الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية
الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية
تحقیق کنندہ
أطروحة دكتوراة - قسم الكتاب والسنة، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى ١٤٢٢ هـ
ناشر
دار طيبة الخضراء للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
پبلشر کا مقام
مكة المكرمة
اصناف
الهبات السَّنِيَّةُ العَلِيَّةُ
على أبياتِ الشاطبِيَّةِ الرائيَّةِ
وهو شرح لرائية الشاطبي "عقيلة أتراب القصائد "
تأليف
ملا علي القاري الهروي
المتوفى (١٠١٤)
تحقيق
د. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الكريم السديس
أصل هذا الكتاب رسالة مقدمة في مرحلة العالمية العالية
في قسم الكتاب والسنة في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى
ونوقشت بتاريخ: ١٤/ ٣/ ١٤٢٢
وقد أجيزت بتقدير: ممتاز
1 / 3
المقدمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، والْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، وأهل التقوى والمغفرة، له الحمد كله، وله الشكر كله، وله الثناء الحسن، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضى، له الحمد لا نحصي ثناءً عليه، هو كما
1 / 5
أثنى على نفسه، وفوق ما نثني عليه، له الحمد كما هدانا وله الحمد كما كفانا وآوانا، وله الحمد بالإسلام، وله الحمد بالإيمان، وله الحمد بالسنة والقرآن، له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، هدانا للإسلام وعلَّمَنا القرآن، ثم يأجرنا على ذلك كثيرا ويقول: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: ٦]، وما إحساننا لولاه، وما إيماننا لولاه ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: ١٧]، أتم بالإسلام علينا النعمة وقال ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]، فتمام النعمة في كمال الدين، فالدين من حيث هو قد كمل، وأتم الله به علينا النعمة، وإنما يكمل أحدنا بقدر أخذه من هذا الدين علمًا وعملًا، فمن كان بهذا الدين أقعد؛ فهو بنعمة الله أحظى وأسعد، وبقدر ما يرفع العبد به رأسه؛ تكون نعمة الله عليه أتم، إذ الدين قد تم، والنقص فينا، وما يسدُّه إلا تمسكنا بهذا الدين.
ولما كان هذا القرآنُ -كلامُ ربِّنا وخالقِنا والعالمِ بما يصلحُنا ويصلحُ لنا، إذ هو أعلم بنا من أنفسنا- جامعًا لأسباب السعادة الدنيوية والأخروية، فما من خير إلا دل عليه، وما من شر إلا حذر منه، فأحكامه أتم العدل وأخباره أتم الصدق ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥] فإنني حرصت على أن أكون ممن حظي بشرف خدمة هذا الكتاب العظيم.
وإن من أعظم نعم الله علينا أن تكفل بحفظ كتابه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)﴾ [القيامة: ١٧ - ١٩]، ولم يكله إلى جهودنا، -علم ربُّنا ضعفَنا
1 / 6
وعجزَنا-، ومن مظاهر هذا الحفظِ الإلهيِّ المذكورِ أن سخَّر الله أناسًا اصطفاهمُ ليكونوا ورثةَ النبي ﷺ في حفظ هذا الدين، فقاموا به خير قيام فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فما مات النبي ﷺ إلا والقرآنُ كلُّه محفوظُ في الصدورِ، مكتوبٌ في السطور، وكان هذا الجمعُ مفرَّقَ الآيات والسورِ.
وفي عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق ﵁ جُمِعَ القرآنُ في صُحُفٍ مجموعَ الآيات والسُّوَر في مكانٍ واحدٍ وكان هذا الجمع بمشورةٍ من عمر ﵁ مخافة أن يذهب القرآنُ بذهاب حُفَّاظِه الذين اسْتَحَرَّ القتلُ فيهم في موقعةِ اليمامة.
ولما كثرت الفتوحات الإسلامية ودخلَ الناسُ في دين الله أفواجًا، واجتمعَ أهل المشرقِ بأهلِ المغربِ، وكلٌّ يقرأ بما عنده من القرآن بالحرف الذي سمعه، ولعَدَمِ علمِ بعضِهم بالحروف نشَأَ بينهم خلافٌ أدى إلى إنكار الأحرفِ والقراءاتِ من بعضهم حتى تفاقم الأمر وكاد يقع بينهم قتالٌ في ذلك، فسمع هذا الاختلافَ بين الناس الصحابيُّ الجليلُ حذيفةُ بن اليمان ﵁ فذهب إلى الخليفةِ عثمانَ بنِ عفانَ ﵁ وقال له: أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتاب ربها كما اختلفت اليهود والنصارى، فامتثل الخليفةُ الراشدُ عثمانُ النصيحةَ وجَمَعَ القرآنَ في مصحفٍ واحدٍ مرتبِ الآياتِ والسورِ برسمٍ يخالف الرسمَ الإملائيَّ في بعض الكلمات ليَحْتَمِلَ وجوهَ القراءاتِ، وأُطلق عليه الرسمُ العثمانيُّ، وأَمَرَ بنسخِ هذا المصحفِ نُسَخًا عِدَّة، وبَعَثَ بها إلى الآفاق (^١). وقد عُنِيَ علماء المسلمين بالقرآن وعلومِه والقراءاتِ منذ نزوله على
_________
(^١) المقنع صـ ٩.
1 / 7
النبي ﷺ، ومن بين علوم القرآن التي عُنُوا بها "علم رسم المصحف العثماني" وأُلِّفَتْ في ذلك تصانيف، ومن بين هذه المصنفات نظمُ "عقيلة أتراب القصائد" للإمام الشاطبي ﵀ وشرحُه "الهباتُ السَّنِيَّةُ العَلِيَّةُ على أبياتِ الشاطبِيَّةِ الرائيَّةِ" للإمام ملا علي القاري الهروي ت ١٠١٤، وهو الكتاب الذي قمت بتحقيقه بفضل الله وعونه وهأنذا أقدمه للقارئ الكريم سائلًا الله أن ينفع به كاتبه يوم لا ينفع مال ولا بنون وأن ينفع به قارئه إنه سميع مجيب جوادٌ كريم.
منهج التحقيق:
كان عملي ومنهجي فيه وَفْقَ الخطوات التالية:
(١) ضبط النصِّ وإخراجه خاليًا من التحريفِ والتصحيفِ -بقدر الاستطاعة- كما وضعه المؤلف أو قريبًا منه واضعًا نصب عيني قواعدَ وأصولَ التحقيق العلمي معتمدًا على ستّ نسخ بصورةٍ دائمةٍ وثلاثٍ أخرى عند الإشكال.
(٢) المقابلة بين النسخ -واتبعت طريقة النص المختار- وتقويم الكلمات التي اعتراها التحريفُ والتصحيفُ وإثباتُ ما ترجَّحَ عندي صوابهُ في النصِّ، والإشارةُ إلى الفروقِ الموجودةِ بين النسخ في الحاشية، وإذا كان هناك خطأ في الأصل أثبتُّ الصوابَ وأشرتُ إلى الخطأ في الهامش مع بيان المصدر، أو سبب التصويب.
1 / 8
(٣) رسمت الآياتِ القرآنية بالرسمِ العثماني وعزوتها إلى سورها ورقمها في السورة، وإذا تكرر ورود الآية أو جزءٍ منها في الصفحة أو قريبًا فلا أعيد ذكر رقمها وسورتها.
(٤) تنظيم مادةِ النص بوضعِ علامات الترقيم من النقطِ والفواصلِ والإشارات والأقواس المتعارفِ عليها، حيث جعلتُ الآياتِ القرآنيةَ داخلَ الأقواس المزهرة ﴿﴾ والأحاديث النبوية والآثار وكلام الداني في المقنع وما ينقلُه المصنف عن الآخرين أجعله بين هلالين ().
(٥) تخريج القراءات الواردة في النص صحيحِها وشاذِّها وذلك بالرجوع إلى مصادرها.
(٦) التزمتُ في نفي المؤلف القراءة عن السبعة؛ ذِكْرَ موافقةِ العشرةِ لهم أيضًا إن كان الأمر كذلك، فإذا قال: (ولم يقرأ في السبعة) وكان الواقع أن العشرة لم يقرؤوا بذلك أيضًا فإنني أبين ذلك بقولي: (بل ولا بقية العشرة) لأن ذلك أقوى في تثبيت مراد المؤلف ﵀، أما في الإثبات فلم ألتزم ذلك مع كوني قد أذكره عند قيام مقتضي ذكره.
(٧) تخريجُ الأحاديث النبوية فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيتُ بالعزو إليهما وإن لم يكن فيهما اجتهدت في التخريج مع بيان درجتها ذاكرًا أقوال العلماء في ذلك.
(٨) عزو الأقوال المأثورة والشواهد الشعرية إلى قائليها.
(٩) ضبط الكلمات الغريبة في النص وتفسيرها وتوضيح المصطلحات الخاصة بعلم الرسم وغيره.
1 / 9
(١٠) عزو الكلمات التي في أبيات العقيلة -التي هي نظم للمقنع- إلى مواضعها في المقنع؛ حيث التزمت وضع حاشية في نهاية كل بيت بينت فيها مواقع هذه الكلمات من المقنع برقم الصفحة.
(١١) تحديد وعزو النقول المقتبسة من الوسيلة -المصرح بها وغير المصرح- إلى أرقام صفحاتها.
(١٢) تحديد وعزو النقول المقتبسة من الجميلة -المصرح بها وغير المصرح- إلى أرقام صفحاتها في المخطوط الذي أهدانيه الأخ الدكتور: محمد إلياس، وهي نسخة مكتبة الحرم المكي برقم ٤٢٠، وعدد صفحاتها ٣٨٢ صفحة، وتاريخ نسخها سنة ٧٩٨.
(١٣) تحقيق المسائل التي تحتاج إلى تحقيق وبحث وبيان الراجح في المسائل المختلف فيها.
(١٤) ترجمت للأعلامِ الواردِ ذكرُهم في النصِّ، وذكرت مصادرَ كلِّ ترجمةٍ معتمِدًا غالبًا على كتاب معرفة القراء الكبار في معظم الأعلام الذين لهم تعَلُّقٌ بهذا الفنِّ؛ ومن ليس لهم تعَلُّقٌ بالفنِّ أترجم لهم من كتب التراجم المختصة بهم.
وسبب اعتمادي في أكثر التراجم على معرفة القراء الكبار للذهبي أمور:
• جلالة الذهبي في علم نقد الرجال، قال عنه تاج الدين السبكي: (إنه كان شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعَبِّرُ عنها إخبار من حضرها) (^١)، وقال ابن ناصر الدين: (ناقد المحدِّثين وإمام المعدِّلين والمجرِّحين … وكان آية في نقد الرجال، عمدة في
_________
(^١) طبقات الشافعية الكبرى لتقي الدين السبكي ٥/ ٢١٦.
1 / 10
الجرح والتعديل) (^١)، ويقول شمس الدين السخاوي عنه: (هو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال) (^٢)، ولهذا السبب أيضًا كان اعتمادي كثيرًا في التراجم على كتابه "سير أعلام النبلاء".
• أن الكتاب الذي أحققه هو علم الرسم وألصق شيءٍ به في التراجم هو هذا الكتاب، وكتاب غاية النهاية لابن الجزري، ولذا كان اعتمادي عليه كبيرًا في رجال رسم القراءات.
• أن مجرد ذكر صاحب الترجمة في كتاب الذهبي دليل على كونه من القراء الكبار، حيث قال الذهبي في مقدمة كتابه: (فهذا كتاب فيه معرفة المشهورين من القراء الأعيان، أولي الإسناد والإتقان، والتقدم في البلدان، على الطبقات والأزمان) (^٣).
• أن الكتاب قد حققه واعتنى به ثلة من مهرة المحققين وهم: بشار عوّاد معروف وشعيب الأرنؤوط وصالح مهدي عباس، ومثل ذلك يقال في: "سير أعلام النبلاء".
• أن محققي الكتاب ذَيَّلوا كلَّ ترجمةٍ بمصادرِها ومراجعِها لمن أراد الاستزادة، ومثل ذلك يقال في "سير أعلام النبلاء".
وقد ترجمت لكل علم عند أول موضعٍ يُذْكَرُ فيه، ولم ألتزم الإحالةَ على موضع ترجمته عند وروده مرة أخرى أو مرات اكتفاءً بكوني ذكرت مكان ترجمته في فهرس الأعلام.
_________
(^١) الرد الوافر لابن ناصر الدين، صـ ٣١.
(^٢) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي. صـ ٧٢٢.
(^٣) معرفة القراء الكبار للذهبي، تحقيق: بشار عواد وشعيب الأرنؤوط وصالح مهدي، ١/ ٢٣.
1 / 11
(١٥) ذيلت الكتاب بالفهارس التالية:
* فهرس الآيات.
* فهرس الأحاديث والآثار.
* فهرس الشعر.
* فهرس الأعلام.
* فهرس الموضوعات.
وقدمت بين يدي الكتاب بترجمة موجزة لصاحب القصيدة المشروحة (الشاطبي)، وبترجمة أخرى لصاحب "الهبات السنية" الملا علي القاري.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 12
ترجمة صاحب القصيدة
(الشاطبيّ) (^١)
اسمه وكنيته: هو القاسم بن فِيرُّه بن خلف بن أحمد أبو محمد وأبو القاسم الرُّعَيْنِيُّ الأندلسيُّ الشاطبيُّ.
ولادته ونشأته ووفاته: ولد في آخر سنة ٥٣٨ بشاطبة وقرأ بها القراءات وأتقنها، ولما أنهى الأخذَ عن مشايخ بلده ارتحل إلى بلنسية فقرأ بها القراءات والحديث والنحو واللغة، ثم ارتحل إلى مصر سنة ٥٧٢ لقصد الحج فقدم إسكندرية فسمع بها من الإمام الحافظ أبي الطاهر السِّلَفِي ومن غيره، ثم استوطن مصر فتصدى فيها لإقراء القراءات واللغة والنحو وغير ذلك، فاشتهر اسمه وبعُد صيته وانتهت إليه رئاسة الإقراء، وعظم شأنه فقصده الناس من الأقطار، ولما فتح السلطان الملك الناصر صلاح الدين بيت المقدس توجه لزيارته في سنة ٥٨٩، فلما رجع في ذلك العام، درَّس بالمدرسة الفاضلية، ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية في جمادى الآخرة سنة ٥٩٠، عن ٥٢ سنة.
مؤلفاته: له عدد من المؤلفات أشهرها: حرز الأماني ووجه التهاني (^٢)، وعقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد، قال الذهبي فيهما: (وقد سارت
_________
(^١) انظر في ترجمة الشاطبي: معرفة القراء الكبار ٢/ ٥٧٣، وطبقات القراء للذهبي ٢/ ٨٨٣، وغاية النهاية ٢/ ٢٠، وسير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٦١، وطبقات المحدثين ١/ ١٨١، وطبقات الشافعية ٢/ ٣٥، وطبقات الشافعية الكبرى ٧/ ٣٧٠، ووفيات الأعيان ٤/ ٧١، الذيل والتكملة ٥/ ٢/ ٥٥٦، وقد أفرد القسطلاني له كتابًا بعنوان: "الفتح المواهبي في مناقب الإمام الشاطبي".
(^٢) وقد طبعته كل من دار الجيل ببيروت، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ودار الفكر، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت، ودار البارودي ببيروت، وطبعت أخيرًا ضمن سلسلة إصدارات كرسي تعلم القرآن وإقرائه بتحقيق الأخ الشيخ: علي بن سعد الغامدي، وطبعات أخرى.
1 / 13
الركبان بقصيدتيه حرز الأماني وعقيلة أتراب القصائد اللتين في القراءات والرسم وحفظهما خلق لا يحصون وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء وحذاق القراء فلقد أبدع وأوجز وسهل الصعب) (^١)، وقال القسطلاني: (ومن تآليف الإمام الشاطبي قصيدته الرائية المسماة "عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد" الشاملة لنفائس الفرائد، الجامعة شوارد "المقنع" في أسلوب مبدع، فائقةً نظراءها) (^٢).
تلامذته: تتلمذ عليه خلق لا يحصون منهم: الإمام علم الدين السخاوي، وأبو بكر اللخمي الأندلسي الشقري، وابن الحاجب المقرئ، المالكي، النحوي، الأصولي، وعلي بن هبة الله بن سلامة الإمام بهاء الدين أبو الحسن اللخمي، وهو من طبقة الشاطبي في بعض الروايات، قال الذهبي: وأنا أتعجب من القراء كيف لم يزدحموا عليه؛ لأنه كان أعلا أهل زمانه إسنادا في القراءات فلعل المانع من جهته، وكمال الدين علي بن سالم العباسي الهاشمي المقرئ المصري الشافعي شيخ القراء بالديار المصرية في زمانه،، ووَلَدُه محمد أبو عبدالله الشاطبي، وابن الأزرق عبد الله بن محمد بن عبدالوارث، معين الدين أبو الفضل؛ ابن المعالي الأنصاري المصري سمع عليه اللامية، وطال عمره فكان آخر من روى عن الشاطبي في الدنيا، وبقي إلى سنة ٦٦٤) (^٣).
_________
(^١) معرفة القراء الكبار ٢/ ٥٧٤.
(^٢) مختصر الفتح المواهبي صـ ٦٥.
(^٣) مختصر الفتح المواهبي صـ ٨٧ - ٩٤. وانظر: معرفة القراء الكبار ٢/ ٥٧٣ وطبقات القراء ٢/ ٨٨٣ وغاية النهاية في طبقات القراء ٢/ ٢٠ وسير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٦١ وطبقات الشافعية ٢/ ٣٥ وطبقات الشافعية الكبرى ٧/ ٣٧٠.
1 / 14
ترجمة الشارح (^١)
اسمه وكنيته ولقبه وشهرته:
هو الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد القاري الهَرَوِي ثم المكي الحنفي؛ المعروف بـ "ملا علي القاري"، و"نور الدين" لقب له، وكنيته: أبو الحسن، ووقع الاختلاف في ذكر اسمه على عدة أقوال، والصواب ما عبر به الشيخ عن نفسه في كثير من مصنفاته، حيث قال: (علي بن سلطان محمد القاري) (^٢) ولم ينقل عنه الخلاف في ذلك، وأما اسم والده (سلطان محمد)؛ فهو علم مركب من لفظين، وهذا عادة العجم، وأما (القاري) فقد قال الشيخ عبدالله مرداد (^٣): (القاري لقب نفسه؛ لأنه كان حاذقا في علم القراءة، ولهذا قال في بعض مؤلفاته "المقرئ" بدل القاري)، و(الهروي): نسبة إلى هَراة، وهي مدينة مشهورة من أمهات مدن خراسان، وهي الآن عاصمة أفغانستان الثانية (^٤)، وقد نُسِب القاري إليها لأنه وُلِد فيها، ونشأ في ربوعها، و(المكي): نسبة إلى مكة -حرسها الله-، حيث إن الشيخ القاري رحل إليها
_________
(^١) أفدت في ترجمته بشكل رئيس من كتاب "الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث" لخليل إبراهيم قوتلاي، وبعض مراجعه ليست عندي ولم أستطع الوقوف عليها، ومن مقدمة كتاب "المصنوع في معرفه الحديث الموضوع" للقارئ تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ومما ذكره عن نفسه في بعض مؤلفاته مثل: مرقاة المفاتيح ١/ ٢، ٢٥، وأبجد العلوم ٣/ ٢٣٢، وشم العوارض في ذم الروافض لوحة ١١، ومن "تاريخ الأدب العربي القسم التاسع"، و"الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه".
(^٢) الأسرار المرفوعة بتحقيق محمد الصباغ صـ ٢٤؛ حيث قال (أما بعد، فيقول خادم الكلام القديم، ولازم الحديث القديم، علي بن سلطان محمد القاري …). وقال في أول شرحه للرائية: (أما بعد: فيقول الملتجي إلى رحمة ربه الباري علي بن سلطان محمد القاري …).
(^٣) مختصر نشر النور (٢/ ٣٢١)، وانظر: أيضا البضاعة المزجاة ص ٣.
(^٤) اللباب في تهذيب الأنساب (٣/ ٣٨٦)، تقويم البلدان ص ٣٥٤.
1 / 15
وجاور بها أكثر من أربعين سنة، وتوفي بها ﵀، وكلمة (ملا) ذهب الحافظ مرتضى الزبيدي إلى أنها منحدرة من (المولى) فقال في تاج العروس: (والنسبة الى المولى: مولوي، ومنه استعمال العجم (المولوي) العالم الكبير، ولكنهم ينطقون به "ملا" وهو قبيح) (^١) يعني هذا التحريف، وقال الأستاذ محمد حسين خلف التبريزي في كتابه "برهان قاطع" ما ترجمته: (مُلَّا: بضم الأول وتشديد الثاني، وتنطق: منلا في اللغة التركية، والظاهر أنها منحدرة من كلمه "مولي" بالعربية ومعناها: السيد والمخدوم … ومعناها: في الفارسية الحديثة: فقيه ومثقف ومتعلم وفاضل وروحاني) (^٢).
ولادته ونشأته ووفاته:
تعذر الوقوف على تاريخ ولادته، ولم يترجم هو لنفسه، كما أن أحدا من طبقته أو التي تليها لم يترجم له، فتعذر على من بعدهم معرفة تاريخ ولادته، غير أننا نجزم بأن السيوطي المتوفي عام ٩١١ شيخ مشايخه كما قال في شرحه هذا ما نصه: (… كذا في الإتقان لشيخ مشايخنا الجلال السيوطي ﵀ (^٣)، وتلقى مبادئ العلوم في هراة مسقط رأسه، حيث إنه تعلم بها قراءة القرآن الكريم، وحفظه عن ظهر قلب، وجوَّده، وتلقى فيها مبادئ العلوم الشرعية غير أننا لم نظفر بتسمية أحد من مشايخه الذين تلقى عنهم مبادئ العلوم في هراة سوى شيخه في القرآن الكريم، حيث ذكره هو في رسالته "شم العوارض في ذم الروافض" فقال: (أستاذي المرحوم في علم القراءة مولانا معين الدين بن حافظ زين الدين) (^٤)، وكان لوالده نصائح وتوجيهات كان لها أثر في حياته،
_________
(^١) تاج العروس (١٠/ ٤٠١).
(^٢) برهان قاطع (٤/ ٧٠٣٠) نقلًا عن (الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث) صـ ٥٠.
(^٣) انظر: آخر شرح البيت رقم (٣٨).
(^٤) شم العوارض لوحة ٨.
1 / 16
حيث يقول الشيخ في رسالة له: (رحم الله والدي كان يقول لي: ما أريد أن تصير من العلماء خشية أن تقف على أبواب الأمراء) (^١)، وتوفي بمكة في شوال سنة ١٠١٤، ودفن بمقبرة المعلاة.
طلبه للعلم ورحلته إلى مكة:
رحل الشيخ إلى مكة، ولم تذكر المراجع تاريخ هذه الرحلة، إلا إنه بالنظر إلى وفيات العلماء الذين أخذ عنهم بمكة وكذا ما ذُكر من وفاة شيخه بهراة معين الدين حافظ، والخلاف في تاريخ وفاته وأن ذلك كان سنة ٩٥٢ (^٢) أو ٩٥٤ (^٣) فيمكن القول إن قدومه كان بين هذين التاريخين، ويؤكد ذلك أن الشيخ القاري وصف الأستاذ أبا الحسن البكري المتوفى سنة ٩٥٢ (^٤) بقوله: (شيخ مشايخنا) (^٥) وذلك يدل على أنه لم يلقه، ومن ثم فيكون قدومه إلى مكة بعد سنة ٩٥٢.
كما يبدو أن من أسباب رحلته إلى مكة ما ظهر من بدع ومنكرات في بلده هراة بعد تغلب الرافضة عليها، ويشهد لذلك قوله: (الحمد لله على ما أعطاني من التوفيق والقدرة على الهجرة من دار البدعة إلى خير ديار السنة، التي هي مهبط الوحي وظهور النبوة، وأثبتني على الإقامة من غير حول مني ولا قوة) (^٦).
_________
(^١) مرقاة المفاتيح (١/ ٢٥٤).
(^٢) انظر: (الإمام علي القاري ..) ص ٥٢ هامش (١).
(^٣) كشف الظنون (٢/ ١٥١٥).
(^٤) النجوم الزاهرة (خ): ق ٩، الكواكب السائرة (٢/ ١٩٤)، النور السافر ص ٤١٤.
(^٥) مرقاة المفاتيح (٢/ ٥٧٥)، ضوء المعالي ص ٢١.
(^٦) شم العوارض في ذم الروافض لوحة ١١.
1 / 17
شيوخه:
تتلمذ في هراة على الشيخ معين الدين بن حافظ زين الدين، كما تقدم، وبعد قدومه مكة تتلمذ على عدد من العلماء منهم: ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٣)، وعلي المتقي الهندي (ت ٩٧٥)، ومِير كَلَان (ت ٩٨١)، وعطية السُّلَمِي (ت ٩٨٢)، وعبد الله السندي (ت ٩٨٤)، وقطب الدين النهرواني المكي (ت ٩٩٠)، وأحمد بن بدر الدين المصري (ت ٩٩٢)، وشمس الدين محمد بن أبي الحسن البكري (ت ٩٩٣)، وسنان الدين الأماسي (ت ١٠٠٠)، والسيد زكريا الحسني.
اشتغاله بالخط واشتهاره به:
كان الشيخ القارئ ﵀ من البارعين في خط النسخ والثلث، وذاع صيته بين الخطاطين الماهرين في عصره، وما كتبه بيده من المصاحف اشتهر في العالم الإسلامي، وقد أشار إلى مكانته في الخط كثير ممن كتب في تراجم الخطاطين أو في تاريخ الخط العربي؛ كالشيخ سعد الدين مستقيم زاده (^١)، وقد كانت الكتابة هي مورد عيشه، وكان يكتب كل عام مصحفًا بخطه ويبيعه، فيكفيه قوته عامًا ذكر ذلك الشيخ عثمان العرياني (^٢)، والشيخ محمد عبد الحليم النعماني (^٣).
_________
(^١) تحفه خطاطين (بالتركية) صـ ٣٢٤، تاريخ الخط العربي صـ ٣٣١ وانظر: أيضًا في ذلك كلام المحدث الشيخ عبد الحق الدهلوي عنه في البضاعة المزجاة صـ ٢٩.
(^٢) الرمز الكامل (خ): ق ١٢/ ب.
(^٣) البضاعة المزجاة صـ ٣٠.
1 / 18
علمه ومؤلفاته:
كان الشيخ ﵀ من المكثرين في التأليف فألف في الحديث والفقه والأصول والتوحيد والتفسير والقراءات والتجويد والفرائض والتراجم والأدب واللغة والنحو وغيرها، وقد سرد كارل بروكلمان مؤلفات الشيخ فبلغت مائة وسبعين مؤلفا، كما ذكر مؤلفات أخرى له في أماكن أخرى من كتابه تاريخ الأدب العربي (^١)، وسرد عددًا كبيرًا منها صاحب كتاب (الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه) ومن أشهر مؤلفاته: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح طبعته دار الكتب العلمية ببيروت بتحقيق الشيخ جمال عيتاني في ١١ مجلدًا، والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع طبع بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ولمعرفة بقية مؤلفاته يمكن مراجعة تاريخ الأدب العربي، وكتاب: (الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه).
_________
(^١) تاريخ الأدب العربي القسم التاسع (١٣ - ١٤) صـ ٨٦ - ١٠١).
1 / 19
التعريف بالكتاب المحقق
أولًا: تحقيق عنوان الكتاب:
لم يذكر المؤلف عنوانًا لكتابه في أول الشرح، وإنما ذكر أنه شرحه حيث قال: (وقد شرح هذه القصيدة الرائية، جمع من أرباب الفضائل البهية، وأصحاب الفواضل الرضية، منهم الشارح الأول، وهو السخاوي الذي على كلامه المعَوَّل، فأردت أن أشاركهم في مسلك هذه القضية، لعلي أصادف تحسين النية، وتزيين الطوية، ليكون وسيلة إلى الدرجات العليَّة، والله ولي التوفيق، وبعنان عنايته أزمة التحقيق)، وقد كُتِب في نسخة (ز ٤) على الغلاف: "اسم هذا الكتاب "الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية المشهور بالعقيلة في رسم المصحف لنور الدين علي بن سلطان محمد الهروي القاري"، وكذا ورَد اسمه في الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط الصادر عن مؤسسة آل البيت (مآب) تابعة للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية: "الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية" في الرسم، وكذا ورَد اسمه في (الملا علي القاري، فهرس مؤلفاته وما كتب عنه) مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، إعداد محمد عبد الرحمن الشماع: "الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية"، وكذا ورَد اسمه في كشف الظنون ٢/ ١١٥٩: "الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية في الرسم" (^١).
_________
(^١) وانظر: هداية العارفين ١/ ٧٥٣، والبضاعة المزجاة صـ ٩١.
1 / 20
ثانيًا: تحقيق نسبة الكتاب للمؤلف:
أجمعت النسخ الخطية على نسبة هذا الكتاب لملا علي القاري، ونسبه إليه صاحب كشف الظنون ٢/ ١١٥٩ حيث قال: (وشرحها -أي العقيلة- نور الدين علي بن سلطان محمد الهروي القاري المتوفى سنة أربع عشرة وألف) (^١)، وكذا نسبه لـ (نور الدين علي بن سلطان محمد الحنفي الملا الهروي القاري ت: ١٠١٤) " الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط الصادر عن آل البيت، وهو مذكور في ثبت كتبه في "الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه "برقم (٢٦١) وفي صـ ١٤٤ من كتاب "الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث"
ثالثًا: منهج المؤلف في كتابه:
لم يبين المؤلف منهجه في كتابه، ولذا فسأحاول بعد دراستي أن أذكر بعض النقاط التي يمكن أن تمثل ملامح منهجه في كتابه فأقول:
لما كان الكتاب شرحًا لرائية الشاطبي في الرسم، وكانت الرائية نظمًا لمقنع أبي عمرو في الرسم، وكان كثير من الرسم منقولًا عن نافع، وكان ممن سبق القاري إلى شرح هذه الرائية السخاويُّ والجعبريُّ فإن الحديث عن منهجه سينجرُّ إلى كل أولئك فأقول:
١ - كل ما انفرد بنقله نافع وسكت عنه غيره دل على موافقته له:
نص المؤلف ﵀ على ذلك في مواضع منها:
• قال في شرح البيت ٨٠ - غَيَابَتِ نافعٌ وآيَتٌ معهُ: (وقد نقل نافع قصر الموضعين ولم يتعرض لهما غيره؛ فدلَّ أنهما متفقا الحذف في كل الرسوم).
_________
(^١) وانظر: هداية العارفين ١/ ٧٥٣، والبضاعة المزجاة صـ ٩١.
1 / 21
• قوله في شرح البيت ١٠٣: (ولم يخالف أحدٌ نافعًا في حذف ألف ﴿تُظَاهِرُونَ﴾ فكان اتفاقًا أيضًا).
• قوله في شرح البيت ١٠٨:) وصرح به نافع وسكت غيره فهذا أيضا اتفاق سكوت).
٢ ــ الشاطبي يلتزم في الرائية ترتيب المصحف:
قال المؤلف في شرح البيت ٧٨ - ودُونَ واوِ الَّذِينَ الشَّامِ والمدَنِي:
(ويعلم من إطلاق الناظم أن مراده ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾؛ لأنه أولُ واقعٍ بعد: ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ (^١) وهو احتراز عن قوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التوبة: ١١٣] فإنه متفق الواو).
ولا يخالف الناظم هذه القاعدة إلا لعذر مثل:
أ) في البيت ٨٠ - غَيَابَتِ نافعٌ وآيَتٌ معهُ: … حين قدم غَيَابَتِ على آيَت اعتذر له الشارح بقوله: (وقدمها الناظم على "آيَتٌ" عكس الترتيب القرآني للوزن).
ب) في شرح البيت ٩٢ - يُسَارِعُونَ جُذَاذًا عنه واتَّفَقُوا … حين قدم يُسَارِعُونَ على جُذَاذًا، اعتذر له الشارح بقوله: (وقَدَّمَ يُسَارِعُونَ على جُذَاذًا خلافَ الترتيبِ؛ ليُعْلَم أن المحذوفَ منها الألفُ الوسطى مثلها).
ت) وفي شرح البيت ٩٧ - سِرَاجًا اخْتَلفُوا والرِّيحَ مُخْتَلَفٌ .... حين قدم سِرَاجًا على الرِّيحَ اعتذر له بنقله عن الجعبري قوله: (وقدم سِرَاجًا على الرِّيحَ للوزن، مع أن عكسه موزون أيضًا).
_________
(^١) المذكورة في البيت السابق ٧٧: مِنْ تَحْتِهَا آخرًا مكيهم زَبَرا.
1 / 22
٣ - التزام ترتيب المصحف وفقًا لنظم العقيلة والتنبيه عند مخالفة هذا الترتيب فمن أمثلته:
أ) قوله في شرح البيت ١٠٠: (وضمير "فيها" راجع إلى سورة النمل بقرينه أن الألفاظ المتقدمة فيها).
ب) قوله في شرح البيت ١٠٥: (وتأخير الناظم إياها إلى بعد مسائل يس دل على أن مراده موضع الصافات المنصوص عليه في المقنع فخرج عنه؛ ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢]، إذ لو أراده لقدمه، إذ في مثل هذا يُلْتَزَمُ الترتيب).
ت) قوله في شرح البيت ١٠٨ نقلًا عن السخاوي: (وكان حق المصنف أن يذكر الجميع في سورة يونس).
٤ - كل ما قال الناظم: "حذفوا" يفيد إجماع نقلة الرسوم:
قال في شرح البيت:
٨٣ - ونونَ نُجِي بها والأنبيا حذَفوا … والكَافِرُ الحذفُ فِيهِ في الإمام جَرَى
(فَنِسْبَةُ الناظمِ الأولَ إلى الإجماعِ (^١) والثانيَ إلى الإفرادِ (^٢) قاصرةٌ لا تَحَكُّمٌ)
٥ - تعويله على شرح السخاوي "الوسيلة إلى كشف العقيلة" حيث قال في المقدمة:
(وقد شرح هذه القصيدة الرائية، جمع من أرباب الفضائل البهية، وأصحاب الفواضل الرضية، منهم الشارح الأول، وهو السخاوي الذي على كلامه المعوَّل)، وفعلا عوّل عليه ونقل منه كثيرًا، صرح باسمه في خمسة وسبعين موضعًا، ناهيك عن المواضع التي لم يصرّح فيها باسمه وهي كثيرة.
_________
(^١) أي: بقوله (حذفوا).
(^٢) أي: بقوله (في الإمام جرى).
1 / 23