77

المواقف

المواقف في علم الكلام

تحقیق کنندہ

عبد الرحمن عميرة

ناشر

دار الجيل

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1417 ہجری

پبلشر کا مقام

بيروت

الوجه الثالث وهو الدال على غلط الحس في تلك الأحكام بسبب عروض عارض من نوم أو مرض النائم يرى في نومه ما يجزم به في النوم جزمه بما يراه في يقظته ثم يتبين له في اليقظة أن ذلك الجزم كان باطلا وكذا المبرسم أي صاحب البرسام قد يتصور صورا لا وجود لها في الخارج ويشاهدها ويجزم بوجودها ويصيح خوفا منها فجاز في غيرهما مثله أي مثل ما ذكر فيهما من الغلط إذ يجوز أن يكون للإنسان حالة ثالثة يظهر له فيها بطلان ما رآه في اليقظة وأن يكون له أمر عارض لأجله يرى ما ليس بموجود في الخارج موجودا فيه والسبب في غلطهما أن النفس بسبب النوم للاستراحة أو للاشتغال بدفع المرض تغفل عن ضبط القوة المتخيلة فتسلط على القوى فتركب صورا خيالية ترسمها في الحس المشترك على نحو ارتسام الصور فيه من الخارج بالإحساس حال اليقظة والصحة فتدركها النفس وتشاهدها وتعتقد أنها وردت عليها من الخارج لاعتيادها بذلك لا يقال ذلك أي غلط النائم والمبرسم بسبب لا يوجد ذلك السبب في حال اليقظة والصحة قطعا فلا يقع فيهما الغلط أصلا لأنا نقول انتفاء السبب المعين لا يفيد لجواز أن يكون للغلط سبب آخر في اليقظة والصحة مغاير لما كان سببا له في النوم والمرض بل لا بد من حصر الأسباب المقتضية للغلط حصرا عقليا لا يتصور له سبب خارج عنه وبيان انتفائها بأسرها وبيان وجوب انتفاء المسبب عند انتفائها وكل واحد من هذه الثلاثة التي لا بد منها في نفي الغلط عن أحكام الحس مما لو ثبت فالبنظر الدقيق إذ كل واحد منها مما يتطرق إليه الشكوك والشبه بل حصر أسباب الغلط وبيان انتفائها بكليتها مما لا سبيل إليه أصلا وأنه أي ثبوت كل واحد من الثلاثة بالنظر الدقيق ينفي البداهة أي الضرورة وأيضا لما توقف الجزم بالحكم الحسي على العلم بتلك الأدلة الدقيقة لم يكن مجرد حكم الحس مقبولا والعجب ممن سمع هذا الذي ذكرناه من أن انتفاء السبب المعين لا يفيد بل لا بد من الأمور الثلاثة إلى آخر ما قررناه ثم اشتغل في الأمثلة المذكورة ببيان أسباب الغلط المعينة وانتفائها في غيرها وأعجب منه أي من العجب الذي أشرنا إليه منع كون الحس حاكما بناه على أن الحكم تأليف بين مدركات بالحس أو بغيره على وجه يعرض للمؤلف لذاته إما الصدق أو الكذب وذلك إنما هو للعقل وليس من شأن الحس التأليف الحكمي بل من شأنه الإحساس فقط فليس شيء من الأحكام محسوسا في ذاته نعم إذا قارن المحسوس حكم عقلي يقال له حكم حسي لصدوره عن العقل بواسطة إدراك الحس لذلك المحسوس فليس الحس حاكما بل العقل حاكم بواسطة الحس وإنما كان أعجب لأنه يؤول إلى نزاع لفظي إذ مقصودنا بحكم الحس حكم العقل بواسطته فهذا المنع مما لا يجدي نفعا أصلا ونحن نقول إذا سلم الخصم المعترف بالبديهيات أن الحكم في المحسوسات إنما هو للعقل أو أثبتنا ذلك عليه كانت الشبه التي ذكرناها دالة على غلط العقل في الأحكام الصادرة عنه بمعاونة الحس وذلك مما يورث احتمال تطرق الغلط في الأحكام التي يستقل العقل بها إذ لا شهادة لمتهم فلو تمت تلك الشبه لارتفع الوثوق عن البديهيات إيضا فتصير تلك الشبه منقوضة بها وهذه فائدة جليلة مبنية على أن الحس ليس حاكما فإن أجاب عن النقض بأن البداهة تنفي احتمال الغلط فيما جزمت بها بنفسها قلنا فكذلك البداهة تنفي احتمال الغلط في بعض المحسوسات فلا يرتفع الوثوق ههنا أيضا وأما بيان الأسباب في الأغلاط المذكورة فالمقصود منه الاطلاع على حقيقة الحال في هذه المغالط أو إزالة ما عسى يشوش النفس من الدغدغة وزيادة اطمئنانها في سائر المحسوسات لا إثبات الأحكام الحسية بدليل كما صرح به ناقد المحصل حيث قال ونحن لم نثبت الوثوق بالمحسوسات بدليل بل نقول العقل الصريح يقتضيه ثم قال وأما قوله انتفاء السبب الواحد لا يوجب انتفاء الحكم قلنا نعم لو أثبتنا صحة الحكم بثبوت المحسوسات في الخارج بدليل لكان الأمر على ما ذكره لكنا لم نثبت ذلك إلا بشهادة العقل من غير رجوعه إلى دليل فليس علينا أن نجيب عن هذه الإشكالات فإن احتمال عدم الصحة فيما يشاهده الأصحاء مندفع عند بداهة العقل من غير تأمل في الأسباب وحصرها وانتفائها وبيان امتناع حصول المسبب عند انتفاء الأسباب وغير ذلك مما يثبت بالنظر الدقيق أو الجلي فظهر أنه لا تشنيع على ذلك الناقد ومن تابعه

صفحہ 91