Al-Manaah al-Aliyah fi Bayan al-Sunan al-Yawmiyah
المنح العلية في بيان السنن اليومية
ناشر
مكتبة دار الحجاز للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الثالثة والعشرون
اشاعت کا سال
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢٢ م
پبلشر کا مقام
السعودية
اصناف
مقدمة فضيلة الدكتور/ خالد بن علي المشيقح
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد قرأت في هذا المؤلف للشيخ: عبدالله بن حمود الفريح [المنح العليَّة في بيان السنن اليومية].
فقد ألفيته مؤلفًا مفيدًا عمل على استقصاء السنن اليومية الفعلية والقولية في الليل والنهار المنفردة والتابعة لغيرها مما ثبت بالدليل.
فجزاه الله خيرًا، ونفع بمؤلفه آمين، وبالله التوفيق.
كتبه/
د. خالد بن علي المشيقح
1 / 5
مقدمة الطبعة العشرين
الحمد لله الذي امتن على عباده بعظيم العطايا والهبات، وأرشدنا إلى خيري الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة وهداية للعالمين، دعا لتوحيد الله تعالى، وفرائضه وبين سنته قولًا وعملًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد …
إليك - أخي القارئ - الطبعة الجديدة من هذا الكتاب والتي عملت فيها على تصحيحات يسيرة لبعض الأخطاء المطبعية السابقة، مع إضافة سنية قراءة سورة الإخلاص كل ليلة والكلام على ما رواه الترمذي وغيره من حديث أبي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ الله عَنِ اللَّهُ ﵎ أَنَّهُ قَالَ: «ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ»، وإنني أحمد الله تعالى على تعدد طبعات هذا الكتاب، حيث طبع الكتاب في عدة دُوْرٍ في الوطن العربي، وبلغت ترجماته لأكثر من ثلاثين لغة حول العالم، وهذه هي الطبعة العشرون للكتاب الذي أرجو بره وذخره يوم لقاء الله تعالى، كما أنني أرجو ثوابه لكل من شاركني فيه برأي أو توجيه، أو طباعة، أو ترجمة أو فكرة أو تدريس له، أو دلالة عليه، أو نشر شيء منه، والله تعالى أسأل أن يجعله من العلم النافع المورث للعمل الصالح، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
د. عبد الله بن حمود الفريح
١٤٤٢/ ٧/١ هـ
1 / 7
مقدمة
الحمد لله القائل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١]، والحمد لله الذي أرسل لنا خير رسله، وأنزل علينا أفضل كتبه، وهيَّأ للوحيين حملة من الصحابة، ومن تبعهم من السَّلَف الذين حملوهما، وأوصلوهما بأقوالهم، وما سطَّره التاريخ من أفعالهم، فكانوا خير حامل لخير محمول، فجاءت نماذجهم مُشرقة، ومعبرة عن حُبِّهم لنبيهم ﷺ.
ثُمَّ الصَّلاة والسَّلام على خير الورى، من بلَغتْ سنتُه الخليقة والأُلى، وخير من صلَّى وصام ودعا، وخير من بيَّن لأمته طريق الهدى، فتركها على محجة بيضاء نجا بها كل من سمع ووعى، صلَّى الله عليه وعلى آله، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدِّين. ثم أمَّا بعد …
أخي القارئ:
أسْطُر وصفحات، فيها سُنَن وعبادات، سُنَن مأثورة، وعبادات مجهولة ومعلومة، وأخرى مهجورة، إنها مِنَحٌ من الله -جلَّ في علاه- لهذه الأمَّة؛ ليستزيدوا من الطاعات، وهي مِنَحٌ؛ لِمَا فيها من مضاعفة الأجور التي لم تكن للأمم السَّابقة، منحها جلَّ وعلا هذه الأمَّة، واستودع فيها ثمرات عظيمات لمن سارع إليها، فهي مِنَحٌ عالية الفضل،
1 / 9
جليلة القدر، عظيمة الثمرة، اقترح عليَّ كتابتها أحدُ الإخوة الفضلاء -جزاه ربي خير الجزاء- وكان دافعًا لي في تسطيرها سببان رئيسان:
أولهما: ما مجَّ سمع كل مسلم، وأحزن قلب كل موحِّد، وأبكى عين كل مُحِب لخليل الله نبينا ﷺ حينما نيل منه، ورُسم عنه من قِبَل مَنْ سخروا منه، واستهزؤوا برسم كاريكاتيرات ساخرة تُسيء له -فداه أبي وأمي- وإلى يومنا هذا ما زلنا نسمع بمثل هذا من بلد وآخر، ولا عجب من ذلك؛ فقد تبع هؤلاء جميعًا كفار قريش، وغيرهم حينما آذوه وسخروا منه، فنال الصحابة -رضوان الله عليهم- ممن نال وآذى رسول الله ﷺ، والدفاع عن حقِّ رسول الله ﷺ دَيْنٌ على كل الأمَّة حتى يُردَّ حقُّه ﷺ.
ومِنْ أهم أنواع الدِّفاع عنه: الدِّفاع عن سنته، وإظهار أخلاقه ﷺ التي شوَّهها الغرب، والتعريف بهديه والحث على تطبيقه بنشر الكتب في ذلك، وأولى النَّاس تطبيقًا لهديه ﷺ، والمسارعة لسنَّتِه هم أهل دينه، فإنَّ من يردّ عن عِرض النَّبي ﷺ بقوله ينبغي أن يكون من أحرص الناس على الامتثال لأوامر النَّبيِّ ﷺ وهديه، وتطبيق سُنَنِه بفعله أيضًا، فيحيي سُنَّة النَّبي ﷺ في نفسه، وفي مجتمعه، وبين أهله وأولاده، وطلابه، وإخوانه.
والسبب الثاني: هو ما يشهده واقعنا اليوم من التفريط في سُنَّة النَّبي ﷺ وامتثالها، بِحُجة أنها مما يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، ولو تتبعت -أخي القارئ- سُنَّة النَّبي ﷺ لَمَا وجدت فيها أنَّ الصحابة -في غالب أمرهم- يُفرِّقُون في الأوامر بين الواجبات، والمستحبات من حيث السؤال والتطبيق، بل هم أحرص الناس على الخير، وأشدهم أسفًا لفواته ولو كان نافلة، بينما في واقعنا تجد من يعرف فضائل عديدة، وعظيمة في سُنَن كثيرة عَلِمَها ولم يعمل بها، ولو لمرَّة واحدة، ولربما رأيت من تظهر عليه مظاهر الصَّلاح والاستقامة، وحُبُّ الخير، ويُرى
1 / 10
مفرِّطًا في كثير من السُّنن بل جُلِّها!! فلا تجد سُنَّة النَّبي ﷺ ظاهرة عليه في سَمْتِه، وأخلاقه، وتعامله، وعبادته، بل ربما كان هذا شأن بعض مَنْ طَلَبَ العلم وحَرِصَ عليه، ثم تراه متراجعًا في عمله وحرصه على السُّنَّة، مع معرفته بكثير من المسائل العلميَّة، والسُّنَن النبويَّة، ولئن كان السلف يعرِّفون العلم: بالخشية التي تورث زيادةً في الطاعات، والعبادات، والحرص عليها، فما مدى تأثير عِلْمِنا، ومعرفتنا بالخلاف، وأدلة كثير من المسائل، في تطبيق كثير من السُّنَن، والعبادات؟
قال أحدهم لآخر يستكثر من العلم ولا يعمل: «يا هذا إذا أفنيتَ عمرك في جمع السلاح فمتى تقاتل؟!».
ولقد كان السَّلَف ﵏ يذمُّون من يعلم ولا يعمل، وكذا من يجمع العلم بلا عمل، ولمَّا بكَّر أصحاب الحديث مرَّةً على الأوزاعي التفت إليهم، فقال: «كم من حريصٍ، جامعٍ، جاشعٍ ليس بمنتفعٍ، ولا نافعٍ»، ولمَّا رأى الخطيب البغدادي ﵀ كثرة من يهتم برواية الحديث، وحفظه، مع قِلَّة العمل، ألَّف رسالة قيِّمة، عنوانها: [اقتضاء العلم العمل].
فما تقدَّم هو حال كثير منَّا، ولا أنكر أنَّ هناك نماذج مشرقة في واقعنا، لكن مظاهر التفريط بالسُّنَّة كثيرة، وتأمل -أخي المبارك- ما سيأتي من بعض النَّماذج للرَّعيل الأول -الذين اقتربوا من سُنَّة النَّبيِّ ﷺ حِسًَّا وعملًا- ومن تبعهم من السَّلَف ﵏ جميعًا-، وهي كثيرة في هذا الباب، ولكن ذكرت في التمهيد بعضها؛ لعل فيها ما يستنهض هِمَّتي وهِمَّتك؛ لتطبيق السُّنَّة.
1 / 11
أسأل الله - تعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى، أن يجعلني وإياك مِمن يتبعون السُّنَّة، ويتمسكون بها في أقوالهم، وأفعالهم، وجميع أحوالهم، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه:
عبد الله بن حمود الفريح (^١)forih@hotmail.comEmail:
_________
(^١) أقيمت على مادة هذا الكتاب دورات ومسابقات في محاضن تربوية، فمن أراد نماذج أسئلة المادة وإجاباتها فليتواصل مع بريد المؤلف.
1 / 12
تمهيد
• معنى السُّنَّة:
السُّنَّة في الأصل، هي: كل ما أُضيف للرسول ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقِيَّة، أو خُلُقِيَّة، هذا هو معنى السُّنَّة، ففي الأصل هي: الطريقة، ومنه قول النَّبي ﷺ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (^١)، من حديث العرباض بن سارية ﵁، فكل ما كان على طريقته ﷺ فهو من سنَّتِه، فقد يكون المأمور به في سنَّته مستحبًا، أو واجبًا حسب ما تقتضيه الأدلة.
ثُمَّ شاع عند المتأخرين أنَّ السُّنَّة هي بمعنى: المستحب، والمندوب، وهو الذي جرى عليه عمل أهل الأصول، والفقه، وهذا المعنى هو المراد في هذه الورقات، فالسُّنَّة على هذا المقصود: هي ما أمر بها الشَّارع ليس على وجه الإلزام، وثمرتها: أنه يُثاب فاعلها، ولا يُعاقب تاركها.
• نماذج من حرص السَّلَف على السُّنَّة:
١. روى مسلم في صحيحه حديث النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ ﵄ قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ
_________
(^١) رواه أبو داود برقم (٤٦٠٧)، والترمذي برقم (٢٦٧٦)، وصححه الألباني (صحيح الجامع ١/ ٤٩٩).
1 / 13
تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشرةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» (^١). قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ﷺ، وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ».
وَقال النُّعمانُ بْنُ سَالِمٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ».
٢. حديث عَلِي ﵁: أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكبِّرا اللّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» (^٢).
وفي رواية: قَالَ عَلِيٌّ ﵁: «مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبيِّ ﷺ، قِيلَ لَهُ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ» (^٣).
ومعلومٌ أنَّ ليلة صِفِّين ليلة دارت فيها معركة، كان عليٌّ ﵁ قائدًا فيها، ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السُّنَّة.
٣. كان ابن عمر ﵄ يُصلِّي على الجنازة، ثُمَّ ينصرف، ولا يتبعها
_________
(^١) رواه مسلم برقم (١٧٢٧).
(^٢) رواه البخاري برقم (٣٧٠٥)، ومسلم برقم (٢٧٢٧).
(^٣) رواه البخاري برقم (٥٣٦٢)، ومسلم برقم (٢٧٢٧).
1 / 14
ظانًَّا أنَّ هذا هو كمال السُّنَّة، ولم يعلم بالفضل الوارد في اتباعها حتى تُدفَن، فلمَّا بلغه حديث أبي هريرة ﵁ ندم على فوات السُّنَّة، وتأمَّل ماذا قال؟!
عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، إذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الأجر مِثْلُ أُحُدٍ؟» فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ خَبَّابًَّا إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْن عُمَرَ ﵄ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، حَتَّى رَجِعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁، فَضربَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ بِالْحَصى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأرْضَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ (^١).
قال النَّووي ﵀: «وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم، والتأسُّف على ما يفوتهم منها، وإن كانوا لا يعلمون عِظَم موقعه» (^٢).
٤. حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر ﵁ أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، قَالَ فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ:
_________
(^١) رواه البخاري برقم (١٣٢٤)، ومسلم برقم (٩٤٥).
(^٢) المنهاج (٧/ ١٥).
1 / 15
«إنَّهَا لَا تَصيدُ صيدًا وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلكِنَّهَا تَكْسر السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ»، قَالَ فَعَادَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا (^١).
والخذف هو: رمي الإنسان بحصاة، أو نواة ونحوهما، يجعلها بين أصبعيه السبابتين، أو الإبهام والسبابة.
والنَّماذج في حفاظهم على السُّنَّة وتعظيمها كثيرة، ولا عجب، فقد كانوا أحرص النَّاس على الخير، وهكذا تأثَّر بهم مَنْ بعدهم من السَّلَف والقرون المفضلة، وأصبح التأريخ يُسَطِّر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسُّنَّة نماذج تُشجِّع النفس على الحرص على السُّنَّة واقتفائها.
فهذا الإمام أحمد ﵀ وضع في كتابه المسند فوق أربعين ألف حديث، وعمل بها كلها، فقال: «ما تركت حديثًا إلا عملت به»، ولمَّا قرأ: أنَّ النَّبي ﷺ احتجم، وأعطى أبا طيبة الحجَّام دينارًا، قال: «احتجمتُ، وأعطيت الحجَّام دينارًا»، والدينار: أربعة غرامات وربع من الذَّهب، لكن لأجل تطبيق الحديث بذلها الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، والنّماذج في هذا الصَّدد كثيرة.
نسأل الله أن يُحيي سُنَّة نبينا ﷺ في قلوبنا؛ لتنال من الفضائل، والمِنَحِ، والقُرْبِ من الله ﷿ ما استودعه في سُنَّة نبيه ﷺ، فباتباع السُّنَّة ينال الإنسان شرف المتابعة، ونور القلب وحياته.
قال ابن القيَّم ﵀: «قال ابن عطاء: من ألزم نفسه آداب السُّنَّة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره، وأفعاله، وأخلاقه» (^٢).
وقال أيضًا: «ترى صاحب اتِّباع الأمر والسُّنَّة قد كُسي من الرَوح، والنور وما يتبعهما من الحلاوة، والمهابة، والجلالة، والقبول ما قد
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٥٤٧٩)، ومسلم برقم (١٩٥٤).
(^٢) مدارج السالكين (٢/ ٦٤٤).
1 / 16
حُرِمه غيره، كما قال الحسن: إن المؤمن من رُزق حلاوةً ومهابة» (^١).
• من ثمرات اتِّباع السُّنَّة:
لاتباع السُّنَّة -أخي الحبيب- ثمرات كثيرة، منها:
١) الوصول إلى درجة المحبة، فبالتقرب لله ﷿ بالنوافل تنال محبة الله ﷿ للعبد.
قال ابن القيِّم ﵀: «ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرًا وباطنًا، وصدَّقته خبرًا، وأطعته أمرًا، وأجبته دعوةً، وآثرته طوعًا، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ، وارجع من حيث شئت، فالتمس نورًا فلست على شيء» (^٢).
٢) نيل معيَّة الله -تعالى- للعبد، فيوفقه الله -تعالى- للخير، فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه ﷿؛ لأنه إذا نال المحبة نال المعيَّة.
٣) إجابة الدعاء المتضمِّنة لنيل المحبة، فمن تقرَّب بالنوافل نال المحبة، ومن نال المحبَّة نال إجابة الدعاء.
ويدلّ على هذه الثمرات الثلاث:
حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الَّله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصرهُ الَّذِي يُبْصر بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي
_________
(^١) اجتماع الجيوش الإسلامية (١/ ٨).
(^٢) مدارج السالكين (٣/ ٣٧).
1 / 17
يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» (^١).
٤) جبر النَّقص الحاصل في الفرائض، فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خَلَل.
ويدلّ عليه: حديث أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسولَ الله ﷺ يقولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسر، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شيءٌ، قَالَ الرَّبُّ ﷿: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» (^٢).
٥) حياة القلب كما تقدّم، فالعبد إذا كان محافظًا على السُّنَّة كان لِمَا هو أهم منها أحفظ، فيصعب عليه أن يفرِّط بالواجبات أو يقصر فيها، وينال بذلك فضيلة أخرى، وهي: تعظيم شعائر الله -تعالى-، فيحيا قلبه بطاعة ربه، ومن تهاون بالسُّنَن عوقب بحرمان الفرائض.
٦) البعد والعصمة من الوقوع في البدعة؛ لأنَّ العبد كلما كان متبعًا لِمَا جاء في السُّنَّة كان حريصًا ألَّا يتعبد بشيء إلا وفي السُّنَّة له دليل يُتَّبع، وبهذا ينجو من طريق البدعة.
وللحفاظ على السُّنَّة ثمرات كثيرة، قال ابن تيمية ﵀: «فكل من
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٦٥٠٢).
(^٢) رواه أحمد برقم (٩٤٩٤)، وأبو داود برقم (٨٦٤)، والترمذي برقم (٤١٣)، وصححه الألباني (صحيح الجامع ١/ ٤٠٥).
1 / 18
اتبع الرسول ﷺ فالله كافيه، وهاديه، وناصره، ورازقه» (^١)، وقال تلميذه ابن القيِّم ﵀: «فمن صحب الكتاب والسُّنة، وتغرَّب عن نفسه وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله فهو الصادق المصيب» (^٢).
قبل الشروع في المقصود:
أخي القارئ: وقبل الشروع في المقصود، وعرض ما تيسر لي جمعه من السُّنَنِ اليومية، أفيدك بما يلي:
أولًا: جمعتُ في هذه الورقات كل ما تتبعته من السُّنَنِ اليومية، وقد أُغفل بعض السُّنَنِ عمدًا للخلاف في ثبوتها؛ لضعف دليل، أو لخلاف في فهم الاستدلال على السُّنَّة، وقد حرصتُ على تقييد ما صحّ به الخبر من السُّنَّة النبويَّة على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحيَّة.
ثانيًا: هناك من السُّنَن التي تتبع الأحوال، أو الأماكن، أو الأزمان، تُعدُّ لأشخاص من السُّنَنِ اليومية بخلاف غيرهم، لم أذكرها عمدًا؛ لأن غالب النَّاس لا تتكرر عليهم، فمثلًا: من كان في مكة، أو المدينة فإنه يستطيع كل يوم أن يزور المسجد الحرام، أو النَّبوي، ويصلِّي فيه فينال فضيلة مضاعفة الصَّلاة، وكذا هناك بعض السُّنَن لا تكون إلا للأئمَّة، أو المؤذنين، ونحو ذلك من السُّنَن التي تتعلَّق بأمر معيَّن، ربما لا تتأتَّى لكثير من النَّاس، وهناك سُنَن تختلف باختلاف الحال: كالزيارة الأخوية في الله -تعالى-، وعبادة التفكُّر، والشُّكر، وعيادة المريض، والصلاة على النَّبيِّ ﷺ، وزيارة المقابر، وصِلة الرَّحم، وطلب العلم، والصدقة،
_________
(^١) القاعدة الجليلة (١/ ١٦٠).
(^٢) مدارج السالكين (٢/ ٤٦٧).
1 / 19
وسُنَن الاغتسال ونحوها من السنن التي أغفلتها عمدًا؛ لعدم الجزم بأنها سُنَن يومية، مع استطاعة العبد الإتيان بها متى شاء من أيامه، ولكن كما سبق حرصتُ على الذي يتكرر في اليوم والليلة.
ثالثًا: اعلم -أيُّها المفضال- أنَّ اتِّباع هديه ﷺ يشمل اتِّباع أخلاقه، وتعامله، وأدبه مع ربه -تعالى-، ومع سنَّته، ومع النَّاس، فلا تغفل -أيها المبارك- عن هذا المطلب المهم، فالأخلاق عماد مهم يحتاجه واقعنا اليوم كثيرًا.
نسأل الله -سبحانه- أن يهدينا لأحسن الأخلاق، ويصرف عنَّا سيئها.
• واعلم أنَّ التقرُّب لله -تعالى- بالفرائض مقدَّم على النوافل وأعظم أجرًا، فالله ﷿ يقول: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ».
رابعًا: إنني أخاطب بهذه السُّنَن نفسي المقصرة؛ لأنفعها بعرض السُّنَن اليومية أمام عينيَّ، والنظر فيما كنت مقصرًا فيه؛ لأحملها على الإصابة من هذه السُّنَن، والمحافظة على هدي النَّبيِّ ﷺ، ومن ثَمَّ نفع إخواني، وحثهم على اقتفاء هدي المصطفى ﷺ.
فبادر أخي لاغتنام العمر، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، بالاستكثار من السنن وصالح العمل؛ لتحمد العاقبة يوم اللقاء، بعظم الجزاء، في دار البقاء؛ لحسن اقتفائك الأثر، باتباع هدي سيد البشر ﷺ.
وأخيرًا … أوصيك أخي في تعاملك مع السُّنَن بوصيتين ذكرهما النَّووي -رحمه الله تعالى-:
الأولى: لا تدع سُنَّة من السُّنَن إلا وقد كان لك منها نصيب، ولو لمرة واحدة.
1 / 20
قال النَّووي ﵀: «اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرَّة واحدة، ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا؛ لحديث: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَشيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ (^١)» (^٢).
والثانية: إذا أنعم الله عليك بطاعة، وكنت من أهلها المواظبين عليها، وفاتت عليك يومًا، فحاول أن تأتي بها إن كانت مما تُقضى، فإنَّ العبد إذا اعتاد على التفويت وتساهل فيه ضيع العمل.
يقول النَّووي ﵀ في فائدة قضاء الذِّكر: «ينبغي لمن كان له وظيفة من الذِّكر في وقتٍ من ليلٍ، أو نهار، أو عقب صلاة، أو حالةً من الأحوال ففاتته، أن يتداركها، ويأتي به إذا تمكَّن منها، ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها» (^٣).
أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن يتبعون هدي النَّبي ﷺ ظاهرًا وباطنًا، ويقتفون أثره ويحشرون في زمرته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٧٢٨٨).
(^٢) الأذكار (١/ ١٦).
(^٣) الأذكار (١/ ٢٣).
1 / 21
السُّنَنُ الْمَوْقُوتَةُ
نقصد بالسُّنَن الموقوتة: هي السُّنَن المؤقتة بأوقات معينة في اليوم والليلة، وقسَّمتها إلى سبعة أوقات: ما قبل الفجر، ووقت الفجر، ووقت الضُّحى، ووقت الظهر، ووقت العصر، ووقت المغرب، ووقت العشاء.
1 / 23
أولًا: وقت ما قبل الفجر
وهذا هو الوقت الأول باعتبار الاستيقاظ من النَّوم، فإنَّ النصوص دلَّت على عِدَّة أعمال كان يفعلها النَّبيُّ ﷺ قبل الفجر، ويمكن تقسيم السُّنَن في هذا الوقت إلى قسمين:
القسم الأول: الاستيقاظ من النوم وما يعقبه من أعمال كان يفعلها النَّبيُّ ﷺ-:
١ - يَشُوصُ فاه بالسِّواك، أي: يدلكه بالسِّواك.
عن حُذيفةَ ﵁ قال: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» (^١)، ولمسلم في رواية: «كَانَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» (^٢). والشَّوص: دلك الأسنان عرضًا بالسواك.
٢ - يقول الذكر الوارد عند الاستيقاظ من النَّوم.
وهو ما جاء في صحيح البخاري من حديث حذيفة ﵁ قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ: «بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا». وَإِذَا
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٢٤٥)، ومسلم برقم (٢٥٥).
(^٢) رواه مسلم برقم (٢٥٥).
1 / 24
اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» (^١).
٣ - يمسح النوم عن وجهه.
٤ - وينظر إلى السماء.
٥ - ويقرأ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران.
وهذه ثلاث سُنَن جاءت في حديث ابن عباس ﵄ المتفق عليه: «أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشر الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي» (^٢).
وفي رواية لمسلم (^٣): «فَقَامَ نَبِيُّ اللّهِ ﷺ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ إِلى السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا هذِهِ الآيَةَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران ١٩٠]. يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ: أي يمسح عينيه بيده؛ ليمسح أثر النوم. والشَّنُّ: هي القِرْبَة.
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٦٣٢٤)، ومسلم من حديث البراء ﵁ برقم (٢٧١١)
(^٢) رواه البخاري برقم (١٨٣)، ومسلم برقم (٧٦٣).
(^٣) رواه مسلم برقم (٢٥٦).
1 / 25
وفي رواية مسلم بيانٌ لِمَا يقرأه من أراد تطبيق هذه السُّنَّة، فإنه يبدأ من قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ إلى خاتمة آل عمران.
وفي قراءة النَّبيّ ﷺ لهذه الآيات قبل الوضوء دليل على جواز قراءة القرآن على غير طهارة من الحدث الأصغر.
٦ - غسل اليدين ثلاثًا.
لحديث أبِي هريرة ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الإِنَاء حتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (^١).
اختلف أهل العلم في حكم غسل اليدين ثلاثًا بعد الاستيقاظ من نوم الليل، على قولين:
القول الأول: ذهب الحنابلة إلى أنَّه واجب، وهو من مفردات الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن باز في شرحه على عمدة الأحكام.
واستدلوا بـ: الحديث السَّابق، فالنَّبيّ ﷺ نهى عن غمسهما قبل غسلهما، والأصل في النَّهي التحريم ولا صارف للنَّهي عن التحريم والنَّبي ﷺ يقول: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ» (^٢).
والقول الثاني: أنه مستحب، وبه قال جمهور العلماء.
واستدلوا بِ:
أ. عموم قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ …﴾ [المائدة: ٦].
_________
(^١) رواه البخاري برقم (١٦٢)، ومسلم برقم (٢٧٨).
(^٢) رواه البخاري برقم (٧٢٨٨)، ومسلم برقم (١٣٣٧).
1 / 26
ووجه الدلالة: أنَّ الله ﷿ أمر بالوضوء من غير غسل الكفين، والآية عامَّة لمن قام من نوم الليل، وغيره.
ب. قول النَّبيّ ﷺ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»، تعليل يدل على الاستحباب؛ لأن نجاسة اليد مشكوك فيها، والأصل أنها طاهرة فهو اليقين، واليقين لا يزول بالشك.
ويحتاط المسلم فيأخذ بالقول الأول؛ لقوة دليلهم، ولعدم الصارف عن الوجوب، وأمَّا الاستدلال بالآية فهو عام في الوضوء مطلقًا، بخلاف استدلال أصحاب القول الأول، فهو في حالة مخصوصة.
٧ - الاستنشاق، والاستنثار بالماء ثلاثًا.
لحديث أبي هريرة ﵁ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشيمِهِ» (^١)، وفي رواية البخاري: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا …» (^٢).
اختلف أهل العلم في حكم الاستنثار ثلاثًا بعد الاستيقاظ من نوم الليل، على قولين:
القول الأول: قالوا بالاستحباب، للعِلَّة الواردة في الحديث: «فَإِنَّ الشيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشيمِهِ».
ووجه الدلالة: قالوا: إنَّ بيات الشيطان هنا لا يُحدِث نجاسة حتى يؤمر الإنسان بإزالتها على وجه الإلزام.
والقول الثاني: أنَّ الاستنثار واجب؛ لأنَّ الأصل في الأمر الوجوب، ولا صارف يصرفه عن الوجوب، وما ذكره أصحاب القول الأول
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٣٢٩٥)، ومسلم برقم (٢٣٨).
(^٢) رواه البخاري برقم (٣٢٩٥).
1 / 27