al-Salafiyoon wa Hiwar Hadi' ma' al-Doktor Ali Gomaa

Shahata Saqr d. Unknown

al-Salafiyoon wa Hiwar Hadi' ma' al-Doktor Ali Gomaa

السلفيون وحوار هادئ مع الدكتور علي جمعة

ناشر

دار الخلفاء الراشدين - دار الفتح الإسلامي

پبلشر کا مقام

الإسكندرية

اصناف

السَلَفِيّون وحوارٌ هادئٌ مع الدكتور علي جمعة جمع وترتيب راجعه وقدَّم له ا. د/محمد بكر حبيب ... ا. د/محمد النشار الأستاذ بجامعة الأزهر ... الأستاذ بجامعة الأزهر

نامعلوم صفحہ

* قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ (الأنعام: ١٥٢). * قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: ٨)» (١).

(١) أي ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بما أُمِرُوا بالإيمان به، قوموا بلازم إيمانكم، بأن تكونوا ﴿قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ ... بأن تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة. وأن يكون ذلك القيام لله وحده، لا لغرض من الأغراض الدنيوية، وأن تكونوا قاصدين للقسط، الذي هو العدل، لا الإفراط ولا التفريط، في أقوالكم ولا أفعالكم، وقوموا بذلك على القريب والبعيد، والصديق والعدو. ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ﴾ أي: لا يَحْمِلَنَّكُم بُغْضُ ﴿قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ كما يفعله مَن لا عَدْلَ عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لِوَلِيِّكُم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرًا أو مبتدعًا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق؛ لأنه حق، لا لأنه قاله، ولا يُرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق. ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل كملت التقوى. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فمجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها، صغيرها وكبيرها، جزاءً عاجلًا وآجلًا. [انظر: تفسير السعدي (ص ٢٢٤)].

1 / 5

* قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: ٥٨). * وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﵌ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»، قَالُوا: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قِيلَ: «أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟»، قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» (رواه مسلم) (١). * قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: «ذَكَرْتُ رَجُلًا بِسُوءٍ عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَنَظَرَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: «أَغَزَوْتَ الرُّومَ؟»، قُلْتُ: «لَا». قَالَ: «فَالسِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالتُّرْكَ؟»، قُلْتُ: «لَا».

(١) صحيح مسلم (٤/ ٢٠٠١)، برقم (٢٥٨٩). (بَهَتَّهُ) أَيْ قُلْتَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانَ وَهُوَ كَذِبٌ عَظِيمٌ يُبْهَتُ فِيهِ مَنْ يُقَالُ فِي حَقِّهِ، والْبُهْتَانِ هُوَ الباطل، والغيبة ذِكْرُ الْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ، وَأَصْلُ الْبَهْتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْبَاطِلُ فِي وَجْهِهِ وَهُمَا حَرَامَانِ. [انظر: شرح النووي على مسلم (١٦/ ١٤٢)، تحفة الأحوذي (٦/ ٥٤)].

1 / 6

قَالَ: «أَفَسَلِمَ مِنْكَ الرُّومُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالتُّرْكُ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْكَ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ؟!». قَالَ سفيان: «فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَهَا» (١). العِلمُ قال اللهُ قال رسولُه قال الصحابةُ ليسَ بالتَمْويه ما العلمُ نصْبُك للخلافِ سفاهةً بينَ الرسولِ وبينَ قولِ فَقيه

(١) شعب الإيمان للبيهقي (٥/ ٣١٤)، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (١٠/ ١٨)، البداية والنهاية لابن كثير (٩/ ٣٣٦).

1 / 7

مقدمة الأستاذ الدكتور محمد بكر حبيب الأستاذ بجامعة الأزهر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ... فبارك الله تعالى في الدعوة السلفية (١) ورجالها الربانيين، الذين قَيَّضَهُم الله تعالى لحَمْل الدين على مَرِّ العصور، يَنْفُون عنه تحريف الغَالِين وتأويل المُبْطِلين، ويَذُبُّون عن سنة خاتم المرسلين ﵌، وينشرون منهج الصحابة والتابعين، ولولا أن الله قَيَّضَهم لذلك لَمَا وصل إلينا العلم الشرعي الصحيح، والمنهج النبوي المستقيم، ولَمَا قام دارس، ولا أفتى مُفْتٍ، إذ ذلك أساسه هذا الدين، وتعلم العلم الشرعي الصحيح، فالطّعْنُ فيهم طَعْنٌ في المتكلّم فيهم؛ إذ إنه يطعن في مصدرِ علمِه، وأساسِ فهمِه. ومما ينبغي مراعاته، كما هو معلومٌ في أصول الفقه؛ مراعاة حال المُسْتَفْتين، ولذا فإن الرسول ﵌ ربما أعطى لكل سائلٍ في مسألة واحدة، جوابًا مختلفًا مراعاةً لحاله، وكان ابن عباس ﵁ يغير فتواه بناءً على حال المُسْتَفْتي، وكذا فعل أئمة الفقه كالشافعي ﵀.

(١) هكذا ينسبون أنفسهم، ويتحاشَون التزكية بلفظ (السلف)، وإن كان الناس يطلقونه عليهم.

1 / 9

والناظر في أحوال مَن يبنون القباب على القبور، ويقيمون الموالد، ويعظمون غير الله، وغيرها من المسائل، يجد أنهم منغمسون في شتى الموبقات، من الشرك بالله، والزنا، وشرب المسكرات، وغيرها، فهل نزيد ذلك ونقول لهم: إن هذا جائز وهو من الدين؟ كما أن من طرق الاستدلال، كما هو معلومٌ في أصول الفقه، أن الترك فِعْلٌ، فما تركه النبي ﵌ في أمور العبادات، مع قيام المقتضي وانتفاء المانع، فالحَقُّ تَرْكُه، وإلا كان الفاعلُ مُحْدِثًا في الدين، أما تَرْكُه ﵌ في أمور العادات فلا يدل على الحظر أو المنع، إذ تُرَدُّ العادات والمعاملات إلى الأصل، وهو الإباحة، كما قال ﵌:" أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ " (رواه مسلم). فالتَّرْكُ في العبادات يُرَدُّ إلى الأصل فيها وهو الحظر، والتَّرْكُ في المعاملات يُرَدُّ إلى الأصل وهو الإباحة. وها هو الأستاذ/شحاتة صقر، مِن شباب الدعوة السلفية، يُخْرِج كتاب (السلفيّون وحوار هادئ مع الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية) وهو جدير بالنشر والقراءة؛ إذ يحاور محاورةً علميةً هادئةً، ناقلًا عن العلماء الربانيين. فجزاه الله خيرًا، وبارك فيه وفي إخوته من الدعوة السلفية، وفي عامة المسلمين. وكتبه محمد بكر إسماعيل حبيب رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر بدمنهور

1 / 10

مقدمة الأستاذ الدكتور محمد النشار الأستاذ بجامعة الأزهر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله مُعِزِّ مَن أطاعه ومُذِلِّ مَن عصاه، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله خير نبي أرسله وأعَزّ عبدٍ اصطفاه، اللهم صَلّ وسلِّمْ وبارك عليه وعلى جميع أصحابه ومن اهتدى بهداه. وبعد ... فإن القلب لَيَحْزَن على ما صار إليه حال الأمة الإسلامية من فُرقةٍ واختلاف في وقتٍ هي أحوج ما تكون فيه إلى التقاء الكلمة، ووحدة الصف، وتكاتف الجهود من أجل العمل على الخروج بهذا البلد من الظروف العصيبة التي يمر بها، والوصول بها إلى بر الأمان. وأهل العلم هم أوْلَى الناس بالعمل على توحيد الصف وجمع الكلمة؛ لأنهم ورثة الأنبياء، وهم الذين يمثلون ضمير الأمة، وقلبها النابض، ومَن بيدهم توجيه أفرادها إلى التزام منهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، امتثالًا لقول الله سبحانه: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)﴾ (النحل:١٢٥). كذلك هم أوْلى الناس باتباع منهج الإسلام في البعد عن السخرية من المسلمين وغمزهم ولمزهم لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا

1 / 11

خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)﴾ (الحجرات:١١). ويقول تعالى حاكيًا عما لاقاه رسوله الكريم ﵌ وأصحابه من أذى المشركين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (٣٢) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)﴾ (المطففين: ٢٩ - ٣٦). وفضيلة الأستاذ الدكتور/علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية من العلماء الذين نُجلّهم ونقدّرهم؛ لأنه على رأس مؤسسة الإفتاء المصرية التي اضطلعت - وما تزال - بمهمة توجيه المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وذلك ببيان ما يحل لهم وما يحْرُم عليهم من أمور الدنيا والدين، خرج علينا فضيلته في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة بكتاب مطبوع على نفقة وزارة الأوقاف المصرية ومدعوم بأموال المسلمين، أسماه " المتشددون، منهجهم، ومناقشة أهم قضاياهم " صَوَّب فيه سهامه إلى السلفيين، ونال من منهجهم ووصفهم بأحَطّ الصفات من التشدد والضلال، وكالَ لهم التهم جزافًا، وحذّر منهم ومن منهجهم، وبيَّن أنهم أخطر على الأمة من ألّدِّ أعدائها، واستعدى عليهم جميع أفراد الشعب لكي يقفوا صفًا واحدًا في وجه هذا الخطر الداهم، وهذا مسلكٌ غريب، وسلوكٌ مُريب كُنّا نَبْرَأ بفضيلته أن يَسْلُكَه، فضلًا أن يدعوَ إليه. وقد قام الأخ الفاضل الشيخ شحاتة صقر بمناقشته، والرد على فضيلته، وتفنيد حُجَجِه، ذبًّا عن إخوانه المسلمين الذين أصابتهم سهامه وسياطه، ودفعَ إلَيَّ كتابه للنظر فيه، ففعَلْتُ ولم أجد فيما كتبه شططًا، أو خروجًا على منهج أهل السنة والجماعة مِن طلبِ الدليل والتمسكِ به، فجزاه الله خيرًا. واللهَ أسألُ أن يجمع هذه الأمة على كلمةٍ سواء، وأن يبرم لها أمر رُشدٍ يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويُذَلُّ فيه أهل المعصية، ويُؤْمَرُ فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر، إنه

1 / 12

وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه ا. د/محمد النشار دمنهور في ٧/ ١/١٤٣٣هـ. الموافق ٣/ ١٢/٢٠١١م.

1 / 13

مقدمة إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ (آل عمران:١٠٢). ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ (النساء:١). ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠)﴾. (الأحزاب:٧٠). أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﵌، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ. في كتاب طُبِعَ على نفقة وزارة الأوقاف المصرية (١) ومدعَّم من أموال المسلمين ويباع بـ «جنيه واحد» عند بائعي الصحف رغم أن تكلفته قد تتعدى ضعف هذا المبلغ، ليصل إلى أكبر عدد من القراء في مصر- شَنَّ مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة هجومًا شرسًا ليس على مَن يَصُدُّون عن سبيل الله ويَبْغُونَها عِوَجًا ويحاربون شرع الله ﷾ جهارًا نهارًا من العالمانيين والليبراليين وغيرهم، بل شن هجومه على السلفيين الذين يطالبون بتطبيق شرع الله ﷿ في كل صغيرة وكبيرة، ويَدْعون المسلمين إلى العودة إلى منهج النبي ﵌ وأصحابه الكرام ﵃ في العقيدة والشريعة وشتى أمور الحياة.

(١) ضمن إصدارات سلسلة قضايا إسلامية، العدد (١٩٧)، رجب ١٤٣٢، يونية ٢٠١١.

1 / 14

كنا ننتظر من المفتي أن يقوم بدوره في صد هجوم أعداء الشريعة، ولكنه بدلًا من ذلك حاول تشويه صورة السلفيين الذين ذاع صيتهم وازداد إقبال الناس عليهم، ولم يتوقع أعداؤهم أن يكون لهم ولعلمائهم بعد الثورة هذا الظهور الطاغي على المشهد المصري، واستحواذهم على قلوب الناس وعقولهم، رغم سنين طوال مُورِسَتْ فيها صنوف التشويه والقمع والاضطهاد ضدهم بحجج مختلفة، لو مورست تجاه أي طائفة لكانت نسيًا منسيًّا. ففي كتابه الأخير (المتشددون ... منهجهم ... ومناقشة أهم قضاياهم) شنّ الدكتور علي جمعة حربًا شعواء ظالمة على جموع السلفيين في مصر والعالم الإسلامي، في محاولة لحجب الأضواء المتزايدة عنهم، وكبح جماح نجمهم الصاعد بقوة في السماء المصرية سياسيًا واجتماعيًّا ودينيًّا وفكريًّا. وقد كان التيار السلفي - وما زال - غرضًا لكل السهام العلمانية والليبرالية والماركسية والقومية، ولا عجب في خلافهم وعدائهم للمنهج الإسلامي الذي يناصبونه العداء ويدخلون معه في صراع وجود حيث ينتمون لفكر مختلف كليًّا، ولكن العجب من عداء مفتي الديار الذي أخذ يكيل التهم للسلفيين بلا دليل. بل إنه في تسجيل بالصوت والصورة أخذ ينتقصهم وينتقص كبار علمائهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بأسلوب ساخر مع أنهما يتمتعان باحترام وتوقير كبيرين من علماء الأزهر وغيرهم كما سيرى القارئ في صفحات هذا الكتاب. وقُوبل كتاب المفتي باحتفاءٍ شديد من أصحاب الفكر العلماني والليبرالي نظرًا لكونه يصب في مصالحهم للهجوم على التيار السلفي الذي يقف حجر عثرة في وجه محاولاتهم المستميتة لمسخ هوية الأمة الإسلامية. ومع هذه الحرب الشعواء من المفتي ضد السلفيين تعجب عندما تجد منه الدعوة إلى التقريب مع الشيعة الذين يقولون بتحريف القرآن ويكفّرون الصحابة، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان ﵃.

1 / 15

صدر هذا الكتاب عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية ليطعن في السلفيين الذين لم ينزلوا على الناس من كوكب المريخ أو زحل، بل هم ملايين من المسلمين لهم بفضل الله ﷾ قبول واسع عند الناس لتبنّيهم منهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة. صدر هذا الكتاب وفي مقدمته كلمة للدكتور محمد الشحات الجندي - الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - يقول فيها: «يتناول هذا الإصدار من إصدارات المجلس - قضايا إسلامية - العديد من القضايا الحياتية، وهي قضايا تستمد جذورها من منابعها الصافية التي أرسى تعاليمها القرآن والسنة والإجماع والمنقول والمصلحة الإسلامية المعتبرة ... وليس من غرض المجلس من إصداره هذه المطبوعات ومنها هذه السلسلة: قضايا إسلامية، مصادرة الفكر المعارض أو الحَجْر على الرأي الآخر ...». ونسأل فضيلة الأمين العام: * هل قرأتم كتاب المفتي قبل طبعه؟!! * هل اطلعتم على ما فيه من افتراءات على السلفيين؟!! * إذا كنتم قد اطلعتم على ما فيه من افتراءات فهل تَثَبَّتُّم من صحة تلك الدعاوى قبل نَشْر الكتاب؟!! مع أن المفتي لم يذكر أدلة لتلك الادعاءات. * هل الطعن في الملايين من المسلمين يعتبر من وجهة نظركم من القضايا الحياتية، التي تستمد جذورها من منابعها الصافية التي أرسى تعاليمها القرآن والسنة والإجماع والمنقول والمصلحة الإسلامية المعتبرة؟!!! * ألا يُعَدّ ما في هذا الكتاب مصادرةً لفكر السلفيين وحَجْرًا على رأيهم الذي يعتمد بالأساس على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان؟!!

1 / 16

* ما رأي فضيلة الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فيما قاله المفتي في هذا الكتاب المطبوع على نفقة المجلس من أن مقاومة الفكر السلفي مطلب قومي؟!! * أليس في هذا الكلام تحريضًا واستعداءً لأجهزة الدولة المختلفة لمحاربة هؤلاء المسلمين؟!! * وإذا كان جهاز أمن الدولة البائد الذي كان يحارب هؤلاء السلفيين ويزُجّ بهم في المعتقلات قد ولّى فمن الذين يرشحهم فضيلة المفتي للقيام بهذا المطلب القومي؟!! ولكننا نذَكّر فضيلة المفتي وفضيلة الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بأن السلفيين رغم التشويه المتعمد لهم من قبل أجهزة الإعلام المختلفة، ورغم التضييق الشديد عليهم مِن قِبَل جهاز أمن الدولة في النظام البائد انتشرت دعوتهم بفضل الله ﷾ في الآفاق، وقد انبهر كثيرون مسلمون وكافرون بملايينهم المنظمة التي خرجت لنصرة الشريعة في ميدان التحرير في جمعة ٢٩/ ٧/٢٠١١م (١). ونرجو الله ﷾ الذي وقانا أكاذيب العلمانيين وبطش وغشم جهاز أمن الدولة السابق أن يقينا ظلم فضيلة المفتي وافتراءاته علينا، وعند الله تجتمع الخصوم. وأذكّر كل مَن يتمسكُ بمنهج أهل السنة والجماعة بقول الله ﷾: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران: ١٢٠). فاصبروا واتقوا الله وتمسكوا بكتاب ربكم وسُنّة نبيكم ﵌ وامضوا بعزم وجد في طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكروا أن النبي ﵌ قد بشّر بخلافة راشدة على منهاج النبوة تأتي بعد الحكم الجبري.

(١) راجع في ذلك تعليقات صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية يوم السبت التالي لمليونية نصرة الشريعة، وكذلك مجلة «التايم» الأمريكية، وصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية.

1 / 17

إن كتاب (المتشددون) ما هو إلا اجترار لشبهات قديمة ذكر معظمها المفتي في كتابه (البيان القويم لتصحيح بعض المفاهيم، مجموعة فتاوى لدحض الشبهات وجمع الشتات) (١)، وهذا الكتاب الذي بين يديك أخي القارئ الكريم ليس ردًّا تفصيليًّا على كتاب (المتشددون)، بل خطوط عريضة، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الآتية: ١ - الاعتصام للإمام الشاطبي المالكي - صاحب كتاب الموافقات -، وفيه تأصيل شرعي لمسألة البدع. ٢ - الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ ﵀ عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وفيه كذلك تأصيل شرعي لمسألة البدع، وقد كان مقررًا لقسم الوعظ والخطابة بالأزهر الشريف. ٣ - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية. ٤ - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية. ٤ - التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني. ٥ - تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للشيخ الألباني. ٦ - اعتقاد الأئمة الأربعة، للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس. ٧ - القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، للشيخ إسماعيل الأنصاري. ٨ - الأشاعرة عرض ونقد للدكتور سفر الحوالي.

(١) وقد رد عليه الأخ خالد عبد القادر عقدة في كتاب (وقفات مع متصوفة اليوم)، وردَدْتُ عليه في كتاب (كشف شبهات الصوفية) فلله الحمد والمنة.

1 / 18

ونحن السلفيين لا ندّعي لأنفسنا ولا لعلمائنا العصمة، ونحن نرحب بكل من ينصحنا سواء أنَصَحَ برفقٍ أو بشدة طالما كان يريد أن يَرُدّنا إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وإلا رددناه نحن إلى ذلك؛ فالحق أحق أن يُتَّبَع، وما لم يكن دينًا عند النبي ﵌ وصحابته ﵃ الذين قال الله لهم: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ (البقرة:١٣٧)، لا نقبل أن يكون اليوم دينًا. ونُذَكِّر المفتي وجميع المسلمين بقول الإمام مالك ﵀: «من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا ﵌ خانَ الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (المائدة:٣)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» (١). وفي الختام أشكر للأستاذ الدكتور محمد بكر حبيب، وللأستاذ الدكتور محمد النشار ما قاما به من جهد وما انتزعاه من وقتهما الثمين في مراجعة هذا الكتاب؛ فجزاهما الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأسأل الله ﷿ أن يبارك لهما في علمهما وعمرهما وأن ينفع بهما الإسلام والمسلمين. كما أسأله ﷾ أن ينفع المسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه - سيدنا محمد - وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر saqrmhm@gawab.com saqrmhma@yahoo.com ٥ ذي الحجة ١٤٣٢هـ ١ نوفمبر ٢٠١١ م

(١) الاعتصام للإمام الشاطبي المالكي (١/ ٥٤).

1 / 19

دُرَرٌ من كلام الإمام الشاطبي المالكي قال الإمام الشاطبي المالكي ﵀: * «إن الإحداث في الشريعة إنما يقع إما من جهة الجهل، وإما من جهة تحسين الظن بالعقل، وإما من جهة اتباع الهوى في طلب الحق، وهذا الحصر بحسب الاستقراء من الكتاب والسنة» (١). * «لا تجد مبتدعًا ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، فيُنْزِله على ما وافق عقله وشهوته» (٢). * «الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عملِ أحدٍ البتة، حتى يتثبت ويسأل عن حكمه؛ إذ لعل المعتمَد على عمله يعمل على خلاف السُنّة، ولذلك قيل: لا تنظر إلى عمل العالم، ولكن سَلْه يصْدُقْك، وقالوا: ضعف الرويّة أن يكون رأى فلانًا يعمل فيعمل مثله، ولعله فعله ساهيًا» (٣). * «وقد علم العلماء أنَّ كلَّ دليل فيه اشتباهٌ وإشكالٌ ليس بدليل في الحقيقة؛ حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه، ويشترط في ذلك أن لا يعارضه أصلٌ قطعيٌّ؛ فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك، أو عارضه قطعيٌّ؛ كظهور تشبيه؛ فليس بدليل؛ لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرًا في نفسه، ودالًا على غيره؛ وإلا احتيج إلى دليل عليه؛

(١) الاعتصام (٢/ ٤٩٣). (٢) الاعتصام (١/ ١٣٤). (٣) الاعتصام (٢/ ٥٠٨).

1 / 20

فإن دلَّ الدليل على عدم صحته؛ فأحرى أن لا يكون دليلًا» (١). * «من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية ولا ينظر بعضها ببعض، فيوشك أن يَزِلّ، وليس هذا من شأن الراسخين وإنما هو من شأن من استعجل طلبًا للمخرج في دعواه» (٢). * «شأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة، يخدم بعضها بعضًا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة، وشأنُ متبعي المتشابهات أخذ دليلٍ مَا أيّ دليل كان عفوًا وأخذًا أوليًا - وإنْ كان ثَمَّ ما يعارضه من كُليٍّ أو جزئي -، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكمًا حقيقيًّا، فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا مَن في قلبه زيغ، ما شهد الله به ومن أصدق من الله قيلًا» (٣).

(١) الاعتصام (١/ ٣٢٠). (٢) الاعتصام (١/ ٢٢٣). (٣) الاعتصام (١/ ٢٤٥).

1 / 21

من هم السلفيون؟ (١) من حيث المصطلح أصبحت السلفية عَلَمًا على أصحاب منهج الاقتداء بالسلف من الصحابة والتابعين من أهل القرون الثلاثة الأولى وكل من تبعهم من الأئمة كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن، وشمل شيوخ الإسلام المحافظين على طريقة الأوائل مع تباين العصور وتفجر مشكلات وتحديات جديدة أمثال ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وكذلك أصحاب أغلب الاتجاهات السلفية المعاصرة بالجزيرة العربية والقارة الهندية ومصر وشمال أفريقيا وسوريا وكانت ذات أثر واضح في تنقية مفاهيم الإسلام ودفعه إلى الأمام لمواجهة زيف الحضارة الغربية، وللكشف عن جوهر الثقافة العربية والإسلامية الأصيلة القادرة على الحياة في كل جيل وكل بيئة. ومن حيث المضمون تعني السلفية في الإسلام التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة وقمته الحضارية، كما تُوَجّهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الأولى المفضلة، وفيها تحقق الشكل العلمي والتنفيذ الفعلي ومنه استمدت حضارة المسلمين أصولها ومقوماتها ممثلة في العقيدة خضوعًا للتوحيد وبيانًا لدور الإنسان في هذه الحياة وتنفيذًا لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وروابط الأسرة وفضائل الأخلاق. والسلفية كمصطلح تعني أيضًا في مدلولها الخاص الاقتداء بالرسول ﵌ فإن أمتنا تنفرد بمزية لا تشاركها فيها أمة أخرى في الماضي أو الحاضر أو المستقبل تلك هي

(١) انظر: قواعد المنهج السلفي، السلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية، المخاطر التي تواجه الشباب المسلم وكيف نتوقاها؟ للأستاذ الدكتور مصطفى حلمي، الأستاذ بكلية دار العلوم بالقاهرة.

1 / 22

تحقق القدوة في شخصه ﵌ إذ حُفِظَتْ سيرتُه كاملةً محققةً بكافة تفاصيلها فنحن نعلم عنه كل شيء وفقًا لما نُقِلَ إلينا في كتب وعلوم مصطلح الحديث بأدق منهج تاريخي علمي عرفه المؤرخون. وهكذا فإن السيرة النبوية حية في كياننا ونحن نعيشها كل يوم وهي تمثل القمة للسلفيين، وتطبيق الشريعة الإسلامية ممتد على طول الزمن لا يتعلق بعصر دون آخر بل إن كل جيل من المسلمين مطالَبٌ بتنفيذ أصولها النَّصّية مع الاجتهاد فيما لم يَرِدْ فيه نَصٌّ عند مواجهة أحوال الحياة المتغيرة كما هو معروف في أصول الفقه. وإزاء خطط الغزو الفكري ومظاهر الاشتباك العقلي مع خصوم الإسلام صمد السلفيون للمحافظة على جوهر الإسلام وأصوله إيمانًا بأنه لم يظهر زيف هذه العقائد والنحل إلا بطريقة السلف أنفسهم مهما تغيرت الأزمنة والأعصار لأنها طريقة موضوعية ذات أسس علمية منهجية تعتمد على النصوص الشرعية الموثقة. فهناك مسائل ثابتة لا تتغير: كفطرة التوحيد ومخاطبة العقول البشرية للبرهنة على النبوات عامة ونبوة رسول الله ﵌ خاصة والرد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كل ما انحرفوا به عن الشرع المنزل مع دحض شبهات الملحدين والمشركين. هذا فضلًا عن ثبات الفضائل الأخلاقية وقواعد التحليل والتحريم في المأكل والمشرب والملبس وتنظيم العلاقات الاجتماعية في الأسرة والمجتمع وإقامة العلاقات الدولية مع سائر الأمم وفقًا لأصول الشرع. فإذا كان المسلمون يتلمسون اليوم طريقًا للنهوض فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم، ووحدة الجماعة ليس لها من سبيل إلا الإسلام الصحيح، والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة، وهذه خلاصة الاتجاه السلفي: عودة بالإسلام إلى مَعِينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله ﵌.

1 / 23

وفي العصر الحديث يعمل السلفيون على استئناف الحياة الإسلامية على أساس هذا الفهم وطبقًا للنظرة الرَحْبة الفسيحة لكل جوانب الإسلام كمنهج رباني شامل لا يَعْتَوِرُه نقص في أي من مجالات الحياة. وقد اتفق المسلمون السلفيون على قاعدة اضطراد العلاقة بين تقدم المسلمين واستمساكهم بالإسلام، وعلى العكس، تدهورهم وضعفهم عند الانسلاخ منه فالعلاقة بينهما علاقة المد والجذر مع الإسلام والإيمان. السلفية والتقدم: يزعم خصوم الإسلام بعامة والسلفية بخاصة أنها دعوة رجعية، وهو زعم خاطئ من جذوره، فلا تتعارض السلفية مع التقدم؛ لأن التقدم في الإسلام تقدم أخلاقي يمضي قدمًا في تحقيق الرسالة التي نِيطَتْ بهذه الأمة مع الأخذ بأسباب العمران المادي في نواحي الحياة كلها. والقديم في تاريخ أوربا تعبير يطلق على العصور المظلمة في القرون الوسطى السابقة لعصر النهضة ورفض أوربا لتاريخها القديم موقف عادي يتلاءم مع رغبتها في التقدم لأن الماضي يُعَدُّ سببًا لتخلفها. وإذا قارَنّا الإسلام بمختلف ديانات العالم عرفنا أن عقائدها منعت معتنقيها من التقدم الحضاري عندما استمسكوا بها، ودارِسُ التاريخ يلاحظ أن أهل أوربا والبوذيين في اليابان على سبيل المثال لما كانوا راسخين في معتقداتهم الدينية كانوا على أسوأ ما يكون من أدوار التخلف، ولمّا أحرزوا لأنفسهم الرقي والتقدم في حياتهم العلمية والعقلية والمادية ما عادوا مؤمنين بمعتقداتهم المسيحية والبوذية إلا اسمًا. أما المسلمون فعندما كانوا أقوياء في إيمانهم بمعتقداتهم صاروا أكثر أمم الأرض تقدمًا وازدهارًا وقوة ومجدًا، وما أن دَبَّ دبيبُ الضعف في إيمانهم بها حتى تخلفوا في ميادين العلم وضعفوا في صراعهم للرقي الدنيوي وتحكمت فيهم واستولت عليهم أمم أجنبية، وهذا فرق عظيم بين معتقدات الإسلام ومعتقدات الديانات الأخرى في العالم.

1 / 24