132

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

ایڈیٹر

علي معوض وعادل عبد الموجود

ناشر

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

1418 ہجری

پبلشر کا مقام

بيروت


= شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصِرَتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله ﷺ - على فخذي، فقام رسول الله، وحين أصبح على غير ماء، فأنزل الله عز وجل آية التَّيمُّم: ((فتيمَّمُوا)).

قال أُسَيْدُ بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته، رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم، فقال أُسَيْدُ بن الحضيرِ: ﴿جَزَاكَ اللهِ خَيْرَاً، فوالله مَا نَزلَ بِكِ أَمرٌ قَطُ إلَّا جَعَلَ اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرِجاً، وجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بركة﴾

والسِّرُّ في ذلك يرجع إلى أمور:

الأول: أن الله - سبحانه وتعالى لمّا علم من النفس الأمارة الكَسَل، والميل إلى تركِ الطَّاعَةِ، والعبادة، شَرَعَ لها التيمُّم عند عدم الماء، لئلاّ تعتاد ترك العبادة، فيصعب عليها مُعَاودتها عند وجوده.

الثاني: ما فيه من التَّذَلُّلِ والانكسار، وتهذيب النَّفْسِ وخضوعها بقبولها تعفير أشرف عُضْوٍ في الإنسان، وهو الوجه بأخسِّ الأشياء، وهو التراب.

الثالث: ما فيه من نعمة التخفيف، والترخيص، وعدم الحَرَج والضيق المشار لها بقوله تعالى: ﴿ما يُريدُ الله ليجْعَلَ عَلَيْكُمْ من حَرَجٍ ولكن يُريّدُ ليطهِّرَكُمْ ولِيِتُمَّ نعْمَتَهُ عَلَيْكُمَْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي: ما يريد الله بمشروعية التيمم لكم، ليجعل عليكم من حَرَجِ أي: ضيْقٍ، فلذا سهَّلَ لكم، ولم يُعَسِّر عليكم، بل أباح لكم التيمم عند المرض، وعند فقد الماء؛ تؤْسِعَةً عليكم ورحمةً بكم، ولكن يريد ليطهِّرَكم من الذنوب، وليتم بذلك نعمته عليكم بالتخفيف، ودفع الحرج والضيق عنكم لعلكم تشكرون هذه النعمة بطاعتكم إياه فيما أمركم به، ونهاكم عنه.

وإنما خصّ الله الصَّعيد بالتيمم، فجعله مطهراً بَدَلَ الماء، لكونهما أخوين؛ إذ بهما حياة كل حيوان ونبات، وهما أعم الأشياء وجوداً، وأسهلها تناولاً.

واقتصر فيه على الوجه، واليدين؛ لأن هذين العضوين هما اللَّذَانِ ينّزههما الإنسان غالباً عن مُلاَمَسةِ التراب، زيادةً عن غيرهما.

ففي مسحهما بالتراب بعض الذِّلَّة والانكسار للنفس، وأيضاً إن وضع التراب على الرأس مَكْرُوهٌ، في المعتاد؛ بما كانت تفعله الجاهلية عند المصائب والنوائب.

والرِّجْلاَنِ محل مُلاَسَة التراب غالباً، فلا يظهر في مسحهما الذُّلَّةُ والانكسار.

ولم يفرّق بين بدل الغَسْلِ، وبدل الوضوء ويشرع التموُّغ بدل الغسل، لأن التمرُّغ فيه بعض الحَرَجِ، فلا يصلح رافعاً للحرج بالكلية.

والدليل على مشروعيته الكتاب والسُّنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: ((وإن كنتم مرضى أو على سَفَرٍ أو جاءَ أحد منكم من الغائِطِ أو لاَمَسْتُم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صَعِيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه﴾ فإن الله تعالى أمرنا بالتيمم في قوله تعالى ((فتيمموا صعيداً طيباً) وكل ما أمرنا الله به، فهو مشروع، فالتيمُّم مشروع.

وأما السُّنة: فأحاديث كثيرة؛ منها حديث البخاري: أن النبيِ ﷺ - قال: ﴿جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً﴾ فإن النبي ﷺ قد بيَّن في هذا الحديث أن الله جعل لنا الأرض مطهرة، فيصح التيمُّم عليها.

وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة بأسْرِهَا على مَشْرُوعيته عند عدم الماء.

وهو من خَصَائِصِ هذه الأمة المحمدية، كما يرشد إلى ذلك الحديثُ السَّالف الذكر، وحديث مسلم عن حذَيْفة أن النبي ﷺ قال:

﴿فُضِّلْنَا عَلَى الناسِ بِثَلاَثٍ: جعلت صُفُوفُنا كصُفُوفِ الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تُرْبَتُها لنا طهوراً﴾ فإن الأمم السَّالفة كانت لا تصلي إلا بالوضوء فقط، فكانوا إذا عدموا الماء لا يصَلُّون، حتى يجدوه،

132