Al-Sahih al-Mathur fi Alam al-Barzakh wal-Qubur
الصحيح المأثور في عالم البرزخ والقبور
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
اصناف
الصحيح المأثور
في
عالم البرزخ والقبور
1 / 1
الصحيح المأثور
في
عالم البرزخ والقبور
أحمد محمود الشوابكة
تقديم ومراجعة
العلّامة المحدّث شعيب الأرنؤوط
أ. د. محمود السرطاوي ... أ. د. محمّد الملكاوي
كليّة الشّريعة- الجامعة الأردنيّة ... كليّة الشّريعة - جامعة اليرموك
أ. د. سمير استيتية
كليّة الآداب - جامعة اليرموك
﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾
1 / 3
وأكبر الظَّنِّ أنَّ هذا الكِتَابَ وما دوَّنه فيه المؤلِّفُ مِنْ مَعَانٍ مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله ﷺ
يُعَدُّ فريدًا في بَابِه
فضيلة العلّامة المحدِّث: شعيب الأرنؤوط
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إِلى مَنْ أوْصَاني ربِّي بهما خَيرًا، فقال: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)﴾ [الإسراء].
إِلى مَنْ أَسْأَلُ رَبِّي لهما خَيرًا، فأقول: ﴿رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾ [الإسراء].
وإلى صَفِيِّي وفرطي عبيدة، الّذي أجاب ربّه، وأوجعني فقده! عسى اللهُ أَنْ يَجْمَعَني بهم جميعًا في مُسْتَقِرِّ رحمته، مع الأحبَّة: النَّبيِّ ﷺ وصحبه.
وإلى أهل بيتي، لا أَذَاقَنِي اللَّهُ فَقْدَهم، وَقَدَّمَنِي قَبْلَهم.
الرّاجي عفو ربّه
أحمد محمود الشّوابكة
أبو عبيدة
1 / 5
تقديم
فضيلة العلّامة المحدِّث: شعيب الأرنؤوط
الحَمْدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد، وعلى آلهِ وصحبه وسلَّم، وبعد:
فإنَّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾ [الزّمر]، وهذا ينطبق على كلِّ مخلوق من الإنس والجنِّ والملائكة.
لقد مَنَّ الله تعالى على أخينا الأستاذ الشَّوابكة، فألَّف كتابًا يتضمَّنُ أحكام الموت من ساعة خروج الرُّوح إلى مبعث النَّاس يوم القيامة.
وقد توثَّق من النُّصُوصِ الَّتي احتجَّ بها وذهب إليها بالتَّصحيح والتَّضعيف، ينسب كلَّ قول إلى قائله ممَّن يتعاطى صناعة الحديث.
ولم يفته أن يذكر ما هو مستشهد به ممَّا لا يثبت عن رسول الله ﷺ، وقد قرأت كتابه هذا فرأيت فيه الاهتمام بالنُّصوص والاحتفال بها.
وبما أنَّ الموت لا بدَّ أنْ يذوقَه كلُّ مخلوق، فلم يكن بحاجة إلى مراجعة بقيَّة النُّصوص في الكتب الفقهيَّة؛ لأنَّ الموضوع يتعلَّق بالقرآن الكريم والحديث الشَّريف.
وهو كتاب جَدِير بِأَنْ يقرأَهُ كلُّ مسلم؛ ليأْخُذَ العظة والعبرة بالنِّهاية الحتميَّة الَّتي ينتهي إليها كلُّ مسلم، نعم مثل هذا الكتاب في هذا الزَّمن جدير بأَنْ يطبع وينشر، ويدخل إلى كُلِّ بيت مسلم، فإنَّ معظم النَّاس لا يفكِّرون بالموت، فَحُبُّ الدُّنيا والانهماك في شهواتها أَنْسَاهم ذِكْرَ الموتِ والتَّأثُّر به، مَعَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ
1 / 6
كان يقول لأَصْحَابِه: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ" (١)، حتَّى يكون المؤمن آخر عهده مُسْتَعِدًّا للقاء الله تعالى بالأعمال الصَّالحة الَّتي يقدِّمها.
وقد ذكر الشَّيخ أحمد الشّوابكة في هذا الكتاب المراحِلَ الَّتي يمرُّ بها الإِنسانُ في مرضه، وما ينبغي أَنْ ينْظُرَ فيه كلُّ مكلَّف من الأحكام حتَّى يتعبَّد بها المسلم، ويكون حريصًا على لقاء الله تعالى بالأعمال الصَّالحة والطَّاعة الواعية لما جاء في كتاب الله الكريم، وفي سنَّة النَّبيِّ ﷺ الصَّادق الوعد الأمين، ولا يليق بالمسلم أن يتجاهل هذه الأمور الَّتي تقرِّبه من الله تعالى، وتغرس الخوف في قلبه منه سبحانه، وتجعله مِنَ المُصْطَفيْنَ الْأَخْيَارِ، ويفوز برضوان الله تعالى وكرمه.
وأنا أنصح كُلَّ مسلم باقتناء هذا الكتاب؛ فإنَّه نِعْمَ المذكِّر للإنسان في مراحل حياته، ونعم المقوِّي لإيمان المرء وطاعته لله تعالى والخوف منه، والإقبال على كلِّ ما يتقرَّب به إليه.
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ الأستاذ الشَّوابكة مَلَأَ كتابه بالاستدلال المحكم بكتاب الله تعالى وسُنَّة رسول الله ﷺ، ورجع إلى أمَّهات كتب السُّنَّة وأخذ ما صَحَّ منها، وهو أمر ينْدرُ في هذا الزَّمن الَّذي شاعت فيه الأحاديثُ الَّتي لا تثبت ولا تصحُّ عن النَّبيِّ ﷺ.
وأكبر الظَّنِّ أنَّ هذا الكتاب وما دوَّنه فيه من معان مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله ﷺ يُعَدُّ فريدًا في بَابِه، ونسألُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَه للمزيد من هذه الأعمال الطَّيِّبة الموثَّقة، الَّتي تسهم في رَدِّ المسلمين إلى جَادَّة الصَّواب، وتوقفهم
_________
(١) أحمد "المسند" (ج ٨/ص ٣٥/رقم ٧٩١٢) وإسناده صحيح.
1 / 7
على المستندات العلميَّة الَّتي ينبغي أن تُعْتَبر في هذه الأعمال.
وختامًا، إنِّي لأعجب ممَّن على غبراء قد سكنوا، وهم يعلمون أنَّهم عن قريب سيرقدون مع من رقدوا، ولسوف يعلمون ما عنه قد غفلوا، كيف تطيب أنفسهم بعد هذا البيان أن يعرضوا عنه أو يغضوا منه!
موتوا على ما مات عليه رسولكم ﷺ تفلحوا، قال ﷺ عند نزول الموت به «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» (١)، فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبيُّ ﷺ كما قالت أمُّنا عائشة ﵂.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾ [آل عمران].
شعيب الأرنؤوط
٢/رجب/١٤٣٦ هـ
٢١/نيسان/٢٠١٥ م
_________
(١) البخاري "صحيح البخاري" (ج ٨/ص ١٠٦/رقم ٦٥٠٩) كِتَابُ الرِّقَاقِ.
1 / 8
تقديم
أ. د. محمود السّرطاوي
الحمدُ لله الحيِّ القَيُّوم، الواحد الأحد، الفرد الصَّمد، المُحْيِي المُمِيت، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)﴾ [الأنبياء]، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ (١٢٣)﴾ [هود]، سُبْحَانَه، تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وتنزَّهت عن التَّشبيه صفاته، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ما لنا من ملجأ إلَّا إليه.
غفَّارَ الذُّنوبِ، قَابِلَ التَّوبةِ، واسِعَ الرَّحمةِ، أدْخلنا بعفوك وفضْلِكَ في رحمتك، إِلَهِي ما لنا سواك، اعفُ عنَّا، وارحمنا: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨)﴾ [الشّعراء]، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤)﴾ [عبس]، ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾ [الانفطار].
والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الهدى وخاتمِ الأنبياءِ محمَّد بن عبدالله ﷺ، النّعمة المهداة والرَّحمة المسداة، صاحب الحوض المورود والشَّفاعَة الكبرى يوم الخلود، وعلى آله وصحبه والتَّابعين بإحسان إلى يوم الدِّين.
اللَّهُمَّ اجعلنا من أهل شفاعته، وأوردنا حَوْضَه، واسقنا منه شربة لا نظْمَأُ بعدها أبدًا، وبعد:
فقد طالعت كتاب (الصَّحيح المأثور) لمؤلِّفه الأخ الأستاذ أحمد محمود الشَّوابكة - حفظه الله ومَنَّ عليه بالصِّحة والعافية ونفع بعلمه - فنَقَلَنِي إلى رحلة في
1 / 9
عالم الرُّوح، بعبارة بارعة جامعة تباشر القلوب، وتأخذ بالقارئ حيثما تريد مِنْ عالم الرّوح، فتطوف به في جنبات ذلك العالم، وتنقله من الدُّنيا وزينتها وزخرفها ومتعها وملذّاتها، ومن همومها وصخبها وآلامها، إلى ميادين فسيحة ورحبة في عالم الرّوح.
تنقله برفق مِنْ مَرْتَبَة من مراتبها إلى مرتبة أخرى، فمن الزُّهد في الدُّنيا إلى لحظات المرض وسكرات الموت، وبين كلِّ مرتبة وأخرى جرعة بلسم تؤهِّله للارتقاء، فهو مثلًا يتحدَّث بين المرتبتين السَّابقتين عن التَّوبة وتكفير الخطايا، ولطف الله بعباده، وهكذا سائر أقسام الكتاب.
لقد تناول الكاتب موضوعات البحث وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة المتعلِّقة فيه، والَّتي شغلت الكثير من السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بعد أن وقف على الصَّحيح والحسن من الحديث، ونبَّه إلى الضَّعيف، فجاء كلامه مُعَزَّزًا بالأدلَّة مُعَضَّدًا بالبراهين.
وكان للأسلوب الأدبيّ الَّذي وهبه الله تعالى للكاتب، أَثَرٌ كبير في وضع المادَّة العلميَّة في ثوب قشيب بهيج.
ومما يحمد للباحث تخليص الموضوع من البدع والخرافات، والعجائب والغرائب، والموضوعات والمعضلات.
والكتاب يبعث في القارئ السَّكينة والطُّمأنينة، ويحفزه إلى النَّجاة والعمل لما ينفعه في دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ.
أسأل الله تعالى أن يجزي أخانا الشَّوابكة خير الجزاء وأَبرَّه، وأنْ يَنْفَعَ به وبعلمه
1 / 10
﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾ [الصَّافات].
الفقير إلى عفو ربِّه
أ. د. محمود علي السّرطاوي
أستاذ الفقه المقارن
نائب رئيس جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة
وعميد كليّة الشّريعة / الجامعة الأردنيّة سابقًا
١٣/رجب/١٤٣٦ هـ
٢/ أيار/ ٢٠١٥ م.
1 / 11
تقديم
أ. د. محمّد ملكاوي
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾ [الفاتحة]، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أجمعين، وتابعيهم بإحسان، وبعد:
فقد أُهديت إليَّ مخطوطةُ كتاب: (الصّحيح المأثور في عالم البرزخ والقبور)، للأستاذ الفاضل أحمد محمود الشّوابكة أبي عبيدة حفظه الله تعالى، وكان الأستاذ ... أبو عبيدةَ قد استقصى فيه جميعَ المسائل المتعلِّقةِ بأحد عوالم الغيبِ، وهو عالم البرزخِ والقبور، فكنْتُ كلَّما قرأتُ قسْمًا من أقسامه ازددتُ إعجابًا بحُسْنِ تنسيقِهِ وإخراجِهِ، وبخاصّة أنَّه التزمَ فيه الدَّليلَ النَّقليَّ من كتابِ الله تعالى، وما صحَّ أو حَسُنَ من أحاديثِ المصطفى ﷺ، ونبَّه فيه إلى الأسانيد الضَّعيفةِ والموضوعةِ، ونقَلَ فيه بعضَ أقوالِ العلماءِ المعتبَرين، فجاءَ الكلامُ في مسائلِهِ منسجِمًا مع عقيدةِ أهل السُّنَّة والجماعةِ الَّذين وصفَهمُ الرَّسولُ ﷺ بأنَّهم الفِرْقةُ النَّاجيةُ.
وجاءَ الكتابُ سِفْرًا جليلًا وافيًا بالمقصودِ من تأليفه، وموضِّحًا للعقائد الإسلاميَّة الصَّحيحة الَّتي من خرج عنها شذَّ إلى أودية الضَّلالِ، وَتَنَكَّبَ سَبِيلَ الْحَقِّ.
وأسألُ الله تعالى أنْ يجزيَهُ عنَّا وعن سائرِ المسلمين خيْرَ الجزاء على جهْدهِ وجَلَدِهِ وصَبْرِه وسهَرِه، ودقَّة استقصائِه، وعظيم اعتنائه، بارك الله تعالى أخانا أبا عبيدةَ، وباركَ له في أهلِهِ ومالِهِ، وفي وقته وصحَّته، وأعانه على الاستمرار في إخراج المزيد من الكُتُبِ الدُّررِ والمؤلَّفات الغُرَر، إنَّه سبحانه وليُّ التَّوفيق، والهادي
1 / 12
إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وَصَلَّى الله تعالى وسلَّم وبارك على النَّبِيِّ الأمِّيِّ محمَّد ﷺ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أ. د. محمّد أحمد عبد القادر ملكاوي
أستاذ العقيدة الإسلاميّة ومقارنة الأديان - قسم أصول الدّين
كليّة الشّريعة والدّراسات الإسلاميّة - جامعة اليرموك - إربد
٢٤ /رجب/١٤٣٦ هـ
١٣/أيّار/٢٠١٥ م
1 / 13
تقديم
أ. د. سمير استيتية
اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كما ينبغي لجلال وجهك العظيم، وسلطانك القديم، أحمدك بكل حمدٍ حمدتَ به نفسك، وبكل حمدٍ تحبُّ أَنْ تُحْمَدَ بِهِ، وبكل ما حمدتك به الملائكة والأنبياء والمرسلون، وعبادُ الله الصالحون، وأحمدك يا مولانا بكل حمدٍ خَصَصْتَ به أحدًا مِنْ خلقك، فأجريته على لسانِه، فَقَبِلْته وأحبَبْته، وأشهد لك بكل ما شَهِدْتَ به لنفسك، وكما شهدت الملائكة والأنبياء والمرسلون، وعبادُ الله الصالحون.
وأشهدُ لعبدك ونبيِّك ورسولك محمَّد ﷺ، بكلِّ ما شَهِدْت به له مِنَ النُّبُوَّةِ والرِّسالة والخُلُق العظيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عليه أزكى صلاة، وسلِّم عليه أتمّ تسليم، وعلى آل بيته الأطهار، وأصحابه الأخيار، وأزواجه أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وألحقنا به وبهم يا مولانا وأنت راضٍ عنَّا، اللَّهُمَّ آمِينَ، وبعد:
فلِلهِ دَرُّكَ أبا عبيدة، لقد جمعتَ فأوعيتَ، وقدحت فأوريت، وأبليتَ فأَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ. ولقد نظرتُ في هذا العمل، ورأيت فيه الحياة الدُّنيا، كما أراد الله ﷿ أن نراها؛ إنَّها طريقُ الآخرة، فهي ممرُّنا ومعبرنا إلى دار المستَقَرِّ، ومهما اتَّسعت بنا عَرَصاتُها، وتعدَّدت أفناؤُها، وتكاثرت زخارِفُها، وتعالت مباهجها، فإنَّ في اتساعها ضيقًا، وفي فرحتها غصَّة، وفي مباهجها فناءً، وفي زخارفها زوالًا، لكنّ الآخرة هي دارُ المستَقَرِّ والخلود، إنَّها السَّعادة الَّتي لا شقاء معها، أو الشَّقاء والعذاب اللَّذَانِ لا سعادة معهما.
1 / 14
لقد دلَّنا كتابُ الله تعالى على حقيقة الدُّنيا، وما حُفَّت به من الشَّهوات، ودلَّنا على عظمة شأن الآخرة، بأيسر العبارات، وأدقّها مضمونًا، وأنفذها إلى القلب، وأعلاها بيانًا، وأبان عن بعض ما في الآخرة من ثواب وعقاب، ولم يفصِّل صورهما ولا أشكالهما، ووضَّح لنا النَّبِيُّ ﷺ بعض ما يكون في عَالمِ الْبَرْزَخِ، ولم يفصِّل فيه القولَ تفصيلًا شاملًا؛ لأنَّ الهدف من ذكر ذلك العالم تذكيرُ ذوي الألباب، وتحذيرُ العباد من مغبَّة الوقوع في المعاصي والآثام الَّتي تفسد على الإنسان آخرته، وليس الهدف منه أن يعطي صورة تفصيليَّة للآخرة، ولا ما يكون في البرزخ وهو بعضها. وعندما تختزن ذاكرة الإنسان هذه المفاهيم ينضبط سلوك الإنسان، أو هكذا ينبغي أن يكون الحال.
فضبط السّلوك في النِّهاية هو الهدف، وضبط السلوك إنّما يكون بقناعة الإنسان وإيمانه، بتوسط بين التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ؛ فما جاء في القرآن العظيم وَالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ من مُسَاءَلَة في الحياة الآخرة، ليس الهدف منه تحويل حياة الإنسان إلى رعاب في الدُّنيا. وقد أدرك المؤلِّف - جزاه الله خيرًا- هذا الأمرَ أَحْسَنَ إدراك، فتجد في عمله هذا ما يجعل الموعظة قريبةً إلى القارئ، فموعظته - بحقّ- تشقُّ طريقها إلى النَّفس دون استئذان.
لا يكون العلم بخبر الآخرة والبرزخ إلا بما أخبرنا الله ﷻ به، وما عرَّفنا به رسول الله ﷺ؛ لأنَّ ذلك من الغيب الَّذي نؤمن به، والغيب لا يتوصَّل إليه إلَّا بِالنَّصِّ الْقُرْآنِيِّ وَصَحِيحِ الْأَثَرِ. ولذلك كان المؤلّف - حفظه الله - يروي الأحاديث الصَّحيحة في هذا الباب، بحرص شديد، وهذا هو المسلك الذي ينبغي أن يكون؛
1 / 15
فصحَّة الاعتقاد لا تبنى إلَّا على الحديث الصَّحيح، فكان يقف عند الحديث وقفة مستأنية، يروي ما يقوله العلماء في صحَّة سنده، فيوافق - وهذا هو الأغلب عنده بحمد الله - ويناقش أهل العلم، ويرجِّح أو ينتهي إلى نظر مستقل، وهذا هو شأن أهل العلم.
وكنت أحترم رأي المؤلِّف وأقدِّره، ولو رأى رأيًا غير الَّذي أراه، فالعبرة في المنهج الَّذي يتَّبعه العالم، وليست العبرة في الاختلاف في الفرعيات.
لقد كنت أحسُّ وأنا أقرأ هذا الكتاب أن المؤلِّف - جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا - يَنْطَوِي على قدر كبير من التَّأَسِّي بعلمائنا المتقدِّمين، حتَّى في أسلوبهم، وعلى الَّذين لا يعرفون هذه القيمة أن يعلموا أنَّ المنهج التُّراثيَّ، وأسلوبَ أسلافنا في الكتابة قد بَلَغَا مبلغًا عظيمًا من الرَّصَانَة والقُوَّة، مصحوبين بدقَّة العبارة، وعمق المعنى، وسلاسة السَّرد. ومن المحزن حقًّا أنَّ عاديات هذه الأيام قد فصلتنا عن التَّأَسِّي بِعُلَمَائِنَا المُتَقَدِّمِينَ إلى حَدٍّ كبير.
أَسْأَلُ الله الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أن يتقبَّل هذا العملَ وصاحبه، وأن ينْفَعَ بهِ أمَّةَ سيِّدنا محمَّد ﷺ.
﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)﴾ [الممتحنة].
أ. د. سمير شريف استيتية
كلية الآداب - جامعة اليرموك
١٨/رجب/١٤٣٦ هـ
٧/ أيّار/٢٠١٥ م
1 / 16
المقدمة
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾ [الفاتحة]، افْتَتَحَ بالحمد كتابه، وجعله آخر دعوى سَاكِنِي دار مَقَامه وثوابه ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)﴾ [يونس].
الْحَمْدُ لله الّذي قَصَّ علينا في كتابه المُبِين، مِنْ سِيَرِ المُرْسَلِينَ، وأنباء الغابرين، وأخبار الماضين، ما فيه عظة وعبرة وذكرى على مرِّ الدَّهر المديد، والأمد البعيد ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾ [ق].
الحمد لله الَّذي جعل الموت على عباده حتمًا مقضيًّا، فسوَّى فيه بين مَنْ كان رسولًا أو نبيًّا، أو رفيعًا أو دنيًّا، أو ضعيفًا أو قويًّا، فقال ﷿: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧)﴾ ... [العنكبوت].
والصَّلاة والسَّلام على رسُولِ الله ﷺ ما ذرَّ شارِقٌ ولاح بارق، خاطبه ربُّه في حياته، وقال له: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤)﴾ [الأنبياء].
ألا فَلْيَتَّقِ اللهَ أُنَاسٌ نَعَاهم الله تعالى بعد نبيِّه ﷺ، فقال: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾ [الزّمر]، وإنَّ إنسانًا قرأ هذه الآية لَمَحْقُوقٌ أنْ يستشعر أنَّ نفسه نُعِيَتْ إلى الرَّحيل!
يعيش الواحد منَّا مع صفيّ أو حليف، وينسى أنَّ لهذه الدَّار بأهليها صروفًا، فلكلِّ اجتماع من حميمين فرقة وغربة، والموت لا يبقي عزيزًا لعزيز؛ فكلّ
1 / 17
أخٍ مفارقٌ أخاه، فإذا قَضَى يومًا نَحْبَهُ أَغْمَضَهُ وَسَجَّاه، ثمّ صلَّى عليه وأمكن الأرض منه وحدره في جوانب حفرة وفي التُّرب واراه، وبوَّأه جَدَثَهُ بيديه ورجع وخلَّاه، فيبكي قَليِلًا لَحْدًا ثواه، وينكر قلبًا خافقًا ودَّع ساكنًا ثُمَّ يَنْساهُ.
ويْحَكِ يا نَفْسُ، فما النَّاس إلَّا مُسْتَقْدِم ومُسْتَأْخِر، وسالف وتابع، وسابق ولاحق، وجاء وذاهب، وسار وسارب، فلا المعزِّي ولا المعزَّى بباق ولا خالد.
مَنْ مِنَ الْأَنَامِ راح بالخلود، ونجا من ضمة القبر وَاللُّحُودِ؟! فما مِنْ باكٍ اليوم إلّا غدًا سَيُبْكى، وما مِنْ ناعٍ إلّا سَيُنْعَى، وما مِنْ مشيِّع إلّا سَيُشَيَّع، وكلّ مُغَسِّل سيُغَسَّل، وكلّ حامل ودافن سيُحْمَل ويدفن، وكُلُّ اثْنَينِ إِلَى افْتِراقِ، وكلّ واحد حسابه ملاق، فلا جَرَمَ أنَّ سَبِيلنا إِلَى الْآخِرَةِ، ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ ... (٤٣)﴾ [غافر].
فماذا بعد الشَّباب إِلَّا الهرم، والصّحة إِلَّا السّقم، والسَّلامة إِلَّا المَنُون، ولو أُخِّرَ الحَيْنُ إلى حِين؟!
لا شكّ أنَّ المنايا بالأحبّة تفجع، وفِطَام النَّفس عَنْ إلفها أعسر محملًا من الجبال الشَّوَامِخ إذا رُمْتَ نقلها، ومصيبة الموت فاجعة من فواجع الدَّهر، تحطم العظم وتُعْظِم الحطم، لكن الغنيمة أن تردَّها بصبر وحسْنِ عزاء، وترضى بالقضاء، فالأجر على قدر الصَّبر والنَّصب؛ فإذا جَلَّت مصيبتُك فَتَجَمَّلْ، لعلَّ الخير عقباك، والأمور إذا تضايقت تلاها اتِّساع، والنَّكَبَاتُ إذا توالت تولَّت، وما أنت في مصيبة الموت بأوحد، ولا بِأَلَمِ الْفِرَاقِ بفريد.
وخير مَا يسلي عن فقد الأصفياء المصيبة بسيِّد الأنبياء ﷺ! فَمَنْ كانت
1 / 18
مصيبةُ الموت عنده عظيمة، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بالنَّبيِّ ﷺ فهي أعظم، وَلْيَتَعَزَّ بذَلِكَ عَنْ مُصِيبَتِهِ؛ فلم يُصَبْ أَحَدٌ بمثله ﷺ، وهل بعد فقد الحبيب ﷺ فقيد؟!
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ ... رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
فَمَنْ غَالَبَ الحزن وترك دواعي الشَّجَن، وصبر وتجلَّد، وذَكَّرَه مصابُه بمصابِه بالنَّبيِّ محمَّد ﷺ، فقد مَلَأَ يديه مِنَ الخير، ومَنْ سخط ونقم، وهلك أسىً وحسرة، وهو يعلم أنَّه غير مخلَّد، فقد خاب وخسر، وصار بين ذمّ ووزر، وأمر الله تعالى ماضٍ.
وقد أخبر الله تعالى أنَّ هذه الدَّار دار بلاء، وأمر بالصَّبر، وجعل لِلصَّابِرِينَ
الْبُشْرَى وحسن العُقْبَى، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)﴾ [البقرة].
وأخبر النَّبيُّ ﷺ أنّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاء، ثُمَّ الأَمْثَل فَالأَمْثَل، عن سَعْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ الله ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: فَقَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" (١).
والبلاء لم يكتب علينا وحدنا، وإنّما أصاب مَنْ قبلنا، قال تعالى تَطْيِيبًا
_________
(١) أحمد "المسند" (ج ٣/ص ١٥٩/رقم ١٦٠٧) إسناده صحيح على شرط مسلم.
1 / 19
لقلوبنا: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ... (٢١٤)﴾ [البقرة].
فهَوِّنْ عَلَيْكَ ولا تولع بأحزان ولا تظلّ رهينًا؛ فأَيُّ كريمٍ أَخْطَأَتْه الحَبائلُ، أو سالمته القواصم، وما نزلت به القَوارِعُ؟! وأي حزين على ميِّته بقي بعده ولم يلحق به؟! فالأَمْر إِذا تَمَّ دنَا نَقْصُه، فَالْكُلُّ مفارق، سابق ولاحق، أَفَإِنْ عاد أحد إلى بطن الأرض، فَأَنْتَ باق على ظهرها؟!
فَهَلَّا رضينا بقضاء قد سَرَى، وصبرنا على ما قدَّر وقضى، واعتبرنا بِمَنْ قضى ومضى، فليس وراءَ ذلك وَايْمُ الله مِنْ خير.
فيا للنَّاس في غَفَلاتِهِمْ، كيف لا ينهاهم نُهَاهُمْ عن التَّسَخُّطِ عَلَى قدر الله تعالى الفعَّال لما يريد، الَّذي ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)﴾ [الأنبياء]! لا حَسْرَة وربِّي تنفع ولا جَزَع يشفع إذا ذكرت مَنْ ليس له إلى الدُّنيا مُرْتَجَعٌ،؛ فكلّ جديد لا أبا لك يمسي باليًا، فما البكاء على ميّت أصبح في قبره ثاويًا؟! سيَلْحَقُ آخِرُنَا بِأَوَّلِنَا، ويلقى مَنْ يَبْقَى ما لقي مَنْ مَضى.
نيطوها في رقبتي واعْصِبُوهَا برأسي، واحملوا النَّاس على أن يقولوا: بَرَدَ قلبُه رجاءَ رَحْمَةِ ربِّه، ولا تجمعوا بين مصيبتين: مصيبة الموت، ومصيبة ذهاب الأجر، فالجزع لا يردُّ المصائب وإنّما يضاعفها، وشفاء النَّفس ليس بالتَّندُّم.
إنَّ الموت وعد موعود، وورد مورود، فما الجزعُ مِنْ قَدَر مقدور؟! وما الطَّمع في دنيا غرور، كلّ ما فيها يزول!
أَلَا يا قومي، إِنَّ الله تعالى قد بَيَّنَ في كتابه صفات عباده بيانًا، فقال:
1 / 20
﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (٧٣)﴾ [الفرقان]،
فكونوا من المتيقّظين، وانظروا مصارع السَّابقين، ومصائر الغابرين، واعتبروا بالرَّاحلين، فكم وقعت أعينكم على محتضر، وقبر حفر، وإنسان قبر، أما لكم مُعْتَبر؟ "كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظًا يَا عُمَر"!
بالله رَبِّكُمْ ألم تروا إلى تلك الدِّيار الغابرة، كيف غدت؟! صارت أطلالًا بالية ومنازل خاوية وديارًا خالية، مضى أهلها في الأرض ترابًا، وأضحى قوم في أعقابهم عظامًا.
يُرَاعُ النَّاسُ إذا حملوا إلى القبور جنازة، وهم يعلمون أنَّهم لن يتلبَّثوا بعدها إلّا يسيرًا، فإذا نفضوا أيديهم من التُّراب وأسلموها، رَتَعُوا في نعمة زمنًا، ثمَّ لحقوا بها وصاروا في برزخ إلى يوم يبعثون، سادِمين نادمين على كلِّ ساعة لم يتزوَّدوا فيها من التَّقوى.
لله دَرُّ الدَّافنين لأحبَّة أما راعهم مثوى من الأرض ضيِّق؟! ما لهم لم تعِظْهم دموعٌ تستهلّ على من يغيَّب في ضريح، أو تهزّهم قلوب تحنو على من يوسَّد في حفرة عفراء تعاف نفوس وردها؟!
لا جَرَمَ أنَّ حسرة الإنسان تعظم حين تحضره الوفاة؛ لأجل ساعة لم ينفقها في طاعة الله تعالى، وَلَا غَرْوَ أنَّ فرحته تعظم لما قدَّمت يداه من تُقَىً لله؛ فَنَفْسَك نَفْسَك فاغنمها، شمِّر هُدِيت عن ساق واتَّزر، وشدَّ مئزرك مِنْ قبل التّنَدُّمِ وَالتَّحَسُّرِ على ما فرَّطت في جنب الله تعالى، واضْرَعْ إليه مبتهلًا، ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)﴾ [المؤمنون].
1 / 21