Sahih al-Bukhari
الجامع المسند الصحيح
ناشر
مكتبة دار البيان
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
الجامع المسند الصحيح
خلاصة منتخبة مستوعبة لما صح من أحاديث كتب عصر الرواية ابتداء بموطأ مالك، وانتهاء بمسند الشاشي
تصنيف
أبي علي الحارث بن علي الحسني
[المجلد الأول]
مقدمة المصنف
من الألف إلى الزاي
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جميع الحقوق محفوظة
الطَّبْعَة الأُولَى
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
مَكْتَبَةُ دَارِ البَيَانْ
دمشق - ساحة الحجاز - بناء ملا وماضي
هاتف: ٢٢٢٩٠٤٥ - فاكس: ٢٢٣٦٥٠٢ - ص. ب: ٢٨٥٤
E-mail: Albayan_in@hotmail.com
1 / 2
الكتاب الجامع المسند الصحيح
ما أخرجتُ في هذا الكتاب من حديثٍ، ولا أسقطتُه منه إلا .... وَلي فيه بيني وبين الله ﵎ حُجَّة. فاللَّهم ... رحمتك ومغفرتك
أبو عليّ الحارث بن عليّ الحسنيّ
1 / 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَة
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على أنبياء الله ومن تبعهم، وبعد:
قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤].
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حَدَّثنا يزيدُ بنُ هَارُونَ، قَالَ: أخبرنا حَرِيزٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الجرشيِّ، عَنِ المِقْدَامِ بن مَعْدِي كَرِبَ الكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «ألَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، ألَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، ألَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَني شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، ألَا لَا يَحلُّ لَكُمْ لَحْمُ الحِمَارِ الأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، ألَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنيَ عَنْهَا صَاحِبُها، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ». أخرجه أحمد (١٧٠٣٦)، وأبو داود (٤٦٠٤).
1 / 7
وَقَالَ أبو دَاوُد: حَدَّثَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا أبو عَمْرِو بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمانَ، به.
اعلم يا رحمك الله: أنَّ طلب الحديث الصحيح ومعرفته رأس مال المحدثين وغاية أمالهم وثمرة جهدهم، أحيوا أعمارهم من أجله، وهجروا ملذاتهم للذته. وروى أحمد بن محمد بن الأزهر (^١)، قال سمعت عبد الله بن الخليل بن إبراهيم العمي، سمعت أبي يقول: كان عبد الله بن المبارك يقول لنا: في صحيح الحديث شغل عن سقيمه. «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (٢/ ١٥٩)
وقد صنَّف في «الصحيح» السيدان الكبيران الفاضلان خلاصة النخبة المتقدمة البخاري ومسلم وما كان لهما شرط سوى ما درج عليه أرباب الصنعة في عصرهما وما قبله.
ثم جاء بعدهما ابن خزيمة فصنف ولم ينسج على منوالهما، بَلْ ولم يقرب، ثم تابعه ابن حبان فجمع أصول «الصحيحين» بما وقع له من أسانيد وزاد عليها نحوًا من ألفين وخمسمائة حديث؛ خرج بالجملة فيها عن شرط أهل الحديث المعتبر في التصحيح فإخرج لجملة من الضعفاء وجملة مما يُعَلّ.
_________
(^١) قال السلمي: سألت الدَّارَقُطْنِيّ عن الأزهري، فقال: هو أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث، وهو سجستاني، منكر الحديث، إلا أنه بلغني أن محمد بن إسحاق بن خزيمة حسن الرأي فيه وكفى بهذا فخرًا. «سؤلات السلمي» (٦١).
قلت: وهو في مثل هذه الحكايا محتمل، ولا زال الحفاظ يذكرون هذا عن ابن المبارك من طريقه.
1 / 8
ثم إنَّ الحاكم النيسابوري انتفض يرد على من يستقل عدة الصحيح فجمع «المستدرك» أودع فيه ما يظهر أول الأمر أنه صحيح فكان أن جمع مادة كتابه؛ فربما خلط الأباطيل والمنكرات فضلًا عن الضعيف في صعيد الصحيحات والمقبولات وجاء لينقحه فبلغ ربعه فمات، وتركه عرضة الانتقادات.
ثم إنَّ ابن السَّكن تابع القوم فيما يُصَنَّفُ في الصحيح خاصة ولكن كتابه مفقود.
ومن ثم جاء الضياء المقدسيِّ فترخص في الشرط ولم يتم كتابه.
وكتابي ابن خزيمة «الصحيحين» وبقي الأمر على هذا الحال يحتج الناس بما في وابن حبان، وعلى تحرز من كتابي الحاكم والضياء.
وبقي أمر الصحيح على نقص في إفراده بمصنف مستوعبًا له.
وقد ذكر البعض أنَّ الصحيح لا يتجاوز السبعة آلاف حديث، فإذا كان الجمع بين «الصحيحين» نحوًا من أربعة آلاف حديث بحذف المكرر فيبقى ما يتمم السبعة آلاف.
ولطالما حدثتني نفسي أن أجمع بين «الصحيحين» وأزيد عليهما مما ليس فيهما مستوفيًا شرط أئمة الحديث المتقدمين في الصحيح، وهو:
ما كان راويه ثقة لم يُعلم أنه اخطأ أو وهم فيه، أو خالف الأرجح، أو تفرد بما لا يحتمل التفرد، أو أدخل عليه ما ليس من حديثه، أو علم أنه دلس، أو أرسل ما
ـ
1 / 9
رواه، أو لقن، أو اختلط، وليست روايته مما هو قبل اختلاطه جزمًا، أو خالف أصلًا عامًا ثابتًا.
ولقد عَزَّ هذا الشرط وقلَّ من استوفاه فكان أنْ جمعت أول الأمر بين «الصحيحين، ثم تتبعت ما في «موطأ مالك»، «جامع ابن وهب»، و«مصنفي عبد الرزاق» و«ابن أبي شيبة» و«مسانيد ابن المبارك»، وابن الجعد»، و«أحمد»، و«سنن سعيد ابن منصور»، و«سنن الأثرم»، ثم عرجت على ما في «المطالب العالية» من زوائد، ومن ثم «سنن الدارمي، و«ابن ماجة»، و«أبي داود»، و«الترمذي»، و«النسائي، ومسندي «الروياني»، و«الشاشي».
ثم أتيت على «زوائد الأمالي والأجزاء» فيما جمعها الفاضل نبيل سعد الدين سليم في كتابه المبارك «الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء» وهي جملة معاجم، ومشيخات، وأربعينات، وأما، وفوائد، ومجالس، وأجزاء حديثية قد بلغ بها ثلاثمائة وست وأربعين مؤلفًا زائدًا على الكتب الستة والموطأ ومسند الإمام أحمد.
وقد تتبعت هذه الزوائد واستخلصتها فكانت عدتها ما يلي:
زوائد ابن المبارك ستة أحاديث، وزوائد ابن وهب في الجامع أربعة وعشرون حديثًا، وزوائد مسند علي بن الجعد اثنان وعشرون حديثًا، وزوائد سنن سعيد بن منصور عشرة أحاديث، وزوائد الأثرم خمسة أحاديث، وزوائد الشاشي نحو من
1 / 10
مائة حديث، وزوائد الروياني نحو من مائتي حديث، وزوائد الأمالي والأجزاء سبعة آلاف وأربعمائة وسبع وثلاثون حديثًا، ما صحَّ منها شيء إما من طريق ضعيف، أو معل.
وبلغت زوائد المطالب العالية ألفًا وثمانمائة وخمسة وثلاثين (١٨٣٥) حديثًا بالموقوفات والمقطوعات. ولم أظفر منها إلَّا بسبعة أحاديث صحيحة، وذلك أن الزوائد في الغالب موقوفة أو من «مسند أبي بكر بن أبي شيبة» وهي في المصنف غالبها، أو من «مسند الحميدي» وهي في الجامع المسند الأصل الذي أعمل عليه وكذا في «مسند عبد بن حميد» أو «مسند أبي يعلى» وفلهذا قلت الزوائد المطلوبة، بالنسبة لكمها الكبير.
هذا كان أول أمري وكنت أتممت جمع المادة وحررت كثيرًا من أصول الكتاب وأنجزت جزءه الأول ونصف الثاني؛ حتي وقفت على المصنف العظيم المبارك «المسند المصنف المعلل» للسيد المحقق أبي المعاطي النوري ومجموعته.
وقد حوى أصول «مصنفي عبد الرزاق»، و«ابن أبي شيبة»، و«مسند الحميدي»، و«مسند أحمد»، و«المنتخب من مسند عبد بن حُميد»، و«سنن الدارمي»، و«صحيحي البخاري ومسلم»، و«سنن ابن ماجة»، و«أبي داود»، و«الترمذي»، و«النسائي»، و«صحيحي ابن خزيمة»، و«ابن حبان»، و«مسند أبي يعلى»، و«الأدب المفرد للبخاري»، و«الشمائل» للترمذي.
1 / 11
فنظرت فيه فرأيته جمع ما لم يجمع في غيره من الكتب الجوامع، فرأيت أن أغير في بعض وجهتي، وذلك أن أنتخب من الكتاب ما كان بشرطي الذي بينت صورة أصوله مستوفيًا في كتابي «منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ» (^١)، ومن ثم أزيد عليه ما جمعته من مادة الزوائد عليه من الكتب التي جمعتها أصلًا والتي تقدَّم ذكرها.
وقد كان يسيرًا عليَّ وأنا طالب الحديث أن أجمع بين «الصحيحين» وما زاد عليه مما صرح بقبوله إمام معتبر في الصنعة من المتقدمين ومن المتأخرين ومن اشتهر بالحكم على الأحاديث من المعاصرين (^٢).
_________
(^١) وقد طبع طبعتين في مكتبة دار البيان بدمشق.
(^٢) وقد أبلغني بعض الإخوة بأن أحدى دور النشر قد أصدرت كتابًا في اثني عشرة مجلدا بعنوان الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل وكنا نعد كتابنا هذا للطباعة، فتطلبت الكتاب لأطلع عليه فلم أقف منه إلا على جزء يسير من كتاب الوحي والإيمان فتصفحت الكتاب فإذا هو على منهاج المتأخرين بل المعاصرين، فقد جمع فيه كل ما صححوه، فأودع فيه المنكرات ممن صرح بعض الأمة المتقدمين بنكارته أو إعلاله، كحديث: مَنْ أَعْطَى لله، وَمَنَعَ لله، وَأَحَبَّ لله، وَأَبْغَضَ لله، وَأَنكَحَ لله، فَقَد اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ أخرجه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وحديث: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ له» ومداره على أَبي هلال الراسبي عن قتادة، وقد قال الإمام أحمد: مضطرب الحديث عن قتادة. وله طرق أخرى عن أنس وهي منكرة.
وحديث: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا وعدَّه ابن عَدي، في منكرات حماد بن نجيح. وحديث: لَا أجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ. وأعله الدارقطني: بالإرسال.
1 / 12
ـوما كان هذا ليكلفني غير جمع المادة وترتيبها وأجعل العهدة فيه على المصحح، وأترك الناس تَبعًا مُقَلِدةً خصوصًا للمتأخرين والمعاصرين.
ولكن هيهات فإن الأمر أعسر من ذا بكثير بل يشبه زحزحة جبل عن موضعه لموضع دونه.
وذلك أنَّ المتأخرين من لدن النووي إلى عصرنا لا يكاد أحدٌ منهم يوافق من المتقدمين في منهج التصحيح والحكم على الأحاديث لظاهريتهم في الحكم على الأسانيد، فقد تبين لي أنَّ الحاكم منهم إنما يحكم على الحديث لمجرد ثقة رواته دون الالتفات لإعلال الأئمة النقاد - خصوصًا ما صرحوا بإعلاله - وقد كان يسعهم أن يلزموا غرزهم ويقيموا لعلمهم ودرايتهم بأحكام الأحاديث وزنًا، فكثر تصحيحهم للشاذات والمنكرات والبواطيل.
قال الحاكم: وإنما يُعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولًا، والحجة فيه عندنا الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير. معرفة علوم الحديث (ص: ١١٢)
وقال ابن الجوزي: وقد يكون الإسناد كله ثقات ويكون الحديث موضوعًا أو مقلوبًا، أو قد جرى فيه تدليس وهذا من أصعب الأمور ولا يعرف ذلك إلَّا النقاد. اهـ. الموضوعات (١/ ٩٩).
1 / 13
قال ابن رجب (^١) ﵀: وأما الفقهاء المتأخرين فكثير منهم نظرإلى ثقة رجاله فظن صحته، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الأحاديث. فتح الباري (١/ ٣٢٣)
وصدقوا ﵏ وذلك أنَّ علم العلل قضى على علوم الحديث من جرح وتعديل ومصطلح ورسوم إسناد وفنونه.
فكم من حديث رواته ثقات، بل قد يكون مرويًا بأصح الأسانيد ظاهرًا ويكون إسناده معلًا؛ إمَّا وهمًا وإمًا مركبًا وإما منقطعًا وإما شاذًا.
كحديث: إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عائشة مرفوعًا: «أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب».
أخرجه ابن أبي شيبة (٣٨٩٢٦) و«أحمد» (٢٤٧٥٨) و«أَبو يَعلى» (٤٨٦٨)
وهذا إسناد من أصح الأسانيد في ظاهره، وعدَّه يحيى بن سعيد القطان في منكرات قيس.
فتجاسر بعض الخلف فرد إعلاله بحجة واهية.
فجرأ علينا الروافض ومن تملق لهم ونافق.
لذا كثر تصحيحهم لمثل هذه الأحاديث، حتى تعبد الناس رب العباد بما لم يشرع.
_________
(^١) وهو المتمكن من أصول صنعة التحديث على حقيقتها، فإنه لم يأت بعد الدارقطني من يحسن هذا الفن كابن رجب والى يومنا.
1 / 14
وكم من حديث رواته دون الثقات بل ممن ضُعِّفَ وحديثه مردود بالجملة، علم النقاد بدرايتهم التي انعدمت اليوم بأنه ضبط مرويه فقبلوا حديثه.
كأحاديث: هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، وكذا أحاديث أبي معاوية عن الأعمش، وأحاديث عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة، وأحاديث خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال، وأحاديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة.
على أنهم لا يقبلونها مطلقًا دون النظر في القرائن، فإنه قد وجدت كذلك أحاديث عن هؤلاء فيها نكارة لم يقبلوها.
ومن عافس عملهم تبين له كم المرسلات التي قبلوها، والمتصلات قد ردوها.
كمراسيل من لا يروي إلَّا عن ثقة.
ومما ردوه من المتصلات، كثيرٌ من أحاديث معمر عن قتادة، وأيوب السختياني عن يحيى بن أبي كثير، وهشام بن حسان عن عطاء بن أبي رباح.
ولطالما قبلوا كثيرًا من معنعنات المدلس.
كحديث: الأعمش عن أبي وائل، وإبراهيم، وأبي صالح.
وما أكثر ما صرحوا ببطلان التصريح بالسماع في أخبار يشق على المتتبع عدها.
1 / 15
قال ابن رجب: وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد، ويقول: هو خطأ؛ يعني: ذكر السماع. قال في رواية هدبة، عن قتادة، ثنا خلاد الجهني، وهو خطأ، خلاد قديم ما رأى قتادة خلادًا. وذكروا لأحمد قول من قال: عن عراك بن مالك سمعت عائشة، فقال: هذا خطأ. وأنكره وقال: عراك من أين سمع عائشة؟ إنما يروى عن عروة، عن عائشة. شرح علل الترمذي (١/ ١٤٠)
فلم يكونوا يعبؤون بمجرد نظافة الإسناد الظاهرة، بل رأيتهم كثيرًا ما يهابون نظافة الإسناد إذ العلة في ثناياه كامنة.
وما على هذا كله يجري من جاء بعد الدارقطني، إلَّا قلة منهم وفي مواضع، كابن عبد الهادي وابن رجب.
حتى رأينا الإسراف المفرط في تصحيح الأحاديث عند المتأخرين، ومن ثم بلغ حد الهوس بقبول الأحاديث عند المعاصرين، فإن أفلت الحديث منهم في قبوله بظاهر الإسناد استعانوا عليه بالمتابعات والشواهد وهذه أطم وأكبر.
وقد بلغت مخالفة أصول التحديث على رسم النقاد الحفاظ أن يكون أسهل شيء على المتأخر من المشتغلين بالحديث خصوصًا المعاصرين منهم أن يجسر على رد إعلال الحافظ الناقد بقولتهم المشهورة (وقد أعل بما لا يقدح) بأوهى الحجج وبقواعد وضوابط غير أهل الحديث من الفقهاء والأصوليين.
1 / 16
وهذا كله مما تجدونه مستوفى في الكتاب الآخر «الجامع المسند المحرر» بإذن الله.
كحديث: «عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر»: أخرجه ابن ماجة (٣٤٩٦)
وحديث: معاذ بن جَبَل: أن النبيَّ ﷺ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبلَ أن تزيغَ الشمسُ، أخر الظهرَ حتى يجمعها إلى العصر ... الحديثأخرجه أبو داود (١٢٢٠)
فكانت طريقتي في انتخاب الصحيح من هذا الكم الهائل من المرويات في المادة التي جمعتها أن:
أنتخب أحاديث «الموطأ» المتصل منها، وما كان في «الصحيحين» أو أحدهما، وما حكم إمام من أئمة النقاد بقبوله كأحمد وابن المديني وابن معين وأبي زرعة والبخاري والنسائي والعقيلي والدارقطني قبلته.
كحديث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي ﷺ كبّر في عيدٍ ثنْتَيْ عَشْرة تكبيرة، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة، ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها.
صححه أحمد، وابن المديني، والبخاري، والدارقطني.
فإن صححه أحدهم وضعفه نظيره، وكان الراجح فيه قول المصحح: قبلته.
ومثال كثير ممَّا انتقد على «الصحيحين».
1 / 17
ـوما أخرجه الحميدي في «مسنده»، والنَّسائي في «الصغرى» وسكت عنه أبو داود، واستوفى إسناده شروط القبول، ولم يعرف نقده من إمام معتبر من المتقدمين، ولم تظهر له علة فالأصل صحته فأنتخبه.
وأستعين بابن الجارود في «منتقاه» وبالبيهقي في تخريجه في «سننه الصغرى» فقد تدبرت صنيعه فتبين لي أنه انتخب فيها ما صح عنده، إلَّا ما تبين لي أنه إنما أخرجه لخلو الباب من الصحيح فأورَدَ أصحَّ شيء فيه.
وأنا في كل هذا شديد الحرص على تفقد أحكام الأئمة المتقدمين على الأحاديث مما هو منقول ثابت عنهم في كتب المتون والعلل والسؤالات والجرح والتعديل والتواريخ، فما ثبت طعنهم فيه اجتنبته، ما لم أقف على اختلاف بينهم فيه، فالمصير إلى الترجيح على أصولهم.
فإن عدم الحكم عن إمام متقدم من لدن مالك إلى الدارقطني وكان ظاهر الحديث الصحة، اجتهدت في تحكيم أصولهم فيه فما استوفى الشروط من اتصال سند وثقة رواة وخلا من شذوذ وغرابة نازلة وتفرد من لا يحتمل تفرده من الثقات، ممن روى عن إمام عرف بكثرة الرحلة وكثرة الأصحاب المعتنين بجمع حديث فهذا أنتخبه كما أنتخب غيره.
كحديث: يعقوب بن عبد الرَّحمن، عن أبي حازمٍ، أنهُ رَأى سَهْلَ بنَ سعد ﵁، بَالَ بَوْلَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يَكَادُ يَسْبِقُهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ
1 / 18
عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: ألَا تَنْزِعُ الخُفَّيْنِ قَالَ: لَا رَأَيْتُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (وَمِنْكَ) مَسَحَ عَلَيْهَا - يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ.
أخرجه ابن أبي شيبة «المسند» المطالب العالية (٤٤)، وسعيد بن مَنْصور في كنز العمال (٢٧٦٥٩).
فهذا لا أعلم حكمًا بقبوله من إمام من المتقدمين، وهو صحيح غاية وهذا من سلسلة أسانيد سهل بن سعد، وليس فيه ما يستنكر.
وإذا كان الحديث في «الصحيحين» أو أحدهما فهو مُغنٍ عن ذكر من صححه، وإن كان خارج «الصحيح» وظفرت بقول إمام من المتقدمين تصريحًا أو تلميحًا أبرزته، كأحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والترمذي والنسائي والدارقطني، وأشباههم.
وإن كان الحديث خارج الصحيحين أو أحدهما وصرح إمامٌ برده ولم يخالفه من هو مثله تركته، ولو اجتمع من بعد الدارقطني على تصحيحه.
ثم إني أصنع ما يصنع الأئمة المتقدمون بأن أقسم الحديث إلى أقسام:
العقائد، والأحكام، والترغيب والسير.
فما كان في العقائد والأحكام شددت في شرط القبول فلا أقبل إلَّا ما استوفى أكمل الشروط.
وما كان في الترغيب والترهيب والسير، فهذا أنْزل فيه بشرطهم في النزول، كأن يكون الحديث من رواية ثقة عاصر ثقة لم يعلم سماعه منه ولا ثبت نفي سماعه كأحاديث ابن سيرين عن عائشة، وأبي معبد الزماني عن أبي قتادة (^١)
_________
(^١) وليس في كتابي هذا من هذا الجنس إلَّا موضعين أو ثلاثة.
1 / 19
أو مراسيل من لا يرسل إلَّا عن ثقة كابن سيرين والشعبي وعروة (^١)
أو منقطعات من استجازوا دخول مروياته المنقطعة في المسند.
كرواية أبي عبيدة بن مسعود عن أبيه (^٢).
قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند، يعني في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر. شرح علل الترمذي (١/ ٥٤٤)
أو ما اعتضد بما يصلح للاعتضاد (^٣).
كحديث: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ...» الحديث. أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وابن ماجة من طريق ثوبان. وابن أبي شيبة من طريق ابن عمرو.
وهنا ثمة أصل لا بد من ضبطه والاعتناء به وتقديمه:
إذا ظفر طالب العلم بحكم من إمام متقدم على حديث سواء تصحيحًا أو ردًا فليتمسك به، وليحفظه، ولا يخالفه إلى من هو دونه من المتأخرين، فإنَّ الخلاف المعتبر ما كان بين المتقدمين.
_________
(^١) وليس في كتابي هذا من هذا الجنس إلا موضعين أو ثلاثة، مما احتج به الأئمة
(^٢) ولم أخرج له إلا موضعًا أو موضعين.
(^٣) وهو في كتابي قليل جدًا.
1 / 20
منهجي في إخراج أحاديث الكتاب:
الكتاب كما أردته أن يكون لطلاب العلم الحفاظ، فجعلته على المسانيد، وفي العزم بعد انتهاء الطبعة الأولى أنْ أصنفه على الأبواب بإذن الله تعالى.
فأخرج الحديث مسندًا من عند الراوي الذي دار عليه الحديث.
وقد يدور الحديث على تابعي عن صحابي فلا أخرجه من عنده، إنما أخرجه عن جملة من أصحاب التابعي عنه، وذلك لأمور منها:
أن يكون مخرجوه اختلفوا عن التابعي في الواسطة، فأخرجه عن عدة عنه لبيان أصح الوجوه المحفوظة فيه.
وقد يكون لبيان الرد على إعلال له من وجه آخر فأبين المتابع للرواية الخالية من العلة.
وقد يكون لإزالة الغرابة في السند.
وقد يكون لبيان الوجه المحفوظ.
وإذا كان للحديث عدة طرق كلها صحاح اكتفيت بأحسنها مما أراعي فيه قوة الرواة، وتقدم طبقتهم، ومخرِّج الحديث، وزيادة الألفاظ، ولست ذاكرًا باقي الأسانيد الصحيح للحديث ولا أشير إليها وإنما محل هذا الكتاب الآخر (الجامع المسند المحرر) بإذن الله.
وقد أخرج الحديث مما يعِلُّ إسناده بعض النقاد، ويكون الإعلال مما يحتمل ويصححه بعض النقاد ممن يعتد بقوله، كحديث:
1 / 21
ميمون بن أبي شبيب، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله ﷺ: «البسوا الثياب البيض، وكفنوا فيها موتاكم».
أخرجه عبد الرزاق (٦١٩٩)، وابن أبي شيبة (١١٢٣٧)، وأحمد (٢٠٤١٧)، وابن ماجة (٣٥٦٧)، والتِّرمِذي (٢٨١٠)، والنَّسائي (٩٥٦٤).
- قال أَبو عيسى التِّرمِذي: هذا حديث حسن صحيح.
- قال عَمرو بن علي الفلاس: ميمون بن أبي شبيب، حدث عن سمرة بن جندب، وليس عندنا في شيء منه يقول سمعت "تحفة التحصيل" ١/ ٣٢٢.
وحديث: إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله ﷿ قَالَ الْحَكَمُ: سِتَّ خِصَالٍ - أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى - قَالَ الحَكَمُ: وَيُرى - مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزوَّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجارَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأمَنَ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ - قَالَ الحَكَمُ: يَوْمَ الفزَعِ الأَكْبَرِ - وَيُوضَعَ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزوَّجَ اثْنَتيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أقَارِبِهِ».
أخرجه عبد الرزاق (٩٥٥٩)، وأحمد (١٧٣١٤)، وابن ماجة (٢٧٩٩).
- قال التِّرمِذي: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ.
- وقال الاسماعيلي: بين خالد والمقدام جبير بن نفير. أهـ.
قلت: ولا يضر مثل هذا الإعلال فإن هذا الباب فيه سعة، وموضع الشك في الانقطاع في تابعين عن صحابة، وكون جبير بينهما لا يمنع من أن يكون إمكان لقياهما، وأهل الشام يندر فيهم التدليس، فليس كل ما يزيد في السند يقطعه.
1 / 22
وقد يأتي الحديث في مسندين أحدهما يعل إسناد الآخر فلا أصحح كلا الطريقين، إنما أخرجه من مسند من صح طريقه وأعرض عن الأخرى.
كحديث: سيد الاستغفار، فقد جاء من مسند بريدة، ومن مسند شداد بن أوس والذي في مسند شداد يعل الذي في مسند بريدة، فأعرضت عن طريق بريدة.
وما كان من الرواة مختلف في حديثه من حيث الاتصال أو التوثيق، فلا أصحح من حديثه إلَّا ما صرح النقاد بصحته، أو ما كان له شواهد.
كأحاديث الحسن عن سمرة، فإنَّ النزاع في سماعه منه مشهور.
تنبيه: وقع لي بعض الوهم النادر في أرقام بعض الأحاديث ممن عزوت له الحديث، ولم أنشط لمراجعة الأرقام، فإنَّ هذا يأخذ وقتًا ليس باليسير، والأمر سهل، فالله يغفر لي.
عدة أحاديث الصحيح:
اعلم أن الصحيح الثابت عن النبي ﷺ ليس بكثير كما ظنه المتأخرون ومن تابعهم، وإنما وقع هذا الظن منهم لتوسعهم في التصحيح كما تقدم، وكلمات الأئمة النقاد في تعيين حد الصحيح متقاربة.
فذكر أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي في كتاب «التمييز» له عن الثوري وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم: أن جملة
1 / 23