وهؤلاء نظروا إلى أن الإمام يحمل القراءة عن المأموم، ولا يحمل عنه الاستفتاح، لكن هذا إنما يدل على عدم وجوب القراءة، والمأموم مأمور بالاستماع والإنصات، فلا يشتغل عن ذلك بثناء، كما لا يشتغل عنه بقراءة، والقراءة أفضل من الثناء، فإن كان الإمام يسكت للثناء وأدركه المأموم أثنى معه، وإن كان لا يسكت، أو أدركه المأموم، وهو يقرأ فهو مأمور بالإنصات والاستماع، فلا يعدل عما أمر به.
فإن قيل: في وجوب الثناء قولان في مذهب أحمد، قيل: في وجوب القراءة على المأموم قولان في مذهب أحمد، وإذا نهي عن القراءة لاستماع قراءة الإمام، فلأن ينهي عن الثناء أولى، لقوله: (فاستمعوا له وأنصتوا) وإلا تناقضوا. كما ذكره البخاري.
وأما قول أبي هريرة : اقرأ بها في نفسك يا فارسي! فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) إلى آخره(١) فقد يقال: إن أبا هريرة إنما أمره بالقراءة؛ لما في ذلك من الفضيلة المذكورة في حديث القسمة، لا لقوله: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)) فإنه لو كانت صلاة المأموم خداجاً، إذا لم يقرأ لأمره بذلك؛ لأجل ذلك الحديث. ولم يعلل الأمر بحديث القسمة. اللهم إلا أن يقال: ذكره توكيداً، أو لأنه لما قسم القراءة قسم الصلاة، فدل على أنه لابد منها في الصلاة، إذ لو خلت عنها لم تكن القسمة موجودة. وعلى هذا يبقى الحديثان مدلولهما واحد.
وقوله: اقرأ بها في نفسك مجمل، فإن أراد ما أراد غيره من القراءة في حال المخافتة، أو سكوت الإمام، لم يكن ذلك مخالفاً لقول أولئك، يؤيد
(١) سبق تخريجه.