Al-Takhmeer Sharh Al-Mufassal fi Sun'at Al-I'rab
التخمير شرح المفصل في صنعة الإعراب
تحقیق کنندہ
د عبد الرحمن بن سليمان العثيمين
ناشر
دار الغرب الإسلامي
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٩٩٠ م
پبلشر کا مقام
بيروت - لبنان
اصناف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمد خير خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا دائمًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد رأيت كتاب (المفصل في صنعة الإِعراب) لأبي القاسم الزمخشري من أحسن كتب التراث النحوي المختصرة المفيدة فأردت أن تكون دراستي هذه حول هذا الكتاب فاخترت شرح الخوارزمي المعروف بكتاب: "التخمير" وذلك لأسباب منها:
أولًا: أن الخوارزمي من البيئة التي أنجت الزَّمخشري مؤلف الكتاب الأصلي فهو من أقدر الناس على فهم مقاصده، ومراميه.
ثانيًا: أن المؤلف يحرص كل الحرص على توضيح عبارة المؤلف بالرجوع إلى نسخ متعددة من الكتاب ومنها نسخة المؤلف نفسه ونسخ تلاميذه ويصحح بعض الألفاظ مما سمع عن المؤلف.
ثالثًا: أن مؤلف الكتاب صدر الأفاضل الخوارزمي من النحاة المغمورين فأردت أن أعرف به وبفكره وعلمه لكي يستفاد من دراساته وآرائه الجيدة النافعة.
وقد صدرت الكتاب بدراسة قسمتها إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تحدثت فيه عن حياة المؤلف ومؤلفاته وشعره.
1 / 5
الفصل الثاني: تحدثت فيه عن كتاب (المفصل) وعناية العلماء به وشرحهم له.
الفصل الثالث: تحدثت فيه عن كتاب (التَّخمير) ضبط اسمه، وأجزائه وزمن تأليفه؛ ومصادره وشواهده.
ثم تحدثت عن أثره فيمن بعده ومنهج المؤلف فيه وآرائه الخاصة وردود العلماء عليه ومخالفاته للزمخشري ثم بعد ذلك تحدثت عن منهجه وموقفه من مسائل الخلاف. وعقدت مقارنة بشرح الأندلسي؛ لأنه أوسع شروح المفصل، ومقارنة أخرى بشرح ابن يعيش، لأنه أشهرها .. أما المنهج الذي سرت عليه في تحقيق النص فقد أوضحته في مبحث خاص تحت عنوان؛ (عملي في التحقيق) كما سيأتي.
والله أسأل أن يوفقنا للصواب.
ويجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم … !!!.
وكتبه الفقير إلى الله تعالى
عبد الرحمن بن سليمان العثيمين
مكة المكرمة: ٢١/ ٧/ ١٤٠٢
1 / 6
القِسمُ الأول
مؤلّف الكتَابْ
صَدْر الأفَاضِل الخوَارزمي
(٥٥٥ - ٦١٧ هـ)
حَيَاته وَآثَاره وَكتَابه "التخمير"
وفيه ثلاثة فصول:
1 / 7
الفصل الأول: التّعْريف بِالخَوارزمي
- مصادر ترجمته
- اسمه ونسبه
- مولده ووفاته
- شيوخه
- تلاميذه
- مؤلفاته
- شعره
1 / 9
١ - مصادر ترجمته:
لم يرزق صدر الأفاضل من الشهرة ما يتناسب مع مكانته العلمية، ولا يعرف عن حياته إلَّا اليسير، على الرَغم من أن له نشاطًا واسعًا في التأليف فقد ترك مؤلفات كثيرة في النحو واللغة والأدب والبلاغة والشعر، وانتشر بعض هذه المؤلفات في حياته فتجاوز منطقته التي كان يعيش فيها خوارزم؛ إلى أن صل إلى الشام والعراق.
وقد أغفل كثير من المؤرخين ذكر هذا الإِمام الجليل فلم يترجموا له، ولولا الرحلة التاريخية التي قام بها ياقوت الحموي ٦٢٦ هـ إلى بلاد خراسان وما وراء النهر (خوارزم وما جاورها) وقابل العُلماء في تلك البلاد، وترجم لبعضهم في كتابه؛ (معجم الأدباء) وكان لصاحبنا -الخوارزمي- حظٌّ وافرٌ في هذا الكتاب لما عرفنا عن حياته شيئًا يذكر. وكان اللِّقاءُ بينهما قبيل وفاة الخوارزمي وذلك سنة ٦١٧ هـ، وهو العام الذي اجتاح فيه التتار خوارزم (^١) وذلك أثناء إقامة ياقوت بها فولى هاربًا ونجا بنفسه ووصل إلى إربل في العام نفسه فوصف مشاعره وأحاسيسه وما شاهده من المجازر التي ارتكبها التتار هناك للإِمام ابن المستوفى (^٢).
ثم خرج منها إلى حلب وذكر هذه المشاهد للإِمام القفطي (^٣). وكان
_________
(^١) انظر حوادث سنة ٦١٦ - ٦١٧ هـ في الكامل والبداية والنهاية.
(^٢) تاريخ إربل: ١/ ٣١٩.
(^٣) إنباه الرواة؛ ٤/ ٧٧.
1 / 11
من ضحايا هذا الهجوم صدر الأفاضل ﵀.
استطاع ياقوت أن يظفر بلقاء صدر الأفاضل والاجتماع به في داره بخوارزم فترجم له ترجمة هي من أنفس ما كتب عن حياته وكان ياقوت هو المصدر الأساسي لترجمة الخوارزمي.
وقد استمد منه كل من أتى بعده دون زيادة تذكر.
ولولا هذه الترجمة التي ذكرها ياقوت لأسدل ستار من النسيان على حياته، ولم يعرف عنه شيء، شأن كثير من علماء هذا الإِقليم في هذه الحقبة بالذات، فأكثر المؤرخين الذين كتبوا عن علماء الإِقليم لهذه الفترة - ذهبت مؤلفاتهم أو أغلبها -على الأقل- في حروب التتار (الذين أشعلوا النار في المدارس والمساجد وغيرها من المباني حتى أصبحت بخارى كأن لم تغن بالأمس) (^١).
ولما كانت هذه المعلومات التي أوردها ياقوت لا تكفي لبيان ملامح شخصية الخوارزمي فقد بحثت عن آثاره وعثرتُ على بعضها وقرأتها قراءة كاملة حرفًا حرفًا حتى خرجت منها بمعلومات قد لا تقلّ أهمية عن المعلومات التي أوردها ياقوت. وبذلك استطعت أن أعوض بعض النَّقص، وإن كان هناك تساؤلات في حياة الرجل عن أشياء لا تزال مجهولة وقد تجيب عنها الأيام في بعض المصادر.
أمّا إغفال كثير من المؤرخين للخوارزمي فذلك راجع -في نظري- إلى أنَّ الخوارزمي لم يرحل إلى مراكز الحضارة كبغداد والموصل وحلب ودمشق والقاهرة … ولم يجتمع بعلمائها وأدبائها ومؤرخيها، ولو أنه فعل لعرفوا قدره وأنزلوه منزلته.
وربما كان ما رأوه في كتبه من حدة في الطَّبع وقسوة في الرَّدِّ على العلماء وهجوم على مشاهيرهم جعلهم ينفرون منه، ولعلَّ هذا هو السبب الذي جعل القفطيّ بالذات يغفل ذكره في (إنباه الرواة)، مع أنَّ الإِمام القفطي
_________
(^١) الكامل في التاريخ لابن الأثير: ١٢/ ٢٤٠.
1 / 12
كان يعرفه، إذ أنه رجع إلى (معجم الأدباء) واستفاد منه. فلا بدّ أنه وقف على ترجمته فيه، كما أنّه وقف على شرحه للمفصل (التَّخمير) وانتقده انتقادًا شديدًا كما سيأتي. وكذلك أغفله ابن خلكان، وابن شاكر، والصفدي، وابن العماد وغيرهم.
أمَّا الذين ترجموا له فقد جاءت تراجمهم مختصرة ترجع كلّها إلى ياقوت، والذين ترجموا له هم:
ياقوت الحموي ت ٦٢٦ هـ في معجم الأدباء: ١٦/ ٢٣٨ - ٢٥٣.
وابن الشَّعَّار الموصلي ت ٦٥٤ هـ في عقود الجمان: ٥/ ٢٩٨ - ٣٠١.
والذَّهبي ت ٧٤٨ هـ في تاريخ الإِسلام: وفيات ٦١٧.
والقُرشي ت ٧٧٥ هـ في الجواهر المضية: ٢/ ٧٠٣، ٧٠٤.
والفيروز آبادي ت ٨١٨ هـ في البلغة: ١٤١، والمرقاة الوفية: نسخة مكتبة شيخ الإِسلام رقم ٢٣٧.
وابن قاضي شُهبَة ت ٨٥١ في: طبقات النحاة واللغويين، (الظاهرية رقم: ٣٤٨٦) ورقة: ٤٧٦، والإِعلام له: وفيات ٦١٧ هـ.
وابن قُطلوبَغَا ت ٨٧٩ هـ في تاج التَّراجم: ٥٠.
والسُّيوطيّ ت ٩١١ هـ في بغية الوعاة: ٢/ ٢٥٢، ٢٥٣.
والكَفَوِيّ ت ٩٩٠ في كَتَائب أعلام الأخيار: ورقة ٩٢ (نسخة شهيد علي) رقم: ٢٣٨.
والتَمِيمِيّ ١٠٠٤ هـ في الطَّبقات السَّنية: ورقة ٣٤٥ (نسخة حميدية) رقم ٩٦٩.
والقارِي ١٠١٤ هـ في الطَّبقات: ورقة ٤١ (نسخة أوقاف بغداد) رقم: ٢٣١٨٠.
٢ - اسمه ونسبه:
هو القاسم بن الحسين بن محمد وقيل (^١) أحمد، أبو محمد وقيل أبو
_________
(^١) انظر عقود الجمان: ٥/ ٢٩٨.
1 / 13
الفضل (^١) أيضًا، صدر الأفاضل، مجد الدين الطَّرائِفِيّ الخُوارزمي.
هذا ما ذكرته المصادر عن اسمه ونسبه.
أمَّا (الطَّرائِفِيُّ) فقد ذكرت على غلاف كتابيه (بدائع المُلح) و(التَّوضيح شرح المقامات).
وأوردها الإِمامُ فخرُ الدين الأسفندري ٦٩٨ هـ في كتابه (المقتبس شرح المفصل) (^٢) في مقام رده عليه حيث قال: ما إن رأيت ولا سمعت بفاضل، أطرف من هذا الإِمام الطَّرائفي؟! على سبيل التَّهكُّم.
ولست أعرف على سبيل الجَزم إلى أيّ شيءٍ تَرجعُ هذه النِّسبة؟ وقد ذكر الإِمام السّمعاني في كتابه (التَّحبير في المعجم الكبير) (^٣): رجلًا من شيوخه يسمّى الطرائفي من أهل نيسابور، قال: .. سكن بباب خان الطَّرائفيين. وقال في كتابه (الأنساب) (^٤): نسبة إلى بيع الطُّرف وشرائها، وهي الأشياء المليحة من الخشب.
فلعلّ هذه النِّسبة: (الطَّرائفي) عائدة إلى محلّةٍ كان يسكنها، أو أن أحد آبائه كان يبيع الطُّرف.
أمَّا الخوارزمي فهي نِسبته التي عُرِفَ بها إذ أنه ولد بخوارزم وسكنها ومات فيها كما سيأتي، ولا ندري على وجه التحديد في أيَّةِ مدينةٍ من هذا الإِقليم كانت إقامته، ولم ينص ياقوت الحَموي على المدينة التي سكنها حيث قال: وحضرت بمنزله بخوارزم …
والذي يغلب على ظنّي أنه كان في (الجُرجانيّة) عاصمة الإِقليم، وكثيرًا ما تأخذ العاصمة اسم المنطقة بأسرها.
وهنا لا بدَّ لنا من وَقفَةٍ قصيرة نتعرف خلالها على هذا الإِقليم الذي
_________
(^١) انظر طبقات النحاة … لابن قاضي شهبة: ورقة ٤٧٦، ونسخة نور عثمانية من كتابه "ضرام السقط".
(^٢) المقتبس: ٤/ ١٧٣.
(^٣) ١/ ١٩٤
(^٤) ورقة: ١٦١.
1 / 14
عاش فيه الخوارزمي ونُسِبَ إليه.
خُوارَزم:
ضَبطه البكري في معجمه (^١) فقال: بضم أوَّله، وبالرّاء المُهملة المَكسورة وبالزّاي المُعجمة بعدها ميمٌ، من بلاد خُراسان.
وقالَ ياقوت (^٢): أوله بين الضمة والفتحة والألف مُسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة. هكذا يتلفَّظون به.
وقد ذكرها الحِميَرِيّ في (الرَّوض المِعطار) (^٣) ولم يضبطها، وذكرها ابن عبد الحقّ في (مَراصِد الاطِّلاع) (^٤) فلم يزد على ما قال ياقوت شَيئًا.
وقد حدَّد كثيرٌ من علماء المسلمين في مؤلفاتهم الجُغرافيَّة (^٥) هذا الإِقليم فبعضهم يجعله من إقليم ما وراء النهر (^٦)، وبعضهم يعتبره من إقليم خراسان (^٧)، لذلك لُقِّبَ صدر الأفاضل (بعلّامة خُراسان)، وبعضهم يجعل بعضه من خراسان وبعضه من بلاد ما وراء النهر (^٨).
أمَّا ياقوت الحموي فجعله إقليمًا منقطعًا عن خُراسان وعن ما وراء النهر، عدَّه إقليمًا مستَقِلًا عنهما (^٩).
وإقليم خوارزم الآن من المناطق الإِسلامية التي استولى عليها الاتحاد السوفيتي وضمَّها إليه.
أمَّا لقبه (صدرُ الأفاضل) فقد ذكره كل من ترجم له، وهو مدون على
_________
(^١) معجم ما استعجم: ٢/ ٥١٥.
(^٢) معجم البلدان: ٢/ ٣٩٥.
(^٣) الروض المعطار: ٢٢٤، ٢٢٥.
(^٤) مراصد الاطلاع: ١/ ٤٨٧.
(^٥) انظر مثلًا. المسالك والممالك: ١٦٨ وصورة الأرض: ٣٩٥، وتقويم البلدان: ١٠٥.
(^٦) الأقاليم للأصطخري: ١٥٥.
(^٧) نبذة من كتاب الخراج وصنعة الكتاب لقدامة بن جعفر؛ ٢٤٣، ضمن كتاب (المسالك والممالك).
(^٨) أحسن التقاسيم للمقدسي: ٢٨٤.
(^٩) معجم البلدان لياقوت الحموي: ٢/ ٣٩٥.
1 / 15
كلِّ مؤلفاته التي وقفتُ عليها، وهذا اللَّقب غير مألوف حينذاك عند أهل العراق ولا عند أهل الشام ولا عند أهل مصر … بينما هو مألوف جدًّا عند أهل المشرق؛ خوارزم وخراسان، وغزنة، وما جاورها من البلاد فتجد هناك كثيرًا من الألقاب المشابهة لهذا اللَّقب مثل: شيخ الأفاضل، وحجَّة الأفاضل، وشمس الأفاضل، وصدر الشريعة، وصدر الدين، وصدر الملك، كما يسمون: ذا الفضائل وزين المشايخ ونجم الأئمة وفخر المشايخِ وفخر خوارزم … وهذه الألقاب متداولة كثيرة عند أهل المشرق فإذا جئتَ إلى الشام ومصر والعراق وجدتَ ألقابًا أخرى مألوفة كصلاح الدين وشهاب الدين وركن الدين، وهذه الألقاب جاءت كذلك من اختلاط الثّقافة العربية بالثّقافات الفارسية والتُّركية، أي أنها مُؤثّرات أجنَبِيَّة، حتى إذا بَعُد الإِقليم عن مناطق التأثر بالأعجمية عمومًا اختفت هذه الألقاب.
أمّا في بلاد المغرب والأندلس فلا تكاد تجد من يتلَّقب بمثل هذه الألقاب بل تجدهم يلحون في نسبتهم إلى القبائل العربية سواء أصالة أو ولاء، وذلك هو غالب أمرهم. وفي ترجمة الإِمام أحمد بن يوسف الفهري اللبلي ت ٦٩١ تجدهم يقولون: رحل إلى المشرق ولُقّب هناك: شهاب الدين (^١).
ووجدتُ من يشارك صاحبنا هذا اللَّقب، فهناك:
ناصر بن هادي بن ناصر الحُسيني لقّبَ صدرُ الأفاضِلِ. نحوي غير معروف، له كتاب، اسمه (توشيح العِلَلِ في شرحِ الجُمل) شرح فيه جملَ عبد القاهر الجرجانِي، رأيته في مكتبة (لا له لي) ورقمه هناك: (٣٣١٤).
وابنُ صدرِ الأفاضل البُخاري رأيتُ له كتابًا اسمه (إنسان عَينِ المعاني) في التَّفسير في مكتبة شهيد علي رقم (٧٢).
ورأيت في هامش نُسخة الظَّاهرية من كتاب (طبقات النُحاة واللغويين) لابن قاضي شُهبة الورقة رقم ٥١٠ في تَرجمة ناصر بن أبي المكارم المطرزي
_________
(^١) ملء العيبة: ١/ ١٦١.
1 / 16
قال: ويلقب صدر الأفاضل. وهذا غير صحيح، ولا أعتقد أنّه من كلام ابن قاضي شهبة كما سنوضح ذلك فيما يستقبل.
٣ - مولده ووفاته:
قال ياقوت (^١): سألته عن مولده فقال: مولدي في اللّيلة التاسعةِ من شعبان سنةَ خمس وخمسين وخمسماية.
أمّا وفاته فكانت على يَد التتار أثناء هجومهم على خوارزم شهيدًا في الثاني عشر من ربيع الأول سنة سبع عشرة وستماية (^٢).
رحلاته في طلب العلم:
نصّ (ياقوت الحموي على أنه ولد في خوارزم فيبدو أنه تعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة ثم سافر في طلب العلم إلى البلاد المجاورة، فدخل بخارى كما أخبر عن نفسه حيثُ قال: مضيتُ إلى بخارى طلبًا للعلم. كما أنّه دخل (جُخَنْدَة) قال في اليُمني (^٣): .. كذا سمعتُهُ بجخندة عن طائفةٍ من المُتَصَوِّفَةِ. وقال في الإِيضاح (^٤): أنشدني الأُستاذ العالم فخر الدين الرّازي بـ (جُخَنْدَة). ودخل سَمرقند وألَّف فيها (شرح سقط الزند)، جاء في الإِيضاح (^٥) قوله: أَنشدني بسَمَرقَنْد بعض الأئمة … وفي (ضرام السقط) (^٦) قوله: ومثلها ما حكى لي بعض من دخل الهند ثم خرج إلينا بسَمَرْقَنْد …، كما أنه تجوّلَ في بعض قرى هذه المناطق. قالَ في اليُمني (^٧): خاخستَر بطرح التّاءِ وإبدال الخاءِ من الكاف فهي من قِبالة (درعم) أحد أرباع سمرقند وقد دخلتها.
_________
(^١) معجم الأدباء: ١٦/ ٢٥٠.
(^٢) طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شُهبة: ٤٧٦ والطبقات السَّنية: ٣٤٥.
(^٣) اليمني: وهو أحد مؤلفات صدر الأفاضل ورقة ٢٧.
(^٤) الإيضاح: ورقم ١٨٧.
(^٥) المصدر السابق: ورقة ١٨١.
(^٦) شروح السقط: ١٣٩١.
(^٧) اليمني: ورقة ٣٠.
1 / 17
٤ - شيوخُ الخُوارَزمِيّ:
١ - المطرزي الخوارزمي:
لم يشتهر من شيوخ الخوارزمي إلا الإِمام ناصر الدين وبرهان الدين أيضًا عبد السيد بن أبي المكارم علي المطرزي الخوارزمي. مولده في العام الذي مات فيه الزمخشري ٥٣٨ هـ في شهر رَجب في خُوارَزم، لذلك لُقِّبَ بـ (خليفة الزمخشري)، وهو على مذهبه في المجاهرة بالاعتزال، دخل بَغداد حاجًّا سنة إحدى وستمائة وحدَّث بشيءٍ من مصنفاته. وتوفي في خُوارَزم في يوم الثُّلاثاء الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة عشر وستمائة (٦١٠ هـ). ورثي بأكثر من ثلاثمائة قصيدة. وخَطَّ يده على (شرح أبيات الجمل) لابن سيدة في دار الكتب المصرية على طرة الكتاب يجيز أحد تلاميذه رواية كتابه (الإِيضاح شرح المقامات الحريرية). ألف كتبًا كثيرة منها "المغرب" في شرح ألفَاظ الفقهاء الحنفية، والمصباح في النحو، والإِيضاح شرحٍ المقامات والإِقناع في اللغة ومختصر في النحو غير المصباح رأيتهما معًا في مجلد واحد. وقيل إنه شرح المفصل، أخذ عن تلاميذ الزَّمخشري، ومنهم أبو المؤيد المكي خطيب خوارزم، والبقالي … كما أخذ عن تلاميذ الحريري منهم ابن السجادة البغدادي وعبد الكريم الأنماطي … وغيرهم.
وأخذ عنه الخُوارَزمِّي، وأبو المعالي ابن العَجَمي، وإسماعيل بن الحسين عزيز الدين أبو طالب الحسيني … وغيرهم. وله شعر ذكر جملة منه ابن الشعار في (عقود الجمان) كما ذكر الخوارزمي نماذج منه في (بدائع الملح).
أخباره في سير أعلام النبلاء ١٣/ ١٢٣، والوافي بالوفيات ٢٦/ ١٧١، ١٧٢ وكتاب أعلام الأخيار: ٢١٨، والطبقات السنيّة: ٥٢٣ وانظر: وفيات الأعيان: ٥/ ٣٦٩، ومعجم الأدباء: ١٩/ ٢١٢، ٢١٣، والجواهر المضية: ٢/ ١٩٠، وتاج التراجم: ٥٨، وإنباه الرواة: ٣/ ٣٣٩، وبغية الوعاة: ٢/ ٤٠، وروضات الجنات ٤١/ ٢٢٣.
وقد صرَّح الخوارزمي بقراءته عليه واستفادته منه في (شرح سقط
1 / 18
الزند)، قال في مقدمة شرحه: فصل، أخبرنا بمتن هذا الديوان الأستاذ البارع برهان الدين أبو المظفر ناصر بن أبي المكارم المعروف بابن المطرِّزي قراءة عليه … وفي أثناء شرحه يصفه بـ (الأستاذ البارع) ويدعو له بقوله: (جزاه الله عنّي خَيرًا) انظر الصفحات: ٣٨٠، ٣٩٠، ٧٤٦، ١٣١٤، ١٣٢٨، ١٦١٤، ١٧٢٤، ١٨٢٠، ١٨٧٥، ١٩٥٣. ولم يذكر أحد من العلماء أنه أخذ عن غيره. ولم يذكر ياقوت الحموي شيئًا عن شيوخه. وذكر ابن الشعار المطرزي وقال: وعليه يعتمد في علمه، وهذه العبارة تشعر بأنّه لم يأخذ عن غيره. وهذا غيرُ صحيحٍ. وقال القُرَشِيّ في (الجواهر المضيئة) ٢/ ٧٠٣، تفقّه على أبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي وأخذ عنه علم العربية. ومثله قال الفيروز آبادي في (المرقاة الوفية) وابن قُطلُوبَغَا في (تاج التراجم) والتَّميميّ في (الطبقات السنيّة) والكَفَوِيّ في (كتائب أعلام الأخيار). وزاد أخذ العربية عنه عن الزَّمخشري والصَّحيحُ أنَّ المُطرِّزي لم يأخذ عن الزَّمخشري، إنما أخذ عن المُوفّق المكي، والبَقالي … وغيرهما عن الزمخشري لأنَّ المطرِّزي لم يدركه، وإنما أدرك تلاميذه.
وبعد وقوفي على بعض مؤلفاته وقراءتها تبيَّن لي أن الخوارزمي قرأ على كثير من العلماء إلا أنه لم يصرح بذلك، وتعمّد إخفاءهم لحاجة في نفسه، وهو لا يخفي أسماء شيوخه ليسطو على آرائهم ويدعيها لنفسه، ولذلك نجده يصرح بنسبة الآراء إلى أصحابها بصورة مبهمة كقوله: قال بعضهم، وأخبرني بعض شيوخي، وأخبرني بعض أصحابنا من الأفاضل …
وأنا لا أعرف سببًا لإِخفائه أسماءهم.
٢ - الأنماطيّ:
وبعد بحث طويل تعرّفتُ على من يغلب على ظنّي أنهم من شيوخه: منهم عبد الكريم الأنماطي الذي أثبت الخوارزمي قراءَتَه عليه كتاب (المقامات) للحريري ورواها عنه رواية مسندة إلى مؤلفها أبي محمد القاسم بن علي الحريري (٤٤٦ هـ - ٥١٦ هـ) قالَ في مقدّمة شرحه "التَّوضيح" ورقة ٢٥: أخبرني بمتن المقامات سماعًا وقراءةً الإِمام العالم
1 / 19
الكبير شيخ الخطباء فخر الأئمة أبو المؤيد عبد الكريم بن عبد الواحد الأنماطي .... وفي ورقة: ٣٠ قال: سمعتُ من مسمعي وهو الخَطيب الأنماطي ﵀. ولم أعثر على ترجمته.
٣ - فخرُ الدين الرّازي:
ومنهم الشيخ الإِمام فخر الدين الرَّازِي صاحب التفسير، العالم المشهور، فقد ورد في شرح المقامات (التوضيح): ١٩٧ أنشدني العالم فخر الدين الرَّازي بجخندة لذي الفضائل الأخسيتكي، وأورد ابن الشعار في عقود الجمان: ٥/ ٢٩٩، مقطوعة لصدر الأفاضل في مدح الفخر الرازي قال: أنشدني المؤيد بن محمد الخاصى الخوارزمي، قال أنشدنا أبو محمد لنفسه في الشّيخ فخرِ الدين أبي الفضل الرَّازِي ﵀:
قَد نَسينا قَد نَسينا … حِكمةَ الشيخ ابنِ سِينَا
بإمامِ الرَيِّ صِرنا … مُذ زَمانٍ مُؤْنَسِينَا
إننَّا بعنا حصاةً … واشتَرينَا طُورَ سِينا
والخطيب فخر الدِّين الرَّازِيّ محمد بن عمر ٦٠٦ هـ غني عن التَّعريف. وهو من شُراح المُفَضّل. وشرحه يُسمى (المُحرّر) وقف عليه ياقوت الحموي ٦٢٦ هـ، وابن رُشيد ٧١٠ هـ وأبو حيَّان الأندلسي ٧٥٤ هـ وغيرهم. ثم عثرت على نسخة منه، وهي عندي.
٤ - العارِضُ السَّرَخْسِيّ:
وقد ذكر الخوارزمي في كتابه (اليُمني) شرح اليَمِيني للعُتْبِيّ: ورقة ٨٠ نسخة (رئيس الكتاب) ما يفيد بأنه أخذ عن العارض السّرخسي بسَمَرْقَندَ. صدّرها بقوله: أخبرني …
٥ - رَضِيُّ الدين النَيسابُورِيّ:
وأخذ الخُوَارَزميّ عن من يسميه "الرَّضِيّ" في بخارى فقد ورد في "معجم الأُدباء" عن الخُوَارَزميّ أنه قال: إني مضيتُ إلى بخارى طالبًا
1 / 20
للعلم، وقاصدًا للقراءةِ على الرَّضِيّ … ولعلّ الرَضيّ هذا هو الإِمامُ منشئُ النَّظر رضي الدّين النَيسابُورِيّ الذي قال في مدح الخُوَارزَميّ، ذكره في كتابه: (بدائع الملح) ورقة: ٦٠.
غلبَ مجدُ الدّين عَنّي غَيبةً … عرّضتني لظَني بعدَ هَلَاك
أطلبُ المجد فلا أدركه … وَكَذَا المجد عَسِيرُ الإِدّراك
وذكره في كتابِ "التَّوضيح" شرح المقامات الحريرية في عدة مواضع منها: ١٩، ١٣٠، ١٤٦، ١٦٩ …، كما ذكره في التخمير: ١/ ٢٩١ وفي كل موضع يذكره يسبقه بقوله قال الأستاذ أو حكى لي الأُستاذ إلَّا في (بدائِعِ المُلَح) فإنَّه قال: قال الإِمام ..... لم أقف على ترجمته.
٦ - برهانُ الدِّين الرِّشتَانِيّ المَرغِنَانِيّ:
ويفهم من قصيدة قالها في رثاء الإِمام شيخِ الإِسلام برهان الدّين أبي الحَسَن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل بن الخليل الرِّشتاني المَرغِنَانِيّ ومدح أولاده أنَّ الإِمام كان من شُيوخه حيثُ يقولُ:
وأفقهُ في تَدريسِهِ من مُحَمَدٍ … وأجودُ من كعبٍ وأخطبُ من قُسِّ
والرُّشتاني هذا كانَ مقيمًا بسَمَرْقَنْدَ. ذكر ذلك ابن قاضي شُهبة في ترجمة تلميذه أبي الوحدة شمسِ الأئمَّة البراتيقي في طبقات النحويين: ١/ ١٦٦ وتحرفت في المخطوط والمطبوع إلى الرّشداني. لم أعثر على ترجمته. قال ياقوت في "معجم البلدان": ٣/ ٤٥ (رِشَتان): بكسر الرّاءِ وبعد الشين تاءٌ مثناة من فوقها وآخرها نون من قرى مرغنان … ينسب إليها شيخ الإِسلام بخوارزم المعروف بـ (الرشتانِيّ)
٧ - أفضلُ الدّين الغَيلانِيّ:
ولعل من شيوخه أيضًا أفَضلُ الدّين الغَيلَانِيّ الذي أثنى عليه الخُوَارَزمِيّ بأبياتٍ ذكرها في (بدايع الملح): ٥٥ وهي:
يَقُولونَ رِسطالِيسُ في العلمِ وَاحدٌ … وذا خَطَأ مِنهم فأفضلُ أفضلُ
1 / 21
فلا عَجَبُ أن فاقَهُ وهو آخِرٌ … أَتى بَعدَ أزمانٍ وذلك أوّلُ
فأوَّل ما يَبدو من السَّيفِ مِقبَضٌ … وآخر ما يَبدو فِرِندٌ ومُنصَلُ
والغَيلانِيُّ هذا لم أَقف على تَرجَمَتِهِ أيضًا.
٥ - تلاميذه:
أفنى الخُوارزمي بعد تصدره أكثر وقته في التأليف والتدريس فلم تكن له وظيفة (^١) ولم يكن من المشتغلين بالتجارة (^٢)، وقد ذكر في مقدمة "التَّخمير" أنه حلَّق على كتاب "المُفَصَّل" قريبًا من ثلاثين سنة، ومع ذلك لم يذكر أحد من المؤرخين وأصحاب الطّبقات شيئًا عن تلاميذه. على أننا نعلم أنه لم يقتصر على إقليمه فحسب بل كانت تأتيه المكاتبات من العواق يُسأل فيها عن بعض المسائل النَّحوية والأدبيَّة، فهو يقول في مؤلفاته سألني بعض العِراقية، وكتب إليَّ المواصلة … وما أشبه ذلك.
وياقوت الحَمَوي -الذي يعدّ المصدر الأول في أخباره- لم يذكر أحدًا من تلاميذه ولعلّ لحروب التتار التي راح ضحيتها صدرُ الأفاضل أثرًا في خفاء أسماءِ تلاميذه، وربما قتل أغلبهم في معارك التتار، على أن أخبارالعلماء الذين عاشوا في تلك الأقاليم بعد غزو التتار لها أصبحت قليلةً جدًا في المصادر التاريخية أفقدتنا بذلك حلقة من سلسلة تاريخنا الإِسلامي.
وبعد البحث عثرت على أسماء بعض الأشخاص الذين يغلب على ظني أنهم من طلبته فهم على الأقل من مستجازيه منهم:
١ - موفق الدين أبو المفاخر بن طاهر بن أبي سهل بن طاهر بن عصام بن محمد المفسري الفِرْيَابِيّ. ناسخ كتاب "بدائع الملح" للخوارزمي، أجازه وكتب له بخطه سنة ٥٩٥ كما هو مدون على نسخة الكتاب المذكور.
_________
(^١) معجم الأدباء: ١٦/ ٢٥١.
(^٢) المصدر نفسه.
1 / 22
٢ - الملخي؟ هكذا ولا أعرف عنه شيئًا ذكره ناسخ كتاب "التوضيح" شرح المقامات الحريرية للخوارزمي في هامش ورقة ٣٠ عند إحالة الخوارزمي على كتابه "اليمني شرح اليَمِيني" علق الناسخ بهامش الكتاب بقوله: "اليمني" بسكون الميم وكسر النون بخطّ المصنّف في إجازة مولانا الملخي ﵀.
٣ - الإِمام أبو البركات المبارك بن محمد بن المُستَوفى الإِرْبِلِّي ٦٣٩ هـ ذكر إجازة الخوارزمي له فى أول كتابه "إثبات المُحَصَّل" قال في الورقة رقم ٥: وقالَ صدرُ الأفاضل أبو محمد القاسم بن الحسين بن أحمد الخوارزمي فيما أجاز لي.
٤ - ويظهر من كلام ابن الشَّعَّار الموصلي ٦٤٥ هـ في كتابه "عقود الجمان" (^١)، رواية أبي المُؤيد مُحمّد الخاصّي الخوارزمي عن صدرِ الأفاضل حيث ورد فيه قول ابن الشَّعَّار: وأنشدني أبو المؤَيَّد … قال أنشدنا أبو محمد لنفسه: …
فلعل أبا المؤيّد هذا كان من تلاميذه.
٦ - مؤلفات الخوارزمي:
ألف الإِمام صدر الأفاضل الخوارزمي ما يربو على عشرين مؤلفًا في النحو واللغة والبلاغة والأدب، ولم يؤلف -فيما أعلم- في غير هذه الفنون فهو من العلماء باللغة وآدابها أمَّا العلومُ الشرعيةُ والتاريخ … وغيرها فقد ظهرت آثار معرفته فيها في ثنايا مؤلفاته، وإن لم يخصها بالتأليف فلعله كان ينزع إلى فكرة التخصص، أو يرغب في تأليف ما تمس الحاجة إليه، وما يتطلع إليه طلاب العلم في ذلك العهد في موضوع اللغة وآدابها.
ومؤلفات الخوارزمي منها ما وصل إلينا، ومنها ما فُقد أو اختَفى فلم نعثر له على أثر إلى الآن. لذلك رأيت أن أتحدّثَ عن مؤلفاته مقسمة إلى ثلاثة أقسام:
_________
(^١) عقود الجُمان: ٥/ ٢٩٩.
1 / 23
القسم الأول: مؤلفاته الموجودة التي اطّلعت عليها.
القسم الثاني: مؤلفاته التي لم أطلع عليها ولا أعلم لها وجودًا، ولكن ذكرها هو في مؤلفاته الأخرى، أو وقف عليها العلماء من بعده، ونقلوا منها منسوبة إليه.
القسم الثالث: مؤلفاته التي ذكرت في كتب التراجم التي ترجمت له.
القسم الأول، وفيه خمسة كتب:
١ - " شرح سقط الزند": لأبي العلاء المعري:
واسمه "ضرام السقط" عرفه العلماء، ونقلوا عنه قديمًا وحديثًا، وأثنوا عليه، وهو من أوائل مؤلفاته، أتم تأليفه كما قال في خطبته في أوائل المحرم سنة سبع وثمانين وخمسمائة، والشَّمس في الدّرجة الثانية من الدلو، وكان ذلك بسَمَرْقَنْدَ أعادنا الله إليها. هكذا قال عن زمن تأليفه ومكانه. وعرفه الاسفندري ٦٩٨ هـ ونقل عنه في كتابه "المقتبس" في عدة مواضع منها ٣/ ١٤٨ .. والبغدادي ١٠٩٣ هـ في "خزانة الأدب" ٣/ ٣٧٧، وابن معصوم في "أنوار الربيع" ١/ ٣٧٩ وغيرهم.
و"ضرام السقط" من أوائل كتبه التي طبعت، إذ تمَّ طبعه سنة ١٢٧٦ هـ في مدينة تبريز على هامش (التَّنوير)، ثم أعادت طباعته وزارة الثقافة المصرية، فطبعه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالقاهرة، في مطبعة دار الكتب سنة ١٣٦٤ هـ/١٩٥٤ م مع شرحي الخطيب التبريزي ٥٠٢ هـ، وابن السِّيد البَطليوسي ٥٢١ هـ، وحققها الأساتذة مصطفى السقا، وعبد الرحيم محمود، وعبد السلام هارون، وإبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد، بإشراف الدكتور طه حسين.
وقد وصفت هذه اللّجنة شرح الخوارزمي بأنه يمتاز بعمق غوصه على أسرار معاني أبي العلاء … وهذه الميزة وحدها تكفي دليلًا واضحًا على أهمية الكتاب وخاصة وهو يشرح كلام رجل من عباقرة اللغة وأساتيذها الأجلاء.
1 / 24
وقد ضمن الخوارزمي شرحه كثيرًا من المباحث اللُّغوية واللّفتات البلاغية، والمسائل النَّحوية، والفوائد التاريخية، كما تعرض فيه لمسائل فقهية وعروضية. وذكر جملة من شوارد اللُّغة وأمثال العرب وأشعارها، ونوادر العرب وحكاياتها … كل ذلك وغيره له أمثلة واضحة في متن الكتاب، ونظرًا إلى أنَّ الكتاب مطبوع مشهور فالقارئ الكريم يستطيع أن يرجع فيه إلى كلّ ما ذكرناه.
٢ - كتابُ بَدَائِعِ المُلَحِ:
وهذا الكتاب أيضًا من أقدم مؤلفات الخوارزمي ألفه سنة ٥٩٠ هـ، وأحال عليه في كتابه: "اليُمني شرح اليَمِينِي" ورقة: ٦٩، ونقل عنه الاسفندري في "المقتبس" ٢/ ٩٤.
وقفت على نسخة واحدة من هذا الكتاب فقط، ولا أعرف له نسخة أخرى، وهي محفوظة في مكتبة (لا له لي) في تركيا رقم (١٧٦٠) تقع في (٩٨) ورقة. وهذه النسخة تنقص ورقة من أولها وبها خرم في وسطها. تبدأ بقوله: … الأشعار، وتخجل في أكمامها الأزهار … (فصل) يقول قاسم بن الحسين بن محمد الخوارزمي رمى الله إليه أزمة المقاصد وخلّى بينه وبين عذارى المحامد، وشَّحت هذا الكتاب بكلّ غُرَّةٍ ووضح، وسمَّيتُهُ: "بَدَائِعَ المُلَحِ" وكسَّرتُهُ على اثني عشر بابًا، وفتحتُ به إلى المحاسِنِ بابًا: وذلك سنة تسعين وخمسمائة …
أمَّا ما يشتمل عليه الكتاب من الأبواب فهو كالتالي:
الباب الأول: في الحكم والأمثال لوحة /٢.
الباب الثاني: في مكارم الأخلاق لوحة: ١٢، وآخره مفقود في الخرم.
الباب الثالث: في الافتخار بالنفس والإِباء لوحة ١٧، وأول الباب مفقود في الخرم.
الباب الرابع: في الخمر والعزل لوحة ٢٠.
1 / 25
الباب الخامس: في الأوصاف والتشبيهات: لوحة: ٢٩.
الباب السادس: في الثناء والشكر والاستماحة: لوحة: ٣٥.
الباب السابع في المكاتبات: لوحة: ٥٥.
الباب الثامن: في الهجاء والمجون: لوحة: ٦٠.
الباب التاسع: في شكاية الدَّهر وأهله: لوحة: ٦٧.
الباب العاشر: في التهاني والتعازي: لوحة: ٧٤.
الباب الحادي عشر: في الشيب والزهد: لوحة: ٨١.
الباب الثاني عشر: في لطائف الحكايات: لوحة: ٩٢.
وقد ضمن هذه الأبواب مقطعات شعرية لمجموعة من الشعراء المحدثين الذين عاشوا في العصر العباسي، ومنهم شعراء عاصرهم صدر الأفاضل، وهؤلاء الشعراء هم في الغالب من نفس الإِقليم الذي عاش فيه، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب حيث سجَّل فيه مقطعات لشعراء عصره قد لا توجد في مصدر آخر. كما أنَّ المؤلفَ يختتم كل باب بمقطوعة من شعره هو، وهذا يعطي الباحث الدليل على قُوَّة شاعريته إلى جانب وفرة شعره وغزارته، وتنوّع أغراضه، وقدرته على التعبير عما يجيش في نفسه في كل غرض من أغراض الشعر الرحبة مع فصاحة في اللسان، وقوة في البيان.
والشّعراء الذين اختار لهم الشعر -بالِإضافة إلى ما ذكر لنفسه- هم: أبو العلاء المعري، وأبو الحسن التهامي، وأبو منصور الكاتب (صرَّبعر) والصاخب بن عباد، وأبو الفتح البستي، وأبو بكر الخوارزمي، وأبو الخطاب محمد بن علي الجُبَّلي، وهو ممن عاصر أبا العلاء المعري، وابن الرومي والسَّرِيّ الرفاء، وبديع الزمان الهمذاني، ونصر بن سيَّار، ومؤيَّد الملك أبو إسماعيل الكاتب، والإِمام جار الله الزَّمَخْشَريّ، وأوحد الزمان الغزي والشّريف الرضي، والشَّريف المُرتَضَى، وأبو الفَضل المِيكالِيّ، وزين العرب الأبيوَرْدِيّ، وعبد الوهاب بن نوح، وعبد الصمد بن بابَك، وأبو سعيد الرُّسَتُمِيّ، ومسعود بن سعد بن سليمان، وبديع الترك الأجّي، والقاضي
1 / 26