ و لیلہ فی ادب
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
اصناف
THE MILL ON THE FLOSS . ويذكر عن بروست أنه ما كان يطالع رواية جورج إليوت إلا وتطفر الدموع من عينيه تأثرا بالتصوير العاطفي البارع لشخصية «ماجي توليفر» في الرواية. وقد ذكر بروست أنه قد قرر أن يؤلف كتابا في ضخامة ألف ليلة وليلة وأهميتها، على أن يستعيض عن الأحداث والمغامرات المتوالية في حكاياتها بالتحليل والتفاصيل الدقيقة للشخصيات التي سيخلقها على نحو ما فعلت جورج إليوت في روايتها.
وفي الخواطر الأولى لذكريات بطل رواية «البحث عن الزمن الضائع»، تعود إلى ذاكرته أيام طفولته في «كومبريه»، مع العمة «ليوني» التي لا تعرف شيئا عن مغامرات «شارل سوان» الغرامية ولا عن صلاته بالشخصيات الأرستقراطية المعاصرة، وذلك حين كانوا يدعونه إلى العشاء في منزلهم الذي كان يجاور ضيعتهم بالبلدة؛ ويقول الراوي إن العمة لو علمت حياة سوان الحقيقية فسوف تؤمن بأنها إنما تدعو «علي بابا» إلى العشاء، بكل ما سيحمله معه من الكنوز التي يجلبها من كهفه المسحور! وكانت الأسرة أليفة بحكايات ألف ليلة، فلديها أطباق وصحائف لتقديم الطعام والحلوى مزينة بصور مرسومة لبعض مشاهد علي بابا وعلاء الدين والمصباح السحري والسندباد البحري، وكلها حكايات انتشرت منذ صدور ترجمة أنطوان جالان عام 1704م في طول البلاد وعرضها. وذكريات ألف ليلة وليلة هي من العوامل التي تساعد الراوي في ملحمة بروست - وهو المؤلف نفسه - على استعادة ماضيه؛ فهي تشكل جزءا من حياته، وهي تعمل على بعث ذلك الماضي حيا في وعيه كيما يسطره على الورق، تماما كما فعلت قطعة حلوى المادلين المغموسة في الشاي.
ويقول «هوارد موس» في كتابه الصغير النفيس «فانوس مارسيل بروست السحري»: «هناك كتابان يستبين عنوانهما أكثر شيء في رواية «البحث عن الزمن الضائع»، أولهما ألف ليلة وليلة، والآخر «مذكرات سان سيمون» عن حياة البلاط في عصر لويس الرابع عشر في فرساي.» ويأخذنا عنوان كتاب «موس» إلى الصفحات الأولى من رواية بروست، حين يتذكر الراوي في شطحات أفكاره أنه كان قد تلقى في صباه هدية عبارة عن «فانوس سحري» كان ينظر فيه إلى شرائح تصور حكايات ومشاهد من الرومانسات والأساطير الفرنسية القديمة، وهو نفس الفانوس السحري الذي يستخدمه لجلاء بصره فيما يتعلق بذكرياته وماضيه الضائع الذي يحاول استعادته عن طريق كتابته بالتفصيل الدقيق، فما أشبهه في هذا بمصباح علاء الدين السحري، الذي يحكه فيظهر له الجني المارد ويقدم له كل ما يشتهيه. وهكذا يفعل مارسيل الراوي بفانوسه السحري، فهو يضع فيه شريحة مصورة تبعث في نفسه ماضيه وذكرياته وأحلامه وأفكاره، فتظهر جلية واضحة للقارئ الذي يطالع روايته.
ويجاهد المؤلف - الراوي - كيما تتم استعادة الماضي بأكمله قبل أن يطويه الموت، ونحن نقرأ في آخر مجلد من ملحمة البحث عن الزمن الضائع السطور التالية: «فإذا شرعت في الكتابة، لا يكون ذلك إلا في الليل. بيد أن الأمر سيحتاج مني إلى ليال كثيرة، مائة ليلة ربما، بل وحتى ألف. ولا بد أن أحيا وسط القلق الذي يتمثل في عدم معرفتي ما إذا كان السيد الذي يحمل في يده مصيري سيكون أقل تسامحا من السلطان شهريار، وما إذا كان سيوافق - حين يطلع الصباح ويتعين علي أن أقطع قصتي - على منحي مهلة أخرى ويسمح لي بمواصلة حكايتي في الأمسية التالية.»
وهكذا كان بروست يكتب ملحمته وأنظاره مثبتة على ملحمة شهريار وشهرزاد، فهو يكتب روايته في مواجهة الموت الذي قد يأتيه في أي لحظة، تماما كشهرزاد التي كانت تروي حكاياتها ولا تعرف ما إذا كان شهريار سيبقي عليها ليلة وراء ليلة أم لا.
وفيما بين أول مجلد من مجلدات البحث عن الزمن الضائع إذ الراوي يحكي ذكريات طفولته وصباه، وحتى آخر مجلد إذ هو يصارع الموت كيما ينهي الحكاية التي بدأها، تمتلئ الفصول والأحداث بالإشارات إلى ألف ليلة وليلة وحكاياتها وشخصياتها المعروفة؛ فمثلا يذكر بروست أن الأميرة «دي جيرمانت» تشبه الأميرة «بدر البدور» في أبهتها. وكذلك، حين يتجول الراوي في طرقات فينيسيا الضيقة وقد ضل طريقه فيها ليلا، يشبه نفسه بشخصية من شخصيات ألف ليلة التي يهيم معظمها ضاربين في آفاق الأرض طولا وعرضا، ويضلون الطريق عبر بحار وجزائر قصية مجهولة! وفي الجزء الأخير من رواية بروست، «الزمن المستعاد»، تبدو باريس إبان الحرب العالمية الأولى وقد امتلأت بالجنود السنغاليين وسائقي التاكسي من بلاد الشرق ، كأنما هي بغداد أيام هارون الرشيد. وبالعكس من ذلك، تصبح مدينة «البصرة» كما تتبدى في ألف ليلة وليلة، هي نفس المدينة التي تباشر منها القوات الإنجليزية عملياتها الحربية ضد الأتراك العثمانيين الذين تحالفوا مع ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا. وبنفس هذه النبرات «التناصية»، يقارن الراوي مشاهدته للبارون «دي شارلي» وهو يجلد في أحد مواخير باريس، بما جاء في حكاية الحمال والثلاث بنات من عملية الجلد التي تتعرض لها الكلبة بالسياط بعد أن تحولت بفعل السحر عن صفتها البشرية.
ويقال إن بروست كان ينفي دائما أنه قصد أن يقدم كتابا يضارع به كتاب ألف ليلة وليلة، بيد أنه يذكر في آخر روايته أنه «ليس بوسع المرء أن يخلق صورة جديدة مما يحب إلا عن طريق نبذه جانبا؛ ولهذا فإن كتابي، مع أنه في طول وضخامة كتاب ألف ليلة وليلة، حري أن يكون مختلفا تماما عنه.» ويضيف «روبرت إروين»، الذي اعتمدت عليه في هذا القسم «البروستي»: «إن الراوي في «البحث عن الزمن الضائع»، بنبذه الروايات المحببة إليه في طفولته من أجل التوصل إلى الحقيقة، قد كتب بالفعل (ويا للمفارقة العجيبة!) كتاب ألف ليلة وليلة جديدا يناسب الزمان الذي عاش فيه.» (4) إدجار ألان بو
أسهم إدجار ألان بو (1809-1849م) في معظم الأنواع الأدبية، فقد كتب في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي والمقالة الصحفية، كما أن الجميع يجمع على أنه أول من كتب الرواية البوليسية الحديثة، وله أيضا إسهامات في قصص الخيال العلمي وقصص الأشباح والرعب. وقد سار بو في طفولته وصباه المسار نفسه لمعظم الناس في الغرب من قراءة حكايات ألف ليلة وليلة ضمن الكتب التي كانت قراءة شائعة منذ صدور ترجماتها الفرنسية والإنجليزية في أوائل القرن الثامن عشر. ولا عجب بعد ذلك أن يكون له بعض الإسهام فيما يتعلق بألف ليلة وليلة، فله قصة ذات شأن بعنوان «الحكاية الثانية بعد الألف لشهرزاد». وتدل القصة على مدى ألفة بو بألف ليلة وليلة وتأثيرها عليه. وقبل ذلك، أصدر بو مجموعة قصصية عنوانها «حكايات الغرائب والأرابيسك»، ورغم عنوانها، فليس فيها شيء عربي، وربما قصد المؤلف من ذلك العنوان أنه قد صاغ القصة في تصميم دقيق يماثل تصميم الزخارف العربية المدعوة في الغرب بالأرابيسك. وقصته عن ألف ليلة فيها ذلك الجهد في الصياغة الدقيقة ذات الدلالة، فهي تبدأ بداية خيالية أدبية مألوفة، بقول المؤلف إنه قد عثر على كتاب مجهول اسمه «إيزيتورنوت» يحتوي على خاتمة مختلفة لكتاب ألف ليلة وليلة كما نعرفها. وقبل أن يذكر النهاية التي وردت في ذلك الكتاب الشرقي المجهول، يعرض لحكاية الإطار بين شهرزاد وشهريار والوزير، بطريقة مبتكرة ساخرة. ثم يمضي فيذكر أنه بعد أن عفا السلطان عن شهرزاد وعاشا في تبات ونبات، خطر لشهرزاد أن تبين أنها قد أخطأت في حق حكاياتها إذ اختصرت رحلات السندباد البحري، ولم تذكر بقية رحلات عجيبة قام بها. ثم تتطوع، في الليلة الثانية بعد الألف، كي تصلح ذلك الخطأ، وتبدأ حكاية جديدة على لسان السندباد، عن رحلة جديدة يقوم بها. وفي تلك الرحلة، يتوجه السندباد إلى شاطئ البحر مع تابع له من الحمالين في انتظار سفينة تحمله إلى مكان آخر، فيفاجآن بجسم حديدي ضخم يقترب منهما، وإذا هو أشبه بوحش خرافي، تضطرم النيران داخله ودمه مجبول من النار، وهم من صنع شيطان رجيم يسلطه على الناس، وجعل فوقه مخلوقات جرثومية لها شكل الآدميين تنخسه وتؤلمه على الدوام فلا يهدأ ولا ينام حتى يؤدي المهام الشريرة التي أوكلها له الشيطان. وخرجت تلك المخلوقات الجرثومية إلى الشاطئ وأسرت السندباد وقيدته وحملته فوق جسد الوحش البحري، بينما هرب خادمه بعيدا. ويحاول السندباد التفاهم مع تلك المخلوقات، إذ هم يبحرون في عرض البحر، ويتعلم منهم بعض كلماتهم ويعلمهم بعض كلماته، مما أوجد بعض الألفة فيما بينهم.
وتمضي شهرزاد في وصف الرحلة على لسان السندباد، وحين تنحرف القصة كي تذكر أشياء خرافية غير معقولة، يبدأ السلطان في الهمهمة والتعجب، وهذا من سخرية المؤلف ألان بو، فما يحدث في الرحلة الجديدة ليس بأعجب مما حدث في رحلات السندباد السبع السابقة، ولكن بو يجمع في عجائبه كل الغرائب الحديثة، بل ويتنبأ بأشياء من الخيال العلمي تم اختراعها بعد ذلك، كالغواصة والآلة الحاسبة ولاعب الشطرنج الآلي وآلة التصوير البدائية. ويرى القارئ ثورة السلطان تتصاعد رويدا رويدا بينما شهرزاد تتدفق بوقائع زيارة السندباد على ظهر الوحش البحري وبرفقة المخلوقات الغريبة لعوالم مختلفة، من غابات أشجار حجرية، وبحيرة في قاع المحيط تنمو بداخلها أشجار دائمة الخضرة، وممالك غريبة تعمل فيها النحلات والطيور عمل رجال الهندسة والحساب والرياضيات، وأخرى فيها أسراب طيور يبلغ طولها مئات الأميال، وقارة بحالها مترامية الأطراف ولكنها تقوم على قرون بقرة زرقاء اللون لها أربعمائة قرن. ويعبر الوحش البحري وعلى ظهره السندباد والمخلوقات الجرثومية القارة من بين سيقان تلك البقرة إلى بلاد صديقه الجرثومي الآدمي، فيجد أنها تعمر بالسحرة التي تنخر الديدان دوما في عقول أهلها فتحفزهم بذلك على العمل والاختراع على الدوام دون كلل، فاخترع واحد منهم شيئا أشبه بالروبوت الآلي الذي يلعب الشطرنج بمهارة تمكنه من أن يغلب أي شخص في العالم، عدا الخليفة العظيم هارون الرشيد! واخترع آخر مخلوقا يمكنه إجراء العمليات الحسابية المعقدة في لحظة واحدة (الآلة الحاسبة والكمبيوتر)، وآخر بإمكانه طباعة آلاف النسخ من الكتاب الواحد في لحظات (آلات النسخ). ولا يستطيع الخليفة في النهاية صبرا على سماع ذلك، فيأمر شهرزاد بالصمت، وأن تذهب للقاء حتفها خنقا. وتذهب شهرزاد إلى قضائها في استسلام، ولا يشغل بالها وهي تحت آلة الخنق إلا الخسارة العظيمة التي حاقت بزوجها المتوحش؛ إذ حرم نفسه من بقية الحكايات التي كانت ستقصها على مسامعه عن الرحلات الأخرى للسندباد!
والطريف في قصة ألان بو هو تناول المؤلف لقصته، فهو، إلى جانب النواحي الغرائبية فيها، يقدمها على أساس من السخرية والتفكه، فهو يعلق في حواش على ما يرد في القصة تعليقات تشبه الحواشي الأكاديمية، مثلما يفعل عند ذكر غابات الأشجار الحجرية، حين يذكر بكل جدية وجود أبحاث تؤكد وجود مثل تلك الغابات، وأشهرها في مدينة السويس القريبة من القاهرة في مصر! وقمة الطرافة هي ضيق شهريار من مبالغات حكاية سندباد الإضافية، رغم أن رحلاته السابقة بها ما هو أغرب وأعجب، ونالت استحسان السلطان وقتها، بينما هو يصيح في نهاية قصة بو قائلا: «أتظنين أنني أبله؟» أي كي يصدق تلك الأحداث! ولا عجب أن مصنفي قصص إدجار ألان بو يضعون هذه القصة الآن في باب تحت عنوان «قصص الفكاهة والسخرية» عند إدراجها ضمن قصص الشرق أو الأرابيسك أو القصص الخيالية. (5) موضوعات أخرى
نامعلوم صفحہ