94

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

ایڈیٹر

علي معوض وعادل عبد الموجود

ناشر

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1418 ہجری

پبلشر کا مقام

بيروت

( وفاة الإمام الغزالي)

ولما استقرَّ به المُقَامُ في ((طُوس))، بعْدَ هذه الرِّحْلاَتِ والتنقُّلات الحافلةِ بالعَطَاءِ المتدفّق، والمليئَةِ بالثَّرَاء المتجدِّد - وزَّع أوقاتَهُ - رضي الله عنه - في آخِرِ حياتِهِ علَى وظائِفَ؛ مِنْ ختْمِ القرآن، ومجالسَةِ أَصْحَابِ القُلُوب، والتدْرِيسِ لطَلَبَةِ العِلْمِ، وإِدامَةِ الصَّلاة، والصِّيَامِ، وسَائِرِ العَبَادَاتِ، إلى أنٍ انتقَلَ إلَى رَحْمَة الله تعالَى ورضْوانِهِ، طَيِّبَ الثَّنَاءِ، أعلَى منزلةً من نَجْمِ السَّمَّاء، لا يكرهُهُ إلا حاسدٌ أو زنديقٌ، ولا يسومه بسُوءٍ إلاَّ حَائِدٌ عن سَوَاءِ الطَّريقِ؛ يُنْشِدُهُمْ لسانُ حالِهِ: [البسيط]

وَإِنْ تَكَّفَني مِنْ شَرِّهِمْ غَسَقٌ .. فَالْبَدْرُ أَحْسَنُ إِشْرَاقاً مَعَ الظُّلَمِ

وَإِنْ رَأوْا بَخْسَ فَضْلِى حَقَّ قِيمَتِهِ .. فَالدُّرُّ دُرِّ وَإِنْ لَمْ يُشْرَ بِالقِيَمِ

وهكذا أَنْطَفَأْ النَّجْمُ الذي لَاحَ من سَمَاءِ العلْمِ، بعْدَ أنْ أضَاءَ لِلْخَلْقِ كثيراً ممَّا أَظْلَم عَلَيْهِمْ، ورحَلَ عَنْ عَالِمَنَا بعْدَ هذا الصِّرَاعِ الطَّويلِ؛ مع العِلْمِ، وَالْفِكْر، والآَرَاءِ، والمَبَادِىءِ، والكُتُبِ، والتَّدْرِيس، والتَّرْحَال. وكانتْ وفاتُهُ - رحمه الله - بِمدينةِ ((طُوس)) يوْمَ الاثْنَيْنِ، الرَّابعَ عَشَرَ من جُمَادَى الآخِرَةِ، عامَ خَمْسَةٍ وخَمْسِمائَةٍ. ودُفِنَ بِمَقْبُرَةِ الطَّابَرَانِ.

حكى السُّبْكِيُّ في ((طَبَقَاتِه))؛ أنَّ أبا الفَرَجِ بْنَ الجَوْزِيِّ قال في كتابِ ((الثُّبَات عِنْدَ المَمَاتِ)): قال أحْمَد أخو الإمَامِ الغَزَّالِيِّ: لما كان يومُ الاثْنَيْنِ، وقْتَ الصُبْحِ، توضَّأ أخي أَبُو حَامِدٍ، وصَلَّى، وقال: عَلَىَّ بالكَفَنِ، فَأَخَذَه، وقَبَلَهُ، ووضَعَهُ عَلَى عينيْهِ، وقال: سَمْعَاً وطَاعَةً للدُّخُولِ عَلَى المَلِكِ. ثم مَدَّ رِجْلَيْهِ، واستقْبَلَ القِبْلَة، وماتَ قَبْلِ الإسْفَارِ، قَدَّسَ الله رُوحَهُ.

ومِمَّا قيلَ مِنْ شِعْرٍ فِي رِثَائِهِ:

قولُ أبي المُظَفَّرِ الأبيوَزْدِيّ: [البسيط]

بَكَيْ عَلَىْ حُجَّةِ الإِسْلاَمِ حِينَ ثَوَى .. مِنْ كُلِّ حَيٍّ عَظِيمُ القَدْرِ أَشْرَفُهُ

فَمَا لِمَنْ يَمْتَرِي في اللهِ عَبْرَتَهُ .. عَلَى أَبي حَامِدٍ لاَحَ يُعَنِّفُهُ

تِلْكَ الرَّزيَّةُ تَسْتَوْهي قُوَى جَلَدِي .. فَالطّرْفَ تُشْهِرُهُ وَالذَّمْعَ تَنْزِفُهُ

فَمَالَهُ خُلَّةٌ في الزُّهْدِ تَنْكِرُهُ .. وَمَالَهُ شُبْهَةٌ في العِلْمِ تَعْرِفُهُ

مَضَىْ فَأَعْظَمُ مَفْقُودٍ فُجِعْتُ بِهِ .. مَنْ لاَ نَظِيرَ لَهُ في النَّاسَِ يَخْلَّفُهُ

وقَالَ القَاضِي عِبْدُ المَلِكِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المَعَافَى: [الطويل]

بَكَيْتُ بِعَيْنَيْ وَاجِمِ القَلْبِ والِهٍ .. فَتِىَ لَمْ يُوَالِ الحَقَّ مَنْ لَمْ يُوَالِهِ

وَسَيَّيْتُ دَمْعاً طَالَ مَّا قَدْ حَبَسْتُهُ .. وَقُلْتُ لجَفْني: وَالِهِ ثُمَّ وَالِهِ

94