Al-Rawdah Al-Nadiyyah Sharh Matn Al-Jazariyyah
الروضة الندية شرح متن الجزرية
ناشر
المكتبة الأزهرية للتراث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
پبلشر کا مقام
القاهرة - جمهورية مصر العربية
اصناف
الروضة الندية شرح متن الجزرية
تأليف
الإمام العلامة المحقق الثقة المقرئ
أبو الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري الشهير بابن الجزري (٧٥١ هـ - ٨٣٣ هـ)
شرح
محمود محمد عبد المنعم عبد السلام العبد
صححه وعلق عليه
السادات السيد منصور أحمد
المكتبة الأزهرية للتراث
نامعلوم صفحہ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمد لله كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده حمدًا ملء السماوات والأرض وما بينهما، أحمده على نعمه وآلائه، وأصلي وأسلم علي سيدنا محمد ﷺ عبد الله ورسوله، الذي أرسله الله بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهو الرحمة المهداة، وسيد البشر، نبي ما طلعت الشمس على أشرق منه وجهًا ولا أنور، وأشهد أنه قد بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغُمَّة، وجاهد في الله حق جهاده، بأبي هو وأمي وبنفسي وبكل ما أملك، فجزاه الله عنا خير ما جزى به نبيًا عن أمته، اللهم أحينا على سنته، وتوفنا على ملته، واحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه، ولا تفتنا بعده، وارزقنا مرافقته في الفردوس الأعلى، ومتعنا معه بلذة النظر إلى وجهك الكريم، فأنت ذو الفضل العظيم، وارض اللهم عن أصحابه الطاهرين الكرام، فلقد رضينا عنهم لرضاك ورضا رسولك ﷺ عنهم، وعادينا كل من أبغضهم وعاداهم.
وبعد:
اعلم - أخي في الله - أن لله علينا نعمًا لا تُعد ولا تحصى، وأجَلُّ وأعظم هذه النعم القرآن الكريم، قال الله ﷿ في سورة النحل التي هي سورة النعم، قال سبحانه: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ...﴾ [النحل: ١، ٢] فأول نعمة ذكرها الله ﷿ هي نعمة إنزال الوحي على الرسل، وأجل الكتب السماوية القرآن الكريم؛ فهو النور والبرهان والحجة.
1 / 3
من سار على نهجه سلك، ومن تركه هلك، رفع الله به أقوامًا فجعلهم يمشون على الأرض، وقلوبهم ترفرف حول العرش، أحيا الله ذكرهم بالقرآن في حياتهم، وبعد موتهم، جعلهم رجالًا تحيا بذكرهم القلوب، حملوا راية الإسلام، ونقلوا لنا القرآن عذبًا كما أنزل، جعلنا الله منهم ... آمين.
جزى الله بالخيرات عنا أئمة ... لنا نقلوا القرآن عذبًا وسلسلًا (١)
وأَذَلَّ الله بهذا القرآن آخرين، لما تركوا العمل به، ولم يأتمروا بأوامره، ولم ينتهوا بزواجره، وهجروا قراءته، وتركوا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، فاسودت في وجوههم الدنيا، وأصبحوا كالبيوت الخربة، قلوبهم ميتة، لا تهزهم الآيات، ولا تنضح لهم الخبايا والعلامات، فقدوا التلذذ بحلاوة القرآن الكريم وما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم، فصاروا أقوامًا تموت بذكرهم القلوب، وتشمئز من ذكرهم النفوس، نسأل الله أن لا يجعلنا منهم ... آمين.
وبعد، فأقول:
إن مما دفعني إلى التقدم لشرح متن الجزرية للعلامة الإمام الثقة العدل بشهادة الأمة، الإمام أبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الجزري، الشهير بـ (ابن الجزري) - دفعني إلى ذلك - بعد رضا الله ﷿ وثوابه ما رأيته من حاجة بعض طلبة هذا العلم الشريف إلى شرح وافٍ لهذه المنظومة المباركة بإذن الله ﷿، وأيضًا ما رأيته من أخطاء يقع فيها كثير ممن يحفظون كتاب الله ﷿، والتي ينبغي أن لا يقعوا فيها، وأيضًا ما رأيته من إنكار بعض أساتذتي لبعض مواضع في كتب مختلفة من الكتب التي تتكلم في علوم التجويد، إلى غير ذلك.
ولقد ضمنت هذا الشرح إضافات وزيادات لابد من معرفتها،
_________
(١) من "حرز الأماني ووجه التهاني" للإمام الشاطبي.
1 / 4
وجمعت بفضل الله ﷿ فوائد من هنا وهناك، وبعض أقوال أهل العلم حتى يتضح المقال، ويظهر البيان، واعلم أن ما ضمنته في هذه الورقات هو أدنى جزء ينبغي لطالب علوم القرآن خاصة أن يَعْلَمَهُ، حتى يكون على بينة من أمره، وحتى يكون بإذن الله في طريقه لأن يكون مع السفرة الكرام البررة.
وعليك أخي طالب العلم، وأخص طالب علوم القرآن الكريم، أن تخلص لله ﷿ في الطلب، وتجتهد فيه، وتبذل من وقتك ومالك، لتتعلم شيئًا ينفعك في دنياك وآخرتك، وعلِّم القرآن لأي إنسان طلب ذلك منك، ولا تذله، وتواضع له، وتذكر أن ما عندك هو كله من فضل الله ﷿، وأنك كنت لا تعلم من ذلك شيئًا، وابتغ بذلك وجه الله ﷿ وثوابه، وسر على نهج رسول الله ﷺ وأصحابه والعلماء الصالحين، وتورع عن أن تأخذ أجرًا على تعليم كتاب الله ﷿، وعلّمه كلما أمكنك ذلك، وعلمه لمن هو أهل لذلك، واعمل بمقتضاه، وكن قرآنًا يمشي على الأرض كما كان رسول الله ﷺ قرآنًا يمشي على الأرض، واقرأه بتدبر وخشوع آناء الليل في قيامك، وأطراف النهار، واحرص على ما ينفعك، ولا تتدخل فيما لا يعنيك، وكن بارًا بوالديك، ولتكن عليك عزة المؤمن من غير تكبر، ولا تذل نفسك لحقيري النفس، ولا تركن إلى الدنيا وزينتها، وخذ منها ما يعينك على طاعة الله ﷿ ويجعلك في غنىً عن الناس، وتضرع إلى الله في الرخاء وفي الشدة، ولا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله ﷿، فهو من زينة المؤمن، واعلم أنك تحمل في صدرك أشرف وأعز وأعظم شيء وهو كلام الله ﷿، فاحفظ لذلك قدره، وضعه في موضعه، ولتكن شامة بين الناس، تمتاز بخلقك وسمتك وهيأتك ولباسك الإسلامي.
ولتكن حيث يحب الله أن يراك، ولا تكن حيث يحب الله أن
1 / 5
يفتقدك، واعلم أن كتاب الله ﷿ حمله إلينا الرجال المؤمنون المخلصون العباد الزهاد الثقات بشهادة الأمة الإسلامية، وبشهادة أعدائها، فلتكن واحدًا من هذا السند الشريف المبارك، ومن هذه الزمرة الطيبة، وتحلَّ بأخلاق عباد الله الصالحين.
وليكن قدوتك وأسوتك رسول الله ﷺ فاقرأ سيرته، وانظر إلى أخلاقه، واقرأ في سير الصالحين، وتخلق بأخلاقهم، ولا تغرنك زخرفة ورقات الكتب، ولا تنظر إلى الورق الأبيض والورق الأصفر، ولكن اهتم بمادة الكتاب العلمية، وانظر إلى فوائده، ولقد كان من العلماء من لا يجد ورقًا يكتب عليه فيكتب على ما يراه صالحًا للكتابة عليه، وطلبة العلم في هذه الأيام ترى كثيرًا منهم لا يشتري الكتاب لأن ورقه أصفر، وهو جاهل بهذه الدرر والكنوز التي يحتويها هذا الكتاب.
وغفر الله لي ولك ولإخواننا تقصيرنا في حق الله ﷿، ونسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وأسأل الله ﷿ أن ينفع بهذا الكتاب كاتبه وقارءه ومتعلمه وكل من شارك فيه وفي نشره، وأن يجعله زادًا لنا في الدارين، وأن يقبله منا، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يجعله في ميزان حسناتنا، اللهم اجز نبينا عنا خير ما جزيت به نبيًا عن أمته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وبارك على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
1 / 6
نبذة عن الإمام ابن الجزري
هو شيخ الإسلام العلامة الثقة المحقق المقرئ: أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الشهير بابن الجزري.
ولد ﵀ بدمشق الشام في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ٧٥١ هـ، ونشأ بها، وأتم حفظ القرآن الكريم في الرابعة عشرة من عمره، ثم أخذ علم القراءات إفرادًا ثم جمعًا.
رحل كثيرًا في طلب العلم، فرحل إلى مصر والحجاز والبصرة، وقرأ الحديث والفقه والأصول والمعاني والبيان على كثير من شيوخ مصر، وأجازه بالإفتاء الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير، وغيره.
وجلس للإقراء والتعليم، فكان يجلس للإقراء تحت قبة النسر بالجامع الأموي سنين، وتتلمذ على يديه خلق كثيرون وأئمة مُعْتَبَرُون.
كانت وفاته في شيراز في ضحوة الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول سنة ٨٣٣ هـ، ودُفن بدار القرآن التي أنشأها بها عن ٨٢ سنة، وترك خلفه مؤلفات عظيمة، وذِكْرًا طيبًا، وأئمةً أعلامًا.
﵀ ورضي عنه، وأسكنه الفردوس الأعلى، ورزقه مرافقة سيدنا محمد ﷺ وألحقنا الله سبحانه بهم ... آمين.
1 / 7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ابتدأ المؤلف ﵀ بما ابتدأ الله ﷿ به كتابه العزيز، واقتداءً بسنة رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع» وفي رواية: «بالحمد لله» (١).
والتسمية عبادة مطلوبة عند كل فعل، وكان رسول الله ﷺ حريصًا عليها عند قراءته للقرآن، وعند أكله وشربه، وعند كل أعماله، وعلى هذا كان الصالحون من عباد الله وعلماء الأمة.
(متن الجَزَرية):
المتن: هو الظَّهْرُ، ومتن الأرض هو ما ارتفع وصَلُبَ منها، ومتن الكتاب: الأصل الذي يُشرح، والجمع: مُتُون، وهو من (مَتُنَ الشيء) أي صَلُبَ وارتفع عن الأرض. (المعجم الوجيز).
يَقُولُ رَاجِي عَفْو رَبٍّ سَامِعِ ... مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِيِّ الشَّافِعِي
(راجي): طالب، (عفو) أي صفح، (رب): الرب هو السيد المدبر لشئون العباد، القائم بحوائجهم، محييهم ومميتهم والقادر عليهم، وهو الله ﷿. واعلم أن كلمة (الرب) إذا أطلقت لم يُرَد بها إلا الله ﷿، أما إذا أضيفت فهي إما أن تكون لله ﷿ أو لغيره حسب الكلام. تقول: (رب الأسرة) كناية عن الأب، وتقول (رب البيت) أي صاحبه.
(سامع) أي سامعًا لدعائه عالمًا بحاله.
(محمد بن الجزري الشافعي) سبق التعرف عليه.
_________
(١) الدقائق المحكمة ص: ٦، وقال: رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره.
1 / 9
الْحَمْدُ للَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ ... عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ... وَمُقْرِئِ الْقُرْآنِ مَعْ مُحِبِّه
(الحمد) أي الثناء لله ﷿، وقيل: الحمد بمعنى الشكر، وقيل: الحمد يكون باللسان والشكر يكون بالجوارح كلها، لقوله ﷿: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ [سبأ: ١٣]، وقيل: الشكر يكون مقابل نعمة، أما الحمد فلا يشترط فيه ذلك.
أما المدح فهو: الثناء، وهو إما أن يكون مقابلًا لفعل اختياري من شخص (كأن تمدح شخصًا قدَّم إليك معروفًا) أو غير ذلك (كأن تمدح شخصًا لحسنه وجماله).
قوله: (وصلى الله على نبيه) أي محمد ﷺ، والصلاة لغة: هي الدعاء، قال الله ﷿: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، أي: ادع لهم، والصلاة من الله ﷿ على نبيه ﷺ هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وإعلاء ذكره وتعظيم شأنه في الدنيا والآخرة.
وكان يَحْسُن بالمؤلف أن يذكر السلام على النبي ﷺ حيث أنه يُكْره أن يُذكر أحدهما دون الآخر؛ لقول الله ﷿: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].
و(النبئ والنبي) بالهمز وتركه: هو المخبر عن الله ﷿، وقيل في الفرق بين النبي والرسول ما يلي:
١ - النبي هو الرسول.
٢ - النبي هو من أرسل إلى قومٍ مؤمنين يوضح لهم معنى معينًا، أما الرسول فهو من أرسل إلى قوم كافرين.
٣ - النبي هو من أرسل متممًا لشريعة نبي قبله، مثل: عيسى ﵇، أما الرسول فهو من أرسل بدين جديد وبشريعة جديدة.
٤ - النبي هو من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ، أما الرسول فهو من أوحي إليه وأُمِرَ بالتبليغ، وعلى هذا يكون كل رسول نبي وليس العكس.
1 / 10
(ومصطفاه) من الصفوة وهي الخلوص أي: مختاره، روى الشيخان عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، وروى مسلم أنه ﷺ قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار» (١).
(محمد) رسول الله، والصلاة والسلام على النبي ﷺ فيها قولان:
الأول: أنها مستحبة.
الثاني: أنها واجبة، وأهل هذا القول اختلفوا على وجهين:
الأول: أنها واجبة مرة واحدة فقط في العمر كله.
الثاني: أنها واجبة على الدوام كلما ذكر النبي ﷺ.
(وآله) قيل: هم أتباع النبي ﷺ على دينه، وقيل غير هذا.
(وصحبه) بفتح الصاد، وحُكِيَ كسرها، والصحابي هو كل من اجتمع بالنبي ﷺ - ولو للحظة - مؤمنًا به ومات على ذلك.
فائدة:
استخدام كلمة (اجتمع) في هذا التعريف أولى من (لقى) أو (شاهد) وذلك لأنه يدخل فيها من يستطيع الرؤية ومن لم يستطعها مثل الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم ﵁.
(مقرئ القرآن) أي معلمه للناس، والعامل به.
(محبه) الضمير إما أن يكون للمقرئ أو للقرآن. أي: مقرئ القرآن ومتعلمه.
فائدة:
ذهب قوم من السلف الصالح إلى كراهة أن تقول: "صلى الله على
_________
(١) الدقائق المحكمة ص: ٧.
1 / 11
فلان" لاختصاصه بالأنبياء، وذهب آخرون إلى جواز ذلك لقول رسول الله ﷺ: «اللهم صل على آل أبي أَوْفَى». أي على أبي أَوْفَى، ولكن بمراعاة أمرين:
الأول: أن يكون هذا على سبيل الدعاء لهذا الشخص.
الثاني: أن لا يكون هذا على سبيل التكرار.
وَبَعْدُ إِنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَهْ ... فِيمَا عَلَى قَارِئِهِ أَنْ يَعْلَمَهْ
(وبعد): لفظ يستخدم عند الانتقال من أسلوب لآخر، وقيل: يُستخدم عند الدخول في موضوع الكلام وهذا أصح والله أعلم.
(إن هذه) المنظومة، (مقدمة): بكسر الدال، وهي أول الشيء مثل: (مقدَّمة الجيش)، وبفتحها مثل: (مقدَّمة الرحل). والأول أشهر.
(فيما على قارئه أن يعلمه) أي فيما يجب على قارئ القرآن - فضلًا عن معلِّمه - أن يعلمه.
إذْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ مُحَتَّمُ ... قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوَّلًا أَنْ يَعْلَمُوا
مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَالصِّفَاتِ ... لِيَلْفِظُوا بِأَفْصَحِ اللُّغَات
حيث أن ذلك واجب عليهم - قبل الشروع في تعلم القرآن الكريم وتعليمه حتى يكونوا على الطريق المستقيم - أن يعلموا (مخارج الحروف) أي مواضع خروج الحروف الصحيحة، وأيضًا أن يعلموا صفات كل حرف من الشدة والرخاوة ... إلى غير ذلك. كل هذا حتى يلفظوا وينطقوا بأفصح اللغات وأعذبها، وهي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، جاء في الأثر أن رسول الله ﷺ قال: «أحب العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي».
واللغات جمع لغة وهي أصوات يُعَبّرُ بها كل قوم عن أغراضهم (١).
_________
(١) القاموس المحيط (٣/ ٣٧٨).
1 / 12
مُحَرّرِي التَّجْويدِ والمواقِفِ ... ومَا الذي رُسِمْ في المصَاحِفِ
مِنْ كُلّ مَقْطُوعٍ ومَوْصولٍ بهَا ... وتَاءِ أُنْثَى لَمْ تَكُنْ تُكْتَبْ بِهَا
أي محققين بهذا تجويد القرآن على أتم وجه، عالمين به، وعالمين بمواضع الوقف ومواضع الابتداء، وأيضًا عالمين بما رسم مقطوعًا وما رسم موصولًا في المصاحف العثمانية، وما رُسم مكتوبًا بالتاء المفتوحة والذي رُسم بالتاء المربوطة، من تاءات التأنيث، والله أعلى وأعلم.
1 / 13
باب
مخارج الحروف (١)
(مخارج) هي جمع مخرج: وهي عبارة عن موضع خروج الحرف من الفم وهي مختلفة كما سيأتي بيانه.
والكلام في مخارج الحروف من أهم ما يحتاج إليه القارئ والمقرئ، وإن كان أكثر مؤلفي علوم القراءات لا يذكرونه فإنهم يحيلونه على كتب التجويد، وقد ذكره الشاطبي رحمه الله تعالى في آخر كتابه: والأوْلى تقديمه ليحيط به المبتدئ علمًا قبل شروعه لما ينبني على ذلك من الإظهار والإدغام والإمالة والترقيق والتفخيم، وكذا ما يتعلق بصفات الحروف وتجويدها والوقف والابتداء وغير ذلك.
والحروف: جمع حرف، والحرف لغة: هو طَرف الشيء يُقال: هذا حرف كذا: أي طرفه.
واصطلاحًا: هو الصوت المعتمد على مخرج محقق أو مقدر، والمخرج المحقق هو ما كان اعتماده على جزء معين من أجزاء الحلق أو اللسان أو الشفتين أو الخيشوم، والمخرج المقدَّر هو: ما لا يعتمد على شيء مما سبق.
ويتوقف فهم مخارج الحروف على مدى فهم ودراسة المخارج على اللسان، وعلى معرفة أسماء الأسنان داخل فم الإنسان، وهي (٢) اثنتان وثلاثون سنة، ستَّ عشرة منها في الفك العُلوي، وست عشرة منها في الفك السفلي، وهي على أربعة أنواع:
الأول: الثنايا: جمع ثَنِيَّة، وهي أربعة أسنان في مقدمة الفم، اثنتان
_________
(١) معظم محتويات هذا الباب والذي بعده منقول من: شرح الطيبة، وأحكام تلاوة القرآن الكريم، والدقائق المحكمة، وقد يُنقل مختصرًا بتصرف أحيانًا.
(٢) أحكام تلاوة القرآن الكريم ص: ٥٩ - ٦٠ (الهامش).
1 / 14
في الفك العُلوي، وتسمى: الثنايا العليا، واثنتان في الفك السفلي وتسمى: الثنايا السفلى.
الثاني: الرَّبَاعِيَات: جمع رَبَاعِيَة (بفتح الراء وتخفيف الياء)، وهي أربعة أسنان تلي الثنايا: سِنٌ واحدة من كل جانب.
الثالث: الأنياب: جمع ناب، وهي أربعة أسنان تلي الرَّبَاعِيَات، سنٌ واحدة من كل جانب.
الرابع: الأَضْرَاس: جمع ضرس، وهي عشرون سنًا، وهي على ثلاثة أنواع:
الأول: الضَّوَاحِك: جمع ضاحك، وهي أربعة أسنان تلي الأنياب، سِنٌ واحدة من كل جانب.
الثاني: الطَّوَاحِن (أو: الطَّوَاحين) جمع طاحن، وهي اثنتا عشرة سِنًا، ستة في الفك العلوي، ثلاثة من الجانب الأيمن وثلاثة من الجانب الأيسر، وستة في الفك السفلي، ثلاثة من كل جانب.
الثالث: النَّوَاجِذ، جمع ناجذ، وهي أربعة أسنان في آخر الفم بعد الطواحن، ويُسمى الناجذ: ضرس العقل أو ضرس العِلم، والمستعمل في المخارج من هذه الأسنان ثمانية عشر سنًا، وهي الستة عشر من الفك العلوي، والثَّنِيَّتَان السُّفليتان (في حروف الصفير وهي: ص، ز، س).
(مَخَارِجُ الحُرُوفِ) سَبْعَةَ عَشَرْ ... عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ
اختُلِفَ في عدد مخارج الحروف، فالفصيح عند الناظم وجماعة من المحققين أنها سبعة عشر مخرجًا وهو الذي اختير من حيث الاختبار، وقال كثيرون من النحاة والقراء إنها ستة عشر لإسقاطهم مخرج الجوفية وهي حروف المد واللين فجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق، والواو والياء من مخرج
1 / 15
المتحركة، وذهب آخرون إلى أنها أربعة عشر لإسقاطهم مخرج النون واللام والراء فجعلوها من مخرج واحد.
واختلاف العلماء في عدد مخارج الحروف على أربعة مذاهب:
المذهب الأول: أنها تسعة وعشرون مخرجًا بعدد حروف الهجاء، لكل حرف مخرجٌ خاص به.
وحجتهم في ذلك: أنه لو لم يكن لكل حرف مخرج خاصٌ به يميزه عن الآخر، لاختلطت الحروف، ولمَا تميّز بعضها من بعض، فكان لكل حرف مخرج خاص به ليتميز عن الآخر، ولا يختلط بغيره.
وهذه الحُجة لا وزن لها ولا اعتبار؛ ذلك لأن اشتراك بعض الحروف في مخرج واحد لا يَلزم منه اختلاطها وعدم تميُّز بعضها من بعض؛ لأن لكل حرف صفاته الخاصة التي تميزه عن غيره وتمنع اختلاطه به، فلا غضاضة في اجتماع بعض الحروف في مخرج واحد؛ لأن اختلاف الصفات كفيلٌ بتمييز كل حرف عن الآخر.
قال ابن الجزري (١): "كل حرف شارك غيره في مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات، وكل حرفٍ شارك غيره في صفاته فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالمخرج".
وقال الإمام مكي بن أبي طالب (٢): "الحروف تكون من مخرج واحد، وتختلف صفاتها، فيختلف لذلك ما يقع في السمع من كل حرف، وهذا تقارب بين الحروف من جهة المخرج، وتباين في الصفات.
وتكون الحروف من مخرجين، وهي مختلفة الصفات، فهذا غاية التباين، إذ قد اختلفت في المخارج والصفات.
_________
(١) النشر (١/ ٢٠٤).
(٢) الرعاية، ص: ١٥٦.
1 / 16
وتكون من مخرجين، متفقة الصفات، فهذا أيضًا تقارب بين الحروف من جهة الصفات، وتباين من جهة المخرج، فافهم هذا، فعليه مدار الحروف كلها".
ثم قال: "ولا تجد أحرفًا من مخرج واحد متفقة الصفات البتة؛ لأن ذلك يوجب اتفاقها في السمع، فلا تفيد فائدة".
المذهب الثاني: مذهب الأكثرية من النَّحْوِيِّين وعلى رأسهم الخليل بن أحمد شيخ سيبويه، والقرّاء وعلى رأسهم المحقق الإمام ابن الجزري، وهو المذهب المختار المعمول به: أنها سبعة عشر مخرجًا، وهي منحصرة في خمسة مخارج كلية:
الأول: الجوف (١)، وهو مخرج واحد.
الثاني: الحلق، وفيه ثلاثة مخارج.
الثالث: اللسان، وفيه عشرة مخارج.
الرابع: الشفتان، وفيهما مخرجان.
الخامس: الخَيشُوم، وفيه مخرج واحد.
المذهب الثالث: وهو مذهب سيبويه وأتباعه: أنها ستة عشر مخرجًا، وتنحصر في أربعة مخارج:
الأول: الحَلْقُ بمخارجه الثلاثة.
الثاني: اللسان بمخارجه العشرة.
الثالث: الشفتان بمخرجيهما.
الرابع: الخيشوم بمخرجه.
وأسقطوا الجَوف، وجعلوا الألف كالهمزة تخرُج من أقصى الحلق،
_________
(١) الجوف لغة: الخلاء، واصطلاحًا: خلاء الحلق أو الفم.
1 / 17
وجعلوا الياء المدية كغير المدية تخرج من وسط اللسان، وجعلوا الواو المدية كغير المدية تخرج من الشفتين.
قال العلامة علي القارئ (١): "معنى جَعْل سيبويه الألف من مخرج الهمزة: أن مبدأه مبدؤ الحلق، ويمتد ويمر على جميع هواء الفم، وهذا أيضًا معنى قول مكي (٢): لكن الألف حرفٌ يهْوِي في الفم، حتى ينقطع مخرجه في الحلق.
فنُسِب في الخروج إلى الحلق لأنه آخر خروجه؛ إذ لا منافاة بين أن يكون مبدؤه مبدأ الحلق، وانقطاع مخرجه في الحلق؛ لأن المراد: أنه ليس له اعتماد على شيء من أجزاء الفم، بل يبتدئ من الحلق، وينتهي إلى الصوت الناشئ من الحلق.
قال: وعلى هذا، وهو أن يكون مبدؤه الحلق ومنقطع مخرجه في الحلق، يُحْمَل جَعْلُ الشاطبي وغيره الألف حلقيًا، وينزَّل قوله مع غيرهم في هذه الحروف، أعني الواو والياء غير المدية". انتهى.
المذهب الرابع: وهو مذهب الفَرّاء ومن شايعه: أنها أربعة عشر مخرجًا بإسقاط مخرج الجوف، وتوزيع حروفه على الحلق ووسط اللسان والشفتين كمذهب سيبويه، وجعل مخرج اللام والنون والراء مخرجًا واحدًا كليًا منقسمًا إلى ثلاثة مخارج جزئية.
وعلى هذا المذهب يكون في الحلق: ثلاثة مخارج كالمذهبين قبله، وفي اللسان: ثمانية، وفي الشفتين: مخرجان، وفي الخيشوم: مخرج.
فائدة:
الخلاف بين الخليل، وبين سيبويه والفراء، ليس اختلافًا حقيقيًا، بل هو مبنيّ على أمرين:
_________
(١) المنح الفكرية، ص: ١١.
(٢) الرعاية، ص: ١٢٨.
1 / 18
الأول: ملاحظة مدى اعتماد الصوت على المخرج قوةً وضعفًا، في حروف الجوف.
الثاني: ملاحظة قُرْب المخرج في (ل، ن، ر).
وقوله: (من اختبر) أي من طلب خبر ذلك ومعرفته.
واختبار مخرج الحرف بحقه هو أن يلفظ بهمزة الوصل (أو أي حرف متحرك وهمزة الوصل أولى) ويأتي بالحرف بعدها ساكنًا أو مُشددًا، وهو أبين، مع ملاحظته صفات ذلك الحرف.
وهاك الكلام على هذه المخارج تفصيلًا على المذهب المختار وهو مذهب ابن الجزري.
فَأَلِفُ الجَوْفِ وأُخْتَاهَا وَهِي ... حُرُوفُ مَدٍّ للْهَوَاءِ تَنْتَهِي
أي المخرج الأول الجوف وله: الألف واسمه: الهاوي، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، وهي التي يقال لها حروف المد واللين، وتسمى: الجوفية.
قال الخليل: وإنما نسبن إلى الجوف؛ لأنه آخر انقطاع مخرجهن، وتسمى الهاوية أيضًا لأنها تنتهي إلى الهواء، أي تتصل به بخلاف غيرها من الحروف.
وذكر سيبويه في تسميته الألف بالهاوي فقال: هو حرف اتسع بهواء صوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو؛ لأنك تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك.
وقال العلامة أبو شامة: وتسمى هذه الحروف الثلاثة الهاوية؛ لأنها تخرج من هواء الفم.
وقوله: (وأختاها) يعني أختي الألف - الياء والواو - في المد؛ لمشاركتهما لها في كون كل واحدة منها حركةُ ما قبلها من جنسها.
وقوله: (تنتهي) أي انتهاء مقطعها الهواء، فهي تتصل به، وليس ذلك لغيرها من الحروف؛ ولهذا امتازت بمخرج واحد.
1 / 19
واعلم أن الألف لا تخرج إلا من الجوف؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وأما الواو فلا تخرج من الجوف إلا إذا كانت ساكنة وكان ما قبلها مضمومًا، فإذا كانت متحركة أو ساكنة وقبلها مفتوح فإنها تخرج من الشفتين، وكذلك الياء لا تخرج من الجوف إلا إذا سكنت وانكسر ما قبلها، فإن تحركت أو سكنت وانفتح ما قبلها فإنها تخرج من وسط اللسان.
فحينئذ يكون للألف مخرجٌ واحد مقدر وهو الجوف، ويكون لكل من الواو والياء مخرجان: أحدهما مقدرٌ وهو الجوف، وذلك إذا سكن كل منهما وانضم ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء. والثاني محقق، وذلك إذا كان كل منهما متحركًا أو ساكنًا بعد فتح، فيكون مخرج الواو حينئذ من الشفتين، والياء من وسط اللسان. والله أعلم.
قال الشيخ الأنصاري فيما يتعلق بمخارج الحروف:
"وتتميز - أي حروف المد واللين - بتصعد الألف وتسفل الياء واعتراض الواو، ونُسبت إلى الجوف لأنه آخر انقطاع مخرجها، وسميت حروف المد واللين؛ لأنها تخرج بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها، فإن المخرج إذا اتسع؛ انتشر الصوت وامتد ولان، وإذا ضاق؛ انضغط فيه الصوت وصلب. وكل حرف مساوٍ لمخرجه إلا هي؛ فلذلك قبلت الزيادة. واعلم أن كل مقدار له نهايتان أيتهما فرضت أوله كان مقابله آخره، ولما كان وضع الإنسان على الانتصاب كان رأسه أوله ورجلاه آخره، ومن ثَمَّ كان أول المخارج الشفتين: وأولهما مما يلي البشرة وآخرهما مما يلي الأسنان. وثانيهما اللسان، وأوله مما يلي الأسنان وآخره مما يلي الحلق، وهو - أي الحلق - ثالثها: وأوله مما يلي اللسان وآخره مما يلي الصدر. ولو كان وضعه على التنكيس لانعكس، ولما كانت مادة
1 / 20
الصوت الهواء الخارج من داخل؛ كان أوله آخر الحلق، وآخره أول الشفتين، فرتَّب الناظم - كالجمهور - الحروف باعتبار الصوت حيث قال: فألف الجوف ... إلى آخر ما يأتي. ورتب تسمية المخارج باعتبار وضعها حيث جعل الأبعد مما يلي الصدر والأقرب مقابله" (١) اهـ.
لاحظ أن: هذه المخارج هي المخارج الثلاثة الأم، وكل منها يحتوي على مجموعة من المخارج.
وقُلْ لأَقْصَى الحَلْقِ هَمْزٌ هَاءُ ... ثُمَّ لِوَسْطِهِ فَعَيْنٌ حَاءُ
وهذا المخرج الثاني وهو أقصى الحلق وله حرفان الهمزة والهاء.
قوله: (ثم لوسطه) أي يتلوه المخرج الثالث وهو وسط الحلق وله العين والحاء، والضمير في لوسطه عائد إلى الحلق.
أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا والْقَافُ ... أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقَ ثُمَّ الْكَافُ
وهذا المخرج الرابع وهو أدنى الحلق: أي أقربه إلى اللسان، وله حرفان وهما الغين والخاء، وهذه الأحرف تسمى الحلقية؛ لأنها تخرج من الحلق، والمخرج الخامس أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك وهو للقاف.
قوله: (ثم الكاف) ثم المخرج السادس وهو أقصى اللسان من أسفل وهو للكاف ويسمى كل منهما لهويًا؛ لأنه يخرج من اللهاة وهي بين الفم والحلق.
أَسْفَلُ وَالْوَسْطُ فَجِيمُ الشِّينُ يَا ... وَالضَّادُ مِنْ حَافَّتِهِ إِذْ وَلِيَا
قوله: (والوسط) أي المخرج السابع وسط اللسان، وبينه وبين وسط الحنك، وهو للجيم والشين والياء غير المدية، وتسمى الشجرية؛ لأنها
_________
(١) الدقائق المحكمة، ص: ١٢.
1 / 21
تخرج من الشجر؛ وهو عند الخليل مفرج الفم: أي مفتحه، وقال غيره: مجمع اللحيين. والمخرج الثامن أول حافة اللسان وما يليه من الأيسر عند الجمهور ومن الأيمن عند الآخرين وهو للضاد، وهو عند الخليل من الحروف الشجرية كما تقدم في تفسير الشجر.
لاضْرَاسَ مِنْ أَيْسَرَ أَوْ يُمْنَاهَا ... وَاللاَّمُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا
قوله: (لا ضراس) أي الأضراس، فنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وهو منصوب بـ (وَليَ).
وقوله: (من أيسر أو يمناها) أي من الجانب الأيسر عند الجمهور، أو من الجانب الأيمن عند الآخرين، وقدم الأيسر؛ لأنها منه أيسر.
وقوله: (واللام أدناها لمنتهاها) أي المخرج التاسع وهو أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه وهو للام.
وَالنُّونُ مِنْ طَرْفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا ... وَالرَّا يُدَانِيهِ لِظَهْرٍ أَدْخَلُوا
أي المخرج العاشر وهو طرف اللسان أسفل اللام للنون.
قوله: (والراء) أي المخرج الحادي عشر وهو طرف اللسان أيضًا يداني مخرج النون ولكنه أَدْخَل إلى ظهر اللسان قليلًا، وهذه الحروف الثلاثة تسمى الذلقية نسبة إلى ذلق اللسان: أي طرفه.
وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَتَا مِنْهُ وَمِنْ ... عُلْيَا الثَّنَايَا والصَّفِيْرُ مُسْتَكِنْ
أي المخرج الثاني عشر وهو طرف اللسان ومن أصول الثنايا العليا للطاء والدال والتاء وتسمى النطعيَّة لأنها تخرج من نطع الغار الأعلى وهو سقفه، والثنايا قسمان: عليا وسفلى، فميز بالرضافة نحو: عليُّ القوم، وليس في كل جهة إلا ثنتيان لكن المجموع أربعة، فعبَّروا عن المثنى بالجمع تخفيفًا وهو هنا أولى، من قولك: (غليظ الحواجب)، (عظيم المناكب).
قوله: (والصفير) أي المخرج الثالث عشر وهو لحروف الصفير، وهي الصاد والزاي والسين - كما سيأتي في صفات الحروف - وهو بين طرف اللسان
1 / 22