Al-Fath ar-Rabbani li-Tartib Musnad al-Imam Ahmad ibn Hanbal ash-Shaybani
الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني
ناشر
دار إحياء التراث العربي
ایڈیشن نمبر
الثانية
اصناف
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، إمام المتقين وخاتم النبيين، إمام الخير وقائد البر ورسول الرحمة وكاشف الغمة، اللهم ابعثه مقاما محمودا، يغبطه عليه الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آله إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليما كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين، وتابع التابعين والأئمة المجتهدين والفقهاء والمحدثين ومن اتبع هداهم بإحسان الى يوم الدين. أما بعد،، فهذا تعليق وجيز وضعته على كتابي الموسوم < بالفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حمد بن حنبل الشيباني > لنشر جواهره وإبراز ضمائره، وكشف القناع عن إشاراته، والإفصاح عن لغاته، وكلت فيه الجليات للناظرين تفاديا من الإملال، وحققت بشرح مهمه الآمال، وسميته ﴿بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني﴾ راجيا أن ينفع الله به المسلمين، وأن يجعله ذخيرة الى يوم الدين، وإليك توضيح ما قصدت وبيان ما أردت.
1 / 2
اصطلاحات تختص بالتعليق (١) أولا: تذيل كل حديث بسنده فإني آثرت في ترتيب المتن حذف السند تقريبا للفائدة ونفيا للملل والسآمة واقتصارا في الوقت ونزولا على رغبة القارئين في هذا العصر الذي قصرت فيه الهمم، ولما كان ذكر السند لا يخلو من فائدة بل هو عند الحفاظ والأخصائيين من رجال الحديث نصف علومه رأيت أن أحرص على هذه الفائدة فذكرته في التعليق مذيلا كل حديث بسنده فجمعت بين الفائدتين ووحدت بين الرغبتين. (٢) ثانيا: حل غريب المتن وضبطه، معرضا عن ذكر تراجم الرواة من الصحابة وغيرهم إلا في كتاب مناقب الصحابة ﵃ من قسم التأريخ وهو: ﴿القسم السادس من الكتاب﴾ فأني أفيض القول هناك بذكر تراجمهم وافية لا يحتاج معها القارئ الى زيادة، وفيما عدا ذلك قد أشير الى ضبط اسم راو أو بيان حاله عن طريق التنبيه لا سيما في المواطن التي هي مظنة تحريف أو تصحيف. (٣) ثالثا: بيان حال الحديث مع ذكر من أخرجه غير الإمام أحمد من أصحاب الأصول أو من أورده في كتابه من متأخري الحفاظ ﵏ رامزا لأسمائهم وأسماء كتبهم بالرموز المشهورة كرموز الحافظ جلال الدين السيوطي ﵀ في كتابه الجامع الصغير طلبا للإختصار وربما خالفته في بعضها وقد أصرح بأسماء بعضهم أحيانا. (٤) رابعا: كل حديث قلت فيه لم أقف عليه، يعلم أني بحث عنه في الأصول قدر استطاعتي فلم أجده ويكون غالبا مما انفرد به الإمام أحمد ﵀. (٥) خامسا الإشارة في آخر كل باب إلى ما يستفاد منه وذكر من ذهب إليه من الأئمة المجتهدين إن كان في أحكام الفروع المختلف فيها وذكر شواهد وفوائد وتتميمات في كثير من المواضع.
1 / 3
(٦) سادسا: إرجاع مختصرات المتون الى أصولها وذلك أنه جاء في الكتاب أحاديث طويلة ذات أحكام كثيرة تناسب أبوابا متعددة فعمدت الى هذه الاحاديث فوضعتها بتمامها في أليق الأبواب بها ثم قطعتها فقرا فضعت كل فقرة منها في الباب المناسب لحكمها، وقد يظن القارئ لأول وهلة أن هذه الفقرة حديث كامل وليست كذلك فإزالة لهذا اللبس أشير في التعليق إلى أنها طرف من حديث ذكر بتمامة في باب كذا، وربما ذكرته بتمامه في التعليق اذا اقتضى الحال ذلك. (٧) سابعا: جاء في المسند أربعة وعشرون حديثا طعن الحافظ العراقي في تسعة منها وأورد ابن الجوزي الخمسة عشر الباقية في موضوعاته، فتصدى للذب عن جميعا الحافظ ابن حجر العسقلاني ﵀ في كتاب أسماه ﴿القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد﴾ وبما أن هذه الأحاديث جاءت متفرقة في المسند تبعا لمسانيد رواتها من الصحابة رضوان الله عليهم، وجاءت متفرقة في كتابي ﴿الفتح الرباني﴾ تبعا لأبوابها فقد ضمنت هذا التعليق كل ما في كتاب الحافظ من الذب عنها موزعا على كل حديث ما يختص به منه قطعا للتهمة عن هذا الأصل العظيم والله الموفق وهذه هي الرموز المشار إليها
1 / 4
رموز التعليق (خ) للبخاري في صحيحه، (م) لمسلم في صحيحه، (ق) للبخاري ومسلم، (د) لأبي داود، (مذ) للترمذي، (نس) للنسائي، (جه) لابن ماجه، (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة: أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، (الثلاثة) لهم إلا ابن ماجه، (ك) للحاكم في المستدرك، (حب) لابن حبان في صحيحه، (طب) للطبراني في معجمه الكبير، (طس) له في الأوسط، (طص) له في الصغير، (ص) لسعيد بن منصور في سننه، (ش) لابن أبي شيبة، (عب) لعبد الرزاق في الجامع، (عل) لأبي يعلى في مسنده، (قط) للدارقطني في سننه، (حل) لأبي نعيم في الحلية، (هق) للبيهقي في السنن، (لك) للإمام مالك، (فع) للإمام الشافعي فان اتفقا على إخراج قلت أخرجه الإمامان، (نه)، النهاية لابن الأثير المحدث، وإذا قلت: (قال الهيثمي) فالمراد به الحافظ المحدث علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد، وإذا قلت: (قال في التنقيح) فالمراد بذلك كتاب تنقيح الرواة في تخريج أحاديث المشكاة للمحدث الشهير أبي الوزير أحمد حسن، وإذا قلت: (قال في المنتقى) فمرادي بذلك كتاب منتقى الأخبار للإمام المحدث مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية الكبير المتوفي سنة أحدى وعشرين وستمائة، وهو غير ابن تيمية شيخ بن القيم، وإذا قلت: (قال الشوكاني) فمرادي في كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، والله اسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يرزقني الفوز بجنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، دعواهم فيها بسحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
1 / 5
ترجمة الإمام أحمد اعلم أرشدني الله وإياك أن ترجمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى ومناقبه كثيرة جدا تحتاج الى مجلدات، ولما كان لا بد لي من ذكر شيء من ترجمته لمناسبة اسمه في المقدمة رأيت أن أقتصر على أوجز ترجمة لكثرة شواغلي الآن وقيامي بطبع وتصحيح الكتاب أعني ﴿الفتح الرباني﴾ وقد وكلت الى نجلي الأكبر ﴿حسن أحمد البنا﴾ عمل مقدمة كبيرة ضافية تليق بعظمة الكتاب، ومؤلف أصله تقع في جزء لطيف تتضمن شيئا كثيرا من ترجمة الإمام أحمد ومناقبه وسيرته ومحنته وما يتعلق بمسنده ومنزلته عند المحدثين وشيء من فن الحديث وغير ذلك فلبى الطلب؛ وفقه الله ﷿ لعملها وأطال عمره وأحسن عمله وبارك فيه وفي اخوته وجعلهم خلفا صالحا آمين. نسبه ﵀ قال الحافظ العلامة الإمام في الحديث والقراءات شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري المتوفي سنة ٨٣٣ ﵀ في كتابه ﴿المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد﴾ ما نصه: أما الإمام أحمد فهو إمام المسلمين وأزهد الأئمة وشيخ الإسلام وأفضل الأئمة الأعلام في عصره وشيخ السنة وصاحب المنة على الأمة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حبان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وقد غلط قوم فجعلوه من ولد ذهل بن شيبان وإنما هو من ولد شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة هو عم ذهل بن شيبان، وقد اجتمع أحمد والنبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم في نزار لأن النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم مضري من ولد مضر بن نزار، وأحمد بن حنبل ربعي من ولد ربيعة بن نزار فهو أخو مضر بن نزار، وكانت أم أحمد شيبانية أيضا واسمها: صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك الشيباني من بني عامر كان أبوه نزل بهم وتزوج بها، وكان عبد الملك بن سواده بن هند الشيباني
1 / 6
من وجوه بني عامر وكان ينزل بها قبائل العرب فيضيفهم. مولده ووفاة والده ولد الإمام أحمد رحمه الله تعالى في العشرين من ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة ببغداد (١) وقال الحافظ أبو يعلى الحنبلي أنه ولد بمرو ثم حمل الى بغداد وهو رضيع وكان أبوه في زي الغزاة أصله من البصرة وتوفي أبوه محمد وله ثلاثون سنة وأحمد طفل. نشأته ومشايخه وتلاميذه قال الإمام أحمد: لم أر جدي ولا أبي، و، شأ في بغداد وعرف فضله وهو غلام في الكتاب فسمع من هشيم وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة ويحيى القطان عباد بن عباد وهذه الطبقة، وسمع بالعراق والحجاز والشام واليمن، روى عنه البخاري مباشرة وورى عن واحد عنه في صحيحه، ومسلم وأبو دادو وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعبد الله وأخوه صالح ابناه وخلق كثير وآخرهم أبو القاسم البغوي ﵏. أول طلبه الحديث وثناء الناس عليه أول طلبه للحديث سنة تسع وسبعين (أي بعد المائة) وله ست عشر سنة ﵀ قال عبد الله بن الإمام أحمد سمعت أبا زرعة يقول: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث قيل وما يدريك: قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب. وقال أبو عبيد: انتهى العلم الى أربعة: أفقههم أحمد ثم قال: لست أعلم في الإسلام مثله. وقال علي بن المديني: إن الله تعالى أيد هذا الدين بأبي بكر الصديق ﵁ يوم الردة وبأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يوم الفتنة. وقال يحيى بن معين: والله ما تحت أديم السماء أفقه من أحمد بن حنبل، ليس في شرق ولا غرب مثله. وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما خلفت ببغداد أفقه ولا أورع ولا أعلم من أحمد. وقال الحافظ الذهبي: انتهت إليه الإمامة في الفقه والحديث والإخلاص والورع، واجمعوا على أنه ثقة حجة إمام. اهـ ونقل الحافظ أبو موسى المديني المتوفي سنة ٥٨١ في كتابه خصائص المسند عن خط أبي بكر بن أبي نصر قال أبو الحسن اللنباني سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ﵀ يقول: كتب أبي عشرة آلاف الف حديث ولم يكتب سوادا في بياض إلا قد حفظه. اهـ ونقل الشوكاني عن ابي زرعة قال كانت كتب أحمد بن حنبل اثنى عشر حملا وكان يحفظها عن ظهر قلبه وكان يحفظ الف الف حديث اهـ صفته ﵀ قال الحافظ الذهبي ﵀: يصف الإمام أحمد في ترجمته هو عالم العصر وزاهد _________ (١) في ابن خلكان خرجت أمه من مرو وهي حامل به فولدته في بغداد وقيل أنه ولد بمرو وحمل الى بغداد وهو رضيع
1 / 7
الوقت ومحدث الدنيا ومفتي العراق وعلم السنة وباذل نفسه في المحنة وقل أن ترى العين مثله كان رأسا في العلم والعمل والتمسك بالأثر، ذا عقل رزين وصدق متين وإخلاص مكين، وخشية ومراقبة للعزيز العليم، وذكاء وفطنة وحفظ وفهم وسعة علم، هو أجل من أن يمدح بكلمي وأن أفوه بذكره بفمي كان ربعة من الرجال أسمر، وقيل كان طويلا يخضب بالحناء وفي لحيته شعر أسود ويلبس ثيابا غليظة ويتزر ويعتم، تعلوه سكينة ووقار وخشية ﵁. تاريخ وفاته ومدة عمره ﵀ قال الحافظ الذهبي: وكانت وفاته يوم الجمعة عاشر او حادي عشر ربيع الأول سنة أحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة وعشر ليال وشيعه أمم لا يحصيهم إلا الله تعالى حزروا بثمانمائة ألف فالله تعالى أعلم. إهـ الكلام على مسند الإمام أحمد قال الإمام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفي سنة ٨٠٧ ﵀ في كتابه زوائد المسند على الكتب الستة، إن مسند أحمد أصح صحيحا من غيره لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقه. وقال الحافظ السيوطي: في خطبة كتابه الجامع الكبير ما لفظه: وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول، فان الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن. وقال الحافظ: في كتابه تعجيل المنفعة في رجال الأربعة: ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفا قال والإتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا، نقله الشوكاني في اول كتابه نيل الأوطار في ترجمة الإمام أحمد. قلت: وقال الحافظ بن الجزري في كتابه المصعد الأحمد حدثني شيخنا الإمام العالم شيخ الفقهاء شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب الشافعي رحمه الله تعالى قال سئل الشيخ الإمام الحافظ أبو الحسين علي بن الشيخ الإمام الحافظ الفقيه محمد بن اليونيني رحمهما الله تعالى: أنت تحفظ الكتب الستة؟ فقال: أحفظها وما أحفظها، فقيل له كيف هذا؟ فقال: انا أحفظ مسند أحمد وما يفوت المسند من الكتب الستة إلا قليل، أو قال وما في الكتب الستة هو في المسند يعني إلا قليل وأصله في المسند فأنا أحفظها بهذا الوجه أو كما قال رحمه الله تعالى. (وبالإسناد) إلى إسحاق البرمكي قال ثنا أبي قال ثنا القاسم بن الحسن قال سمعت أبا الحسن بن عبيد الحافظ يقول سمعت عبد الله بن احمد يقول خرج أبي المسند من سبع مائة ألف حديث. وقال عثمان بن السباك: ثنا حنبل قال جمعنا احمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه غيرنا وقال لنا هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مائة ألف حديث وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم فارجعوا اليه فإن وجدتموه
1 / 8
وإلا فليس بحجة اهـ. وقال الحافظ أبو موسى المديني: ﵀ في كتابه خصائص المسند وهذا الكتاب يعني: ﴿مسند الإمام أحمد﴾ أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة فجعله اماما ومعتمدا وعند التنازع ملجأ ومستندا قال ولم يخرج إلا عن من ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في امانته (وقال أيضا) ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد ﵀ مسنده قد أحتاط فيه إسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح عنده على ما أخبرنا أبو علي سنة خمس (يعني وخمسمائة) قال ثنا أبو نعيم (ح) وأنا ابن الحصين قال أنا بن المذهب قال أنا القطيعي قال ثنا عبد الله قال حدثني أبي قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن ابي التياح قال سمت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم أنه قال: ﴿يهلك أمتي هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله، قال لو أن الناس اعتزلوهم﴾ قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم يعني قوله: ﴿اسمعوا وأطيعي﴾ وهذا مع ثقة رجال اسناده حين شذ لفظه عن المشاهير أمر بالضرب عليه فقال عليه ما قلنا وفيه نظائر له اهـ (قلت): هذا مثال لشدة احتياط الامام احمد في المتن، (وأما احتياطه في السند) فقد روى القطيعي قال حدثنا عبد الله (يعني بن الامام احمد) حدثني أبي ثنا علي بن ثابت الجزري عن ناصح أبي عبد الله عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم قال: ﴿لأن يؤدب الرجل ولده أو أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع﴾ قال عبد الله وهذا الحديث لم يخرجه ابي في مسنده من أجل ناصح لأنه ضعيف في الحديث وأملاه في النوادر. (قلت) وهذا الحديث ذكرته في كتابي (الفتح الرباني) في الباب الرابع من كتاب البر والصلة وأشرت إليه في التعليق. قال الشوكاني: وقد حقق الحافظ نفي الوضع عن جميع أحاديثه وأنه أحسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم يلتزم مصنفوها
1 / 9
العنعنة في جميعها كالموطء والسنن الأربع وليست الأحاديث الزائدة فيه على الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائد في سنن أبي داود والترمذي. اهـ (قلت) هذه هي صفوة القول في المسند والله أعلم.
1 / 10
(١) " ومازال المسند منذ ألف إلى اليوم درة في صدفها > هذا الكلام يشير الى أن المسند لم تمد اليه يد بعمل من ترتيب منذ ألف الى اليوم فإن قيل كيف هذا؟ وقد ثبت أن بعض المحدثين رتبه على معجم الصحابة وبعضهم رتبه على حروف المعجم (قلت): نعم، وقد ثبت أيضا أن بعضها لم يتم وبعضها وبعضها عدم في فتنة تيمورلنك بدمشق قاله الحافظ. (قلت): ولم أقف على شيء من ذلك الا بعض أجزاء ناقصة مخطوطة بدار الكتب المصرية
1 / 11
لا تفيد شيئا فكأن المسند لم تمد اليه يد كما أشرت الى ذلك، < هذا > وقد بحثت كثيرا في اثناء ترتيبي للكتاب نسخة من المسند مخطوطة فلم أجد الا نسخة واحدة بدار الكتب فحاولت استعارة جزء منها لأراجع عليه النسخة المطبوعة فلم يسمح لي بذلك لأن دار الكتب لا تعير الكتب المخطوطة فكنت ألاقي صعوبات ومشقات شديدات لا يعلمها الا الله تعالى في مراجعة الأصول الأخرى كصحيح البخاري ومسلم والسنن الأربع والموطء والمستدرك والدارقطني والبيهقي وجمع الفوائد ومجمع الزوائد وتيسير الوصول وغير ذلك كثيرا حتى أطمئن، وذلك عندما أجد تحريفا أو تصحيفا أو نحو ذلك في النسخة المطبوعة رغم على العناية بتصحيحها ومقابلتها على نسخ مخطوطة في أثناء طبعها، وقد بذلت في هذا السبيل كل مجهود نفسي ومالي واستحضرت ما قدرت عليه من المواد المطبوعة من الهند وروسيا وغيرهما وليست في مصر ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. (١) الفرضة: من البحر محط السفن ﴿أي الميناء﴾. (٢) فرائده أي جواهره النفيسة كاللؤلؤ والمرجان ونحوهما.
1 / 12
(١) أشير بذلك إلى أخي في الله وصديقي وشيخي الأول العالم العامل الصالح الورع فضيلة الأستاذ محمد زهران، أسكننى الله واياه فسيح الجنان.
1 / 13
1 / 14
(١) فإن قيل كيف يختلف اللفظ والمصدر واحد؟ (قلت) قد يقع ذلك من بعض الرواة، فبعضهم يروي الحديث باللفظ، وبعضهم يرويه بالمعنى، وروايته بالمعنى جائزة خصوصا في القرون الثلاثة الأولى لقرب عهدهم بعصر النبوة وعلمهم بمواقع الخطاب ودقائق ألفاظه وأمانتهم في التبليغ لقوة إيمانهم. قال حجة الإسلام الإمام الغزالي ﵀: في كتابه المستصفى نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه. (وقال فريق): لا يجوز له إلا إبدال اللفظ بما يرادفه ويساويه بالمعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة، والاستطاعة بالقدرة، ووالابصار والاحساس بالبصر، والحظر بالتحريم وسائر ما لا يشك فيه، وعلى الجملة ما لا يتطرق اليه تفاوت بالإستنباط والفهم، وإنما ذلك فيما فهمه قطعا لا فيما فهمه بنوع استدلال يختلف فيه الناظرون ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على شرح الشرع للعجم بلسانهم، فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية ترادفها فلأن يجوز إبدال عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى وكان سفراء رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم، وكذلك من سمع شهادة الرسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى هذا لأنا نعلم أنه لا تعبد باللفظ. (فإن قيل): فقد قال صلى الله عليه واله وصحبه وسلم ﴿نضر امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه﴾، قلنا هذا هو الحجة لأنه ذكر اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ من الألفاظ المترادفة فلا يمنع منه وهذا
1 / 15
الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، وإن أمكن أن تكون جميع تلك الألفاظ قول رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد ونقل بألفاظ مختلفة، فإنه روي ﴿رحم الله امرءا ونضر الله امرءا﴾، وروي ﴿ورب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه غير فقيه﴾ وكذلك الخطب المتحدة والوقائع المتحدة رواها الصحابة ﵃ بألفاظ مختلفة فدل ذلك على الجواز. اهـ (١) مطلب في بيان اصطلاحي في عد أحاديث الكتاب: اعلم رعاك الله أني رأيت من تمام الفائدة وتسهيل المراجعة وتمشيا مع نظام الحديث عد الأحاديث بالأرقام المسلسلة جاعلا لكل كتاب منه عددا مستقلا مبتدئا بكتاب معرفة الله عزل وجل توحيده لأنه أول كتب الكتاب حتى إذا انتهى بدأت العد من أول حديث في الكتاب الذي يليه وهكذا حتى ينتهي القسم الأول وهو قسم التويحد وأصول الدين ثم أضم أعداد هذه الكب بعضها لبعض فالعدد الناتج من ذلك المجموع يكون عدد
1 / 16
القسم ثم أجري هذه العملية في بقية الأقسام حتى نهاية القسم الأخير وهو القسم السابع فأضم أعداد الأقسام السبعة بعضها لبعض فالناتج من ذلك المجموع يكون عدد الكتاب جميعه. (تنبيه) كل حديث مكرر عن صحابي واحد في معنى واحد لاختلاف لفظه أو تعدد طرقه أعده حديثا واحدا، فإن رواه أكثر من واحد من الصحابة ﵃ جعلت رواية كل صحابي حديثا مستقلا وإن اتحد في اللفظ والمعنى.
1 / 17
1 / 18
ترجمة عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله (١) أبو عبد الرحمن: كنية عبد الله بن الامام احمد، قال الحافظ ابن الجزري رحمها لله في كتابه المصعد الأحمد في ختم مسند الامام احمد: وأما ابنه أبو عبد الرحمن: عبد الله بن الامام احمد رحمه الله تعالى فهو الامام الحجة الحافظ العمدة الذهلي الشيباني البغدادي أحد الأعلام، ﴿تاريخ ميلاده وذكر بعض شيوخه﴾: ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين وطلب الحديث في حداثته قبل ذلك، وكان أخوه صالح بن أحمد القاضي أسن منه، وأكبر شيخ له يحيى بن عبدون من أصحاب شعبة، ورى عن قتيبة بن سعد بالإجازة، وشيوخه يزيدون على الأربعمائة، ورى عن أبيه التفسير والزهد والتاريخ والعلل والسنة والمسائل وغير ذلك. ﴿ذكر تلاميذه﴾ روى عنه أبوه الإمام أحمد وأبو عبد الرحمن السنائي وابن أبي حاتم وابن صاعد وأبو عوانة ودعلج وأبوبكر النجاد وأبو القاسم البغوي وأبو القاسم الطبراي، وأبو علي بن الصواف والقاضي المحاملي وأبو الحسن أحمد بن محمد اللنباني (نسبة الى لنبان بتقديم النون وضم اللام محلة باصبهان) وأبوبكر القطيعي وجماعة كثيرة وجمع وصنف ورتب مسند أبيه وهذبه بعض التهذيب وزاد فيه أحاديث كثيرة عن مشايخة. ﴿ثناء الإمام أحمد على ابنه عبد الله﴾: قال عباس الدوري كنت يوما عند احمد بن حنبل فدخل ابنه عبد الله فقال يا عباس إن أبا عبد الرحمن قد وعى علما كثيرا، قال أبو زرعة قال لي أحمد ابني عبد الله محظوظ من علم الحديث لا يكاد يذاكرني الا بما لا أحفظ، وقال بن عدي: نبل عبد الله بأبيه وله في نفسه محل من العلم أحيا علم أبيه بمسنده الذي قرأه أبوه عليه خصوصا قبل أن يقرأه على غيره ولم يكتب عن أحد إلا من أمره أبوه أن يكتب عنه، وقال الخطيب البغدادي: كان ثقة ثبتا فهما. ﴿مؤلفات الامام عبد الله بن احمد، وثناء الذهبي على المسند﴾ قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: له من التصانيف كتاب السنة مجلد، وكتاب الجمل والوقع مجلد، وكتاب سؤالاته أباه وغير ذلك، قال: ولو أنه حرر ترتيب المسند وقربه وهذبه لأتى
1 / 19
بأسنى المقاصد فلعل الله ﵎ أن يقيض لهذا الديوان السامي من يخدمه وبوب عليه أو يتكلم على رجاله ويرتب هيئته ووضعه فإنه محتو على أكثر الحديث النبوي وقل أن يثبت حديث إلا وهو فيه: (قال وأما الحسان) فما استوعبت فيه بل عامتها ان شاء الله تعالى فيه، (وأما الغرائب) وما فيه لين فروى من ذلك الأشهر وترك الأكثر مما هو مأثور في السنن الأربعة ومعجم الطبراني الأكبر والأوسط ومسندي أبي يعلى والبزار وأمثال ذلك. (قال) ومن سعد مسند الامام أحمد قل أن تجد فيه خبرا ساقطا. اهـ كلام الذهبي رحمه الله تعالى. ذكر من رتب المسند من المتقدمين: قال الحافظ بن الجزري رحمه الله تعالى اما ترتيب المسند فقد اقام الله لترتيبه شيخنا خاتمة الحفاظ الامام الصالح الورع أبابكر محمد بن عبد الله بن محب الصامت رحمه الله تعالى فرتبه على معجم الصحابة ورتب الرواة كذلك كترتيب كتاب الأطراف تعب فيه تعبا كثيرا، ثم ان شيخنا الإمام مؤرخ الإسلام وحافظ الشام عماد الدين أبا الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير رحمه الله تعالى أخذ هذا الكتاب المرتب من مؤلفه وأضاف اليه الكتب الستة ومعجم الطبراني الكبير ومسند البزار ومسند أبي يعلى الموصلي وجهد نفسه كثيرا وتعب فيه تعبا عظيما فجاء لا نظير له في العالم وأكمله الا بعض مسند أبي هريرة فإنه مات قبل أن يكمله فإنه عوجل بكف بصره، وقال لي رحمه الله تعالى لا زلت أكتب فيه في الليل والسراج ينونص حتى ذهب بصري معه، ولعل الله أن يقيض له من يكمله فان معجم الطبراني الكبير لم يكن فيه شيء من مسند أبي هريرة ﵁ اهـ (قلت): يوجد في دار الكتب المصرية ثمان أجزاء من كتاب جامع المسانيد والسنن للحافظ ابن كثير بعضها مخروم ولا ندري كمية الأجزاء المفقودة ولا تصرح دار الكتب باعارة بعض الموجود لأحد وحيث كان كذلك فهو في حكم المعدوم وأظنه هو الذي أشار اليه الحافظ ابن الجزري رحمه الله تعالى (وإني أحمد الله تعالى) الذي وفقني للقيام بخدمة المسند وترتيبه وتبوبيه والتعليق عليه كما جاء رجاء الحافظ الذهبي سائلا المولى جل شأنه أن يجعله مقبولا لديه، خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به النفع العميم. تاريخ وفات عبد الله بن الامام احمد رحمهما الله تعالى: قال الحافظ بن الجزري رحمه الله تعالى ولما مرض عبد الله ﵀ مرض الوفاة فقيل له اين تحب ان تدفن، فقال صح عندي ان بالقطيعة نبيا مدفونا فلأن أكون في جوار نبي أحب إلي من أن أكون في جوار أبي وتوفي رحمه الله تعالى يوم الأحد لستع بقين من جمادى الآخرة سنة تسعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة كعمر أبيه رحمهما الله تعالى.
1 / 20