Al-Thamar al-Mujtana Mukhtasar Sharh Asma Allah al-Husna fi Daw al-Kitab wa al-Sunnah
الثمر المجتنى مختصر شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
ناشر
مطبعة سفير
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الثمر المجتنى
مختصر شرح أسماء الله الحسنى
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد:
فقد طلب مني بعض المحبين للخير أن أختصر كتابي «شرح أسماء الله الحسنى»؛ ليستفيد منه عامّة الناس، ويُقرأ على المصلِّين بعد الصلوات؛ فأجبته لذلك، واقتصرت على شرح أسماء الله الحسنى، ومَن أراد الزيادة، فليرجع إلى الأصل.
ولا شك أن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تُحدُّ بعددٍ، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي
1 / 3
مرسل، كما في الحديث الصحيح: «أسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» (١)، فجعل اسماءه ثلاثة أقسام:
قسم سمّى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته أوغيرهم، ولم ينزل به كتابه.
وقسم أنزل به كتابه، فتعرف به إلى عباده.
وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يطلّع عليه أحد من خلقه؛ ولهذا قال: «استأثرت به»، أي: انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالتسمي به؛ لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه، ومن هذا قول النبي ﷺ في حديث الشفاعة: «فيفتح عليّ من محامده بما لا أحسنه الآن» (٢)، وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته.
_________
(١) أخرجه أحمد، ١/ ٣٩١، وأبو يعلى، ٩/ ١٩٨ - ١٩٩، برقم ٥٧٢٩، والحاكم،
١/ ٥٠٩ - ٥١٠، وابن السني في يعمل اليوم والليلة، برقم ٣٣٩ - ٣٤٠، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني، انظر: تخريج الكلم الطيب، ص ٧٣.
(٢) أخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، برقم ١٩٣، ١٩٤.
1 / 4
ومنه قول النبي ﷺ: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (١)، وأمّا قوله ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة» (٢)، فالكلام جملة واحدة، وقوله: «من أحصاها دخل الجنة» صفة لا خبرمستقبل، والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، وهذا كما تقول: لفلان مائة مملوك قد أعدّهم للجهاد، فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدّون لغير الجهاد، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه (٣).
واللهَ أسألُ أن يجعل هذا المختصر خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم ٤٨٦.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم ٢٧٣٦، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، بابٌ في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم ٢٦٧٧، وقد شرحه ابن حجر في الفتح،
١١/ ٢١٤ - ٢٢٨، والحديث في آخره: «وهو وتر يحب الوتر».
(٣) بدائع الفوائد للإمام ابن قيم الجوزية ﵀، ١/ ١٦٦ - ١٦٧، وانظر أيضًا: فتاوى ابن تيمية، ٦/ ٣٧٩ - ٣٨٢.
1 / 5
به من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلّى الله وسلّم، وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حُرّر في يوم الأربعاء الموافق ١٢/ ٣/ ١٤٢٧هـ
1 / 6
١ - الأوَّلُ، ٢ - والآخِرُ، ٣ - والظَّاهِرُ، ٤ - والباطِنُ
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ (١)، هذه الأسماء الأربعة المباركة قد فسرها النبي ﷺ تفسيرًا جامعًا واضحًا فقال يخاطب ربه: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخرُ فليس بعدك شيء، وأنت الظاهرُ فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» (٢) إلى آخر الحديث، ففسّر كل اسم بمعناه العظيم، ونفى عنه ما يُضاده ويُنافيه. فتدبّر هذه المعاني الجليلة الدّالة على تفرّد الرب العظيم بالكمال المطلق والإحاطة الزمانية في قوله: «الأوّلُ والآخرُ»،والمكانية في «الظاهر والباطن».
«فالأول» يدلّ على أنّ كل ما سواه حادث كائن بعد أنْ لم يكن، ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية، إذ السبب والمسبب منه تعالى.
_________
(١) سورة الحديد، الآية: ٣.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم ٢٧١٣.
1 / 7
«والآخر» يدل على أنه هو الغاية، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألُّهها، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها.
«والظاهر» يدل على عظمة صفاته، واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات على علوّه.
«والباطن» يدلّ على اطّلاعه على السرائر، والضمائر، والخبايا، والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدلّ على كمال قربه ودنوّه. ولا يتنافى الظاهر والباطن؛ لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت (١).
٥ – العَلِيُّ، ٦ - الأعْلَى، ٧ - الْمُتَعَالِ
قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ (٣)،وقال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ (٤)،وذلك دالّ على أن
_________
(١) الحق الواضح المبين، ص٢٥، وشرح النونية للهراس، ٢/ ٦٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٥٥.
(٣) سورة الأعلى، الآية: ١.
(٤) سورة الرعد، الآية: ٩.
1 / 8
جميع معاني العلوّ ثابتة لله من كل وجه.
فله علوّ الذات؛ فإنه فوق المخلوقات، وعلى العرش استوى: أي علا، وارتفع.
وله علوّ القدر: وهو علوّ صفاته وعظمتها، فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ (١).وبذلك يُعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته.
وله علوّ القهر؛ فإنه الواحد القهّار الذي قهر بعزّته وعلوِّه الخلق كلهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكنْ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأهُ الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه (٢).
_________
(١) سورة طه، الآية: ١١٠.
(٢) الحق الواضح المبين، ص٢٦، وشرح النونية للهراس، ٢/ ٦٨.
1 / 9
٨ - العَظِيمُ
قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (١).
الله تعالى عظيم له كلُّ وصف ومعنى يوجب التعظيم، فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه كما ينبغي له، ولا يُحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يُثني عليه عباده.
واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان:
النوع الأول: أنه موصوفٌ بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال أكمله، وأعظمه، وأوسعه، فله العلم المحيط، والقدرة النافذة، والكبرياء والعظمة، ومن عظمته أن السموات والأرض في كفِّ الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن عباس وغيره، وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوْا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٥.
(٢) سورة الزمر، الآية: ٦٧.
1 / 10
يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ (١). وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (٢)، ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ﴾ (٣) الآية. وفي الصحيح عنه ﷺ: «إنَّ الله يقول: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته» (٤) فلله تعالى الكبرياء والعظمة، الوصفان اللذان لا يُقدَّر قدرهما، ولا يُبلَغ كنههما.
النوع الثاني من معاني عظمته تعالى أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يُعظّم كما يُعظّم الله، فيستحق ﷻ من عباده أن يعظِّموه بقلوبهم، وألسنتهم، وجوارحهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته، ومحبته، والذُّلِّ له، والانكسار له، والخضوع لكبريائه، والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته.
_________
(١) سورة فاطر، الآية: ٤١.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٥٥
(٣) سورة الشورى، الآية: ٥.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكبر، برقم ٢٦٢٠.
1 / 11
ومن تعظيمه أن يُتقى حقَّ تقاته، فيُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكَر فلا يُكفَر.
ومن تعظيمه تعظيم ما حرّمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ (٢).
ومن تعظيمه أن لا يُعترض على شيء مما خلقه أو شرعه (٣).
٩ - المَجِيدُ
«المجيد» الذي له المجد العظيم، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه: فهو العليم الكامل في علمه، الرّحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه
_________
(١) سورة الحج الآية ٣٢.
(٢) سورة الحج الآية ٣٠.
(٣) الحق الواضح المبين، ص٢٧ - ٢٨، وشرح القصيدة النونية للهراس، ٢/ ٦٨، وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، لأحمد بن إبراهيم بن عيسى، ٢/ ٢١٤.
1 / 12
وصفاته (١) التي بلغت غاية المجد، فليس في شيء منها قصور أو نقصان (٢)، قال الله تعالى: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ (٣).
١٠ - الْكَبِيرُ
وهو ﷾ الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجلُّ وأعلى.
وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه.
قد مُلئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه (٤)، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ (٥).
_________
(١) الحق الواضح المبين، ص٣٣، وشرح النونية للهراس، ٢/ ٧١.
(٢) شرح النونية للهراس، ٢/ ٧١.
(٣) سورة هود، الآية: ٧٣.
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ٥/ ٦٢٢.
(٥) سورة غافر، الآية: ١٢.
1 / 13
١١ - السَّمِيعُ
قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (١)، وكثيرًا ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر، فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة، والباطنة، فالسميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها سرَّها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد، لا تختلط عليه الأصوات، ولا تخفى عليه جميع اللغات، والقريب منها والبعيد، والسرّ والعلانية عنده سواء ﴿سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ (٢)، ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (٣)، قالت عائشة ﵂: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله ﷺ وأنا في جانب الحجرة،
_________
(١) سورة النساء، الآية: ١٣٤.
(٢) سورة الرعد، الآية: ١٠.
(٣) سورة المجادلة، الآية: ١.
1 / 14
وإنه ليخفى عليَّ بعض كلامها، فأنزل الله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ (١) الآية.
وسَمْعُه تعالى نوعان:
النوع الأول: سَمْعُه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفيّة والجليّة، وإحاطته التامّة بها.
النوع الثاني: سَمْعُ الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ (٢)، وقول المصلي «سمع الله لمن حمده» أي استجاب.
١٢ - البصيرُ
الذي أحاط بصره بجميع المُبصِرات في أقطار الأرض والسموات، حتى أخفى ما يكون فيها، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصّماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة، وسريان القوت في
_________
(١) سورة المجادلة، الآية: ١.
(٢) سورة إبراهيم، الآية: ٣٩.
1 / 15
أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها، وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقَّتها، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك. فسبحان من تحيّرت العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته، ولطفه، وخبرته بالغيب، والشهادة، والحاضر والغائب، ويرى خائنات الأعين، وتقلبات الأجفان، وحركات الجنان، قال تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (١)، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (٢)، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (٣)، أي مطَّلع ومحيط علمه وبصره وسمعه بجميع الكائنات (٤).
_________
(١) سورة الشعراء، الآيات: ٢١٨ - ٢٢٠.
(٢) سورة غافر، الآية: ١٩.
(٣) سورة البروج، الآية: ٩.
(٤) الحق الواضح المبين، ص٣٤ - ٣٦، وشرح النونية للهراس، ٢/ ٧٢.
1 / 16
١٣ - العَلِيمُ، ١٤ - الخَبِيرُ
قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ (١). ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (٢).
فهو العليم المحيط علمه بكل شيء: بالواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة، ونعوته المقدسة، وأوصافه العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتّب على وجودها لو وُجدت. كما قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (٣). وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (٤).
فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها، وإخباره بما ينشأ عنها لو وُجدت على وجه الفرض
_________
(١) سورة الأنعام، الآية: ١٨.
(٢) سورة الأنفال، الآية: ٧٥.
(٣) سورة الأنبياء، الآية: ٢٢.
(٤) سورة المؤمنون، الآية: ٩١.
1 / 17
والتقدير، ويعلم تعالى الممكنات، وهي التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده، فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي والسفلي، لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان، ويعلم الغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، والجليّ والخفيّ. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (١)، والنصوص في ذكر إحاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جدًا لا يمكن حصرها ولا إحصاؤها، وأنّه لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأنّ علوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسبت إلى علم الله اضمحلَّت وتلاشت، كما أن قُدَرَهُم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة إليها بوجهٍ من الوجوه، فهو الذي علّمهم ما لم يكونوا يعلمون، وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين.
_________
(١) سورة الأنفال، الآية: ٧٥.
1 / 18
وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي، وما فيه من المخلوقات: ذواتها، وأوصافها، وأفعالها، وجميع أمورها، فهو يعلم ما كان وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم أحوال المكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يُميتهم وبعد ما يُحييهم، قد أحاط علمه بأعمالهم كلِّها: خيرها وشرها، وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار (١).
والخلاصة أن لله تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان، وبالواجبات، والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي، والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء (٢).
_________
(١) الحق الواضح المبين، ص٣٧ - ٣٨، وشرح القصيدة النونية للهراس، ٢/ ٧٣، وتفسير السعدي، ٥/ ٦٢١.
(٢) تفسير العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀، ٥/ ٦٢١.
1 / 19
١٥ - الحَمِيدُ
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (١).
وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن الله حميد من وجهين:
أحدهما: أنّ جميع المخلوقات ناطقة بحمده، فكل حمد وقع من أهل السموات والأرض الأوّلين منهم والآخرين، وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة، وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضًا ومقدّرًا حيثما تَسَلْسَلَتِ الأزمان واتصلت الأوقات، حمدًا يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي، ويملأ نظير الوجود من غير عدٍّ ولا إحصاءٍ، فإنّ الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة: منها أن الله هو الذي خلقهم، ورزقهم، وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيويَّة، وصرف عنهم النقم والمكاره، فما بالعباد من نعمة فمن الله، ولا يدفع الشرور
_________
(١) سورة فاطر، الآية: ١٥.
1 / 20
إلاّ هو، فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات، وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات.
الوجه الثاني: أنه يُحمد على ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة، فله كلّ صفة كمال وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها، فكلّ صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد والثناء، فكيف بجميع الأوصاف المقدسة، فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله؛ لأنها دائرة بين أفعال الفضل والإحسان، وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه، وعلى شرعه، وعلى أحكامه القدريّة، وأحكامه الشرعيّة، وأحكام الجزاء في الأولى والآخرة، وتفاصيل حمده وما يُحمد عليه لا تُحيط بها الأفكارُ، ولا تُحصيها الأقلام (١).
_________
(١) الحق الواضح المبين، ص٣٩ - ٤٠، وشرح القصيدة النونية للهراس، ٢/ ٧٥، وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد، ٢/ ٢١٥.
1 / 21