109

الإمام البقاعي ومنهاجه في تأويل بلاغة القرآن

الإمام البقاعي ومنهاجه في تأويل بلاغة القرآن

اصناف

يقول "البقاعي" عند تفسيره قول الله ﷾:
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (التغابن:٣)
" خلقُ الإنسانٍ في أحسن تقويم لا ينفي أن يكون للنوع الذي جُعل أحسن أفراد أنواع لما فوقه من الجنس لا نهاية لأحسنية بعضها بالنسبة إلى بعض يشاهد ما وجد من أفراد نوعه من الذوات، فقدرة الله ﷾ لا تتناهى، فإياك أن تصغي لما وقع في كتب الإمام "الغزالى" أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإن كان قد عَلِمَ أنَّه اعْتُرض عليه في ذلك، وأجاب عنه في الكتاب الذي أجاب فيه عن أشياء اعترض عليه فيها؛ فإنّه لا عبرة بذلك الجواب أيضًا، فإنَّ ذلك ينحَلُّ إلى أنَّه ﷾ لا يقدر على أن يخلقَ أحسن من هذا العالم، وهذا لايقوله أحدٌ.
وهذا لا ينقص مقدار "الغزالي" فإنَّ كلَّ أحد يؤخذ من كلامه ويردّ، كما قال الإمام "مالك" ﵃، وعزاه "الغزالي" نفسُه إلى "ابن عبَّاس" – ﵄ وقال الإمام "الشافعيّ" ﵃: " صنفتُ هذه الكتب وما ألوت فيها جهدًا، وإني لأعلم أنَّ فيها الخطأ؛ لأنَّ الله ﷾ يقول:
﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ (النساء: من الآية٨٢) (١)
ويقول عند تفسيره قول الله ﷿:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطلاق:١٢)
"فإنّ من قدر على إيجاد ذرّةٍ من العدمِ قدر على إيجاد ما هو دونها ومثلها وفوقها إلى ما لانهاية له؛ لأنه لا فرق في ذلك بين قليل ولا كثير جليل أو حقير

(١) – نظم االدرر:٢٠ /١٠٧

1 / 109