Al-Tawheed Awalan Ya Duaa Al-Islam
التوحيد أولا يا دعاة الإسلام
ناشر
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
اصناف
التوحيد أولا
يا دعاة الإسلام
للعلامة
محمد ناصر الدين الألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: ١٠٢) ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء:١) ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب:٧٠-٧١) .
1 / 1
وبعد: فهذه رسالة عظيمة (١) النفع والفائدة للعامة والخاصة؛ يُجيب فيها عالم من علماء هذا العصر وهو فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ونفع به، يجيب فيها على سؤال يدور على ألسنة الغيورين على هذا الدين الذي يحملونه في قلوبهم ويشغلون فكرهم به ليلًا ونهارًا ومجمل السؤال هو:
ما هو السبيل إلى النهوض بالمسلمين وما هو الطريق الذي يتخذونه حتى يمكن الله لهم ويضعهم في المكان اللائق بهم بين الأمم؟
فأجاب العلامة الألباني -نفع الله به - على هذا السؤال إجابة مفصلة واضحة. ولما لهذه الإجابة من حاجة، رأينا نشرها. فأسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يهدي المسلمين إلى ما يحب ويرضى؛ إنه جواد كريم.
_________
(١) أصل هذه الرسالة شريط مسجل ثم كتب، وطبع في مجلة السلفية، العدد الرابع عام ١٤١٩ هـ
1 / 2
التوحيد أولا يا دعاة الإسلام
1 / 3
سؤال: فضيلة الشيخ لا شك أنكم تعلمون بأن واقع الأمة الديني واقع مرير من حيث الجهل بالعقيدة، ومسائل الاعتقاد، ومن حيث الافتراق في المناهج وإهمال نشر الدعوة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض طبقًا للعقيدة الأولى والمنهج الأول الذي صلحت به الأمة، وهذا الواقع الأليم لا شك بأنه قد ولد غيرة عند المخلصين ورغبة في تغييره وإصلاح الخلل، إلا أنهم اختلفوا في طريقتهم في إصلاح هذا الواقع؛ لاختلاف مشاربهم العقدية والمنهجية - كما تعلم ذلك فضيلتكم - من خلال تعدد الحركات والجماعات الإسلامية الحزبية والتي ادعت إصلاح الأمة الإسلامية عشرات السنين، ومع ذلك لم يكتب لها النجاح والفلاح، بل تسببت تلك الحركات للأمة في إحداث الفتن ونزول النكبات والمصائب العظيمة، بسبب مناهجها وعقائدها المخالفة لأمر الرسول ﷺ وما جاء به؛ مما ترك الأثر الكبير في الحيرة عند المسلمين - وخصوصًا الشباب منهم - في كيفية معالجة هذا الواقع، وقد يشعر الداعية المسلم المتمسك بمنهاج النبوة المتبع لسبيل المؤمنين، المتمثل في فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء الإسلام؛ قد يشعر بأنه حمل أمانة عظيمة تجاه هذا الواقع
1 / 4
وإصلاحه أو المشاركة في علاجه.
** فما هي نصيحتكم لأتباع تلك الحركات أو الجماعات؟
** وما هي الطرق النافعة الناجعة في معالجة هذا الواقع؟
** وكيف تبرأ ذمة المسلم عند الله ﷿ يوم القيامة؟
1 / 5
الجواب
يجب العناية والاهتمام بالتوحيد أولا كما هو منهج الأنبياء والرسل ﵈:
بالإضافة لما ورد في السؤال - السابق ذكره آنفًا - من سوء واقع المسلمين، نقول: إن هذا الواقع الأليم ليس شرًّا مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية حينما بعث إليهم نبينا محمد ﷺ؛ لوجود الرسالة بيننا، وكمالها، ووجود الطائفة الظاهرة على الحق، والتي تهدي به، وتدعو الناس للإسلام الصحيح:عقيدة، وعبادة، وسلوكًا، ومنهجًا، ولا شك بأن واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم!.
بناء على ذلك نقول: العلاج هو ذاك العلاج، والدواء هو ذاك الدواء، فبمثل ما عالج النبي ﷺ تلك الجاهلية الأولى، فعلى الدعاة الإسلاميين اليوم - جميعهم - أن يعالجوا سوء الفهم لمعنى " لا إله إلا الله "، ويعالجوا واقعهم الأليم بذاك العلاج والدواء نفسه. ومعنى هذا واضح جدًّا؛ إذا تدبرنا قول الله ﷿ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:٢١) .
1 / 6
فرسولنا ﷺ هو الأسوة الحسنة في معالجة مشاكل المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين، ويقتضي ذلك منا أن نبدأ بما بدأ به نبينا ﷺ وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولا، ومن عبادتهم ثانيًا، ومن سلوكهم ثالثًا. ولست أعني من هذا الترتيب فصل الأمر الأول بدءًا بالأهم ثم المهم، ثم ما دونه! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديدًا كبيرًا، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة، ولعل الأصح أن نقول: العلماء منهم؛ لأن الدعاة اليوم - مع الأسف الشديد - يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة - لا أقول: عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعًا - تلك القاعدة التي تقول: "فاقد الشيء لا يعطيه " فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جدًّا يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة: الدعاة. وأعني بهم: جماعة الدعوة، أو: جماعة التبليغ " ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله ﷿: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: من الآية ١٨٧) .
1 / 7
ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول - أو بالأمر الأهم - من الأمور التي ذكرت آنفًا، وأعني: العقيدة والعبادة والسلوك، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول ﷺ بل بدأ به كل الأنبياء، وقد بيَّنه الله تعالى بقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل: من الآية ٣٦) . فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام - كما هو معلوم لدى المسلمين جميعًا - هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام؛ ألا وهو نوح ﷺ قرابة ألف سنة، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا؛ لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بيَّن الله ﷿ ذلك في محكم التنزيل ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ
1 / 8
وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ (نوح: ٢٣) .
فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي على الدعاة إلى " الإسلام الحق" الاهتمام به دائمًا هو الدعوة إلى التوحيد وهو معنى قوله ﵎: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (محمد: من الآية ١٩) .
هكذا كانت سنة النبي ﷺ عملا وتعليمًا.
أما فعله: فلا يحتاج إلى بحث، لأن النبي ﷺ في العهد المكي إنما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له.
أما تعليمًا: ففي حديث أنس بن مالك ﵁ الوارد في الصحيحين «أن النبي ﷺ عندما أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: " ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك» ....." (١) إلخ الحديث. وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى.
_________
(١) حديث صحيح: رواه البخاري (١٣٩٥) وفي غير موضع، ومسلم (١٩)، وأبو داود (١٥٨٤)، والترمذي (٦٢٥)، كلهم من حديث ابن عباس ﵁
1 / 9
إذًا، قد أمر النبي ﷺ أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد، ولا شك أن هناك فرقًا كبيرًا جدًّا بين أولئك العرب المشركين - من حيث إنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم -، وبين أغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يدعوا إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ لأنهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم، فكلهم يقولون: لا إله إلا الله، لكنهم في الواقع بحاجة أن يفهموا - أكثر - معنى هذه الكلمة الطيبة، وهذا الفرق فرق جوهري - جدًّا - بين العرب الأولين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله ﷺ أن يقولوا: لا إله إلا الله يستكبرون، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم (١) لماذا يستكبرون؟؛ لأنهم يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أندادًا وألا يعبدوا إلا الله، وهم كانوا يعبدون غيره، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله؛ فضلا عن النذر لغير الله، والتوسل بغير الله، والذبح لغيره والتحاكم لسواه....إلخ.
_________
(١) يشير إلى قوله تعالى في سورة الصافات: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴿(الصافات:٣٥-٣٦)
1 / 10
هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها، ومع ذلك كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة - لا إله إلا الله - من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور؛ لمنافاتها لمعنى " لا إله إلا الله ".
1 / 11
غالب المسلمين اليوم لا يفقهون معنى لا إله إلا الله فهمًا جيدًا:
أما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن " لا إله إلا الله " فهم لا يفقهون معناها جيدًا، بل لعلهم يفهمون معناها فهمًا معكوسًا ومقلوبًا تمامًا؛ أضرب لذلك مثلا: بعضهم (١) أَلَّفَ رسالة في معنى " لا إله إلا الله " ففسرها: " لا رب إلا الله!! " وهذا المعنى هو الذي كان المشركون يؤمنون به وكانوا عليه، ومع ذلك لم ينفعهم إيمانهم هذا، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (لقمان: من الآية ٢٥) .
فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقًا لا شريك له، ولكنهم كانوا يجعلون مع الله أندادًا وشركاء في عبادته، فهم يؤمنون بأن الرب واحد ولكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة، ولذلك ردّ الله تعالى - هذا الاعتقاد - الذي سماه عبادة لغيره من دونه بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (الزمر: من الآية ٣) .
_________
(١) هو الشيخ محمد الهاشمي، أحد شيوخ الصوفية «الطريقة الشاذلية» في سوريا من نحو ٥٠ سنة
1 / 12
لقد كان المشركون يعلمون أن قول: " لا إله إلا الله " يلزم له التبرؤ من عبادة ما دون الله ﷿، أما غالب المسلمين اليوم؛ فقد فسروا هذه الكلمة الطيبة " لا إله إلا الله " بـ: " لا رب إلا الله!! " فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله "، وعبد مع الله غيره؛ فهو والمشركون سواء، عقيدة، وإن كان ظاهره الإسلام؛ لأنه يقول لفظة: " لا إله إلا الله" فهو بهذه العبارة مسلم لفظيًّا ظاهرًا، وهذا مما يوجب علينا جميعًا - بصفتنا دعاة إلى الإسلام- الدعوة إلى التوحيد وإقامة الحجة على من جهل معنى" لا إله إلا الله " وهو واقع في خلافها؛ بخلاف المشرك؛ لأنه يأبى أن يقول: " لا إله إلا الله " فهو ليس مسلمًا لا ظاهرًا ولا باطنًا فأما جماهير المسلمين اليوم هم مسلمون؛ لأن الرسول ﷺ قال: «فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى» (١) .
_________
(١) حديث صحيح: رواه البخاري (٢٥) وفي غير موضع، ومسلم (٢٢)، وغيرهم، من حديث ابن عمر ﵄
1 / 13
لذلك، فإني أقول كلمة - وهي نادرة الصدور مني -، وهي: إن واقع كثير من المسلمين اليوم شر مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة؛ لأن المشركين العرب كانوا يفهمون، ولكنهم لا يؤمنون، أما غالب المسلمين اليوم، فإنهم يقولون ما لا يعتقدون، يقولون: لا إله إلا الله، ولا يؤمنون -حقًّا - بمعناها (١)، لذلك فأنا أعتقد أن أول واجب على الدعاة المسلمين - حقًّا - هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بتلخيص، ثم بتفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة بالإخلاص لله ﷿ في العبادات بكل أنواعها؛ لأن الله ﷿ لما حكى عن المشركين قوله: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (الزمر: من الآية ٣)، جعل كل عبادة توجه لغير الله كفرًا بالكلمة الطيبة: لا إله إلا الله؛ لهذا؛ أنا أقول اليوم: لا فائدة مطلقًا من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيبة، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة! نحن نعلم قول النبي ﷺ: «من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه حرم الله بدنه على
_________
(١) يعبدون القبور، ويذبحون لغير الله، ويدعون الأموات، وهذا واقع وحقيقة ما تعتقده الرافضة، والصوفية، وأصحاب الطرق، فالحج إلى القبور وبناء المشاهد الشركية والطواف عليها والاستغاثة بالصالحين والحلف بهم عقائد ثابتة عندهم.
1 / 14
النار» وفي رواية أخرى: «دخل الجنة» (١) . فيمكن ضمان دخول الجنة لمن قالها مخلصًا حتى لو كان بعد لأي وعذاب يمس القائل، والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهذه الكلمة، فإنه قد يعذب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام، ولكن سيكون مصيره في النهاية دخول الجنة، وعلى العكس من ذلك؛ من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذلك لا يفيده شيئًا في الآخرة، قد يفيده في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل إذا كان للمسلمين قوة وسلطان، وأما في الآخرة فلا يفيد شيئًا إلا إذا كان قائلا لها وهو فاهم معناها أولا، ومعتقدًا لهذا المعنى ثانيًا؛ لأن الفهم وحده لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم، وهذه النقطة؛ أظن أن أكثر الناس عنها غافلون! وهي: لا يلزم من الفهم الإيمان بل لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمنًا؛ ذلك لأن كثيرًا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمدًا ﷺ رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة، ولكن مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا ﷿ حين قال: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾
_________
(١) حديث صحيح: رواه أحمد (٥ / ٢٣٦)، وابن حبان (٤) زوائد، وصححه الألباني في الصحيحة (٣٣٥٥)
1 / 15
(البقرة: من الآية ١٤٦) . ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئًا لماذا؟ لأنهم لم يصدقوه فيما يدعيه من النبوة والرسالة، ولذلك فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان، لأن المولى ﷿ يقول في محكم التنزيل: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ (محمد: من الآية ١٩) .
وعلى هذا، فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله بلسانه؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدق وآمن؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفًا، ومنها قوله ﷺ مشيرًا إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفًا: «من قال: لا إله إلا الله، نفعته يومًا من دهره» (١) .
_________
(١) حديث صحيح: صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٩٣٢) وعزاه لأبي سعيد الأعرابي في معجمه وأبي نعيم في الحلية (٥ / ٤٦)، والطبراني في الأوسط (٦٥٣٣)، وهو من حديث أبي هريرة ﵁
1 / 16
أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار - وهذا كرره لكي يرسخ في الأذهان - وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي ولكنه سلم من الشرك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية - والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه - (١)؛ وهو تحت المشيئة، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعَل من المعاصي أو أخلَّ ببعض الواجبات، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة أو يعفو الله عنه بفضل منه وكرمه، وهذا معنى قوله ﷺ المتقدم ذكره: «من قال: لا إله إلا الله، نفعته يومًا من دهره»، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى؛ فهذا لا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، إلا في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس في الآجلة.
_________
(١) هذه عقيدة السلف الصالح، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة
1 / 17
لذلك لا بد من التركيز على الدعوة إلى التوحيد في كل مجتمع أو تكتل إسلامي يسعى- حقيقة وحثيثًا - إلى ما تدندن به كل الجماعات الإسلامية أو جُلها، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله على أيّ أرض لا تحكم بما أنزل الله، هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقق هذه الغاية - التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي- حثيثًا إلى جعلها حقيقة واقعية - إلا بالبدء بما بدأ به الرسول ﷺ. ٥٠
1 / 18
وجوب الاهتمام بالعقيدة لا يعني إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك ومعاملات وأخلاق:
وأعيد التنبيه بأنني لا أعني الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه على أن يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها، بعد أن أتم الله ﷿ علينا النعمة بإكماله لدينه! بل لا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوا الإسلام كُلًّا لا يتجزأ، وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته: أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقًّا بأهم ما جاء به الإسلام، وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله "، أريد أن أسترعي النظر إلى هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى:" لا إله إلا الله "، هو لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط! بل هذه يستلزم أيضًا أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يعبد ربنا- ﷿ بها، ولا يوجه شيئًا منها لعبد من عباد الله ﵎، فهذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضًا بذلك المعنى الموجز للكلمة الطيبة، ويحسن أن أضرب مثلا - أو أكثر من مثل، حسبما يبدو لي - لأن البيان الإجمالي لا يكفي.
1 / 19
أقول: إن كثيرًا من المسلمين الموحدين حقًّا والذين لا يوجهون عبادة من العبادات إلى غير الله ﷿، ذهنهم خالٍ من كثير من الأفكار والعقائد الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة، فكثير من هؤلاء الموحدين يمرون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمن عقيدة وهم غير منتبهين إلى ما تضمنته، مع أنها من تمام الإيمان بالله ﷿، خذوا مثلا عقيدة الإيمان بعلو الله ﷿، على ما خلقه، أنا أعرف بالتجربة أن كثيرًا من إخواننا الموحدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله ﷿ على العرش استوى دون تأويل، ودون تكييف، ولكنهم حين يأتيهم معتزليون عصريون، أو جهميون عصريون، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لا يفهم معناها المُوسوِس ولا المُوسوَس إليه، فيحار في عقيدته، ويضل عنها بعيدًا، لماذا؟ لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرض لبيانها كتاب ربنا ﷿ وحديث نبينا محمد ﷺ، فحينما يقول المعتزلي المعاصر: الله ﷿ يقول: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ (الملك: الآيتان ١٦-١٧) . وأنتم تقولون: إن الله في السماء، وهذا معناه
1 / 20