٣ - أنه في قوله تعالى: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ (^١)، قال الجِبليّ (^٢): ﴿طَاعَةٌ﴾، وهو رفعٌ على الحكاية، وقيل: هو ابتداءٌ محذوفُ الخبر تقديره: طاعةٌ وقولٌ معروفٌ أَمْثَلُ أو أَحْسَنُ، أو أَمْرُنا طاعةٌ".
فالمؤلِّف هنا ذكر أنّ ﴿طَاعَةٌ﴾ مبتدأٌ محذوفُ الخبر، ثم فَسَّرَ ذلك بقوله: "طاعةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ أَمْثَلُ"، وهذا مطابقٌ للوجه الإعرابِي، ولكنّ قوله: "أو: أَمْرُنا طاعةٌ" معناه أنّ ﴿طَاعَةٌ﴾: خبرُ ابتداءٍ محذوف، على عكىس ما ذكره هو أَوَّلًا من أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر، وهذانِ الوجهان صحيحان، وقد قال بهما سيبوَيْه (^٣).
٤ - أنه في قوله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ (^٤)، قال الجِبْليُّ (^٥): "وقيل: "ما" بمعنى: "الَّذِي"، أي: كانوا قَلِيلًا من الليل الَّذِي يَهْجَعُونَ؛ أي: كانوا قَلِيلًا من الليل هُجُوعُهُم؛ لأن "ما" إذا اتصل به الفعل صار في تأويل المصدر، كقوله: ﴿بِمَا ظَلَمُوا﴾؛ أي: بِظُلْمِهِمْ".
فهذانِ وجهانِ خَلَط المؤلِّف بينَهما، فالأول: أن تكون "ما" موصولةً، وعليه يكون المعنى: كانوا قليلًا من الليل الوقتِ الذي يهجَعونَه، والوجهُ الثاني: أن تكون "ما": مصدَريّةً، وهي معَ ما بعدَها في تأويل مصدرٍ في محلِّ رفع بَدَل من الضَّمير في ﴿كَانُوا﴾، و﴿قَلِيلًا﴾ خبرُ "كان"، والمعنى على هذا: كانوا قليلًا من الليل هجوعُهم، ولكنّ المؤلِّف لفَّق بين هذَيْنِ الوجهَيْن، فذكر أنها موصولةٌ، ثم فسَّرها على أنها مصدَريّة.
(^١) محمد ٢١.
(^٢) البستان ٣/ ٨٠.
(^٣) ينظر: الكتاب ١/ ١٤١.
(^٤) الذاريات ١٧.
(^٥) البستان ٣/ ١٦٧.