ألقى بمرآة فكري شمس صورته
فعكسها شب في أحشائي اللهبا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد
أجرى بقيته في ثغره شنبا
ماذا ترى في محب ما ذكرت له
إلا شكى أو بكى أو حن أو أطربا
يرى خيالك في الماء الذلال إذا
رام الشراب فيروى وهو ما شربا
وأنشدت أيضا:
سكرت من لحظه لا من مدامته
ومال بالنوم عن عيني تمايله
فما السلاف سلتني بل سوالفه
وما الشمل شلتني بل شمائله
فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض مغشيا عليها، فلما نكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت إليها بحلة وألبستها إياها، فقال الخليفة لجعفر أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثر الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين، فقال جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطا وهو أن لا نتكلم فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فأخذت العود وأسندته إلى نهدها، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول:
إن شكونا الهوى فماذا تقول
أو تلفنا شوقا فماذا السبيل
أو بعثنا رسلا نترجم عنا
ما يؤدي شكوى المحب رسول
أو صبرنا فما لنا من بقاء
بعد فقد الأحباب إلا قليل
ليس إلا تأسفا ثم حزنا
ودموعا على الخدود تسيل
أيها الغائبون عن لمح عيني
وعم في الفؤاد مني حلول
هل حفظتم لدى الهوى عهد صب
ليس عنه مدى الزمان يحول
أم نسيتم على التباعد صبا
شفه فبكم الضنى والنحول
وإذا الحشر ضمنا أتمنى
من لدن وبنا حسابا يطول
فلما سمعت المرأة الثانية. شعر الدلالة شقت ثيابها. كما فعلت الأولى. وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشيا عليها، فقامت الدلالة وألبستها حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست على سرير وقالت للدلالة غني لي لا في ديني فما بقي غير هذا الصوت فأصلحت الدلالة العود وأنشدت هذه الأبيات:
فإلى متى هذا الصدود وذا الجفا
فلقد جوى من أدمعي ما قد كفى
كم قد أطلت الهجر لي معتمدا
إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى
لو أنصف الدهر الخؤون لعاشق
ما كان يوم العواذل منصفا
فلمن أبوح بصبوتي يا قاتلي
يا خيبة الشاكي إذا فقد الوفا
ويزيد وجدي في هواك تلهفا
فمتى وعدت ولا رأيتك مخلفا
يا مسلمون خذوا بنار متيم
ألف الشهادة لديه طرف ما غفا
أيحل في شرع الغرام تذللي
ويكون غيري بالوصال مشرفا
ولقد كلفت بحبكم متلذذا
وغدا عذولي في الهوى متكلفا
فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على الأرض مغشيا عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من قبلها فقال الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكيمان، فقد تكدر مبيتنا هنا بشيء يقطع الصلب فالتفت الخليفة إليهم وقال لهم لم ذلك قالوا قد اشتغل سرنا بهذا الأمر فقال الخليفة أما أنتم من هذا البيت، قالوا لا ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله ما رأيت هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه.
صفحہ 25