Al-Ahkam by Abdul Malik ibn Habib
الأحكام لعبد الملك بن حبيب
تحقیق کنندہ
الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب
ناشر
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٥ هـ - ٢٠١٤ هـ
پبلشر کا مقام
دولة قطر
اصناف
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
قال عبد الملك بن حبيب ﵀ ورضي الله عنه:
الحكم في الدعوى
حدثني علي بن قيس عن ابن جريج، أن عبدالله بن أبي مليكة أخبره عن ابن عباس، أن رسول الله ﷺ قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه».
وحدثني أصبغ بن الفرج [قال: ثنا ابن وهب]، عن حيوة بن شريح، أن سالم بن غيلان الثقفي أخبره أن رسول الله ﷺ قال: «من كانت له عند أخيه طلبة فعليه البينة، والمطلوب أولى باليمين» فإن نكل حلف الطالب وأخذ.
قال: وحدثني إسماعيل بن أبي أويس، عن [حسين بن عبدالله] بن
1 / 51
ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله ﷺ قال: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» إذا كانت بينهما مخالطة.
وحدثني مطرف بن عبدالله، عن مالك بن أنس، عن جميل بن عبدالرحمن، أنه كان يحضرعمر بن عبدالعزيز - إذ كان عاملا على المدينة - وهو يقضي بين الناس، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل؛ نظر، فإن كان بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف الذي ادعى عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه. قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
ابن حبيب: وتفسير المخالطة عند أهل العلم: أن تشهد البينة أنه كانت بينهما مخالطة وملابسة في حق لا يعرفون له انقضاء، فأما لو كان
1 / 52
لرجل على رجل حق فتقاضاه بالبينة، ثم أتى بعد يوم أو يومين يدعي عليه حقا غيره لا يعرف له سبب؛ فأراد أن يحلفه بالخلطة التي كانت بينهما في الحق الذي قد تقاضاه، فإن ذلك ليس له.
قال: سمعت مطرفا وابن الماجشون يقولان: من ادعى حقا على رجل لا شاهد له عليه - وقد كانت بينهما مخالطة - أحلف القاضي المدعى عليه أن ما له قبله هذا الحق، فإن نكل عن اليمين لم يجز للقاضي أن يقضي بالحق للمدعى حتى يحلفه، وإن لم يطلب المدعى عليه يمين المدعي.
وليس كل الناس يعلم أن اليمين ترجع على المدعي إن نكل عنها المدعى عليه، فليس يقضى للطالب بالحق إذا نكل المطلوب عن اليمين حتى يحلف الطالب، فإن حلف أخذ ما حلف عليه، وإن نكل بطل حقه.
وإن أقام رجل شاهدًا على حق له، وأبى أن يحلف مع شاهده، رجعت اليمين على المطلوب، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم ولم ترجع اليمين على الطالب؛ لأن اليمين إنما كانت هنا أولا للطالب، فلما نكل عنها ردت [على المطلوب].
فلو حلف برئ فلما نكل غرم؛ لأن اليمين في الذي لا شاهد له إنما كانت على المطلوب، فلما نكل عنها رجعت على الطالب، فلو حلف أخذ فلما نكل بطل حقه، لأنه أمكن منه بالحلف فأباه.
قالا: وإذا رد المطلوب اليمين على الطالب، فقبل ذلك الطالب، [ثم رجع عن المطلوب] عن ذلك، وقال: لم أكن أظنك تجترئ على اليمين. فليس له الرجوع عن ذلك قبل أن يحلف الطالب، ولا بعد أن يحلف وسواء كان ذلك عند السلطان، أو عند غير السلطان، [لأنه لزمه الحق كما يلزمه] لو أقر به، وهكذا سمعنا مالكا يقول وجميع مشايخنا، وهو الذي حكمت به حكامنا.
1 / 53
وأخبرني ابن عبدالحكم وأصبغ بن الفرج عن ابن وهب وابن القاسم عن مالك مثله.
ابن حبيب: وحدثني الأوسي، عن إسماعيل بن عياش، عن عطاء بن عجلان، عن أبي بصرة، عن أبي سعيد الخدري، أن يهوديا خاصم رجلا من المسلمين إلى عمر بن الخطاب، فقال له عمر: بينتك. فقال لعمر: ما تحضرني بينة اليوم. فأحلف عمر المدعى عليه فحلف، ثم أتى اليهودي بعد ذلك بالبينة، فقضى له عمر ببينته، وقال: «البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة»
ابن حبيب: فسألت مطرفا وابن الماجشون عن ذلك فقالا لي: ذلك يتصرف إذا حلف المطلوب ثم وجد الطالب البينة، فإنه إن لم يكن كان عالمًا فبينته أحق من يمين المطلوب - حاضرة كانت أو غائبة - بعد أن يحلف بالله ما علم بها، وإن كان حين أحلفه كان عالما بها وكانت معه في البلد أو في القرب بحيث لم يكن يخاف فوتا على حقه - لو أخره لقدوم بينته - فلا حق له في بينته بعد، ولا رجوع له على صاحبه، وإن ادعى وحلف أن ذلك لم يكن عن رضا منه بيمين صاحبه، ولا تركا للأخذ ببينته، وإن كانت بينته غائبة عنه غيبة بعيدة فلا يضره علمه بها، ويأخذ بها، ولا يمين عليه أن ذلك لم يكن رضا منه بيمينه، ولا تركًا لبينته إذا كانت غيبتها بعيدة، لأن السلطان لو علم ببينته قبل إحلاف المدعى عليه فكانت معه أو في القرب وصاحبه لا يخاف فوتًا على حقه لم يجز أن يخلفه له إلا على ترك بينته، فكذلك يلزمه ذلك إذا [.....] وعلم بها دون السلطان، وإذا كانت في البعد عنه بحيث يخاف الفوات على حقه إذا انتظره إلى قدوم.
1 / 54
بينته فإن السلطان يحلفه له ويكون على حقه إذا قدمت بينته [. . . .] دون السلطان إذا كانت غيبتها بعيدة وهكذا سمعنا مالكا [....] وجميع مشايخنا بالمدينة وبه حكمت حكامنا، وأخبرني ابن عبدالحكم وأصبغ [..] ابن وهب وابن القاسم عن مالك مثل ذلك كله.
ابن حبيب: وأخبرني [ابن الماجشون] أنه سأل مالكًا عن الرجل يقيم شاهدًا واحدًا على حق، فيقال له: احلف مع [الشاهد] فيأبى، فيقال للمطلوب: احلف وتبرأ، فيحلف ويبرأ، ثم يجد [شاهدًا آخر مع] شاهده الأول، هل يؤخذ له بشهادتهما حين اجتمعا وتبطل يمين [المطلوب]؟ فقال مالك: نعم ذلك الذي أرى.
فقال لي ابن الماجشون: فكلمت فيه ابن كنانة، [فقال]: هذا عندنا وهم من قوله، وقد كان يقول: إن ذلك ليس له، لأن الأيمان أبطلت الشهادة، وقد كان لهذا الطالب أن يحلف مع شاهده الأول ويأخذ حقه، فلما أبي ذلك لم يكن له بعد الرجوع في ذلك، ولا الاعتداد بشاهد آخر، لأن يمينه كانت له بمقام شاهد، وقد أبى أن يأخذ بها، فكأنه رجع إلى أن يأخذ بها، وأن يحلفها حيث طلب أن يأخذ بشهادة آخر مع شاهده الأول.
قال: وإنما يكون هذا في امرأة تقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها، او العبد يقيم شاهدًا واحدًا على عتق سيده إياه، وكل ما ليس فيه اليمين مع الشاهد فيحلف الزوج أو السيد أو المشهود عليه بالشاهد الواحد، ثم يجد الطالب شاهدًا آخر فإنه يضم له إلى شاهده الأول، ويؤخذ له بحقه، وتبطل يمين المطلوب التي حلف، لأن هذا لم يكن أمكن فيه الطالب من اليمين فتركها كما ذلك في الأول.
1 / 55
قال لي ابن الماجشون: وبهذا أقول، وهو الحق إن شاء الله.
ابن حبيب: فسألت عن ذلك أصبغ بن الفرج، فقال بمثل قول مالك الذي رواه ابن الماجشون أن له أن يأخذ بشهادة شاهديه جميعًا، الأول الذي أبي أن يحلف معه، والآخر الذي وجده بعد إبائه، إذا كان هذا الذي وجده بعد إبائه غائبًا غيبة بعيدة لم يكن يعرفها، وليس إباؤه اليمين مانعًا له من الأخذ بشاهديه، وليس كل الناس يحلف على حقه وإن كان محقا.
وأما يمين الطالب [الذي لا شاهد] له، [وطلب يمين] المدعى عليه فنكل عن اليمين، فرجعت اليمين على المدعي، فحلف [وأخذ، ثم إن المدعى عليه]، وجد البينة على براءته من ذلك الحق، فإنه يبرأ ويرجع إلى [ما أخذ منه فيأخذه، ولو كان] المدعي حين رجعت اليمين إليه نكل عنها، فلم يعط شيئًا من دعواه بنكوله، ثم وجد البينة على أن دعواه حق، فإنه يأخذ ببينته، ولا يمنعه من ذلك نكوله [عن اليمين التي] ردت إليه.
وقال لي أصبغ: وهذا الذي لا أعرف غيره من قول أصحابنا، [وهو] كان أبعد في العبرة، مع الذي أبي اليمين مع الشاهد الواحد، وذلك لحديث عمر بن الخطاب: «البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة».
ابن حبيب: [قال لي مطرف] وابن الماجشون أنهما سمعا مالكًا يقول:
1 / 56
لا بأس أن يفتدي الرجل من اليمين [......] يعطيه من ماله، وإن حلف فلا جناح عليه إذا كان محقا.
ابن حبيب: وقد [روى] ابن سلام، عن أبي البختري أن عثمان بن عفان فدى يمينه بعشرة آلاف درهم، وقال: «لو حلفت لحلفت صادقًا»، وأن عمر بن الخطاب حلف على درهمين، وقال: «ما بيمين برة من بأس».
وحدثني أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن حميد بن زياد، عن يزيد بن قسيط، قال: خطب عمر بن الخطاب الناس؛ فقال: «ما يمنعكم أيها الناس إذا استحلف أحدكم على حق هو له أن يحلف، فوالذي نفس عمر بيده إن في يدي لعودًا»، وكان في يده عود.
ابن حبيب: فسألت مطرفا وابن الماجشون: أين يستخلف الناس فيما ادعي عليهم أو اقتطعوه بأيمانهم؟
فقالا لي: أما كل أمر له بال أو بلغ ربع دينار فصاعدًا؛ فإن كان بالمدينة فعند منبر رسول الله ﷺ، وإن كان في غير المدينة من البلدان ففي مسجدهم الأعظم، حيث يعظمون منه، عند منبرهم، أو تلقاء قبلتهم
1 / 57
ويستحلفون قيامًا، مستقبلي القبلة، والرجال والنساء في ذلك سواء، وما ادعي عليهم أو اقتطعوه بأيمانهم في ذلك سواء، ومن لم يخرج من النساء نهارًا خرجت ليلًا.
وما كان من ذلك يسيرًا لا يبلغ ربع دينار فصاعدًا إنما يحلف الرجل في مكانه الذي قضي عليه فيه باليمين - وإن لم يكن في مسجد - ويحلف جالسًا إن أحب.
وتحلف المرأة في بيتها جالسة، ولا تخرج إلى المسجد لذلك، ويخرج القاضي في ذلك الواحد؛ أي: يرسله إليها فيحلفها.
ومن أمر أن يحلف في الشيء الذي [ادعي عليه] في المسجد عند المنبر وما أشبهه من المواضع، فقال: أنا أحلف مكاني ولا أحلف هنالك فهو [.....] إن لم يحلف في مقطع الحق، وحيث تجب الأيمان، غرم إن كان مدعى عليه، وبطل [....] حكم مروان بن الحكم على زيد بن ثابت.
وإنما يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، [ولا يطالب] بأكثر من ذلك في الحقوق والدماء واللعان.
وكل ما تقع فيه اليمين [على المسلمين أو النصارى أو اليهود] أو المجوس، غير أن هؤلاء إنما يحلفون حيث يعظمون من [كنائسهم] ومواضع عبادتهم، ويرسل القاضي في ذلك رسولًا من المسلمين يحلفهم بالله [.....] مالكًا يقول في ذلك كله، وجميع مشايخنا بالمدينة.
1 / 58
وأخبرني ابن عبدالحكم [وأصبغ] عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب عن مالك مثل ذلك كله.
قال: وسألت مطرف [بن عبدالله] عن الرجل يدعي على الرجل أنه باعه بيعًا، وأن ثمن ذلك باق عليه، فينكر [الرجل] المدعى عليه، فيؤمر باليمين بعد معرفة الخلطة بينهما، فيقول: أنا أحلف أنه لا حق له قبلي، ويقول الطالب: بل تحلف أني ما بعتك كذا وكذا، فيأبى ذلك، ويقول: بل أحلف أنه لا حق له قبلي؟
فقال: بل يحلف على ما ادعى الطالب وذكر، وكذلك سمعت مالكًا يقول في ذلك، ويقول: هذا يريد أن يورك.
فقلت: وما التوريك؟
فقال: الإلغاز في يمينه، والتحريف، كأنه يريد أن يغبي في يمينه أني قد ابتعت منك ما تقول وقضيتك الثمن، فأنا أحلف أنه لا حق لك قبلي، فليس ذلك له، لأنه إنما أقر بأنه ابتاع منه وقضاه، كأن الحق قد لزمه، وصارت اليمين على الطالب؛ أنه ما اقتضاه شيئًا، ثم يأخذ حقه، وما كان مما تقع فيه الأيمان مما يشبه هذا فهو على هذا التفسير.
قال عبدالملك: وسألته عن الورثة يدعى على صاحبهم بمثل هذا كيف يحلفون؟ أعلى البت أم على العلم؟
فقال لي: بل لا أيمان عليهم إلا على من بلغ منهم علم ذلك من كبير حاضر، فيحلف بالله لما علم صاحبه الهالك ابتاع منك ما تقول، ولا أعلم لك عليه حقا.
فأما من كان منهم غائبًا أو صغيرًا في حياة الهالك فلا يمين عليه،
1 / 59
وكذلك ما قاموا به من حق للهالك على حي فأثبتوه بالبينة، [فيحلف] الكبير منهم الحاضر بالله لما علم صاحبه اقتضى هذا الحق حتى مات، وليس عليهم أن يحلفوا (أن) هذا الحق حق.
وليس على من أقام بينة على حق له أن يحلف مع بينته أن حقه حق إلا أن يدعي المطلوب أنه قد قضاه، فيحلف لما اقتضاه، وهكذا سمعنا مالكًا يقول.
قال عبد الملك: وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن مالك مثله.
قال: وسألت عن ذلك ابن الماجشون، فقال لي - في أيمان الورثة - مثل ذلك، وقال في يمين الأول: إذا حلف بالله ما لك علي [من كل ما تدعيه] قليل ولا كثير فقد برئ، ولا ينظر إلى قول المدعي.
قال عبد الملك: وهذا [أحب إلي إذا كان] المدعى قبله من لا يتهم، وكان المدعي من أهل الظنة والطلب بالشبهة.
ابن حبيب: وسألت مطرفًا عن الرجل يدعي قبل الرجل حقا ولا يأتي ببينة على حقه فأحلف السلطان المدعى عليه إن عرفت الخلطة بينهما وأبرأه، ثم أتى المدعي بشاهد على أن حقه حق، قال: إذا حلف فقد برئ [....] ويستحق حقه؟
فقال لي: لا يكون ذلك له؛ لأنه لا يسقط يمينًا قد […]، وإن أتى بشاهدين عدلين كانا أحق من اليمين، وأعدى عليه بحقه.
قال: وسألت [مطرفًا] عن ذلك، فقال لي مثله، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قال: وسألت مطرفًا وابن الماجشون [عن قول مالك]- في الصغير.
1 / 60
يشهد له الشاهد على رجل بحق لأبيه عليه - أن المشهود عليه يحلف ويبرأ، وإن بلغ الصغير حلف شاهده واستحق حقه وبطلت يمين الحالف أولًا، إذ ذلك فيما كان [مالًا] أو شيئًا [بعينه] مثل الجارية والعبد والدار أو ما له الغلة؟
قالا: نعم ذلك سواء كل ذلك سواء يسلم إلى الحالف ولا يوقف عليه فإذا بلغ الصغير وحلف استحقه إن كان بعينه وإلا بقيمته يومئذ إن كان غائبًا.
قال عبد الملك: وقال لي ابن عبد الحكم وأصبغ مثله.
قال: وسألت مطرف بن عبد الله عن امرأة أعتقت جارية كانت في يديها عند موتها، وابن لها غائب، فلما قدم ادعى أن تلك الجارية كانت له ولم تكن لأمه، وأقام شاهدين شهدا أنهما يعرفان الجارية له قبل ذلك، إلا أنهما حضرا إعتاق الأم إياها عند موتها، ولم يذكرا علمهما، وشهد آخرون أنهم يعرفون الجارية في خدمة المرأة، لا يعرفون لأحد فيها حقا؟
فقال لي: شهادة شهيدي الولد أحق، ولا يضرهما حضورهما إعتاق الأم إياها وتركهما أن يعلماها أو غيرها بشهادتهما، لأنه ليس موضع حكم، ولا مقطع حق، وقد يظنان أنها صارت إليها من ولدها بما لا يعلمون، فلما قدم ابنها وادعاها قاما له بما علما.
وأما الذين شهدوا أنهم يعرفون الجارية في خدمة المرأة لا يعلمون أحد فيها حقا، فشهادة من شهد أنه يعلم أحق ممن شهد أنه لا يعلم.
وكل الناس يشهدون على أن الرجل قد يكون في يديه العبد يختدمه، والثوب يلبسه، لا يعلمون لأحد فيه حقا، فإذا استحقه أحد
1 / 61
بشهيدين أنه له لم ينتفع ذلك بشهادة الناس كلهم أنهم رأوه في يديه يختدمه ويلبسه.
قال: وسألت عن ذلك أصبغ، فقال لي مثله.
ابن حبيب: وسألت مطرفًا عمن [ادعى] الشجر في يدي الرجل أنها له وهي يومئذ مثمرة - هل تعقل له الثمرة حتى يستبرئ دعواه؟
فقال لي: إن ادعاها قبل غاصب أوقفت له الثمرة حتى يأتي ببينة ويستبرأ أمره، وإن لم يدعها قبل غاصب وادعاها بوجه شبهة خرجت بها من يديه فكان الذي يدعي من استحقاقها أمرًا قريبًا ليس في إيقافها ضرر على الذي هي في يديه [فأرى أن توقف له]، وإن كان في ذلك ضرر لم أر أن توقف له، فإن استحقها وتم أمره فيها [والثمرة في الشجرة] أخذها وغلته التي استحقت من يده عن عمله في سقيه الشجر [. . . .] إلا إن بيعت الثمرة، وإن استحقت بعد الجذاذ فلا حق له في الثمرة، وهي للذي جذها [....] ما قد جذ منها فيما سقى لأن الغلة بالضمان.
قال عبد الملك: وسألت عن ذلك أصبغ، فقال: إن في الغاصب مثله.
وقال لي في الغاصب: إن أتى المدعي بشبهة بينة، أو أمر ظاهر رأيت أن تعمل له.
ابن حبيب: وسألت مطرفًا عن رجل باع من رجل عبدًا ثم أتاه بعد عشرين سنين أو أقل أو أكثر يدعي أنه لم يقبض منه الثمن، وادعى المبتاع أنه قد قضاه؟
1 / 62
فقال لي: القول قول المبتاع مع يمينه أنه قد قضاه، وهذا ما لا شك فيه عندنا، ولا عند أحد من علمائنا الماضين، كذلك كان مالك يقول: إن في كل ما اشتري من الرقيق والدواب والدور والحوائط والرباع والعقار وما أشبهها، ثم أتى بائعها بعد ذلك يدعي أنه لم يقبض أثمانها، وزعم مبتاعها أنه قد قضاه، أن القول قول مبتاعها مع يمينه، وإن لم يمض لذلك إلا السنة والسنتان ونحو ذلك، لأن هذه الأشياء ليس أصل تبايعها عندنا على الدين، إلا على التقاضي.
ولكن لو كان ذلك بزا وتجارات وما يتبايعه الناس والتجار على التقاضي وإلى الآجال، فأتى بما لم يطل جدا يدعي أنه لم يتقاض الثمن، حلف ثم أعدي على حقه.
وإن جاء بعد زمان طويل مثل العشر سنين وأقل منها مما لا يجري بين الناس التبايع إلى مثل ذلك من الأجل فلا شيء له، والقول للمبتاع مع يمينه أنه قد قضاه ثمن ذلك.
قال لي مطرف: وكذلك كان مالك يقول فيما اشتري من الحنطة والزيت وما أشبه ذلك مما يبتاع في الأسواق من معايش الناس وحوائجهم ثم أتى بائعه بعد […] مبتاعه وبان به، فادعى ثمنه، وزعم مبتاعه أنه قد قضاه، فالقول قول المبتاع مع يمينه، وليس للبائع هاهنا قول.
وإن أتى بعد اليوم واليومين قال: وما لم يبن المبتاع بما باع من ذلك فالقول قول البائع.
قال: وسألت ابن الماجشون عن ذلك كله فقال لي مثل قول مطرف [.....]، وقال لي: هو قول مالك وأصحابنا لا نعلم غيره.
1 / 63
قال: وسألت عن ذلك أصبغ فلم [يميز بينهما]، وجعل ما عدا الحنطة والزيت من الدور والعقار بمنزلة البز والتجارات، وجعل القول في ذلك قول البائع أبدا - وإن بعد عشرين سنة - حتى يجاوز الوقت الذي لا يجوز التبايع إليه، [هذا] قوله.
وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي وبه أقول وقد روياه من […]
* * *
باب ما جاء في دعوى الرجل لغيره
قال عبد الملك: [وسألت] مطرفًا عن الرجل يتعلق بالرجل في بعض المواضع، فيدعي أن لأبيه عليه دينًا، وأبوه [. . .] أيمكن من إيقاع البينة عليه بغير توكيل؟
فقال: نعم، يمكن من ذلك، كذلك قال مالك؛ [وذلك إذا كان المدعي له قريبًا]، فإذا أتى بالبينة أعدى السلطان عليه بالمال فأتى به، فإن كان الولد وكيلًا قد ثبتت وكالته، أو كان مفوضًا إليه في أمور أبيه والقائم به، دفع السلطان ذلك إليه، وإن لم يكن كذلك أوقفه السلطان للغائب، وضرب له أجلًا، فإن جاء يطلبه أخذه، وإن لم يطلبه وقال: قد كنت تقاضيت رد على الغريم، وإن لم يأت إلى الأجل رد إلى الغريم أيضًا.
1 / 64
قال لي مطرف: وهذا إذا كان موضع الأب المدعى له هذا الدين قريبًا، فأما إن كان بعيدًا لم يوقف له شيء، ولم يعرض للغريم إلا بتوكل يثبت للولد، أو بتفويض إليه في أمور أبيه، كما فسرت لك.
قال مطرف: ولو كان الغريم لم يجحد الدين الذي عليه، وكان به مقرا، ترك ولم يعرض له، كانت غيبة الأب قريبة أو بعيدة، إلا أن يثبت توكيل الولد فيأخذه.
قال: فقلت لمطرف: أفرأيت إذا جحد هذا الغريم أن يكون لأبيه عليه شيء، وأمكنت هذا من إيقاع البينة عليه، وأقام شاهدًا واحدًا وعجز عن آخر؟
قال: إذا أحلف الغريم بالله أنه بريء من هذا الدين، فإن حلف برئ الآن من العرضة له، فإذا قدم الغائب فحلف مع شاهده اتبعه بهذا الحق، وإن نكل فعن حقه نكل، فإن نكل الغريم أولًا عن اليمين أخذ منه الحق معجلًا ثم أوقف - كما وصفت لك فإذا قدم الغائب أخذه [....].
وكذلك قال مالك في الصغير يجد الذكر حق لأبيه على رجل بحق وليس فيه إلا […] أنه قال للغريم: احلف أن هذا الحق الذي شهد به عليك الشاهد ليس عليك، فإن [… .] الصبي فيحلف الصبي مع شاهده ويأخذ.
وإن نكل الغريم عن اليمين كان نكوله كإقراره، وأخذ منه الحق، ودفع ولي الصبي، ولا يكلف الصبي إذا كبر يمينًا، ولا
1 / 65
[.....] يجب له الحق بالشاهد الواحد، وفي [.....] شاهدًا واحدًا فيما يحلف فيه الذي وكله مع شاهده.
قلت لمطرف [.....] فيما ادعي لولده كالذي وصفت لي فيما ادعاه الولد؟
قال: نعم هو عندي […]
قلت: فالأخ والجار؟
قال: لا، إلا أن يكون ذلك في العبد أو الدابة أو الثوب يدعيه [في يد الرجل] لابنه أو لأبيه أو لأخيه أو لجاره على وجه الحسبة والحبس عليه، وكلهم [غائب، فأرى] أن يمكن في مثل هذا من إيقاع البينة لهؤلاء كلهم، لأن هذه أشياء تفوت وتحول [وتغيب]، فإن أقام بينة قاطعة أو شاهدًا واحدًا، دعاه السلطان بحميل يتحمل له بصفة ذلك الشئ وقيمته بعد أن يصفه في كتاب، ويشهد عليه كما يشهد على الحكم، ويضرب فيه أجلا للغائب؛ فإن أتى إلى ذلك من الأجل - وقد قامت له بينة قاطعة - حلف بالله لما باع ولا وهب ولا أخرج ذلك من يده بوجه حق، وإن كان إنما أقام له شاهدًا أحلف مع شاهده إن حقه لحق، وحلف بالله أيضًا ما باع ولا وهب ولا خرج ذلك من يده بوجه حق.
قال: وسألت عن ذلك ابن الماجشون.
فقال: لست أرى أن أمكن أحدًا من إيقاع البينة على أحد بدعواه عليه لغير نفسه؛ لا لأب، ولا لولد، ولا لأخ، ولا لجار، ولا في دين، ولا
1 / 66
في حيوان، ولا في عرض، كانت غيبة المدعى عليه قريبة، أو بعيدة، ولا يعرض للمدعى ذلك عليه إلا بتوكيل يثبت للقائم بذلك عليه.
قال: وسألت عن ذلك أصبغ فذهب مذهب مطرف في ذلك كله، إلا أنه قال لي في دعوى الولد لأبيه بالدين: إن كانت غيبة الأب بعيدة وقد أثبته الولد بالبينة، فطول غيبته كموته، يقبضه السلطان ويوقفه مع ماله.
قال: وقول مطرف أحب ما فيه إلي، وبه أقول، وهو أشبه إن شاء الله.
* * *
باب ما جاء في دعوى ولد الأَمَةِ
قال عبد الملك: وسألت مطرفًا وابن الماجشون عن رجل نكح أمة ثم اشتراها، وقد ولد له منها قبل الشراء وبعد، فاختلفا في الولد فقال البائع: ولدوا في النكاح، وقال الزوج: بل ولدوا بعد أن اشتريتها، والولد صغار أو كبار؟
فقال: ينظر في ذلك، فإن ريء أنهم للنكاح فالقول قول البائع، وإن رأى أنهم لبعد الشراء فالقول قول الزوج، وإن أشكل ذلك وجهل وقت الشراء فالولد أحرار صغارًا كانوا أو كبارًا، ولا يلتفت إلى قول الزوج ولا البائع في ذلك، ولو أقر الزوج أنهم ولدوا قبل الشراء لم يكن إقراره [إلا ببينة].
قال: فسألت عن ذلك أصبغ، فقال لي مثله.
* * *
1 / 67
الدَّعوى في الأَمَةِ
قال عبد الملك: وسألت أصبغ عن الرجل تكون له أمة الرجل قد ولدت منه، فيقول سيدها: زوجتها. ويقول الذي هي عنده: بل ابتعثها منك؟
فقال لي: يحلف سيدها بالله ما باعها منه، ثم [يأخذها وولدها].
قلت له: فلو قال سيدها بعتكها بثمن كذا وكذا، وهو لي عليه، وقال [الآخر بل] زوجتنيها؟
فقال: يحلف الذي هي عنده بالله لما ابتاعها منه، ويبرأ من الثمن [ثم يوقف عنه ولا] تترك عنده وهو منكر لأن تكون أمته، إلا أن الولد أحرار، ولا ترد إلى سيدها لأنه قد أقر [بها] وأنها في إقراره أم ولد لهذا، فلا يحل له ارتجاع أم ولد غيره، ولا دعوى له في الولد، ولا [أن يقول] إنى بعتكها، ولا تكون زوجة للذي كانت عنده بادعائه ذلك دون إقرار السيد أو بينة تقوم على النكاح.
قلت: فإن أوقفتها ما يؤول إليه أمرها؟
قال: إن أقر الذي أولدها بابتياعها أدى الثمن إلى سيدها الأول ورجعت إليه أم ولد بحالها، وإن ماتت قبل ذلك فماتت عن مال أخذ سيدها الأول - الذي زعم أنه باعها من هذا من ميراثها ثمنها، وكان ما فضل للذي أولدها، لإقرار الآخر له بأنها أم ولده، وإن مات الذي أولدها قبل موت الجارية أعتقت الجارية بموته، ثم إن ماتت بعد ذلك كان جميع ما تركت لمن يرث ولاءها من ورثة الذي أولدها، ولم يكن لسيدها الأول -إن زعم أنه باعها- أن يأخذ من ميراثها ثمنها، لأن المال هاهنا إنما هو لورثة الذي أولدها، وذلك خلاف لموتها في حياة الذي أولدها، حيث
1 / 68
يصير الميراث له، وإنما هو كدين كان عليه لم يكن له به وفاء، ومات له مولى في حياته، فإن غرماءه يأخذون دينهم من ميراثه، وإن مات هو قبل مولاه ثم مات مولاه لم يكن بعد لغرمائه أن يأخذوا من ميراث المولى دين الميت، لأن المال قد صار لغيره، فبجحدان الذي له الدين لابتياعها كعدمه بثمنها لو كان به نقدًا.
قلت له: فعلى من نفقة الجارية في إيقافك إياها؟
قال: ينظر السلطان لها في ذلك، فإن لم يجد لها نظرًا، [ولم تقوا] على نفقة نفسها، قال للذي يوقفها له وهو الذي أولدها: إن شئت فأنفق عليها وإلا أعتقناها، ثم لم يكن لك بعد فيها رجوع لأنا لا ندعها معلقة بلا نفقة.
ابن حبيب: وهو أحسن ما سمعت في ذلك.
* * *
اختلاف موقف المدَّعي والمدَّعى عليه
ابن حبيب: وسألت مطرفًا عن الرجل من أهل المدينة تكون له الدار بمكة، فيدعيها رجل من أهل مكة، أين تكون خصومتهما أعند قاضي مكة حيث المدعي أم عند قاضي المدينة حيث المدعى عليه؟
فقال لي: هذا يختصم فيه عندنا اليوم وقد جاء فيه كتاب من الخليفة [.....]، والذي علمناه في ذلك وجرت به أحكامنا أن الخصومة إنما تكون حيث المدعى عليه، وليس حيث المدعي والدار التي ادعى، ولو كانت الدار أيضًا بغير مكة ومدعيها [.....] بالمدينة لما كانت الخصومة أيضًا إلا إلى قاضي المدينة حيث المدعى عليه، ولا يلتفت إلى حيث المدعي، ولا إلى حيث الدار التي ادعيت.
1 / 69
فقلت: فكيف وجه بينة المدعي لحقه وما حد إثباته إياه؟
فقال لي: إن شاء بدأ يقاضيه قاضي مكة، فرفع إليه أمره، وأثبت عنده بينته على أن الدار له - إن كانوا يعلمونها له - أو على الوجه الذي يريد إثباته، ثم يكتب له بذلك إلى قاضي المدينة.
وإن أراد أن يوكل وكيلًا أثبت وكالته أيضًا عند قاضيه قاضي مكة، ثم وجهه بالكتاب إلى قاضي المدينة، فاستعدى على الذي يدعي الدار عليه، فإذا واضعه الخصومة فسأله القاضي عن بينته ومنفعته، أخرج كتابه بالذي قد أثبت عند قاضي مكة، فإذا ثبت الكتاب عند قاضي المدينة لزمه قبول ما فيه من إيقاع البينة، وما يرجو في المدعي من إدراك حقه، وقرأه على المدعى عليه، وقال له: هلم المخرج إن كان لك من هذا مخرج، وإلا أنفذت الحكم عليك إن تبين له إنفاذه.
قلت: فلو كان المدعي أو وكيله لم يكن جاء بكتاب من قاضي مكة بإيقاع بينة، وإنما قدم على المدعى عليه فاستعدى عليه قاضي المدينة؟
قال: فينبغي لقاضي المدينة إذا هو علم أن بينته بمكة - حيث الدار ومنافعه - أن يكتب له إلى قاضي مكة بأن يسمع من بينته، ثم يكتب بذلك إليه، ويؤجل له على قدر المسافة ووجه مطلب الأمر.
ابن حبيب: وسألت عن ذلك ابن الماجشون.
فقال لي: إنما يكون النظر إلى قاضي مكة، حيث المدعي والشيء الذي ادعي، ويسمع من بينته وحجته، ويضرب لصاحب الدار أجلًا على حال ما يصنع بالغائب، وإن كان المدعي بغير مكة بحيث تكون الدار التي ادعي فيها، فإذا جاء صاحب الدار [. …] على الدفع على نفسها.
1 / 70