بل ينادي هو بنفسه في كل زمان ومكان (هذا جناي وخياره فيه) وكله خيار فائق متفوق «ومن ذلك» انه بنفسه ولسانه وصريح بيانه قد تكفل بالاثبات لجميع المقدمات التي تنتظم منها الحجة على الرسالة الخاصة وشهادة اعجازه لها. ولم يوكل أمر ذلك الى غيره مما يختلج فيه الريب وتعرض فيه الشبهات وتطول فيه مسافة الاحتجاج وتكثر صعوباته : فالتفت واعرف ذلك من أمور
(الأول) انه تكفل ببيان دعوى النبي للنبوة والرسالة كما في سائر النبوات
(الثاني) انه تكفل في صراحة بيانه بالشهادة للنبوة والرسالة فلم تبق حاجة لدلالة العقل ودفع الشبهات عنها
(الثالث) انه تكفل في صراحته المتكررة ببيانه لكمالات مدعي رسالته وأطرى بصلاحه وأخلاقه الفائقة كما هو معروف. فمهد المقدمات اللازمة في البيان وصورة الاحتجاج بانه لو كان كاذبا لكان ظهور المعجزة له من الإغراء بالجهل القبيح الممتنع لقبحه على جلال الله وقدسه تعالى شأنه. وإليك فاسمع بعض ما جاء في القرآن في بيان هذه الأمور الثلاثة. ففي سورة الأعراف «157 : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) وسورة النجم المكية من الآية الثانية الى الخامسة ( ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وفي سورة الفتح «29 : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) وفي سورة الأحزاب «40 : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) وفي أوائل سورة القلم المكية ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم ) الى قوله تعالى ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) وقوله تعالى ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) وفي سورة الأعراف «156 : ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) وفي سورة الأحزاب «44 : و45 ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ) (الأمر الرابع) انه تكفل بنفسه دفع الموانع عن الرسالة والنبوة إذ بين مواد الدعوة وأساسياتها ومعارفها وقوانينها الجارية بأجمعها على المعقول من عرفانيها وأخلاقيها واجتماعيها وسياسيها فلا يوجد فيها ما يخالف المعقول ليكون مانعا عن النبوة وفي سورة الاسراء المكية «9 : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ودونك القرآن الكريم وحقق وتبصر وتنور فيما تضمنه من هذه المواد الشريفة ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )
صفحہ 6