فالتفت الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابسا في كفه جلدا فأخذ الطاسة في قبة البازي وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه وإذا بالبازي لطش الطاسة فقلبها، فأخذ الملك الطاسة ثانيا، وملأها وظن أن البازي عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانيا وقلبها فغضب الملك من البازي وأخذ الطاسة ثالثا وقدمها للحصان فقلبها البازي بجناحه فقال الملك الله يخيبك يا أشأم الطيور وأحرمتني من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم ضرب البازي بالسيف فرمى أجنحته.
فصار البازي يقيم رأسه ويقول بالإشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك عينه فرأى فوق الشجرة حية والذي يسيل سمها فندم الملك على قص أجنحة البازي ثم قام وركب حصانه وسار ومعه الغزالة حتى وصل الملك على الكرسي والبازي على يده فشهق البازي ومات فصاح الملك حزنا وأسفا على قتل البازي، حيث خلصه من الهلاك، هذا ما كان من حديث الملك السندباد.
فلما سمع الوزير كلام اللمك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن وما الذي فعلته من الضرورة ورأيت منه سوء إنما فعل معك هذا شفقة عليك وستعلم صحة ذلك فإن قبلت مني نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص وكان له وزيرا، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يوما من الأيام، إلى الصيد والقنص وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعا فنظر إلى وحش كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك، حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية، وتحير ابن الملك فلم يعرف أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق وهي تبكي فقال لها ابن الملك من أنت: قال بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فأدركني النعاس، فوقعت من فوق الدابة ولم أعلم بنفسي فصرت حائرة.
فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر جابته وأردفها وسار حتى مر بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيد أريد أن أزيل ضرورة فأنزلها إلى الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فإذا هي غولة وهي تقول لأولادها يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها أتينا به يا أمنا نأكله في بطوننا.
فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعد فرائضه وخشي على نفسه ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك خائفا، فقال لها أن لي عدوا، وأنا خائف منه فقالت الغولة إنك تقول أنا ابن الملك قال لها نعم، قالت له مالك لا تعطي عدوك شيئا من المال، فترضيه به، فقال لها أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم فقالت له: إن كنت مظلوما كما تزعم فاستعن بالله عليه بأنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه.
فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، إذا دعاه ويكشف السوء انصرني على عدوي واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير فلما سمعت الغولة دعاءه، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدثه بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح القتلات، وإن كنت أحسنت إليه وقربته منك فإنه يدبر في هلاكك، أما ترى أنه أبراك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك، فلا تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضا.
فقال الملك يونان: صدقت فقد يكون كما ذكرت أيها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوسا في طلب هلاكي، وإذا كان أبرأني بشيء أمسكته بيدي فإنه يقدر أن يهلكني بشيء أشمه، ثم إن الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير كيف العمل فيه، فقال له الوزير: أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه، فإن حضر فاضرب عنقه فتكفي شره وتستريح منه واغدر به قبل أن يغدر بك، فقال الملك يونان صدقت أيها الوزير ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم، فحضر وهو فرحان ولا يعلم ما قدره الرحمن كما قال بعضهم في المعنى:
يا خائفا من دهره كن آمنا
وكل الأمور إلى الذي بسط الثرى
إن المقدر كان لا يمحى
ولك الأمان من الذي ما قدرا
وأنشد الحكيم مخاطبا قول الشاعر:
إذا لم أقم يوما لحقك بالشكر
فقل لي إن أعددت نظمي مع النثر
لقد جددت لي قبل السؤال بأنعم
أتتني بلا مطل لديك ولا عذر
صفحہ 13