سراج منیر
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
ناشر
مطبعة بولاق (الأميرية)
ایڈیشن نمبر
الأولى
پبلشر کا مقام
القاهرة
اصناف
العلم لتغاير المتعاطفين وإلا لتكرر قوله: ﴿إنك أنت العليم الحكيم﴾، وأنّ علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة وأنّ آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم والأعلم أفضل لقوله تعالى: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ (الزمر، ٩) وأن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلًا كما ذهب إليه أهل السنة وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها لأنه أخبر عن علمه تعالى بأسماء المسميات جميعها ولم تكن موجودة قبل الإخبار.
﴿و﴾ اذكر ﴿إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ لما أنبأهم بالأسماء وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم بالسجود له واعترافًا بفضله وأداء لحقه واعتذارًا عما قالوا فيه أو أمرهم به قبل أن يسوي خلقه لقوله تعالى: ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (الحجر، ٢٩) (ص، ٧٢) امتحانًا لهم وإظهارًا لفضله، وقضية الأوّل تأخير الأمر به عن تسوية خلقه بدليل تأخيره عن أنبائهم وتعليمهم المستلزمين لتسوية خلقه، وعلى الثاني اقتصر بعض المفسرين وهو الظاهر، وأجيب عن دليل الأوّل بأنّ الواو في قوله: وإذ قلنا لا تقتضي الترتيب والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وفي الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة، والمأمور به إمّا المعنى الشرعي فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى وجعل آدم قبلة سجودهم تفخيمًا لشأنه أو سببًا لوجوبه كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله فمعنى اسجدوا له أي: إليه وكأنه تعالى لما خلقه بحيث يكون أنموذجًا أي: مثالًا للمبدعات كلها بل الموجودات بأسرها ومجمعًا لما في العالم الروحاني والجثماني وذريعة للملائكة إلى استيفاء ما قدّر لهم من الكمالات ووصلة إلى ظهور ما تباينوا فيه من المراتب والدرجات أمرهم بالسجود تذللًا لما رأوا فيه من عظيم قدرته وباهر آياته وشكرًا لما أنعم عليهم بواسطته، وأما المعنى اللغويّ وهو التواضع لآدم تحية وتعظيمًا له كسجود إخوة يوسف له في قوله تعالى: ﴿وخروا له سجدًا﴾ (يوسف، ١٠٠) ولم يكن فيه وضع الجبهة بالأرض إنما كان الانحناء فلما جاء الإسلام بطل ذلك بالسلام والكلام في أنّ المأمورين بالسجود الملائكة كلهم أو طائفة منهم مثل ما مرّ ﴿فسجدوا﴾ أي: الملائكة ﴿إلا إبليس أبى واستكبر﴾ أي: امتنع عما أمر به استكبارًا من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه أو يعظمه أو يتلقاه بالتحية أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه، وقال: أنا خير منه، والإباء امتناع واختيار، والتكبر أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره،
والاستكبار طلب ذلك بالتشبع وهو التزين بأكبر مما عنده يتكبر بذلك ويتزين بالباطل ﴿وكان من الكافرين﴾ أي: في علم الله أو صار منهم باستقباحه أمر الله تعالى إياه بالسجود لآدم اعتقادًا بأنه أفضل منه، والأفضل لا يحسن أن يؤمر بالتخضع للمفضول والتوسل به كما أشعر به قوله تعالى: ﴿أنا خير منه﴾ جوابًا لقوله تعالى: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين﴾ (ص، ٧٥) لا بترك الواجب وهو السجود وحده، والآية تدل على أنّ آدم أفضل من الملائكة المأمورين بالسجود له وأنّ إبليس كان من الملائكة وإلا لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم ولا يرد على ذلك قوله تعالى: ﴿إلا إبليس كان من الجنّ﴾ (الكهف، ٥٠) لجواز أن يقال: كان من الجنّ فعلًا ومن الملائكة نوعًا.
فإن قيل: له ذرية والملائكة لا ذرية لهم. أجيب: بأنّ ابن عباس روى أنّ من الملائكة نوعًا يتوالدون يقال لهم: الجن ومنهم إبليس،
1 / 48