والخامسة في سورتي طه والأعراف فجاءت هذه القصص بكرامة الوحي الإلهي منزهة عن كل خرافة وكفر وعن كل ما ينافي قدس الله وقدس أنبيائه. جارية على المعقول. منتظمة الحجة. شريفة البيان. وذلك مما يقيم الحجة ويوجب اليقين بأنه لا يكون إلا من وحي الله ولا يكون من بشر بما هو بشر مثل رسول الله الذي لم يمارس تعلما في المعارف الإلهية ولم يتخرج عن مدرسة ولم يترب إلا بين اعراب وحشيين وثنيين على أوحش جانب من الوحشية والوثنية. بل لو مارس جميع التعاليم وتخرج من جميع الكليات لما امكنه ان يتنزه وينزه معارفه وكلامه من أمثال هذه الخرافات الكفرية.
لم يكن في ذلك العصر وما قبله إلا تعاليم اليهود والنصارى. وأساسها في الديانة مبني على ما أشرنا اليه من خرافات التوراة الرائجة فهم عكوف عليها في عبادتهم ومواسمهم وتعاليمهم ومدارسهم. أو تعاليم الوثنيين ومنهم قومه. تلك التعاليم الجهلية الخاسئة. او تعاليم المجوس المتشعبة من كلا التعليمين المذكورين فإنه صلوات الله عليه لو كان أخذ القصص المذكورة من ذات التوراة الرائجة بالإتقان أو من الروحانيين المسيطرين على تعليمها وأراد أن يتقول بها على الوحي تزلفا أو مخادعة لهم ليستجيبوا إلى اتباع دعوته لأتى بها على ما في التوراة من الخرافة والكفر. ولو كان أخذها سطحيا من أفواه الرجال كما يأخذ الأمي من ألسن العامة لزاد عليها أضعاف خرافاتها وكفرها كما تستلزمه وتوجبه أميته وتربيته وجهل قومه وبلاده ووحشيتهم ووثنيتهم لكن (إن هو إلا وحي يوحى) إلى رسول لا تأخذه في تبليغ الحقائق لومة لائم أو مخالفة أمم. فانظر إلى تفصيل ذلك في الجزء الأول من الرحلة المدرسية (1) وعلى هذا النحو يجري الكلام فيما ذكر في العهد القديم الذي يعده أهل الكتاب من الوحي الصادق حيث نسب إلى أيوب أشنع الاعتراض على الله والجزع من قضائه ونسبة الظلم اليه جل وعلا وطلب المحاكمة معه حتى انه صار يوبخ واعظيه والناهين له عن هذه الجرأة ويسفه رأيهم. ونسب الزنا إلى داود بأشنع وجه. ونسب إلى سليمان انه تمادى في تأييد الشرك بالله والعبادة الأوثانية وكثر منه بناء المباني لعبادة الأوثان. وقد كثرت مصائب الأناجيل في القدح بقدس المسيح مع صغر حجمها وقلة مكتوبها فنسبت الى قدسه شرب الخمر وتكرر الكذب والأحوال المنافية للعفة وانتهاره لوالدته وقدحه في قداستها والقول بتعدد
صفحہ 10