Ar-Risalah at-Tadmuriyyah

ابن تيمية d. 728 AH
28

Ar-Risalah at-Tadmuriyyah

الرسالة التدمرية

ناشر

المطبعة السلفية

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1399 ہجری

پبلشر کا مقام

القاهرة

الْمُحِيطِ إلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ، مَعَ خَرْقِ الْمَرْكَزِ، وَبِتَقْدِيرِ إحَاطَةِ قَبْضَتِهِ بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَالْحَبْلُ الَّذِي قُدِّرَ أَنَّهُ خَرَقَ بِهِ الْعَالَمَ وَصَلَ إلَيْهِ، وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ إدْلَاءً وَلَا هُبُوطًا. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَإِنَّ مَا تَحْتَ أَرْجُلِنَا تَحْتٌ لَنَا، وما فوق رؤوسنا فَوْقَ لَنَا، وَمَا نُدْلِيهِ من ناحية رؤوسنا إلَى نَاحِيَةِ أَرْجُلِنَا نَتَخَيَّلُ أَنَّهُ هَابِطٌ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ أَحَدَنَا أَدْلَى بِحَبْلِ كَانَ هَابِطًا عَلَى مَا هُنَاكَ، لَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا، وَالْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ إحَاطَةِ الْخَالِقِ ﷾، كَمَا بَيَّنَ أَنَّهُ يَقْبِضُ السَّمَوَاتِ وَيَطْوِي الْأَرْضَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ بَيَانُ إحَاطَتِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ. وَلِهَذَا قَرَأَ فِي تَمَامِ هَذَا الْحَدِيثِ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمَّا رَوَاهُ قَالَ: وَفَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ هَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَبَعْضُ الْحُلُولِيَّةِ والاتحادية يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْبَاطِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌّ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَنَّ وُجُودَهُ وُجُودُ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ ثَابِتًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَوْ أَدْلَى بِحَبْلِ لَهَبَطَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُدْلِي وَلَا فِي الْحَبْلِ، وَلَا فِي الدَّلْوِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُهُ بِالْعِلْمِ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، مَنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّة، بَلْ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَكُونُ دَالًّا عَلَى الْإِحَاطَةِ. وَالْإِحَاطَةُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَيْهَا، وَعُلِمَ أَنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْجُمْلَةِ مَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ وَلَا الشَّرْعَ، لَكِنْ لَا نَتَكَلَّمُ إلَّا بما نعلم، ومالا نَعْلَمُهُ أَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَمَا كَانَ مُقَدِّمَةُ

1 / 29